السقا حي
- نبوية ، خذي المياه .
من مجلسها أمام البيت ، في بقعة الشمس ، ترد :
- صب المياه في الزير ، وما يتبقى في الطبق البلاستيك .
يتحرك حاملاً " زمزميتيه " الكبيرتين المعلقتين في خشبة على كتفه .
قالت : - فاكر أيام الصفيحتين يا " بدوي " .
- هل لابد أن تذكريني ؟
*
قالتْ رفيقتها " أم سليم " :
- لماذا لا توصلين المياه مثل باقي الحارة ؟
- تحتاج فلوسًا كثيرة .
- ارحمي نفسك من السقا .
- مياهه كلها بركة .
*
سألته : - كم بيتًا تعطيهم ماء ؟
- الرزق من ربنا .
- اشتغل في السوق ، بعْ أي شيء .
- هل أبيع المياه في السوق ؟! لا أعرف غيرها .
*
قالت له ، وهي تستدفىء أمام المجمرة في ساحة البيت :
- أولادي وإخوتي ، كلهم تركوني وحيدة ، أنت الذي تطرق بابي كل يوم .
- البيت قديم ، وحيطانه مشققة .
- الشقق الجديدة علب والنفوس أضيق .
- أنتِ مثلي ، كلهم يسخرون من شغلتي .
سكت ، متلذذًا بالوهج الساخن :
- لكن أبي الله يرحمه قال لي السقا خادم المياه ، والمياه روح الجسم .
- لو متنا أنا وباقي العجائز مثلي ، من سيشتري منك ؟
ضحك عاليًا ، وقام حاملاً الزمزيتين الخاويتين .
*
قابلها تحمل الفول والخبز :
- صباحك رائق يا نبوية .
ردت التحية ، وأردفت :
- افطر معي ، ألم تملأ رائحة الكمون خياشيمك ؟
…………..
في ساحة الدار ، قال وهو يقرّب رأسه من وابور الشاي :
- جاءني سكان عمارة الحاج " جلال " .
قالتْ يتؤدة : - لماذا ؟
- المياه لا تصل للشقق العالية . تكسرت أقدامي وأنا أصعد .
سكت ، تهدج صوته :
- لمحت ابتسامتهم وأنا أمشي وسط الشقة على السجاد .. ، خافوا أن يتسخ من ملابسي وحذائي
- " معلهش " .. يا بدوي .
- بيوت زمان ، كانت الأزيار جانب الباب الأرضي ، ولم أكن أرى حرمة البيت .
تهدج صوته :
- قلت في نفسي : باب رزق وانفتح لك …
قالتْ مبتسمة بفمها الخاوي من الأسنان :
- كنت تقول دائمًا إن السقا لازم يكون قلبه صافيًا مثل مياهه .
*
سقط الزمزميتان الكبيرتان ، سال الماء وتجمع في حفرة بالحارة . كانت رفيقتها " أم سليم " تصرخ وسط ساحة بيتها . قال :
- دعوتك يارب أن تجعل يومي قبلها .