النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: حديث عن روعة تلقي الشعر

  1. #1 حديث عن روعة تلقي الشعر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    68
    معدل تقييم المستوى
    18
    حديث عن روعة تلقي الشعر...

    ما أجمل أن يتعاطى المرء/المتلقي مع الشعر في أي شكل من أشكاله التعبيرية وفي أي تجل من تجلياته الجمالية، وفي أي مظهر من مظاهره الأدبية، وفي أي صورة من صوره القديمة أو الحديثة، وفي أي زمان من الأزمنة الغابرة والحاضرة، وفي أي مكان من الأمكنة المندثرة أو القائمة.. ما أجمل أن يتعاطى المرء مع هذا الكائن الفريد من نوعه، المختلف عن غيره تحت مظلة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "=" إن من الشعر حكمة "="(1)..
    وما أحسن أن يلتقي المتلقي مباشرة مع الشاعر أو المبدع وهو يلقي أشعاره أو إبداعاته بأدائه الشخصي وطريقته الخاصة: برفع صوته وخفضه وتمويجه واللعب بأوتاره، بتطويل مونيماته أو تقصيرها، بمد فونيماته أو تقليصها، بإبراز تفاعلاته وإخفائها.. بارتسامات وجهه وتحريك شفتيه، وبإغلاق عينيه أو إجحاظهما، ، بضحكاته وابتساماته وسكتاته ووجماته، بتنهداته وزفراته وشهقاته، بانفعالاته الوجدانية وتفاعلاته الجماهيرية.. باهتزازات جسمه وحركات بدنه يمنة ويسرة، بالتلويح بيديه راسما من خلالها أشكالا ورموزا دالة للرائي وبالتفاتاته المعبرة عن اهتمامه بمن معه من المتلقين.. وبتحكمه في إيقاعات الهدوء والاضطراب في المكان والزمان والإنسان..
    ما أروع أن يتحقق ذلك الجمع، وأن يتم هذاك التلاقي بذلك النوع المتميز والشكل المتفرد من الإبداع الأدبي والشعري منه على الخصوص في مكان فريد من الأماكن المتميزة، وفي فضاء عبق من الفضاءات الشاعرية التي تليق به جماليا وإبداعيا وفنيا وتصويريا وتواصليا.. وما أروع أن يتمثله المتلقي بكل وجدانه وعواطفه وذاته وهيئته بل بكله، في الزمان الذي يناسب ويتناسب مع الإلقاء والملقي والملقى والمتلقي..
    وبذلك تتشكل لوحة قزحية بألوانها المتناغمة وأشكالها المتجانسة وصورها المتموسقة.. وتكتمل الروعة بتلاقي مكونات اللوحة الشعرية.. تلك المكونات التي تتجلى ابتداء من الملقي نفسه/الشاعر المتألق في إبداعه وإلقائه.. مرورا بالمتلقي مستمعا ناقدا متذوقا للشعر متفاعلا مع صوته وهو يجوب الآفاق ويخترق أفق القاعات.. وانتهاء بالفضائين (الزماني والمكاني) الذين يضمانهما ويحنوان عليهما، ويشاركانهما عرسهما الشعري والشاعري.. دون أن ننسى الملقى/الرسالة التي تحمل في طياتها أهدافا إنسانية وأدبية وجمالية.. وكذلك الإلقاء/الطريقة التي تتميز بخصائص معينة ومقومات محددة.. كل هذه المكونات تتفاعل فيما بينها لتعطي في الأخير ذلك الصرح الأدبي العظيم..
    وما أفضل أن يتعامل ذاك المتلقي الناقد مع ذلك الشاعر المبدع بكل طريقة فعالة تظهر الشعر/الملقى موشى بحلية شاعرية رائعة وجمالية مؤثرة ومؤسرة.. وتبرزه منغما بإيقاعات موسيقية ترقى به إلى سماء المتعة الهادفة.. وتبين مدى تحكمه في المشاعر والوجدان بلغته وبلاغته وفصاحته حتى وهو في لهجته المحلية أو عاميته العربية.. ومدى أسره للإنسان برمزيته وتصويره وفنيته إلى درجة الأسطورية.. ومدى سحره بموضوعاته وواقعيته وبجماليته وبيانيته وخياليته.. كل ذلك وغيره يتداخل ويتقاطع ويتكامل ويتفاعل تحت شعار قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "=" إن من البيان لسحرا "="(2)..
    ما أجمل أن يتم هذا التعاطي مع ذاك الكائن الراقي في إطاره الأصلي الذي لزمه منذ بروزه في حياة البشرية فنا قوليا متميزا تحفل به الإنسانية إلى درجة الهذيان، وتهتم به إلى درجة التقديس، وتتفاعل معه إلى درجة التماهي.. ولا تخلو ثقافة من الثقافات قديمها وحديثها، ولا حضارة من الحضارات بائدها وقائمها، إلا ونجد لهذا الكائن الإبداعي الحي مكانا راقيا ومكانة سامقة وصوتا مسموعا وصيتا محمودا وأنصارا كثرا..

