دفن*** ‬أسرار*** ‬الجريمة

تتحدث وثائق أخرى عن »المقبرة العسكرية الفرنسية« ورغم تعدد هذه الوثائق وتنوع تواريخها بين الحداثة والقدم، إلا أن جميعها ركزت على نقاط مشتركة، أهمها هوية المدفونين بها، والبالغ عددهم ثلاثة آلاف، حيث حددت ألفا قبر للمقاتلين الجزائريين، بأسمائهم وتواريخ وأماكن*** ‬سقوطهم،*** ‬وكذلك*** ‬الحال*** ‬بالنسبة*** ‬لـ*** ‬500*** ‬قبر*** ‬آخر*** ‬لجنود*** ‬سنغاليين*** ‬و500*** ‬لجنود*** ‬وضباط*** ‬فرنسيين***.‬
وتقول المعلومات الواردة في تلك الوثائق إن الحكومة السورية جمعت رفات كل القتلى الذين حددت قبور واضحة لهم أثناء الغزو الفرنسي لسوريا في بداية العشرينيات من القرن الماضي، في عملية شملت جميع أرجاء التراب السوري بعد أن تم إنشاء المقبرة في أطراف العاصمة السورية، لتسهيل الزيارة على ذويهم، إلا أن هناك العديد من المقابر الجماعية التي تم اكتشافها في أماكن متعددة تحوي رفات جنود أفارقة لم يستدل على هويتهم، والغالب أنهم قتلوا ودفنوا بتلك الطريقة على أيدي الفرنسيين أنفسهم، فلم يرتكب الثوار هذا الفعل طوال أيام الحرب، والواضح أيضا أن تلك المقابر ألقي بها الجنود الأفارقة الذين أعدمتهم فرنسا في سوريا لأسباب عسكرية، بينما يعود الفضل في اكتشاف قبور الجزائريين والسينغاليين البالغ عددهم 2500 قبر، إلى إنسانية الثوار في تعاملهم مع قتلى أعدائهم الغزاة.
أما النقطة الهامة الثانية التي ركزت عليها وثائق الأرشيف السوري، فهي المتعلقة بالصراعات السياسية بين سوريا وفرنسا بسبب تلك المقبرة، ففرنسا تريد نقل محتوياتها للتراب الفرنسي، وعرضت في سبيل ذلك عروضا مغرية لسوريا، في حين أن الأخيرة ترفض بشكل قاطع هذه العروض، لأسباب*** ‬أسمتها*** ‬فرنسا*** ‬بـ*** »‬غير*** ‬المبررة***«‬
وفي ذات السياق تقول جريدة »تشرين« الصادرة في يوم 26 جويلية 1983 »إن فرنسا تريد طي ملف هزيمتها في سوريا أثناء غزوها الغاشم، من خلال سحب رفات جنودها، الذين تشهد قبورهم على نضال وجهاد أبناء هذا الوطن ضد الغزاة والمستعمرين، لكن الحكومة السورية بقرارها الرشيد انتصرت*** ‬مرة*** ‬أخرى*** ‬على*** ‬الأفكار*** ‬الاستعمارية،*** ‬وأثبتت*** ‬للعالم*** ‬أن*** ‬سوريا*** ‬مقبرة*** ‬الغزاة***.‬
بينما كان لجريدة »الثورة« الصادرة في نفس التاريخ رأي آخر في القضية التي أثيرت في ذلك الوقت، حيث قالت: »فرنسا تصر على نقل قبور جنودها بصورة تثير الشك، وليس معقولا أنها تريد تكريمهم أو إنشاء نصب تذكاري لهم، ففي كل جزء من الأراضي التي كانت تحتلها فرنسا توجد قبور لجنودها، الأمر الذي يؤكد الرغبة الملحة لدى الفرنسيين في دفن أسرار هذه المرحلة الزمنية التي شهدت أفظع جرائم الاستعمار في حق أبناء البلاد، وفي حق أبناء الدرجة الثانية في صفوف الجيش الفرنسي، وفي مقدمتهم الجزائريين الذين أحيروا على القتال والموت في سوريا..***.«.‬