عبدالوهاب قرينقو
في زمن يُتداولُ فيهِ أن الشعر يتراجع/ ينحسر، أو أن أجناساً أخرى تسرق منه الضوء والألق يفاجئنا فريق من الشعراء بإصدار مجلة فصلية تعنى بالشعر ونقده وطرح إشكالاته وعرض نصوصه الجديدة، عنوان المجلة "شعريات"، وصدر العدد الأوّل منها عن شركة "العنوان" بقبرص، يرأس تحرير المجلة الشاعر الليبي مهدي التّمامي، وأمّا هيأة التحرير فتضم شعراء من دول مختلفة: من ليبيا الشاعران صلاح عجينة ومحمد زيدان، من تونس وليد الزريبي، من العراق الشاعرة منال الشيخ، من مصر فاطمة ناعوت، من لبنان رحاب ضاهر، من ألمانيا كمال العيادي، من فرنسا محمّد النجار، من عُمان فاطمة الشّيدي، ومن اليمن سوسن العريقي.
تحتوي مجلة "شعريات" في عددها الأوّل على أبواب متعددة منها "شرفة" التي يكتبها رئيس التحرير مهدي التمامي وقد عنون مقالة الافتتاحية "الشعر لا يشيخ" واصفاً عنفوان الشاعر وإن لدى الشاعر مسؤولية عظيمة خاصة به، هي أن يكون شاعرا فحسب، لقد صار الشاعر مسؤولا أمام الفضيلة التي تتناسب معه كشاعر، لأن الشعر لم يعد ديوان العرب، حيث اختصت كل مؤسسة بمهامها التي كان الشعر يحمل أعباءها، ولم يبق للشعر سوى شعريته، هذا ما تؤكده مقولة بودلير الشهيرة، ليس للشعر أية غاية في حد ذاته، ولن تكون قصيدة عظيمة جدا، إلا تلك التي كتبت من أجل متعة القصيدة . وعندما اتهم الشاعر الروسي برودسكي خلال إحدى محاكماته، وذلك عندما اتهموه بالطفيلية والتهرب من العمل، لماذا لا يعمل بشرف ؟! فأجاب: إنني أعمل، أنا شاعر . فالشاعر غير مسؤول إلا على عرشه المستحق، وسيطرته على زمام لغة تختص بوصف الحقيقة الكاملة، أو كما يقول ييتس، الحق والعدل في فكرة واحدة . ففي استطاعة الشاعر العظيم أن يقبض على تلك الالتماعة الخارقة التي لا تمسك إلا بالحدس، فتؤبد، مشيرة إلى المكان دون أن تملأه، إنها الأحاسيس المبهمة التي يحيلها الشاعر بموهبته الفذة إلى كلام سهل ممتنع، يراه عامة الناس دون أن تكون لديهم القدرة على الإتيان به . إذن الشاعر لم يأت ليخدم الأخلاق، إلا في استثناءات نادرة تأتي غالبا بطريقة عفوية . إذ أن دور الشاعر أصلا هو كسر قوانين العلم المطردة، وإحالتها إلى أحلام ورؤى .. ليجد الشاعر، كما عبر فرويد طريقا للعودة من عالم الخيال إلى عالم الواقع وهو يصوغ تهويماته بمواهبه الخاصة نوعا آخر من الواقع، وليجد ذلك التحول تبريراته في كونه تأملات قيمة في الحياة الواقعية.
أما باب "فصوص" فهو باب مفتوح على مصراعيه لشعراء من هنا وهناك من العالم العربي نذكر منهم: إدريس علوش، محي الدين محجوب، عاشور الطويبي، محمد تركي النصار، نادين يقين، ووليد الزريبي. كما خصص هذا العدد من المجلة الجديدة باب الحوار المسمّى ب"تحليق" للشاعر الكبير أدونيس تحدث فيه الشاعر عن تجربته و مواقفه من الثقافة العربيّة والرّاهن الشعريّ والثقافي العربيّ والعالميّ .

كما أتت أبواب "مدارسات" و"برزخ" و"أسئلة الشعر" كأبواب تعنى بقضايا الشعر عموماً ومن أهم الأسماء التي دشنت هذا الدكتور بنعيسى بوحمالة بمقالة عن القيم الشعرية في علاقتها بالميراث الثقافي، وكتب الدّكتور محمّد اسليم عن مسألة الأنوثة والذكورة في الكتابة أما الشاعر التونسي عادل المعيزي فإنه أورد مقالا بعنوان "بيان اليوم العالمي للشعر".

الشعر الذي ليس ببعيد عن الفنون الأخرى ولعله يقترب أحيانا، يتداخل ويتماهى معها أحيانا أخرى . انطلاقا من هذه الفكرة كان باب "برزخ" عبارة عن محاورة بين فنّان تشكيليّ وشاعر هما عبد المنعم محجوب وعلي الزويك اللذان تناولا "شعريّة النظر".

أيضا في باب "أسئلة الشعر" تناول الشاعران عماد فؤاد ومنال الشيخ مسألة اللحظة الشعريّة الرّاهنة في مصر .. كما خصصت المجلة باب "آنية زهر" للشعر العالمي المترجم فقُدّم لنا نصّين مترجمين، الأوّل قصيدة للشاعرة الإنجليزية "جو شاكوب" ترجمة الشاعرة المصريّة فاطمة ناعوت والثاني نص رافديني قديم قدمه فاضل خلف جبر تحت عنوان حلم تمّوز.أما آخر الأبواب فكان "أثر/أخبار" المهتمّ بآخر الإصدارات على المستوى العربي.

وقد عمد هذا المولود الشعري الجديد الشاعر قاسم حداد ضمن الصفحة الأخيرة المخصصة للأسماء ذات التجربة الطويلة والمعنون ب"جهات" أشادّ فيه الشاعر قاسم حداد بهذا الجهد، وكانت كلمته في مجملها تشجعا وشدا على أيدي هذه "الأحلام الجديدة" مشيرا لنوع من التواصل النابت بين الأجيال بقوله:
"يتصل بك شباب لا تعرفهم شخصيّا، تعرف طرفا من شعرهم، لكن الطرف الأهمّ من حلمهم ستشعر به متصلا بالباقي من أحلامك...".

بقي أن نشير الى أن المجلة مفتوحة لكل الإسهامات الجميلة والعميقة وهي مسؤولية الجميع كما أشار إلى ذلك الشاعر مهدي التمامي رئيس تحرير هذه الفصلية قائلا: "إن لدى الشاعر مسؤولية عظيمة خاصة به، هي أن يكون شاعرا فحسب".
المصدر