    ولقد كانت للشعر عند العرب على الخصوص مكانة مرموقة ودرجة رفيعة ومستوى عال في حياتها العامة والخاصة. فالعرب ترتبط بالشعر ارتباط الإبل بالحنين – إن صح حديثا شريفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم– "لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين"(3) ولن تدعه أبدا وأنى لها ذلك وعليه شبت وشابت وربت وتربت وهاهو الواقع المعيش يقوم دليلا على ذلك.. لا لشيء إلا لأنها دأبت على الاهتمام به ذلك الاهتمام البعيد جدا حتى أصبح هذا الفن القولي والخطاب الأدبي – كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - "علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه"(4).. وكما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه: "الشعر ديوان العرب" (5).. أو كما قال ابن سلام الجمحي إضاءة لقولة ابن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "كان ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به يأخذون وإليه يصيرون"(6) بله إن عبد الله بن قتيبة يذهب إلى أن الله سبحانه وتعالى: "أقامه (أي الشعر) مقام الكتاب لغيرها (أي من الأمم) وجعله لعلومها مستودعا ولآدابها حافظا ولأنسابها مقيدا، ولأخبارها ديوانا لا يرث على الدهر ولا يبيد على مر الزمان"(7) ثم إن الشاعر ارتقى مدارك عالية في الحياة العربية حتى غدا عنوان الشرف وسيف الحماية وعلم الكرامة وراية الفخر وميسم البطولة ومعينا على الأفراح والأعراس ومواسيا ومساندا في الأحزان والأتراح، مما أدى إلى الاحتفاء به أيما احتفاء إذا نبغ في قبيلة من القبائل العربية.. يقول ابن رشيق: " كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنؤون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس ينتج "(8) وهكذا بقي العربي في حله وترحاله وحتى في نفيه (الصعاليك أنموذجا)، في نومه ويقظته وحتى في حلمه، في فرديته وجماعيته وحتى في قرارة نفسه، في بيته وسوقه وحتى في نواديه، بين أهله ودويه ومع رفاقه وأصحابه وحتى في علاقاته مع أعدائه.. في حربه وسلمه في توتره وهدوئه.. كان دائما على صلة وطيدة وارتباط وثيق وعلاقة حميمية بالشعر إبداعا أو رواية أو سماعا أو إنشادا أو استنشادا أو غناء.. كما بقي على ارتباط وثيق بالشعراء والمبدعين اهتماما واحتفاء وتقديرا منذ العصور الغوابر من الجاهلية الأولى إلى ما بعد الالتزام بالإسلام..

    ما أروع أن يتم التلاقي بعالم الشعر في إطاره الشعري ومحيطه الشاعري الذي يرتكز فيه مبدعه على الإلقاء المباشر مع المتلقي سواء المفروض والذي يمثله الحضور الذي يفرض نفسه بالذات والصفات والأعمال على الملقي/الشاعر.. أو المتلقي المفترض وهو ذلك الذي يمكن أن يتابع الإلقاء عن بعد من خلال البرامج الفضائية المباشرة التي تنقل لقاء الشاعر بجمهوره المفروض.. أو التداول الشفهي من خلال وسائل التواصل المتاحة كالأشرطة السمعية والمرئية والأقراص المضغوطة والشبكة العنكبوتية وغير ذلك.. ما أروع هذا التلاقي الإلقائي بين الملقي والمتلقي.. مما يزيد الشعر الملقى رونقا وجمالا وبهاء وعذوبة وسلاسة، وينسبه إلى أصالته ويعود به إلى حيث البدء والابتداء ويرجع به إلى حيث الأصول والعراقة والجذور.. يعود به إلى منابعه الأولى حيث البراءة والصفاء والتلقائية والعفوية، ويرجع به إلى منابته الأصيلة حيث الإبداع والابتكار والنبوغ والرفعة والعبقرية.. كل هذه مقومات إذا صحبت الشعر فإنها تجعل منه كائنا حيا يسري بين الملقي والمتلقي عبر الإلقاء في شكل تيار (شعر بائي/كهربائي) يحمل في طياته من الترابط الوجداني والتفاهم الروحي والتواد العاطفي والتقارب العقلي وحتى التآثر الجسدي ما يجمع بين الثلاثي الإبداعي المكون للعملية الإبداعية والمتجلي في ما اصطلح على تسميته بـ:


    الملقى/المرسلة الشعريةــ>الملقي/المرسل/الشاعرــ>المتلقي/القارئ أو السامع أو المشاهد
    عبدالرزاق المساوي

