هذه واحدة من قصصي التى أصدرتها مؤخرا في مجموعة بعنوان الجدة الحكيمة .. أتمنى أن تقرأ بعين ناقدة .
-"توقفي...جدتي...توقفي...أرجوك، بكاؤك يمزقني، إنني بحاجة ماسة إلى لمساتك وحكاياتك العذبة، لقد تعبت من مشاهدة الرسوم الكرتونية ولقد قررت الآن العودة لسماع كلامك العذب يا جدتى العزيزة.. حلقاتك تؤنسني وتؤنسك... لم البكاء؟ أخبريني..."الحزن
كان جعفر يحاول جاهدا تهدئة الجدة دون أن يعرف سبب بكائها أما هي فحملت منديلا ورقيا أخيرا ومسحت وجهها...العلبة الآن فارغة من صباح اليوم وهي تنتحب ولا تخبر أحدا في البيت عن سر ذلك البكاء المرير...
قرر جعفر أن يخرج إلى البستان الذي يقضي فيه أكثر وقته ينتقل بين أشجاره المثمرة كأنه طائر صغير، ثمار الرمان متدلية حتى كادت أن تلامس الأرض، أما أشجار المشمش المثمرة والتين الوارفة فتكاد تلامس شباك غرفته، لم يعد يتخيل نفسه بعيدا عن البستان الجميل ولا عن دجاجاته الأربع، أما الطاووس فهو طائره المدلل، لا يكاد يفارقه ويراقب ريشه كل وقت وحين ولكن حماسه للعب في البستان ليس عاديا، فالجدة التي يحبها كثيرا لم تتوقف عن البكاء فخطر له أن يلح على والدته حتى يعرف السبب.
ـ "أمي، لم تبكي جدتي طيلة اليوم؟ هل حدث لها مكروه؟
- جعفر يا بني، جدتك حساسة جدا وقد تأخرت عن صلاة العصر بالأمس ولم تؤده حتى غربت الشمس ومنذ دلك الحين وهي تتألم وتتوجع...لا تشغل نفسك بها كثيرا واذهب إلى مراجعة دروسك.
-ولكن يا أمي، أسرفت على نفسها، يكفي أن تستغفر الله وتطوي صفحة الأمس... هذا ما تقوليه لي دائما.. أليس كذلك ؟
-جدتك يا بني هكذا، كأن مصيبة نزلت بها.. اذهب وهاتف والدك الآن حتى نخرج للتسوق.
-حسنا يا أمي سأفعل.
مر جعفر ببهو البيت حيث الجدة قابعة لا تأكل ولا تتكلم، انطوت على نفسها كأنها حلزون صغير، قطعة صغيرة من السبحة هي التي تداعب أناملها تتلقفها القطة الصغيرة مداعبة كالعادة، وهمس خافت ينبعث من فمها بالاستغفار.
توقف جعفر قليلا وهو يتأمل هذا الحزن الذي لف المنزل، حتى أخته الصغيرة لم تعد تلاعب دميتها وتغني لها الأغاني الأمازيغية التي حفظتها عن جدتها: أغنية النهر، وأغنية العابد، وأغنية الجبل.
حمل جعفر السماعة واتصل بوالده الذي لم يكن بعيدا عن المنزل.
-السلام عليكم يا أبي.
-وعليكم السلام يا جعفر، اخبر جدتك أنني قادم ولم يؤخرني إلا العدل الذي لم يهتد إلى الحي بسهولة.
وضع جعفر السماعة دون أن يحاول فهم ما قاله له والده ودون أن يخبره بطلب أمه فاكتفى بالذهاب إلى الجدة وقال:
-جدتي...أرجوك انظري إلي...ما الذي يحدث ؟.. نظرت إليه نظرات حزينة ولم تجب، فسكت برهة ثم قال:
-أبي قال انه سيأتي بعد قليل ومعه عدل...
-فقاطعته الجدة :
-أو قالها يا جعفر؟
-قال :
- نعم...نعم...
-إذن أقوم أنا من هذا المكان، سأتوضأ قبل حضوره.
ازدادت دهشة جعفر وهرع نحو أمه ليخبرها بما حدث، اندهشت هي الأخرى وتوجهت نحو الجدة تستفسرها فوجدتها تتوضأ وإذا بزوجها يفتح الباب ويدخل رجلين إلى غرفة الضيوف !!
تساءلت:
-يا إلهي، ما الذي يحدث؟
أما الجدة فلبست ثيابها كما لو أنها ستخرج إلى المسجد وتوجهت نحو غرفة الضيوف هي الأخرى، هرعت الأم ونادت على زوجها تستفسره ما الخبر ولكنه كان متوثرا ومستعجلا وقال :