ـ (باب الدال والهاء وما يثلثهما)
(دهي) الدال والهاء والحرف المعتلّ يدلُّ على إصابة الشّيء بالشيء بما لا يَسُرُّ. يقال ما دَهَاه: أيْ ما أصابه. لا يقال ذلك إلاّ فيما يسوء. ودواهِي الدَّهر: ما أصابَ الإِنسانَ من عظائم نُوَبِه. والدَّهْي: النُّكْر وجَودةُ الرّأي؛ وهو من الباب؛ لأنَّه يُصِيب برأيه ما يريدُه.
(دهر) الدال والهاء والراء أصلٌ واحد، وهو الغَلَبة والقَهْر. وسُمِّي الدّهرُ دَهْراً لأنَّه يأتي على كلِّ شيءٍ ويَغلِبُه. فأمّا قولُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبُّوا الدَّهْرَ فإنَّ اللهَ هُوَ الدّهر"، فقال أبو عبيد: معناه أنّ العربَ كانوا إذا أصابتْهم المصائبُ قالوا: أبادَنَا الدّهرُ، وأتَى علينا الدّهر. وقد ذكروا ذلك في أشعارهم. قال عمرو الضُّبَعِيّ([1]):
رَمَتْنِي بناتُ الدَّهرِ من حيثُ لا أَرَى *** فكيفَ بمن يُرمَى وليس بِرَامِ فلو أنَّنِي أُرمَى بنَبْلٍ تَقَيْتُها *** ولكنَّني أُرمَى بغير سهامِ وقال آخر([2]):
فاستأثَرَ الدّهرُ الغَدَاةَ بهمْ *** والدّهرُ يرمِينِي وما أَرْمِي يا دهرُ قد أكثَرْتَ فَجْعَتَنا *** بسَرَاتنا ووقَرْتَ في العَظْمِ([3]) وسلَبْتَنَا ما لستَ تُعِْقبُنا *** يا دَهرُ ما أنصفْتَ في الحُكْمِ فأعلَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن الذي يفعل ذلك بهم هو الله جلّ ثناؤُه، وأنّ الدّهرَ لا فِعلَ له، وأنّ مَن سَبَّ فاعِلَ ذلك فكأنّه قد سَبَّ ربّه، تبارك وتعالى عمّا يقول الظالمون عُلُوّاً كبيراً.
وقد يحتمل قياساً أن يكون الدَّهرُ اسماً مأخوذاً من الفِعْل، وهو الغَلَبة، كما يقال رجل صَوْمٌ وفِطرٌ، فمعنى لا تسبُّوا الدَّهْرَ، أي الغالبَ الذي يقهركم ويغلِبُكم على أموركم.
ويقال دَهْرٌ دَهِيرٌ، كما يقال أبدٌ أبِيدٌ. وفي كتاب العين: دَهَرَهُم أمْرٌ، أي نزَل بهم. ويقولون ما دَهْرِي كذا، أي ما همّتِي([4]). وهذا توسُّعٌ في التفسير، ومعناه ما أشغَلُ دهرِي به. فأمَّا الهمَّة فما تُسمَّى دهراً. والدَّهْوَرَة: جَمْع الشيء وقَذْفُه في مَهواةٍ؛ وهو قياس الباب.
(دهس) الدال والهاء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على لِين في مكان. فالدَّهْسُ: المكان الليِّن؛ وكذلك الدَّهَاس. والدُّهْسَة: لونٌ كلون الرَّمْل.
(دهش) الدال والهاء* والشين كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها. يقال دُهِشَ، إذا بُهِت، ودَهِشَ دَهَشاً.
(دهق) الدال والهاء والقاف يدلُّ على امتلاءٍ في مجيءٍ وذَهاب واضطراب. يقال أدْهَقْتُ الكأسَ: ملأتُها. قال الله تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} [النبأ 34]. والدَّهْدَقَةُ: دَوَرَان البَضْعة الكبيرة في القِدْر، تعلو مَرَّةً وتسفُل أخْرى.
(دهك) الدال والهاء والكاف ليس بشيءٍ. وذكر ابن دُريد دَهَكْتُ الشّيءَ أدْهَكُه، إذا سحقتَه([5]).
(دهل) الدال والهاء واللام ليس بشيءٍ. ويقولون: مَرَّ دَهْلٌ من اللَّيل، أي طائفة. ويقولون لا دَهْلَ، أي لا بأس. وهذه نَبَطِيَّةٌ لا معنَى لها([6]).
(دهم) الدال والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على غِشيانِ الشّيء في ظلامٍ ثم يتفرّع فيستوي الظَّلامُ وغيرُه يقال مَرَّ دَهمٌ من اللَّيل، أي طائفةٌ. والدُّهمة: السَّواد. والدُّهَيْماءُ: تصغير الدَّهماء، وهي الدَّاهية، سُمِّيت بذلك لإظلامها.
ومن الباب الدَّهْم: العدد الكثير. وادْهامَّ الزّرعُ، إذا عَلاه السَّوادُ رِيّاً. قال الله جلّ ثناؤُه في صِفة الجنَّتين: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن 64]، أي سَوداوانِ في رأي العَين، وذلك للرّيّ والخُضْرة. ودَهمَتْهم الخيلُ تدهَمُهم، إذا غَشِيَتْهُم. والدَّهماء: القِدْر.
(دهن) الدال والهاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على لِينٍ وسُهولةٍ وقِلَّة. من ذلك الدُّهْن. ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا. والدِّهان: ما يُدْهَن به. قال الله عزّ وجلّ: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدِّهَانِ} [الرحمن 37]. قالوا: هو دُرْدِيُّ الزَّيت. ويقال دَهَنَه بالعصا دَهْناً، إذا ضربَه بها ضرْباً خفيفاً.
ومن الباب الإدهان، من المُداهَنَة، وهي المصانَعة. داهَنْتُ الرجُلَ، إذا واربْتَه وأظهرْت له خلاف ما تُضْمِرُ له([7])، وهو من الباب، كأنّه إذا فعل ذلك فهو يدهُنُه ويسكِّن منه. وأدْهَنْتُ إدهاناً: غَشَشْتُ، ومنه قولُه جلَّ ثناؤُه: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم 9]. والمُدْهُنُ: ما يُجْعَل فيه الدُّهن، وهو أحد ما جاء على مُفْعُلٍ مما يُعْتَمَلُ وأَوَّلُه ميم. ومن التشبيه به المُدْهُن: نُقْرَةٌ في الجَبل يَستَنْقِعُ فيها الماء، ومن ذلك حديث النَّهديّ([8]): "نَشِفَ المُدْهُنُ، ويَبِسَ الجِعْثِنُ". والدَّهِينُ: الناقة القليلةُ الدَّرّ. ودهَنَ المطرُ الأرضَ: بَلَّها بَلاًّ يَسيراً. وبنو دُهْنٍ: حيٌّ من العرب، وإِليهم ينسب عَمَّارٌ الدُّهْنيّ. والدَّهْناء: موضعٌ، وهو رملٌ ليِّن، والنسبة إليها دَهناوِيٌّ. والله أعلم.
ــــــــــــــــــــتت
([1]) في الأصل: "الضابع"، وإنما هو عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة. انظر المعمرين 62، 89 ومعجم المرزباني 200 والخزانة (1: 338) حيث أنشد الشعر له.
([2]) هو الأعشى. انظر ملحقات ديوانه 258 واللسان (وقر).
([3]) في الأصل: "وقد قرت"، تحريف.
([4]) في المجمل وغيره: "ما همي"، ولكن هكذا ورد هنا وفيما يتلوه من التعقيب.
([5]) الجمهرة (2: 298).
([6]) كذا. وفي المجمل: "ولا دهل بالنبطية، أي لا تخف".
([7]) في الأصل: "خلاف ما يضمرونه".
([8]) هو طهفة بن أبي زهير النهدي. انظر النهاية لابن الأثير، وما سيأتي في مادة (رسل).