    الهوامش والمراجع:
    1. صحيح البخاري بحاشية السندي دار المعرفة بيروت/لبنان 4/73 تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي المباركفوري صححه عبد الوهاب عبد اللطيف دار الفكر الطبعة الثالثة 1399هـ/1979م..8/135 وجاء في كتاب "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للشيخ الألباني 6/838 (إن من الشعر لحكمة) أخرجه البخاري في صحيحه وفي الأدب المفرد وأبو داود والدارمي وابن ماجه والطيالسي وأحمد وله طرق أخرى (صحيح) وله شواهد منها بلفظ:إن من الشعر حكما وإن من البيان سحرا.( صحيح ) وسببه أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بين، فذكره.
    2. البخاري نفسه 3/251..والجامع الصحيح للإمام مسلم النيسابوري. الموسوعات الإسلامية دار الفكر 3/12.. وتحفة الأحوذي نفسه 6/175..
    3. يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب" العمدة في صناعة الشعر ونقده" لابن رشيق القيرواني المكتبة التجارية – القاهرة/مصر الطبعة 2 السنة : 1955.. الجزء الأول الصفحة 30..
    4. طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي تحقيق محمود شاكر طبعة المدني/القاهرة الجزء 1 الصفحة 24..
    5. العمدة في صناعة الشعر ونقده لابن رشيق القيرواني المكتبة التجارية – القاهرة/مصر الطبعة 2 السنة 1955 الجزء 1 الصفحة 65
    6. طبقات فحول الشعراء المرجع نفسه..
    7. تأويل مشكل القرآن أبو محمد عبد الله بن قتيبة شرح ونشر أحمد صقر المكتبة العلمية-المدينة المنورة الطبعة3/1981.الصفحة:18.
    8. العمدة في صناعة الشعر ونقده لابن رشيق القيرواني المرجع نفسه..
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: حديث عن روعة تلقي الشعر 
    ...... الصورة الرمزية د.ألق الماضي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    الدولة
    بين الكتب
    المشاركات
    10,196
    مقالات المدونة
    12
    معدل تقييم المستوى
    31
    رائع ما قرأته هنا أخي المساوي...
    بورك قلمك...
    بانتظار المزيد...

    ألقٌ من السِحرِ ..أم سِحرٌ بـهِ ألقُ
    وفي حروفِكِ يأتي البدرُ والشـفقُ
    وحِـسُ قلبِكِ أثْـرَىَ لحنَ أغنيتي
    فصـار قلبي على كفَّـيْكِ ينطلقُ
    أأكتبُ الشّـِعرَ أم أُهـديكِ قافلةً
    من الورودِ عليها القلبُ والحَـدَقُ
    ورمزُ اسمـِكِ مكتُوبٌ على شَفَتي
    من قبلِ أن يُولدَ القِرطاسُ والوَرَقُ
    ثروت سليم
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: حديث عن روعة تلقي الشعر 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    أعتقد بعدما قرأت المقال

    أنه مربدي بجدارة
    (وينساق , في الجو , همس المطر .......... ليرعش بالحب غصن الشجر)
    "حين أفكر في الغبطة التي تبعثها هذه الكلمات في عطفي, فإنني أدرك قيمة الدور الذي يؤديه الجرس اللفظي والقافية في القصيدة, إن الكلمات تفيء إلى الصمت, ولكن موسيقاها تظل ممتدة, ويبقى صداها موصلاً بالسمع, وهكذا فإن المطر ما يزال يهمس وأوراق الأغصان ما تني ترتعش حباً, حتى الآن في ذاكرتي"
    رابندرانات طاغور

    حياك الله
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: حديث عن روعة تلقي الشعر 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    10
    معدل تقييم المستوى
    0
    الأخ الكريم المساوي..
    بالفعل..
    إن في إلقاء الشعر روعة ،تدفعنا للقول إن حقّ الشعر أن يُلقى على الملأ،أما حين تًعرض القصائد في صمت، فهي كالموؤودة،فلمَ نقتلها وبيدنا أن نحييها جمالاً يصدح به الكون..؟!
    وكم من نص شعري باذخ فقد روعته لسوء إلقائه،وكم من نص ازداد بهاءً وروعة لحسن إلقائه..
    لقد أضأت بهذا الموضوع مساحة جميلة فشكراً لك.
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: حديث عن روعة تلقي الشعر 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية احمد خميس
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    مصر
    العمر
    61
    المشاركات
    294
    معدل تقييم المستوى
    18
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ملف خاص عن شاعر الاسلام الأول محمد اقبال...روعة وجمال
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22/04/2014, 10:11 PM
  2. روعة الحب ......محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06/01/2014, 08:12 PM
  3. هدية للمنتدى_مصحف بالفلاش روعة جدا .....
    بواسطة علاء سكوت في المنتدى إسلام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 15/08/2008, 06:58 PM
  4. قصيدة روعة
    بواسطة د/محمد رفعت الدومي في المنتدى الشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28/12/2006, 04:19 PM
  5. برنامجين روعة من جوجل مجانا
    بواسطة مؤمن بالله في المنتدى حاسب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02/06/2006, 11:22 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •