عشتروت لبنان
بقلم
حسين أحمد سليم
آل الحاجيونس
Hasaleem
أستسلم تقليديا لسكينة النفس الأمارة بكل شيء, أختبرمطاويها في مساراتها ومعالمها في أفعالها, أنتهز بارقة في ومضة من هدأة أثيريةالروح, العارجة بين الأرض والسماء في حزمية من السيالات النورانية, تتألق وضاءةلطيفة لتشكل هالات الأطياف اللونية, تسم تشكيلية كينونتي النفسية... في تلك الهجعةالروتينية أمارس شحن عقلي بومضات من الأفكار المستجدة, تاركا خلايا جسدي تمارس فعلالتجدد بطاقات النشاط... وأنا أشد الرحال على صهوة السفر للتمدد على أديم الأرض, فيمرحلة الغفوة إلى النوم العميق... قدرا إيمانيا بفلسفة الأشياء, تتملكني حركةالرؤيا الشفيفة, وتحملني قسرا في البعد الآخر, خارج منظومتي الزمان والمكان... أهيمتائها في رؤى فعل الخيال التخاطرية, المتحررة من كل القيود الجسدية والحسية, فيغفلة من سلطة العقل العظمى, المتحكمة بحركات هيكلية الكينونة المادية, المتفاعلةذاتيا بوحدة التحكم المركزية, التي تضخ وتوزع الترياق في قنوات الحياة, بمعزل عنالحركة الإنسيابية التي تمارسها النفس سباحة في الفضاءات اللامتناهيات...
رؤاي المتفلتة من كل القوانين الوضعية شرقا وغربا, المتحررة من فعلإجتهادات الأنظمة العصرية المختلفة سلبا وإيجابا, الثائرة رفضا كليا لكل مطاويومعالم أشكال الإرهاب الدولي, المنظم سرا وعلانية في أروقة الأمم المتحدة, عولمةعصرية على رؤى متاهات التنجيم... والتي وضعت بنود قوانينها بعد مخاض جدلي طويل, إنتهى بعملية قيصرية صعبة, تجند لها كل فلاسفة الأرض في الإرهاب, لقيامة جهازإرهابي مقونن في هذا العصر, يسمى دوليا على ذمة الإستعمار العالمي بمجلس الأمن... رؤاي التي تشغل العقل مني ودائما في أوقات زمنية حرجة, والتي تخلق بيني وبينالأشياء في البعد والقرب, حبلا رمزيا شفيفا مفضضا من أطياف التواصل الكهرومغناطيسي, تعرج فيها الأفكار ذهابا وإيابا, في حركة دائبة بين أقطاب فكري والأقطاب الأخرىوالموجات المترددة, التي تحملني من هدأتي لتزج بي طوعا قدريا في قلبالأحداث...
أنا الآن في كامل غيبوبتي النفسية, أمارس فعل التنويم المغناطيسيلجسدي, المسجى في الهواء على إرتفاع القامة, أرى لست أدري كيف أنني, بدأت الولوج فيطريق ممتدة كثيرة الإلتواءات والإنحناءات, متعرجة كثيرا بين قمم الجبال العالية, التي تعانق أبواب السماء في تلك البقعة التي لا يفصلها عن النجوم سوى بضعة خطوات, ونادرا ما يسلك ما سلكت بشر عاقل مفكر, فالمنطقة مليئة بالوحوش البرية المفترسة, ومليئة أكثر بالوحوش البشرية التي نزعت من جوارحها ودواخلها الرحمة... ولكنني خلقتهكذا أحب خوض الغمار في المتاهات, وأرود القفار الموحشة المليئة بالمفاجآت, هواياتيكشف المستجدات, وولوج الأماكن المحفوفة بالمخاطر, أتعلم كيف أمارس سرعة البديهة, للتخلص من الأخطار المحدقة, إذا ما شاءت الأقدار أن تواجهني, وأنا أدفع بنفسي فيلجج الأخطار, تحفذني نفسي للسير قدما في لعبة التعقيدات, ورسم الخطط لخوض الوغى فيساحات الأمر الواقع, تفاديا لسوء الحالات, وكيفية الأمان للتواصل اللوجستي, إذا ماساءت الظروف وسجنت في دوائر الشر المحيق بي من كل الجهات...
ما زلت فيغيبوبتي النفسية, وما زلت أرى جسدي المسجى في الهواء, بلا مرتكزات تحميه من الوقوعأرضا, وما زلت أبحر في خواطري في تلك البقعة البعيدة, المقفرة إلا من بقايا أعشاببرية يابسة, لا تصلح حتى لمائدة تتناولها حمرالوحش في القفار, والكثير من الحجارةوالصخور الرخامية المرمرية, التي تصلح لتزيين المعابد والقبور في بلادي, وما زلتأتابع مسيرتي بين تعرجات الأرض في دروب وعرة كثيفة الأشواك, أفتش عن مغارتيالتاريخية الأثرية ألجأ إليها بعيدا عن الأضواء لأبيت ليلتي قبل أن تخيم أوشحةالظلام, ففي مغارتي تتفجر من قلبها مياه الحب والعشق, في ذلك الوادي السحيق الذييلتقي مع نهري القديم عند شاطيء البحر جهة الغرب...
ها هي قد بانت في البعدعند حضيض الجبل, وها أنا أهرول مسرعا باتجاهها, وقوسي بين يدي ومجموعة من النبال, تتبعني أميرة الجمال اللبناني, التي أتأبط ذراعها وتتأبطني, نغني الأحلام العذاب فيجبال وطني, نعيش السعادة فوق تراب القداسة بلاد الأرز... وها هو الوحش البريالمفترس متربص بي عند بابها, يطلب جسدي وسفك دمي, وتخاف مليكة الأرز وتصرخ, ترقبساح الوغى بيني والوحش البري, وتصيح مولولة إبنة لبنان, فقد صرعني الوحش بين يديهامنتقما, وتدفقت دمائي تلون مياه النهر التاريخي القديم, والنهر يبكي دمي يحملهاراميا بها إلى البحر, مرورا على مقربة من مسقط رأسي في زيتون, المطلة على قصريالتاريخي المحفور في الصخر في وادي الغابور...
مليكة الحب اللبناني تحملجثتي على كتفيها, وتتابع السير المحفوف بالمخاطر والأهوال, قاطعة كل العقبات التيبرزت لها في مسيرتها التاريخية, لتصل بعد جهد وتعب وإرهاق إلى حيث قدر لها أنتضعني... عند الغينة أقامت النصب التذكاري لرفاتي, وقامت تبكي إلى فوق رأسي حتىفارقت الحياة عند قبري, وأتت جوارح الفضاءات تحوم فوقها, وكلما حاولت أكل لحمهاسقطت من حيث لا تدري, حتى سقط الكل حولها صرعى بلا حراك, وفنيت كلها وبقيت مليكةلبنان تنبض في الحياة فوق رخام قبري...