ـ (باب الدال والواو وما يثلثهما)
(دوي) الدال والواو والحرف المعتل. هذا بابٌ يتقارب أصولُه، ولا يكاد شيءٌ [منه] ينقاس، فلذلك كتبْنا كلماتِه على وُجوهها. فالدَّوِيُّ دَوِيُّ النَّحل، وهو ما يُسمع منه إذا تجمَّع. والدَّواء معروف، تقول داوَيتُه أُداوِيه مُداواة ودِواءً. والدَّواة: التي يُكتَب منها، يقال في الجمع دُويٌّ ودِوِيٌّ([1]). قال الهذَليّ([2]):
عَرَفْتَُ الدّيارَ كرَقْم الدُِّوِ *** يِّ حَبَّرَهُ الكاتبُ الحِميريُّ([3]) والدَّاء من المرض، يقال دَوِيَ يَدْوَى، ورجلٌ دَوٍ وامرأةٌ دوِيةٌ. يقال داءت الأرضُ، وأداءَتْ، ودوِيَت دَوىً، من الدّاء. ويقال: تركتُ فلاناً دَوىً ما أرى به حياةً. ويشبَّه الرّجُل الضَّعيفُ الأحمق به، فيقال دوىً. قال:
وقد أقُودُ بالدَّوَى المُزَمَّلِ *** أخْرَسَ في الرّكب بَقَاقَ المنْزِلِ([4]) ودَوَّى الطّائرُ، إذا دار في الهواء ولم يحرِّك جَناحَيه. والدُِّواية: الجُلَيْدَة التي تعلو اللّبَنَ الرائب. يقال ادَّوَى يَدَّوِي ادِّوَاءً. قال الشاعر:
بدا مِنْكَ غِشٌّ طالَمَا قد كَتْمْتَه *** كما كتمَتْ داءَ ابنِها أمُّ مُدَّوِي([5]) (دوح) الدال والواو والحاء كلمة واحدة، وهي الدَّوْحة: [الشجرة([6])] العظيمة، والجمع الدَّوْحُ. *قال:
* يكُبُّ عَلَى الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ([7]) *
(دوخ) الدال والواو والخاء أصل واحد يدلُّ على التَّذْليل. يقال دوّخناهم؛ أي أذللناهم وقَهرناهم. وداخُوا، أي ذَلُّوا.
(دود) الدال والواو والدال ليس أصلاً يفرَّع منه. فالدُّود معروف. يقال دَادَ الشيءُ يَدَادُ، وأَدادَ يَدِيدُ. والدَّوَادِي: آثار أراجِيح الصِّبيان، واحدتُها دَوْدَاةٌ.
(دور) الدال والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على إحداق الشيء بالشيء من حوالَيه. يقال دارَ يدُور دَوَراناً. والدّوَّارِيُّ: الدَّهر؛ لأنَّه يَدُور بالنَّاس أحوالاً. قال:
* والدَّهْرُ بالإنْسان دَوَّارِيُّ([8]) *
والدُّوَار، مثقَّل ومخفّف: حَجَرٌ كان يُؤخذ من الحرم إلى ناحيةٍ ويُطافُ به،ويقولون: هو من جِوار الكعبة التي يُطافُ بها. وهو قوله:
* كما دَارَ النِّساء على الدُّوَارِ *
وقال:
تركتُ بني الهُجَيمِ لهم دُوَارٌ *** إذا تمضي جماعتُهمْ تَدُورُ والدُّوَار في الرأس هو من الباب، يقال دِير به وأُدِير به، فهو مَدُورٌ به ومُدَار به. والدَّائرة في حَلْق الفرس: شُعَيرات تدور؛ وهي معروفة. ويقال دارت بهم الدوائر، أي الحالات المكروهة أحدقت بهم. والدار أصلها الواو. والدار: القبيلة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألاَ أُنَبِّئكم بخَيْر دُورِ الأنصار؟". أراد بذلك القبائلَ. ومن ذلك الحديث الآخَر: "فلم تَبْقَ دارٌ إلاّ بُنِي فيها مَسجد". أي لم تَبق قبيلةٌ. والدّارِيُّ: العطّار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ كَمثل الدّارِيّ إِنْ لم يُحْذِك مِن عِطره عَلِقَكَ مِن ريحه".أراد العَطَّار. وقال الشاعر:
إذا التّاجرُ الداريُّ جاءَ بفارةٍ *** مِن المِسك راحَتْ في مفارقها تَجْرِي([9]) وإنَّما سُمِّي داريّاً من الدّار، أي هو يسكن الدّار([10]). والدّارِيّ: الرجُل المقيم في داره لا يَكاد يَبْرَح. قال:
لَبِّثْ قليلاً يلْحَقِ الدَّارِيُّونْ *** ذَوُو الجيادِ البُدَّنِ المَكْفِيُّونْ([11]) والدَّارة: أرضٌ سَهلٌة تدور بها جِبال، وفي بِلاد العرب منها داراتٌ كثيرة. وأصل الدار دَارةٌ. قال:
له داعٍ بمكّةَ مُشْمَعِِلٌّ *** وآخَرُ فوقَ دارته ينادِي([12]) إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلاَءٍ *** لُبابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهاد وقال في جمع دارةٍ دارتٍ:
تربَّصْ فإِن تُقْوِ المَرَوْرَاةُ منهمُ *** وداراتُها لا تُقْوِ مِنْهُمْ إذاً نَخْلُ([13]) ودارات العرب المشهورة([14]): دارة جُلْجُل، ودارة السَّلَم، ودارة وَُشْحَى([15])، ودارة صُلْصُل، ودارة مَأْسَلٍ، ودارة خَِنْزَرٍ([16])، ودارة الدُّور، ودارة الجَأْب، ودارة يَمْعُون([17])، ودارة مَكْمَِنٍ([18])، ودارة رَهْبَى([19])، ودارة جَوْدَاتٍ([20])، ودارة الأرْآم، ودارة الرُّهَا، ودارة تَِيل([21])، ودارة الصَّفائح، ودارة هَضْبِ القَليب، ودارة صارة، ودارة دَمُّون، ودارة رُمْح، ودارة المَلِكَة([22])، ودارة مَلْحُوب، ودارة مِحْصَرٍ([23])، ودارة أَهْوَى، ودارة الجُمُْد، ودارة رِمْرِم ، ودارة قُرْح، ودارة اليَعْضيد([24])، ودارة الخَرْج، ودارة رَدْم([25])، ودارة جُدَّى([26])، ودارة النِّصَاب.
(دوس) الدال والواو والسين أُصَيْلٌ، وهو دَوْس الشَّيء. تقول دُسْتُه؛ والذي يُداسُ به مِدْوَسٌ. وحُمِل عليه قولُهم لما يَسُنُّ به الصَّيْقَلُ السّيفَ مِدوَسٌ، كأنَّه عند اتِّكائه عليه كالذي يَدُوس الشَّيء. قال:
وأبيضَ كالغَدير ثَوَى عليه *** فُلانٌ بالمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرٍ([27]) (دوش) الدال والواو والشين كلمةٌ واحدةٌ لا يفرَّع منها. يقال دَوِشَتْ عينه تَدْوَش دَوَشاً، إذا فَسَدَت مِن داءٍ. ورجل أَدْوَشُ بَيِّنُ الدَّوَش.
(دوف) الدال والواو والفاء كلمةٌ واحدة. يقال دُفْتُ الدّواءَ دَوْفاً.
(دوق) الدال والواو والقاف ليس أصلاً ولا فيه ما يُعَدُّ لغةً، لكنهم يقولون: مائِقٌ *دائق.
(دوك) الدال والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على ضَغْطٍ وتزاحُم. فيقولون: دُكْتُ الشيءَ دَوْكاً. والمَدَاك: صَلايَة الطِّيب، يَدُوك عليها الإنسان الطِّيبَ دَوْكاً. قال:
* مَدَاكَ عَرُوسٍِ أو صَلاَيَةَ حَنْظَلِ([28]) *
ويقال باتَ القوم يَدُوكُون دَوْكاً، إذا باتُوا في اختلاطٍ. ومن ذلك الحديث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] في خيبر: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غداً رجُلاً يحبُّ الله ورسولَه يَفْتَحُ اللهُ على يَدِه"، فباتَ النَّاسُ يَدُوكون([29]). ويقال تداوَكَ القومُ، إذا تضايَقُوا في حَرْبٍ أو شَرّ.
(دول) الدال والواو واللام أصلان: أحدُهما يدلُّ على تحوُّل شيءٍ من مكان إلى مكان، والآخر يدلُّ على ضَعْفٍ واستِرخاء.
أمَّا الأوَّل فقال أهل اللغة: انْدَالَ القومُ، إذا تحوَّلوا من مكان إلى مكان. ومن هذا الباب تداوَلَ القومُ الشّيءَ بينَهم: إذا صار من بعضهم إلى بعض، والدَّولة والدُّولة لغتان. ويقال بل الدُّولة في المال والدَّولة في الحرب، وإِنَّما سُمِّيا بذلك من قياس الباب؛ لأنّه أمرٌ يتداوَلُونه، فيتحوَّل من هذا إلى ذاك، ومن ذاك إلى هذا.
وأمَّا الأصل الآخَر فالدَّوِيلُ من النَّبْت: ما يَبِس لعامِهِ. قال أبو زيد: دال الثَّوبُ يَدوُل، إذا بَلِيَ. وقد جعل [وُدُّهُ([30])] يَدُول، أي يبلى. ومن هذا الباب انْدَالَ بَطْنُه، أي استَرخَى.
(دوم) الدال والواو والميم أصلٌ واحد يدلُّ على السُّكون واللُّزوم. يقال دامَ الشّيءُ يَدُومُ، إذا سكَنَ. والماء الدّائم: السَّاكن. ونَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُبَالَ في الماء الدائم ثم يُتَوَضَّأَ منه. والدليل على صحّة هذا التأويل أنّه روي بلَفْظَةٍ أُخرى، وهو أنّه نَهَى أن يُبَالَ في الماء القائم. ويقال أَدمْتُ القِدْرَ إدامةً، إذا سكَّنْتَ غليانَها بالماء. قال الجعديُّ:
تفورُ علينا قِدْرُهم فَنُدِيمُها *** ونَفْثَؤُها عَنَّا إِذَا حَمْيُها غَلا([31]) ومن المحمول على هذا وقياسُه قياسُه، تدويم الطّائِر في الهواء؛ وذلك إذا حلَّق وكانت له عندها كالوقفة. ومن ذلك قولهم: دَوّمت الشَّمْسُ في كبد السماء، وذلك إذا بلغت ذلك الموضع. ويقول أهلُ العلم بها: إنْ لها ثَمَّ كالوَقْفة، ثم تَدْلُك. قال ذو الرُّمَّة:
* والشمسُ حَيْرَى لها في الجَوِّ تَدْوِيمُ([32]) *
أي كأنَّها لا تمضِي. وأما قولُه يصف الكلاب:
حتَّى إذا دوَّمَت في الأرض راجَعَهُ *** كِبْرٌ ولو شاءَ نَجَّى نَفْسَه الهَرَبُ([33]) فيقال إنّه أخطأ، وإنَّما أراد دَوَّتْ فقال دَوَّمَتْ، وقد ذُكر هذا في بابه. ويقال: دَوَّمْتُ الزّعفرانَ: دُفْتُه؛ وهو القياسُ لأنّه يسكُن فيما يُداف فِيه. واستَدَمْتُ الأمْرَ، إذا رفَقْتَ به([34]). وكذا يقولون. والمعنى أنّه إذا رَفَقَ به ولم يعْنُف ولم يَعْجَل دامَ له. قال:
فلا تَعْجَلْ بأمْرِكَ واستدِمْهُ *** فما صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيم([35]) وأما قولُه:
* وقد يُدَوِّمُ رِيقَ الطَّامِعِ الأمَلُ([36]) *
فيقولون: يُدوِّم يَبُلُّ، وليس هذا بشيء، إنَّما يدوِّم يُبْقِي؛ وذلك أنّ اليائِسَ يجفُّ ريقُه. والدِّيمة: مطرٌ يدُومُ يوماً وليلةً أو أكثر.
ومن الباب أنّ عائشة [رضي الله عنها] سُئلت عن عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: "كان عملُهُ دِيمَة" أي دائماً. والمعنى أنّه كان يَدُوم عليه، سواء قلَّلَ أو كثَّر، ولكنه كان لا يُخِلّ. تعني بذلك في عبادته صلى الله عليه وسلم. فأمّا قولهم دوَّمَتْه الخمر، فهو من ذاك؛ لأنها تُخَثّره حتَّى تسكُن حركاته. والدَّأْمَاءُ: البَحْر، ولعلّه أن يكون من الباب؛ لأنّه ماءٌ مقيمٌ لا يُنْزَح ولا يَبْرَح. قال:
واللَّيْلُ كالدَّأماءِ مستشعِرٌ *** مِن دُونِهِ لوناً كلَوْن السَُّدُوسْ([37]) (دون) الدال والواو والنون أصل* واحِد يدلُّ على المداناةِ والمقاربة. يقال هذا دُونَ ذاك، أي هو أقرَبُ منه. وإِذا أردْتَ تحقيرَه قلتَ دُوَيْنَ. ولا يُشتقُّ منه فِعْلٌ. ويقال في الإِغراء: دُونَكَهُ! أي خُذْه، أقرُبْ منه وقرِّبْه منك. ويقولون أمرٌ دُونٌ، وثوب دُونٌ، أي قريبُ القِيمَة. قال القتيبـيّ: دانَ يَدُونُ دَوْناً، إذا ضَعُف، وأُدِين إدانةً. وأنشدوا:
* وعَلا الرَّبْرَبَ أَزْمٌ لم يُدَنْ([38]) *
أي لم يُضْعَف. وهو عنده من الشَّيء الدُّون، أي الهيِّن. فإِن كان صحيحاً فقياسُه ما ذكرناه.
(دوه) الدال والواو والهاء ليس بشَيء. يقولون: الدَّوْه: التحيُّر.
ـــــــــــــــــــ
([1]) ويقال أيضاً دوى، كصفاة وصفا.
([2]) هو أبو ذؤيب الهذلي. والبيت مطلع قصيدة له في ديوانه 64.
([3]) في الديوان: "كرقم الدواة يزبرها" فالضمير فيه للرقم بتأويله بمعنى الصحيفة. وفي اللسان (دوا): "كخط الدوى حبره".
([4]) البيتان نسبا إلى أبي النجم العجلي في الجمهرة (1: 36). وأنشدهما في اللسان (بقق، دوا). وقد سبقا في (بق 1: 186).
([5]) البيت ليزيد بن الحكم الثقفي، من قصيدة لـه في أمالي القالي (1: 68) وأمالي ابن الشجري (1: 176) والأغاني (11: 96) والخزانة (1: 496). وأنشده في اللسان (دوا) وعقب عليه بقولـه: "وذلك أن خاطبة من الأعراب خطبت على ابنها جارية، فجاءت أمها إلى أم الغلام تنظر إليه، فدخل الغلام فقال: أأدوي يا أمي؟ فقالت: اللجام معلق بعمود البيت! أرادت بذلك كتمان زلة الابن وسوء عادته".
([6]) التكملة من المجمل واللسان.
([7]) لامرئ القيس في معلقته. وصدره: * فأضحى يسح الماء حول كتيفة *
([8]) للعجاج في ديوانه 66 واللسان (دور).
([9]) البيت في اللسان (دور).
([10]) الحق أنه منسوب إلى "دارين" وهي فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك.
([11]) الرجز في اللسان (دور).
([12]) من قصيدة لأمية بن أبي الصلت يمدح بها عبد الله بن جدعان. ديوانه 27 واللسان (دور، شمعل، رجح، ردح، شير، لبك، شهد). وانظر ما سيأتي في (شهد، لبك).
([13]) البيت لزهير في ديوانه 100.
