النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: ثدي أمي

  1. #1 ثدي أمي 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    736
    معدل تقييم المستوى
    19
    ها هو مرة أخرى ينتظر و كم يكره الانتظار .كل السائقين خائفون من هاته الطريق و لم يبقى للغروب سوى ساعة و بعدها يوضع الحاجز و تغلق الطريق. كل وقت يمر يعني انه لن يدخل منزلهم الليلة و لن يرى أمه و كم هو مشتاق إليها وقد تركها منذ أكثر من عامين مريضة و ما زال يذكر يوم ودعها و هو عائد للثكنة وقتها كذب عليها و قال لها انه ذاهب لاكادمية شبه عسكرية و الدراسة فيها مثل الجامعة وانه لن يكون عرضة للخطر فالعسكرية كانت تعني العودة في تابوت بالنسبة للأمهات. و هو يعبث في أدويتها وجد دواء لا ينصح للحامل و كانت حامل فنصحها بالتوقف عنه ثم رحل ليسمع بعد شهر أنها أنجبت قبل الأوان بعد يومين من ذلك . و هاته الأخت التي تبلغ اليوم عامين فهل ستتعرف إليه . المهم ان شوق اللقاء كان كبيرا و عليه ان يصمم على ان يكون في بيته الليلة نعم فطالما فعل ما يريد عندما يصمم فللأقدار عدو واحد هي الإرادة.
    ينتظر كم ممل الانتظار وكم هي مغرية نظرات فتاة الشارع تلك إليه .لتمنيه على الأقل بفراش دافئ إن هو اضطر إلى المبيت هنا الليلة . لكنه يتمنى التوبة التوبة عن كل النساء إلا أمه .
    ها هي سيارة قادمة الظاهر ان السائق شاب فهذا يسهل المهمة .
    خوي تولي .
    و الله خوي ياخي علابالك الطريق صعيبة و تتبلع على 6.00
    خوي الكوراج و رانا كيف كيف نخلصلك الروحة و المجيء و ما تخممش في المبات .
    و الله يا خوي بالاك الباراج
    ما تخافش من الباراج نفوتوه قبل الستة.
    لم يرد ان يقول له بأنه مسلح و بان له صلاحيات اجتياز الحواجز الأمنية لان ذلك يعني للسائق بان لا أمل له بالحياة أن هو وقع في حاجز مزيف لهؤلاء الذين لهم حكم الليل .
    يالله خوي نتكلوا على الله و ربي يستر .
    تنفس الصعداء فسيبيت في منزله الليلة وسيطفئ شوقه لامه و إخوته و لن يكون عليه الانتظار للغد يغمز العاهر التي بدت عليها الخيبة ففريستها راحلة و ينطلق يسرع السائق في الطريق قبل نزول الليل .و بعد ساعتين هاهو يدخل مدينته .الله كم أنت جميلة و كم أنت تتلألئين بين الجبال كالجوهرة و كم كنت انقم عليك قبل اليوم و كنت أسميك القطة التي تأكل أولادها لكنه نقم الحبيب لا يحس وجده إلا بعد الفراق .
    .بعد دقائق هو أمام منزلهم الذي لم يتغير و الذي لم يحبه قط فهو ما زال يحن للمنزل القديم البسيط منزل أمه أين قضى طفولته و التي لم تظن به عليه بعد مغادرته المنزل رغم معارضة أبيه يومها قالت له *البيت بيتي و أنا حرة فيه و لن ادع ابني يفترش الشوارع*هكذا هي الأم حتى الزوج ورفيق العمر يهون امام الابن و فلذة الكبد أما هذا البيت فليس لديه فيه سوى ذكريات شجاراته مع أبيه .
    ما هذا الصمت يطرق الباب يسمع صوت ولد صغير لعله أخته الصغرى. شكون. شكون. لا يرد. يريد ان يفاجئ الكل .يفتح الباب ... وتنطلق الصغيرة في البكاء و هي تشاهد هذا الغريب الضخم يعانق أختها تلك التي لم ترى أخيها قط .
    كيف الحال و الله غيبت علينا وخيي و توحشناك .
    يتوحشك الخير. أرواحي عند خوك .تبكي الصغيرة و تختبئ وراء أختها رغم إلحاحه .
    عندها الحق هذا خوك البراني اللي تقول ما عندوا فاميليا .
    و الله يا وخيتي العذر وين راها لميمة و علاش الدنيا راها ساكته . لميمة راها في دزاير تجيء غدوة .
    شوف ميمون حابس هذا نجيء متوحش اما و ما نلقاهاش .
    غدوة تجيء و تفرح بيك راه غير انت في بالها .
    يتعشى وينام لأول مرة بعد خمس سنوات في بيت أبيه كيف سيتقابلان غدا فلطالما كانا كالأعداء .
    يأتي الصباح بسرعة . الله كم هو جميل النهوض صباحا بعد كل هاته السنوات يرغب في التجول في بحيرة السد أين كان يأخذ قيثارته ليردد أغاني *فرنسيس كبرال و عبد الوهاب الدكالي* و يغازل بنات القرية تلك القيثارة التي حطمها أبوه بحجة ان العزف حرام و علم بعدها ان احدهم كان يواعد ابنته اشتكاه لأبيه . كم غضب يومها فقد كلفه شراؤها صائفة كاملة من العمل كأجير. يومها كاد ان يقدم على ضرب أبيه من الغضب لكنه آثر أن يغادر البيت على أن يقدم على ذلك و كم يشكر السماء انه لم يفعل لأنه لم يعد فهل كان سيسامح نفسه لو فعل فهو لم يعد ينقم أبدا على احد ثم إنه أبوه وليس أحد فعندما يتعلم الإنسان مواجهة الموت في كل لحظة تصبح كل المشاكل التي كان يراها كبيرة صغيرة والأحقاد لا ذات معنى فكم تسخر منا الحياة بتنا قضاتها.
    في العاشرة تدخل أمه البيت تتقدم نحوه بشوق و تحتضنه بقوة إحساس كئيب جعله لا يحتضنها بقوة رغم شوقه وهو الذي كان يلوح بها في السماء حزن غريب اشتاحه فجأة لم يستطع أن يستشفه حرمه فرحة اللقاء .
    هاهو والده الذي احتضنه بقوة وشوق على غير العادة .ثم جلست ممسكة يد ابنها و كأنها تراه لأول مرة. يلاحظ تغيرا في ملامحها لم يعهده فشقرتها تعلوها الشحوب كما أن بدانتها غير طبيعية .
    لميمة راك سمنتي واش راك تاكلي
    . خير ربي يا وليدي .كل اللي يجيء من ربي مرحبا به .
    يجيء من ربي تستوقفه الكلمة هناك شيء لا يعرفه و هذه الكلمة تعني البلاء.
    لكن علاش الشيخ بابا راه يبان ناحل
    .يبتسم الاب ابتسامة مقطبة فلطالما كان يضايقه بالتعليقات
    يستطرد الاب نخلو أمك ترتاح راها عيانة من السفر .
    و يجلس هو و أبوه و لأول مرة منذ أكثر من خمس سنوات .يطرق الأب ثم يبدأ .
    وليدي يماك راها مريضة و راها تدير في *لاشيمي ترابيت*العلاج الكيميائي*
    يغوص و لا يتفاجئ فقد اعد نفسه منذ قليل للمفاجئة ورغم هذا فالألم ينحره و يطرق في صمت كئيب.
    يحس أبوه صمته . لا يا ولدي ما تقلق إنشاء الله خير لقد أجريت لها عملية ناجحة و استأصلوا لها الثدي اليسرى و احتمالات معاودة المرض ضعيفة حسب التشخيص ولقد جرت العملية بعد رحيلك بشهر لكنها لم ترد ان نقول لك حتى لا تقلق .و هي في مرحلة العلاج الكيميائي النهائي .ثم اطرق .... يجلس قليلا في صمت ثم يخرج فلم يعد يحس نفسه قادرا على تحمل الصمت.
    يعود ظهرا عليه الذهاب إلى البيت و إلا فسيثير قلقهم يدخل يجد أمه على عادتها في المطبخ تعد الشاي يلاحظ تثاقلها بل كادت تسقط هي دائما هكذا لا تستكين و قد أورثته طبعها فطالما كانت كالجمل فسقوطه يعني موته يتقدم نحوها و يحتضنها انها تحتضنه بالجهة اليمنى لا يستطيع ان يرى يسراها لا يتمالك ان يرى ثديها المبتور يجلس كأنما يراها لأول مرة انها امه لكن بدون ثديها اليسرى عليه أن لا يظهر كآبته فهي تجيد قراءته نعم لا احد يستطيع قراءته غيرها و يذكر عندما كان يدخل إلى البيت و كيف كانت ترمقه بنظرات ازدراء عندما يرتكب فعلا قبيحا و تقول له*إلا الشر يا ولدي فقلبي ما يرضاش عليك نسمع عليك العيب*كانت هاته الكلمة تقهره و ليس غيرها ما يقهره و يذكر انه لم يكن يعرض مروءة بالآخرين و خصوصا النساء بل مروءة بأمه حتى لا تسمع عنه ما تكره .
