تبعث بعض تلك العناوين المتراصة في ارفف مكتبته في نفسه شي من النصر الذي يتوق اليه فينغمس أحيانا في محاولة استعادته واجتراره بقوة ولكنه يظل تحت رحمة التمني الذي ضاع في زمن زحمة الكلمات الجوفاء التي تسطر الوعيد والتهديد في خطب رنانة وإلقاء يشتعل بالحماس والتصفيق والعدو يمعن في المشاهدة على المسرحية أبطالها يرفعون أصواتهم لكي يتميزوا في فن الخطابة وفي العنتريات التي لم تقتل ذبابة فهذا ما يملكه الشرقي الذي مازال يعيش في منطق الطبلة والربابة والذي هو مغرم بوسادته التي يخفي تحتها كتابه العتيق الذي تمزقت أجزاء من ورقه وتلفت من كثرة الإعادة لكنه في كل مرة يعيد الطباعة وينفض الغبار من جديد عن كلمة
( كنا ) ذلك الكنز يحتفظ به في متحفه ويفتخر بامتلاكه بل يحرسه من الضياع والانقراض ويوصي أولادة بعدم التفريط لقد قرأ في المدرسة ان القائد الغافقي يعلن ان وطنه من حدود الصين حتى توقف عند مشارف روما لكن الحلم ضاع بعدما رأي هروب ابى عبد الله الصغير من الأندلس واستفاق على الحقيقة التي تقول ان الوطن صار من المحيط الى الخليج ثم أصبح دول المشرق ودول المغرب وانتهك في عمقه حيث سلب المستوطنون جزء منه ورفعوا عليه النجمة السداسية زحفت عليه الحيرة فمنعته من الرسو إلى الحقيقة وجثمت الأفكار عليه فكبلته بقيود الاستغراب والعجب لقد أجدب العطاء ولم يعد هناك موسم يزخر ببذل فكان الركون الى الكسل والاسترخاء يتهادى ولكي يزيل غشاوة المنظر و كآبته حاول أن يبحث بين ركام أفكاره عما يقتل الإحباط لديه ويولد العزيمة ويبذر في داخله الأمل لكنه رجع خالي الوفاض يجر أذيال الهزيمة يحرق جوفه الألم والحسرة .. هبطت عليه رغبة جامحة في ان يمزق كتبه ويحرقها ويعلن بصوت مرتفع أن هذه خداع هل حقا هذا هو تاريخنا ؟
سئل صفحة الأيام
تبيك عن أقــدام
مجــــاهد صنديد
مقـــــــــاتل عنيد
نحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
كبح انفعاله وثورته فتدفق أليه شعورا فاتر بعدم إلا مبالاة سرب لجسده الخمول فعرف انه يعيش في عصر جيل الهزيمة عصر الذل و الانكسار وان حياة الأمة في احتضار فالسلاح قائم على كلمات محنطة كتبت بكافة الخطوط العربية الجميلة وبقيت معلقات نختلف على مقاطعها او أحرفها نغترفها من الذاكرة الممتلئة التي لن تصنع لنا الصعود للقمر بل سنظل نحن نشاهده في المساء لكي نرسمه هلالا وبدرا بأحرف و كلمات .