([14]) ذكر ياقوت من دارات العرب سبعين دارة، وأورد صاحب اللسان عشرين دارة في مادة (دور). وقد بلغ صاحب القاموس الغاية في جمعها؛ إذ ساق منها مائة دارة وعشرا مرتبة على الحروف.
([15]) بضم الواو وقد تفتح. وهو بالحاء المهملة في آخره كما في اللسان (وشح، دور). وفي معجم البلدان. "وشجى" تحريف. وفي اللسان "وشحاء" أيضاً بالمد، عن كراع.
([16]) بفتح الخاء وكسرها، كما في معجم البلدان.
([17]) في معجم البلدان: "دارة يمعون، بالنون وقد يروى بالزاي وهو جيد، قال:
*بدارة يمعون إلى جنب خشرم*"
([18]) ضبطت في الأصل ومعجم البلدان، بكسر الميم الأخيرة، ضبط قلم. وفي القاموس واللسان بفتحها.
([19]) في الأصل: "وهبى" صوابه بالراء، كما في اللسان والقاموس والمعجم.
([20]) ذكرت في القاموس والمعجم. وأنشد للجميح:
إذا حللت بجودات ودارتها *** وحال دوني من حواء عرنين ([21]) في الأصل: "تين" تحريف، صوابه من القاموس ومعجم البلدان في رسم (دارة) وفي (تيل). والتاء فيه تفتح وتكسر.
([22]) لم أجد لها ذكراً في اللسان ومعجم البلدان، وذكرها في القاموس (دور).
([23]) ذكرها في المعجم، قال: "ويقال محصن"، وبهذا الرسم الأخير وردت في اللسان والقاموس، وضبطت في اللسان فقط بضم الميم وفتح الصاد.
([24]) في الأصل:" اليعضد" مع ضبط الضاد بالضم، تحريف، صوابه من القاموس ومعجم البلدان. وأنشد ياقوت:
أو ما ترى أظعانهم مجرورة *** بين الدخول فدرة اليعضيد ([25])في المعجم والقاموس: " الردم".
([26]) في الأصل: "حدبى"، صوابه في المعجم والقاموس. وأنشد ياقوت:
بدارات جدى أو بصارات جنبل *** إلى حيث حلت من كثيب وعزهل ([27]) وكذا ورد إنشاده في المجمل مع ضبط "فلان". وجاء في اللسان (فلن) أنه اسم رجل، واسم قبيلة يقال لهم بنو فلان. وفي اللسان (دوس): "ثوى عليه قيون".
([28]) لامرئ القيس في معلقته. وصدره: * كأن على المتنين منه إذا انتحى *
([29]) في اللسان: "يدوكون تلك الليلة فيمن يدفعها إليه".
([30]) التكملة من المجمل واللسان.
([31]) البيت في اللسان (فثأ) مع نسبته للجعدي، وفي (دوم) بدون نسبة. وسيعيده في (فور).
([32]) صدره كما في ديوانه 78 واللسان (دوم): *معرورياً رمض الرضراض يركضه*
([33]) ديوان ذي الرمة 24 واللسان (دوم).
([34]) في المجمل واللسان: "إذا تأنيت فيه".
([35]) لقيس بن زهير في اللسان (دوم، صلا). وأنشد صدره في المجمل. وفي اللسان: "وتصلية العصا: إدارتها على النار لتستقيم. واستدامتها: التأني فيها. أي ما أحكم أمرها كالتأني".
([36]) البيت لابن أحمر كما في الحيوان (1: 231/ 3: 47) والبيان (1: 133) واللسان (دوم). وصدره: * هذا الثناء وأجدر أن أصاحبه *
([37]) للأفواه الأودي في ديوانه 3 نسخة الشنقيطي واللسان (دأم، سدس). وحق كلمة "الدأماء" أن يفرد لها مادة (دأم).
([38]) لعدي بن زيد، كما في المجمل واللسان (دون). وصدره: *أنسل الذرعان غرب جذم*
ويروى: "لم يدن" بتشديد النون على ما لم يسم فاعله، من دني يدنى، أي ضعف. أشير إليها في المجمل واللسان.
ـ (باب الدال والياء وما يثلثهما)
(ديث) الدال والياء والثاء يدل على التَّذليل، يقال ديَّثْتُه، إذا أذلَلتَه، من قولهم طريقٌ مديَّثٌ: مُذَلَّل.
(ديص) الدال والياء والصاد أصلٌ واحد يدلّ على رَوَغانٍ وتفَلّت. يقال داصَ يديص دَيْصاً([1])، إذا راغَ. والاندياص: انسلال الشَّيء من اليَد. ويقال انداصَ علينا فلانٌ بشرِّه، وذلك إذا تفلّتَ علينا؛ وإنّه لمُنْدَاصٌ بالشّرّ. ويقال الدَّيَّاص: السَّمين؛ والدَّيَّاصة: السمينة. فإن كان صحيحاً فلأنه إذا قُبِضَ عليه اندلَصَ من اليد؛ لكثرة لحمه.
(دير) الدال والياء والراء أظُنه منقلباً عن الواو، من الدَّار والدوْر. ومن الباب الدَّيْر. وما بها دَيُّورٌ ودَيَّارٌ، أي أحدٌ. ومن الباب الذي ذكرْناه قال ابنُ الأعرابيّ: يقال للرجل إذا كان رأسَ أصحابه: هو رأس الدَّيْر.
(ديف) الدال والياء والفاء ليس بشيء. يقولون: الدِّيَافِيُّ منسوبٌ إلى أرضٍ بالجزيرة. قال:
* إذا سَافَهُ العَوْدُ الدِّيَافِيُّ جَرْجَرَا([2]) *
(ديل) الدال والياء واللام ليس ينقاس. يقولون: الدِّيلُ قبيلةٌ، والنسبة دِيلي. فأمّا الدُّئِل، على فُعِلٍ، فهي دُويْبَّة. ويضعُف الأمرُ فيها من جهة الوزْن، فأمّا الاشتقاق فليس ببعيد، وقد ذكرناه في الدال والهمزة مع الذي يَجيء بعدهما.
(ديك) الدال والياء والكاف ليس أصلاً يتفرّع منه، إنَّما هو الدِّيك. ويقولون: هو عُظَيمٌ ناتئٌ في جَبْهة الفرس([3]). وليس هذا بشيء.
(دين) الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها. وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دان لـه يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون. قال الشاعر:
* وكانَ النّاس إلاّ نحنُ دِينا([4]) *
والمَدِينة كأنّها مَفْعلة، سمّيت بذلك لأنّها تقام فيها طاعةُ ذَوِي الأمر. والمدينة: الأَمَة. والعَبْدُ مَدِينٌ، كأنّهما أذلّهما العمل. وقال:
رَبَتْ وَرَبَا في حِجْرِها ابنُ مدينةٍ *** يظل على مِسحاتِهِ يَترَكَّلُ([5]) فأمَّا قول القائل:
* يا دِينَ قَلْبُكَ مِن سَلْمَى وقد دِينَا([6]) *
فمعناه: يا هذا دِينَ قلبُك، أي أُذِلَّ. فأمّا قولهم إِنّ العادة يقال لها دينٌ، فإن كان صحيحاً فلأنَّ النفسَ إذا اعتادت شيئاً مرَّتْ معه وانقادت له. وينشدون في هذا:
كدِينِكَ مِن أمِّ الحُويرثِ قَبْلَهَا *** وجارتِها أُمِّ الرَّباب بمَأْسَلِ([7]) والرواية "كَدَأبك"، والمعنى قريبٌ.
فأمَّا قوله جلّ ثناؤُه: {ما كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ} [يوسف 76]، فيقال: في طاعته، ويقال في حكمه. ومنه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة 4]، أي يوم الحكم. وقال قومٌ: الحساب والجزاء. وأيُّ ذلك كان فهو أمرٌ يُنقاد له. وقال أبو زَيد: دِينَ الرّجُل يُدان، إذا حُمِل عليه ما يَكره.
ومن هذا الباب الدَّيْن. يقال دايَنْتُ فلاناً، إذا عاملتَه دَيْناً، إِمّا أخْذاً وإمّا إعطاء*. قال:
دايَنت أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضى *** فمطَلَتْ بعضاً وأدَّتْ بعضَا([8]) ويقال: دِنْتُ وادَّنْتُ، إذا أَخَذْتَ بدَينٍ. وأدَنْتُ أقْرَضْت وأعطيت دَيْناً. قال:
أدَانَ وَأنْبَأَهُ الأوَّلُون *** بأنَّ المُدانَ مَلِيٌّ وَفِيُّ([9]) والدَّيْن من قياس الباب المطّرد، لأنّ فيه كلَّ الذُّلّ والذِّل([10]). ولذلك يقولون "الدَّين ذُلٌّ بالنّهار، وغَمٌّ بالليل". فأمّا قول القائل:
يا دارَ سَلْمَى خَلاءً لا أُكَلِّفُهَا *** إلاّ المَرَانة حَتَّى تعرِفَ الدِّينَا([11]) فإنّ الأصمعيّ قال: المَرَانة اسمُ ناقَتِه، وكانت تَعرِفُ ذلك الطريقَ، فلذلك قال: لا أكلِّفُها إلاّ المَرانة. حَتَّى تعرف الدِّين: أي الحالَ والأمر الذي تَعهده. فأراد لا أكلف بلوغَ هذه الدار إِلاّ ناقتي.
والله أعلم.
ـــــــــــــ
([1]) ويقال "ديصانا" أيضاً، وقد اقتصر على الأخيرة في المجمل.
([2]) لامرئ القيس في ديوانه 101 واللسان (سوف). وصدره:
* على لاحب لا يهتدى بمناره *
([3]) الذي في المعاجم المتداولة أنه العظم الشاخص خلف أذنه. وفي المجمل نص غريب، وهو أنه العظم الناتئ في طرف لسان الفرس.
([4]) أنشد هذا الجزء في اللسان (دين 78 س4).
([5]) البيت للأخطل في ديوانه 5 واللسان (دين، مدن، ركل). وسبق إنشاده في (1: 334).
([6]) أنشد هذا الصدر في اللسان (دين 28، 29).
([7]) لامرئ القيس في معلقته.
([8]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 79 واللسان (دين). وهو مطلع أرجوزة له.
([9]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 65 واللسان (دين).
([10]) كذا وردت الكلمتان في الأصل بهذا الضبط. والذل، بالكسر: ضد الصعوبة.
([11]) البيت لابن مقبل، كما في اللسان (مرن). وأنشد له ياقوت في رسم (مرانة) برواية: "يا دار ليلى". وانظر ما سيأتي في (مرن).

ـ (باب الدال والألف وما يثلثهما)
وقد يقع فيه المهموز والألف المنقلبة. وقد ذكرنا المهموزَ لأنَّ سائرَ ذلك من المعتلّ مذكورٌ في أبوابه.‏
(دأب) الدال والهمزة والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ملازَمةٍ ودوام. فالدأبُ: العادةُ والشّأن. قال الفرّاء: الدأْب، أصله من دَأبْتُ، إلاّ أنّ العربَ حوّلت معناه إلى الشّأن. ودأَبَ الرّجُل في عمله، إذا جَدَّ. وأدْأبْتهُ أنا إدآباً. والدائِبان: اللّيلُ والنَّهار.‏
(دأث) الدال والهمزة والثاء ليس أصلاً؛ لأن الدَّأْثاءَ-وهي الأَمَةُ- مقلوبةٌ من الثأْداء. على أنَّهم يقولون: دَأَثْتُ الطّعام: أكلتُه.‏
(دأل) الدال والهمزة واللام يدل على خِفّة ونَشْطَةٍ(1). فالدَّأَلاَنُ: المشْيُ بنَشاط. يقال منه دَألْتُ أدْأَل. والدَّأْل: الخَتْل. ويقولون: الدُّؤْلُول الدَّاهية؛ وهو قريب من الباب. والدؤَل قَبِيلةٌ.‏
(دأم) الدال والهمزة والميم يدل على تَوَالٍ وتَنَضّدٍ. قال الخليل: دَأَمْتُ الحائطَ، أي رفَعْتُه، ويكون هذا ممّا ذكرناه؛ لأنّه شيءٌ فوق شيء. ويقال تداءَمَتْ عليه الرِّياح، إذا توالت؛ وتَدَأَّمَت الأمواجُ(2). وقال:‏
* تحت ظِلال المَوْج إذْ تَدَأَّمَا (3)*‏
والبحر نَفسُه الدَّأْماء. ولعل هذا القياسَ أولى به، وتَدَاءمْتُ الرّجلَ، إذا وثبتَ عليه. وتداءمَ الفحلُ النّاقَة، إذا تجلّلَها. وتداءمَت السّماءُ: توالت أمطارُها(4).‏
(دأظ) الدال والهمزة والظاء كلمةٌ واحدةٌ. يقولون الدّأْظ: المَلْء(5). ويقال دأظتُ المَتاعَ في الوِعاء. قال:‏
* والدّأظُ حَتَّى لا يَكونَ غَرْضُ(6) *‏
الدأْظ: الامتلاء. والغَرْض: أن يبقى موضعٌ لا يبلُغه الماء(7).‏
(دأي) الدال والهمزة والياء أصلان: أحدهما يدل على خَتْلٍ، والآخر عَظْمٌ متَّصل بمِثْله، ويشبّه به غيره، ويكون من خَشَب.‏
فالأوَّل الدّأْي، وهو الختْل؛ يقال دَأيْتُ أدأَى دَأْياً؛ وهو الخَتْل. والذِّئب يَدأَى، إِذا خَتَل.‏
وأمَّا الآخَر فالدّأْيات: الفَقَار، الواحدةُ دَأْية؛ وابنُ دأيَةَ: الغُرابُ؛ لأنَّه يقع على دأْية البعير الدّبِر فينقُرها؛ والدّأية من البعير: الموضعُ تقع عليه ظَلِفَة(8) الرَّحْل فتعقِرُه.‏
ــــــــــــــــــ
(1) المعروف في ضد الكسل النشاط. وأما هذه فلعلها مرة من نشطت الإبل: مضت.‏
(2) في اللسان: "وتداءمت عليه الأمور والأهوال والهموم والأمواج، بوزن تفاعلت، وتدأمته، الأخيرة معداة بغير حرف: تراكمت عليه وتزاحمت وتكسر بعضها على بعض"، ثم قال: "الأصمعي تداءمه الأمر مثل تداعمه، إذا تراكم عليه".‏
(3) في الأصل : " تداءما". وهو تحريف؛ فإن البيت من أرجوزة للعجاج في ملحقات ديوانه 184. وقبله:‏ * كما هوى فرعون إذ تغمغما *‏
وليس في الأرجوزة تأسيس. وهو على الصواب في اللسان ( دأم).‏
(4) في المجمل: "وتداءلت السماء هطلت".‏
(5) في الأصل: "الملاء".‏
(6) قبله كما في اللسان (دأض، دأظ، غرض):‏ * لقد فدى أعناقهن المحض *‏
يقول: فدت ألبانها أعناقها من أن تنحر. وفي اللسان: "حتى ما لهن".‏
(7) عبر عنه في اللسان بقوله: "النقصان عن الملء".‏
(8) في الأصل: "خلفة"، صوابه في المجمل.‏
ـ (باب الدال والباء وما يثلثهما)
(دبج) الدال والباء والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على شيءٍ ذي صفحةٍ حَسَنَةٍ. الدّيباجُ معروفٌ. والدِّيباجَتانِ: الخَدّان. وقال ابن مقبل:
* يَجرِي بديباجَتَيهِ الرَّشْحُ مُرْتَدِعُ([1]) *
ويقال هما اللِّيتان([2]). وأمّا قولهم: "ما بالدّار دِبِّيجٌ" فيقال هو بالحاء، وقد ذُكر في بابه، وإن كان بالجيم كما قيل فليس من هذا، ولعله أنْ يكون من دِبِّيٍّ، من الدَّبيب، ثم حُوِّلت ياء النِّسبة جيماً على لغة من يفعل([3]).
(دبح) الدال والباء والحاء أُصَيلٌ، وهو الإقبال على الشَّيء بالجِسْم حتَّى تَحْنُوَ عليه كل الحُنوّ. يقال دبَّحَ الرجُل رأسَه، وذلك إذا نكسَه وطأطأه. و*نُهِيَ أن يُدَبِّحَ الرّجُل في الصَّلاة كما يدبِّح الحِمار. والذي يقولون ما بالدَّار مِنْ دِبِّيحٍ، فهو من هذا، أي مقيمٍ في الدَّار مقبلٍ عليها، والحاء في هذه الكلمة أقيس من الجيم، لما ذكرناه.
(دبر) الدال والباء والراء. أصل هذا الباب أنَّ جُلّه في قياسٍ واحد، وهو آخِر الشَّيء وخَلْفُه خلافُ قُبُلِه. وتشذّ عنه كلماتٌ يسيرة نذكرُها.
فمعظم الباب أنَّ الدُّبُرَ خلافُ القُبُل. والدَّبِير: ما أدْبَرَتْ به المرأةُ من غزْلِها حين تفتِلُه. قال ابن السكِّيت: القَبِيل من الفَتْل: ما أقبَلْتَ به إلى صدرك، والدَّبير: ما أدبَرْتَ به عن صدرك. ودابرةُ الطّائر: الإِصبع التي في مُؤخَّر رِجْله. وتقول: جعلتُ قولَه دَبْرَ أُذُني، أي أغضَيْت عنه وَتصامَمْت، ودَبَر النَّهارُ وأدبَرَ([4])، وذلك إذا جاء آخِرُه، وهو دُبُره. ودبَّرْتُ الحديثَ عن فُلانٍ، إذا حدَّثتَ به عنه، وهو من الباب؛ لأنَّ الآخِر المحدِّثَ يَدْبُر الأوّلَ يجيءُ خَلْفَه. ودابرة الحافر: ما حاذَى مؤخَّر الرُّسْغ. وقطَعَ اللهُ دابِرَهم، أي آخِرَ مَن بَقِي منهم. والدَّابر من السِّهام: الذي يخرُج من الهَدَف، كأنَّه وَلّى الرّاميَ دُبُرَه، وقد دَبَرَ يَدْبُرُ دُبُوراً، والدَّبَرانُ: نجمٌ، سمِّي بذلك لأنَّه يَدْبُر الثّريّا. ودابَرْتُ فُلاناً: عاديتُه. وفي الحديث: "لا تَدَابَرُوا"، وهو من الباب، وذلك أنْ يترُكَ كلُّ واحدٍ منهما الإقبالَ على صاحبه بوجْهه. والتدبير: أنْ يُدبِّر الإنسانُ أمرَه، وذلك أنَّه يَنظُر إلى ما تصير عاقبتُه وآخرُه، وهو دُبُره. والتَّدبير عِتْق الرّجُل عبدَه أو أمَتَه عن دُبُر، وهو أن يَعْتِقَ بعد موت صاحبِه، كأنَّه يقول: هو حُرٌّ بعدَ موتي.
ورجل مقابَلٌ مُدابَرٌ، إذا كان كريمَ النَّسَب من قِبَل أبوَيه؛ ومعنى هذا أنَّ من أقبَلَ منهم فهو كريمٌ، ومن أدبَرَ منهم فكذلك. والمُدَابَرَة: الشاة تُشَقُّ أُذُنُها من قِبَل قَفاها. والدّابر [من([5])] القِداح: الذي لم يَخْرُج؛ وهو خلاف الفائز، وهو من الباب؛ لأنَّه ولّى صاحبَه دُبُرَه. والدَّابر: التابع؛ يقال: دَبَرَ دُبُوراً. وعلى ذلك يفسَّر قوله جلَّ ثناؤُه:{واللّيلِ إِذا دَبَرَ([6])} [المدثر 33]، يقول: تَبِع النَّهارَ. وَدَبَرَ بالقِمار، إذا ذَهَب به. ويقال: ليس لهذا الأمرِ قبْلةٌ ولا دِبْرَةٌ، أي ليس لـه ما يُقبِل به فيُعْرَفَ ولا يُدْبِر به فيُعرَف. ورجلٌ أُدابرٌ: يقطَع رَحِمَه؛ وذلك أنَّهُ يُدبِرُ عنها ولا يُقْبِل عليها. والدَّبُور: ريحٌ تُقبِل مِن دُبُر الكعبة. والدَّابرة: ضربٌ مِن أُخَذِ الصَّرْع([7]). قال أبو زيد: يقال "هو لا يُصَلِّي([8]) الصّلاةَ إلاّ دَبَرِيّاً"، والمُحدِّثونَ يقولون: دُبُريّاً. وذلك إذا صلاَّها في آخرِ وقتها، يريد وقد أدبَرَ الوقتُ.
وأما الكلمات الأُخَرُ فأُراها شاذّةً عن الأصل الذي ذكرناه، وبعضُها صحيح. فأمَّا المشكوك فيه فقولهم: إنَّ دُبَاراً اسمُ يوم الأربعاء، وإنَّ الجاهليَّة كذا كانوا يسمُّونه. وفي مثل هذا نَظَرٌ. وأمَّا الصَّحيح فالدِّبار، وهي المَشَارات من الزَّرْع. قال بِشرٌ:
* عَلَى جِرْبَةٍ تَعلُو الدِّبارَ غُروبُها([9]) *
ومن ذلك الدَّبْر، وهو المال الكثير؛ يقال مالٌ دَبْرٌ، ومالان دَبرٌ، وأموالٌ دَبْرٌ.
(دبس) الدال والباء والسين أصلٌ يدلٌ على عُصارةٍ في لونٍ ليس بناصع. من ذلك الدِّبس، وهو الصَّقْر. والدُّبْسيُّ: طائرٌ؛ لأنّه بذلك اللّون. وجِئتَ بأُمورٍ دُبْسٍ، إذا جاء بها غيرَ واضحة. قال بعضُ أهل العلم: أَدْبَسَتِ الأرضُ فهي مُدْبِسَةٌ، إذا رُئِيَ([10]) فيها أوّلُ سواد النَّبت. فأمّا الكثْرة فهي الدَِّبْسُ، وهو استعارةٌ، كما يقال لها الدَّهْماء والسَّواد، فقد عاد إلى ذلك القياس. ويقولون الدَِّباساء، على فَِعالاء، للإناث من الجراد.
(دبش) الدال والباء والشين ليس بشيء. على أنَّهم يقولون أرضٌ مَدبُوشَة*: أَكَلَ الجراد نَبْتَها. قال:
* في مُهْوَأَنٍّ بالدَّبَا مَدْبُوشِ([11]) *
(دبغ) الدال والباء والغين كلمةٌ. دَبغْتُ الأديمَ أدْبَغُه وأدبُغه([12]) دَبغا.
(دبق) الدال والباء والقاف ليس بشيء. يقولون لِذِي البَطْن الدَّبُوقاء.
(دبل) الدال والباء واللام أصلٌ يدلُّ على جَمْعٍ وتجمُّعٍ وإصلاح لَمرَمَّةٍ([13]). تقول دَبَلْتُ الشيءَ جَمعتُه، كَدَبْلك اللُّقمةَ بأصابعك. والدُّبُول: الجداول. وسمِّيت بذلك لأنها تُدْبَل، أي تُنَقَّى وتُصلَح. قال الكِسائيّ: أرضٌ مدبولة، إذا أُصلِحَتْ بسِرْجينٍ وغيره. قال: وكلُّ شيءٍ أصلحتَه فقد دبلْتَه ودملْتَه. ويقال الدَّوْبَل: الحِمار الصَّغير. وسمِّي بذلك لتجمُّع خَلْقِه. ويقال دَبِلَ البعيرُ وغيرُه يَدْبَلُ، إذا امتلأَ لحماً.
ومما شذّ عن هذا الأصل الدِّبْل: الدّاهية. ودبَلَهم الأمرُ من الشّرّ: نزلَ بهم. يقال دِبْلاً دَبيلا، كما يقولون: ثُكْلاً ثاكلا. قال الشاعر([14]):
طِعانَ الكُماةِ ورَكْضَ الجِيادِ *** وقَوْلَ الحَواضِنِ دِبلاً دَبيلا([15]) (دبي) الدال والباء والياء ليس أصلاً، وإنَّما [هو] كلمةٌ واحدة، ثم يُحمَل عليها تشبيهاً. فالدّبا: الجراد إذا تحرَّك([16]). والتشبيهُ قولهم: أدْبَى الرِّمْثُ، أوَّلَ ما يتفَطَّر؛ وذلك لأنّه يشبَّه بالدَّبا. وذكر بعضُهم: جاء فلانٌ بدَبَادَبَا([17])، إذا جاء بمالٍ كالدّبا([18]). ويقال أرضٌ مَدْبَاةٌ: كثيرة الدبا. ومَدْبِيَّةٌ: أَكَلَ الدّبَا نباتَها.
ــــــــــــــــ
([1]) لابن مقبل كما في ديوانه 170 واللسان (دبج، رشح، ردع)، وقد أنشد هذا العجز في المجمل. وصدره:
*يخدي بها بازل فتل مرافقه* ويروى: "يسعى بها". ويروى:*يخدي بها كل موار مناكبه*
([2]) الليتان، بالكسر: صفحتا العنق، وفي الأصل: "اللتان" صوابه في المجمل.
([3]) أي يفعل ذلك، وهم ناس من بني سعد، نص عليه سيبويه في كتابه (2: 288). وانظر شرح الشافية (3: 229).
([4]) وفي بعض القراءات: {والليل إذا دبر}، في قوله تعالى {والليل إذ أدبر} وكذا {والليل إذا أدبر} [المدثر 33]. انظر تفسير أبي حيان (8: 378).
([5]) هذه التكملة في المجمل.
([6]) هي قراءة ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وابن يعمر وأبي جعفر وشيبة وأبي الزناد وقتادة والحسن وطلحة والنحويين والابنين وأبي بكر. انظر الحاشية التي قبل السابقة.
([7]) في المجمل: "أخذة من أخذ المتصارعين". وفي اللسان: "ضرب من الشغزبية في الصراع". والأخذ بضم ففتح: جمع أخذة بالضم، أي طريقة أخذ.
([8]) في الأصل: "لولا نصلي"، وفي اللسان، "فلان لا يصلي"، وفي المجمل "أبو زيد: لا يصلي".
([9]) قصيدة بشر بن أبي خازم في المفضليات (2: 129-133) وقد سبق إنشاد هذا العجز في (جرب 1: 450). وصدره كما في المفضليات واللسان (جرب، دبر):
* تحدر ماء البئر عن جرشية *
([10]) في الأصل والمجمل: "رعن"، صوابه من اللسان. وفي القاموس: "أظهرت النبات".
([11]) لرؤبة في ديوانه 78 واللسان (دبش، هأن). ورواية الديوان واللسان: "من" بدل "في". ويروى "مهوئن"، وهما لغتان، يقال بفتح الهمزة وكسرها. وقبل البيت:
* جاؤوا بأخراهم على خنشوش *
([12]) كذا ضبط الفعلان في المجمل. ويقال أيضاً أدبغه، بكسر الباء.
([13]) المرمة: متاع البيت.
([14]) هو بشامة بن الغدير. وقصيدته في المفضليات (1: 53-58).
([15]) البيت لم يروه المفضل، لكن ذكر في اللسان أنه من قصيدة بشامة. وفي المجمل واللسان: "وضرب الجياد". وفي الأصل أيضاً: "الحواضن" صوابه في المجمل واللسان.
([16]) زاد في المجمل: "قبل أن تنبت أجنحته".
([17]) في الأصل: "بدبى" صوابه من المجمل واللسان. ويقال أيضاً "بدَبَادُبَيٍّ" و"دَبَادُبيَّيْنِ". والدبا يكتب بالألف وبالياء.
([18]) في الأصل: "بمالكالدبا"، وهو تحريف رسم.
ـ (باب الدال والثاء وما يثلثهما)
(دثر) الدال والثاء والراء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد. وهو تضاعُفُ شيءٍ وتناضُدُه بعضِه على بعض. فالدَّثْر(1): المال الكثير. والدِّثار: ما تدثَّر به الإنسانُ، وهو فوق الشِّعار. فأمّا قول القائل:‏
* والعَكَرِ الدَّثِرْ(2) *‏
فإنَّه أراد الدَّثْر فحرك الثاء، وهو الكثير.‏
ومن الباب تَدَثَّر الفَحْلُ الناقَة، إذا تَسَنَّمَها، كأنَّه صار دِثاراً لها. وتدثَّر الرجُلُ فرسَه، إذا وثب عليه فركِبَه. والدَّثُور: الرّجل النَّؤُوم(3).وسمِّي لأنَّه يتدثَّر وينام. فأمّا قولهم رسْمٌ داثِرٌ، فهو من هذا، وذلك أنَّه يكون ظاهراً حتى تهبّ عليه الرِّياحُ وتأتِيَه الرَّوامسُ، فتصيرَ له كالدِّثار فتغطِّيه.‏
(دثأ) الدال والثاء والهمزة ليس أصلاً؛ لأنَّه من باب الإبدال. يقولون مطر دَثَئِيٌّ، وهو الذي بين الحَمِيم والصَّيف(4). وإنَّما الأصل دَفَئِيٌّ، وهو من الدِّفء.‏
(دثن) الدال والثاء والنون كلامٌ لعلّه أن يكون صحيحاً. فأما أنْ يكون له قياسٌ فلا. يقولون: دثَّن الطَّائرُ: أٍرع في طَيَرانه. ودثَّن اتَّخَذَ عُشَّه. والكلمتان متشابهتان، والأمر فيهما ضعيف.‏
ــــــــــــــــ
(1) هو امرؤ القيس، كما في اللسان (دثر). وقصيدته في ديوانه 135-139.‏
(2) أنشد هذا الجزء في المجمل. والبيت بتمامه كما في الديوان واللسان:‏
لعمري لقوم قد ترى في ديارهم *** مرابط للأمهار والعكر الدثر‏
(3) في المجمل: "الرجل الخامل النؤوم".‏
(4) الحميم: القيظ.‏
ـ (باب الدال والجيم وما يثلثهما)
(دجر) الدال والجيم والراء أصلٌ يدلُّ على لُبْسٍ. فالدَّيجور: الظَّلام؛ والجمع دَياجِر ودياجِير. والدَّجَرُ: شِبْهُ الحَيْرة، وهو ذلك القياس، يقال رجلٌ دَجْرانُ ودَجَارَى، كما يقال حَيرانُ وحَيارَى.‏
وها هنا كلمةٌ إنْ صحّت فهي شاذة عن الأصل الذي ذكرناه. يقولون إن الدَُّجْر: الخشبة التي يُشدّ عليها حديدةُ الفَدَّان. وما أرَى هذا من كلام العرب.‏
(دجل) الدال والجيم واللام أصلٌ واحد منقاسٌ، يدلُّ على التغطية والسَّتْر. قال أهلُ اللغة: الدَّجْل: تموِيهُ الشَّيء، وسُمّي الكذّابُ دجّالاً. وسمِعت عليَّ بن إبراهيمَ القَطَّان يقول: سمِعت ثعلباً يقول: الدَّجّال المموِّه. يقال سيفٌ مُدَجّل، إذا كان قد طُلِيَ بذهبٍ. قال: فقِيل لـه: فيجوز أن يكون الذّهب يسمَّى دَجَّالاً؟ فقال: لا أعرِفُه(1). ومن الباب الدّجّالة: الجماعة العظيمة تحمل المتاع للتجارة. ويقال دَجَّلْتُ البعير، إذا طلَيته بالقَطِران؛ والبعير مدجَّلٌ.‏
قال ابنُ دريد: كلُّ شيءٍ غطّيته فقد دجَّلتَه. وسُمِّيت دِجلةُ لأنَّها تغطِّي الأرض* بالجمع الكثير(2). ويقال رُِفْقَةٌ دَجَّالة، إِذا غَطَّت الأرض بزَحْمَتها. قال:‏
* دَجّالة من أعظَم الرِّفاقِ(3) *‏
وفي كتاب الخليل: الدّجال: الكذَّاب، وإنَّما دَجَلُه كِذْبه؛ لأنَّه يدجِّل الحقَّ بالباطل.‏
(دجم) الدال والجيم والميم كلمةٌ واحدة. يقال دَُجِمَ، إذا حَزنَ. ويقولون: ما سمعتُ لفُلانٍ دَُجْمَةً، أي كلمة. وهذه كأنها من باب الإبدال، والأصل زَُجْمَة(4).‏
(دجن) الدال والجيم والنون قياسُه قياسُ الدال والجيم واللام. فالدَّجْن: ظلُّ الغيم في اليوم المَطِر(5). وأدْجَنَ المطرُ: دامَ أيّاماً. والمُداجَنةُ: حُسن المخالَطة. والدُّجُنَّة: الظلماء. وفي كتاب الخليل قال: لو خففَّه الشاعر لجازَ له. قال حُمَيدٌ(6):‏
* حتَّى إِذا انجلَتْ دُجَى الدُّجُونِ *‏
ومن الباب دَجَن دُجُوناً: أقام. والشَّاةُ الدّاجِن: التي تَأْلف البيوت. والله أعلم.‏
ــــــــــــــــــ
(1) في اللسان: "والدَّجَّال الذهب، وقيل ماء الذهب؛ حكاه كراع".‏
(2) كذا. وفي المجمل: "لأنها تغطي الأرض بمائها".‏
(3) البيت في اللسان (دجل) والجمهرة (2: 68).‏
(4) في الأصل: "رحمة" تحريف. والزجمة، بفتح الزاي وضمها.‏
(5) في المجمل: "المطير"، وهما سيان.‏
(6) في المجمل: "كقول حميد الأرقط". والبيت التالي في اللسان (دجن) بدون نسبة.‏
ـ (باب الدال والحاء وما يثلثهما)
(دحر) الدال والحاء والراء أصلٌ واحد، وهو الطَّرد والإبعاد. قال الله تعالى: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَدْحُورا([1])}[الأعراف 18].