    **** أرواحي عند خوك الصغيرة ما زالت لم تتعود على هذا الغريب تمسكها أمها تقربها منه يمسكها كم هي جميلة هيا قبليني . تقبله الصغيرة في خجل يجلسها فوق ذراعه تسكن له هاته المرة يحس بالراحة بشيء من نشوة يداعب الصغيرة التي تبتسم لتضفي قليلا من البهجة على هاته الكآبة تمسك رأسه بيديها يا الله هو من ظن نفسه قويا يلتمس القوة بين ذراعي هاته الصغيرة و يتمنى لو يبكي بين ذراعيها .
    تجتمع العائلة على كأس الشاي لم يتغير شيء نفس النكت نفس الحكايات اللهم إلا ملامح القسوة التي تحولت الى حنو في وجه ابيه المنهك وهذا الحزن الكئيب الذي يلف القلوب و الذي يريد الكل إخفاءه في مكابرة فمجيئه ذكرهم بما خانته الذاكرة فالذاكرة هي التي تخون وليس صحيحا أننا ننسى فالذكريات هي من تعاود زيارتنا مرة و مرة و بدون دعوة فاليوم عليه تقبل أمه بثدي واحدة تلك الثدي راحت قطعة من أمه رحلت و عليه أن يبتسم و أن يكابر يخرج بعد العصر
    أين يذهب لا مكان يحسه يتسع له كل الأماكن تضيق لا مهرب له إلا بار المدينة أين كان يقضي أوقات جنونه و مجونه و هو ليس بحاجة إلى الجنون أو المجون بل إلى الهروب . الهروب من واقعه .الهروب من ثدي أمه.
    ثدي أمي أيتها الأقدار ألا تخجلين ...أمك أيها الرذل الذي طالما فكر في نسبية الخير و الشر في نسبية العهر و الطهر يا ابن فلسفة كامو ها هي فلسفة أمك البسيطة الأمية تعلمك فلسفة جديدة تقلب كل مفاهيمك فلا احد يعلم بأمرك و أمر الرصاصة التي بوركك و التي بسببها آثرت القطيعة و كتمت أخبارك إلى أن شفيت ولا تحمل همك لكنك لم تكن وحدك كانت مثلك.....ما زالت كلمات أبيك ترن في أذنك فهي لم تكن تردك أن تعرف أنها كانت تصارع المرض الخبيث في وقت كنت تكتم عنهم .
    و ها أنت من جديد تحاول الهروب من نفسك و لا مهرب لك لا أنيس غير كأسك و كنت بالأمس تحلم بحفلة الشواء تحلم بأختك التي لم تعرفها ولم تعرفك .تحلم بلقاء إخوتك و بحفلة الشواء التي كانت تقيمها امك كل شهر كتقليد عن أبيها أين تجتمع كل العائلة و دعواها الدائمة لله بان لا يفرق شمل عائلتها وبان يجمعها على الإيمان به الايمان به تتردد هاته الكلمة باعماقه و تتحول الى علامات استفهام .
    أيتها الكأس اسقني فأنت ارحم من القدر ليس غيرك ما أحتاجه الآن لا صديق ولا حبيب و لا صلاة أنت فقط من يجعلني أحس أني انتقم. انتقم لثدي أمي . آه يا كأس لا أنت رويتي فمي ولا أفنيتي شرابي.. اشرب ولتدع الأحزان تعوي فثدي أمي هو في إحدى المزابل كيف لم تحتمل أنت الذي طالما داست أقدامك الجثث ورميت في المزابل إلى ان صار البشر عندك لا فرق بينهم وبين الشياه . الثدي الذي أرضعني أكله الدود قبل أمي .نعم كل ما كان يؤرقك ان يأكلك الدود قبلها لأنك كنت تشفق عليها أسى ثكلك كنت ترتضيه لنفسك لحبك لها لكنها أحبتك أكثر فهي التي لم تكن تردك أن تعلم و اليوم لم تستطع أن تنعي ثدي أمك.. اشرب...حتى تتمالك نفسك فالسكر لن يزيدك إلا صحوا يا دماغ الفيل تتمنى لو تشرب كل كؤوس الدنيا لتذهب عنك ألم اللحظة لكنك تزداد صحوا .....فمن ينسيك الم اللحظة لاشيء ..يا من ظننت نفسك أقوى من القدر..يبكي في صمت ويطلب رحمة القدر
    التعديل الأخير تم بواسطة رزاق الجزائري ; 25/06/2007 الساعة 07:45 PM سبب آخر: غلط املائي
    قد تهزم الجيوش لكن لن تهزم الأفكار إذا آن أوانها
    رد مع اقتباس  
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •