*محاورة وجه لا يغيب*
.................................

-1-
هذا عرْفُكِ .. مملكتي
أقتربُ من الهيكلِ، أنقشُ رسمكِ واسمكِ
أقفُ أُطالعُ خطوتًكِ البيضاءَ
وهذي الكرةُ الزرقاءُ أراها تتداخلُ في الصحراءِ
المتراميةِ / الكرةِ الحمراءِ
فأدخلُ في مملكةِ الأزلِ
وأتركُ تيجاني قدَّامَ البابِ
وأحملُ أحزاني،
أدخلُ مع أطرافِ اللوتسِ في جدلٍ أخضرَ
: كمْ أنبتَكَ النيلُ عفيًّا!
ها أنت تتيهُ على الأقرانِ
وتنعقدُ على أرؤسِ جمعِ الفقراءِ
إشارة حبٍّ خضراءَ، نُغني
للخيلِ النافرِ في مملكةِ الغضبِ نهاراً"
(نتجمّعُ تحت الليلِ لنهربَ
أو نتشرذمً في حوصلةِ الليلِ المدبِرِ).
ليسَ من البدعةِ أن أحملَ خاتمكِ وأهربَ
من ديجورِ الظلمةِ أخرجُ،
وذبابُ الخوفِ يطنُّ ويملؤ أدغالَ النفسِ خداعاً
(بجنونٍ أحببتُكِ
في هذا الزمنِ الفظ،
وأبعدتُ الوجهَ، وقلتُ:
أُسافرُ، تُفتحُ أبوابُ الهجرةِ قدامَ الجمعِ)
فيسري ظلِّي تحتَ الأسوارِ،
ويتمدَّدُ في الشوكِ المغروسِ بأعماقي نصلُ الحكمةِ،
أرتفعُ، أصيرُ هلالاً
وأُعانقُ مئذنةَ المسجدِ
قالتْ أمي: تحت سنابكِ خيلِ السوءِ يموتُ الأبناءُ
أراهم قططاً خرساءَ
تموتُ من الخوفِ
وترتحلُ فلولُ الأحبابِ
فأعرفُ أني أصبحتُ قرينَ السَّوْءِ
أواجهُ هذا الغضبَ الجامحَ،
أسلحةَ الفقرِ أراها مُشرعةً
ناطوراً كنتُ،
فتندفعُ كلابُ الحارةِ تقضِمُني
وأنا لاأقدرُ أنْ أدفعَ عنْ هذي المزروعاتِ
غُراباً أسحمَ
أحملُ وجهَكِ وأٌغامِرُ
لا أنتظرُ مجيءَ الصبحِ، وأسعى ..
نتخاصرُ في حبٍّ يُثمرُ

-2-
وقفَ الشجرُ اليابسُ ينتظرُ الغيثَ
ويرفعُ ألويةَ الشوقِ إلى الربِّ فروعاً عجفاءَ
يُصلِّي في ظمأِ المحروقِ: إلهي
كمْ أشتاقُ إلى ضمَّاتِكَ فامنحني بركاتِ الغيثِ
وينتفضُ الصَّخرُ،
وتصعدُ من جوفِ الصخرةِ ذرَّاتُ الغضبِ المُبصِرِ
يصهلُ خيلي:
محروقاً كنتُ أُناجيكَ
فهلْ تسقيني منْ مائكَ؟
أو تُؤويني في ظلِّكَ؟
أو تهتكُ سترَ الخوفِ فتصلُ النسماتٌ المُرتقبَةُ للجوفِ
يعودُ الصوتُ المخنوقُ يُحلِّقُ في الأُفقِ
فترحلُ أفراسُ النهرِ،
وتدفعُ باباً موروباً ..
يختلطُ الظِّلُّ، فيصهلُ فرسٌ أشقرُ
: يا أفراسَ النهرِ اشتاقتْ كلماتي للماءِ،
فعوديني بالماءِ
اغبرَّتْ أوراقي
أنتمْ يا صحبي مازلتم تلتقطونَ الأنفاسَ،
وأدلُفُ للجبِّ وأحملُ جُرحي
أغسلُهُ في ماءِ البئرِ، وأُخرِجُ دلْوي …
سوفَ يجيءُ الأطفالُ الخُضرُ، ويحبونَ على بابِكِ
تنتفِخُ الأثداءُ وتُعطي لبناً
دِفئاً
حبا وحناناً
(هذا عصفورُ الفجرِ على النافذةِ
وهذي الحسناءُ أراها
.. ينبعجُ البطنُ .. ويكبُرُ!)
القاهرة 29/11/1978