(دحز) الدال والحاء والزاء ليس بشيء. وقال ابن دريد: الدَّحْز: الجِماع([2]). وقد يُولَع هذا الرجُل بباب الجماع والدَّفْع، وباب القَمْش والجمع.
(دحس) الدال والحاء والسين أصلٌ مطَّرِد مُنْقاس، وهو تخلُّل الشَّيءِ بالشَّيءِ في خَفاءٍ ورِفق. فالدَّحْس: طلَب الشَّيءِ في خفاء. ومن ذلك دَحَسْتُ بينَ القوم، إذا أفسدْتَ؛ ولا يكون هذا إلاّ برفْق ووَسواس لطيفٍ خفيّ. ويقال الدّحْسُ: إدخالك يَدَك بين جِلْدة الشَّاة وصِفَاقها تسلخُها. والدَّحَّاس: دويْبَّة تغيب في التراب، والجمع دَحاحيس. وداحِسٌ: اسم فرسٍ؛ وسمِّي بذلك لأنَّ حَوْطاً([3]) سطا على أُمِّه- أُمّ داحسٍ([4])- بماءٍ وطِينٍ، يريد أن يخرج ماءَ فرسه من الرَّحِم. وله حديث([5]).
(دحص) الدال والحاء والصاد كلمةٌ واحدة. يقال دَحَصَ المذبوحُ برجْله يدحَصُ دَحْصاً، إذا ارتكَضَ. قال علقمة:
رغا فوقَهم سَقْبُ السَّماءِ فداحِصٌ *** بشِكَّتِهِ لم يُسْتَلَبْ وسليبُ([6]) (دحض) الدال والحاء والضاد أصلٌ يدلُّ على زوالٍ وزَلَق. يقال دَحَضَتْ رجلُه: زَلِقَتْ. ومنه دحَضَت الشّمس: زالت. ودَحَضَتْ حُجّةُ فلانٍ، إذا لم تَثْبُت. قال الله جلّ ثناؤه: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشورى 16].
(دحق) الدال والحاء والقاف قياسٌ يقرُب من الذي قبْلَه. يقال دَحَقَ الشَّيءُ: زَالَ ولم يثبُتْ. والدَّحيق: البعيد. ويقال فعلَ فلانٌ كذا فدحَقْتُ عنه يدَه، أي قبضتُها. ويقال أدْحَقَه الله، أي أبْعَدَه. ودَحَقت الرّحِمُ: رمَتْ بالماء فلم تقبلْه. والدِّحاق: أن تخرُجَ رحِمُ الأنثَى بعد الولادة، فلا تنجُو حتى تموت. وهي دَحُوقٌ. قال:
وأُمُّكُمْ خَيْرَةُ النِّساء عَلَى *** ما خانَ منها الدِّحاقُ والأَتَمُ (دحل) الدال والحاء واللام يدلُّ على تلجُّفٍ في الشَّيء وتطامُن.فالدَّحْل: المطمئِنُّ من الأرض، والجمع الدُّحُول. ويقال بئرٌ دَحُولٌ: ذاتُ تلجُّف([7])، وذلك إذا أكمَلَ الماءُ جِرابَها. فأمَّا الدَّحِلُ في خَلْق الإنسان، فيقال هو العظيم البَطْن؛ وهو قياسُ الباب، لأنَّه يدلُّ على سَعةٍ وتلجُّف.
(دحم) الدال والحاء والميم ليس بشيءٍ. على أنّهم يقولون: دَحَمَه، إذا دَفَعَه دفعاً شديداً. وبه سُمِّي الرَّجُل دَحْمانَ ودُحَيْماً.
(دحن) الدال والحاء والنون ليس بأصلٍ، لأنّه من باب الإبدال. يقال رجل دَحِنٌ، وهو مثل الدَّحِلِ([8]). وقد فسَّرناه.
(دحو) الدال والحاء والواو أصلٌ واحد يدلُّ على بَسْطٍ وتمهيد.
يقال دحا الله الأرضَ يدحُوها دَحْواً، إذا بَسَطَها. ويقال دحا المطرُ الحَصَى عن وجْه* الأرض. وهذا لأنّه إذا كان كذا فقد مهّد الأرض. ويقال للفرَس إذا رمَى بيديه رمْياً، لا يرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيراً: مرّ يدحُو دَحْواً. ومن الباب أُدْحِيُّ النَّعام: الموضع الذي يُفَرِّخ فيه، أُفْعولٌ مِن دحوت؛ لأنّه يَدْحُوه برِجْله ثم يبيض فيه. وليس للنّعامة عُشٌّ.
ـــــــــــــــــ
([1]) من الآية 18 سورة الأعراف. وفي الأصل: "مذموماً" تحريف. وفي الآية 19 من الإسراء: {يصلاها مذموماً مدحوراً}. وهذا وجه اللبس.
([2]) لم أجده في الجمهرة ولا في فهارسها. انظر الجمهرة (1: 121) حيث مظن الكلمة. فلعلها مما سقط من الجمهرة.
([3]) هو حوط بن أبي جابر بن أوس بن حميرى، صاحب "ذي العقال" والد "داحس". انظر الأغاني (16: 23).
([4]) اسمها "جلوى"، وكانت لقرواش بن عوف بن عاصم.
([5]) انظر حرب داحس والغبراء في الأغاني والعقد (3: 313) وكامل ابن الأثير (1: 343) وأمثال الميداني (1: 359/2: 51).
([6]) قصيدة البيت في ديوانه 131 والمفضليات (2: 190-196). وأنشده في المجمل واللسان (دحص).
([7]) التلجف، بالجيم: التحفر. وفي الأصل والمجمل بالحاء المهملة، تحريف.
([8]) في الأصل: "الدخل"، صوابه ما أثبت.