طنجة الدوليةبينالمَلَكيّة والجمهورية
{ مقالة تحليلية استشرافية }


هل عودة شمس المغرب مدينة طنجة إلى وضعها الذي كانت عليه عندما كانت مدينة دولية يمكن أن يكون اليوم مطلبا ديمقراطيا؟
وهل تقسيم المغرب إلى ملكية في الوسط أو الجنوب، وجمهورية في الشمال يمكن أن يكون هو الآخر مطلبا ديمقراطيا؟
وهل الحكم الذاتي لأي مجموعة تطالب به يمكن أن يكون مطلبا ديمقراطيا كذلك؟
فشلت مساعي المغرب في إنهاء مشكل الصحراء الغربية وفق ما خطط له، تدرجت تلك القضية في سلم الحلول، وعاني منها الشعب المغربي والشعب الصحراوي عقودا من الزمن، كما قلق لها الشعب الموريتاني والجزائري والليبي لوجود أنظمتهم ضمن المشكلة في فترات من تاريخ القضية؛ فضلا عن قلق ذوي المفقودين والمقدر عددهم مغربيا من طرف الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء الغربية بـ : 700 مفقود.. ثم سقطت القضية في المساومة بعد أن سقط بسببها أرواح من الجنود المغاربة والمقاتلين الصحراويين، وأثقلت كواهل شعوب ساهمت أنظمتها بالإنفاق عليها من اقتطاعات طالت أجرتها ووظيفتها وتجارتها وراحتها النفسية.. وسقطت أيضا أرواح من المقاتلين من صحراويين وغيرهم.. ثم في 30 أبريل لسنة 2007 دعا مجلس الأمن المغرب وجبهة البوليساريو للتفاوض دون شروط ليجهز بذلك على كل المساعي، وليضيع الدماء التي أهرقت للقضية، والأرواح التي أزهقت لها منذ سنة 1975 من القرن الماضي، والأموال التي صرفت لأجلها..
ولست هنا بصدد استنطاق المداد وإرهاب القلم ليكتب ما يرضي فلانا أو علانا، كلا، أنا هنا بصدد تحليل الوضع لاستشراف غاياته، ومحاولة تلمس استثناءاته، أنا هنا من أجل ربط هذا الذي حصل ( وقد نشطت الدبلوماسية الأمريكية عن طريق جيمس بيكر سابقا وخنفسة الدفن كندليزا رايس لاحقا عن طريق سفيرها في واشنطن روبير فورد الذي وصف المشروع المغربي للحكم الذاتي المقترح بأنه :" مشروع فارغ " جريدة الأسبوع، الجمعة:11 مايو 2007 صفحة:8 عكس وصف السفير الأمريكي في الرباط الذي وصف نفس المشروع بقوله أنه:" أحسن مبادرة في الدنيا" المصدر السابق، وكذلك ملحقها التابع لوزارة الخارجية الأمريكية؛ الأمم المتحدة من أجل الوصول إلى هذا الوضع ) بما يجري في شمال المغرب، بالريف المغربي تحديدا، وما يمكن أن يحدث لو أن شعب طنجة بادر إلى المطالبة بإعادة مدينة طنجة إلى الوضع الذي كانت عليه حين كانت مدينة دولية ترفرف عليها أعلام فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها تحت مظلة فكرة العصر الخبيثة؛ الديمقراطية.
ماذا لو تمت المطالبة بعودة طنجة إلى الوضع الدولي كما كان ذلك سابقا ورسم حدودها وفرض التأشيرة للدخول إليها؟
ماذا لو بدأنا نلاحظ تحركات ـ التحركات موجودة منذ زمن بعيد ـ تستهدف الوصول إلى هدف إقامة جمهورية في شمال المغرب؟
ماذا ونحن نراقب نشاط كثير من الأمازيغ للوصول إلى الحكم الذاتي الذي لولا تنازل الدولة المغربية وتفريطها في حق شعبها بشأن الصحراء منذ ولادة ما يسمى بالاستفتاء في عهد الحسن الثاني إلى اقتراح الحكم الذاتي في عهد محمد السادس لما تشجع أحد أو هيئة للمطالبة بذلك؟
هل سيعود المغرب إلى التقسيم الاستعماري القديم مغرب وسط ، جنوب، وشمال، ووضع طنجة مدينة دولية تعشش فيه ( حكومات ) أجيرة لدى المستعمر والمحتل كما كانت حكومة علاوي سابقا، والمالكي اليوم في العراق مثلا، أم ستبرز أنواع من الاستقلال محدودة في الريف ومنطقة سوس؟
لاحظنا في مدينة الحسيمة بمناسبة عيد العمال لهذه السنة ـ سنة 2007 ـ تظاهرة من الحركة الثقافية الأمازيغية تحمل يافطات كتب عليها:(( الحركة الثقافية الأمازيغية بشمال المغرب تطالب بالحكم الذاتي بالريف )) وقد نشرت ذلك الدورية الأسبوعية : (( جريدة أنوال اليوم )) في الغلاف العدد 12 مايو 2007، وأشارت إليها بعض وسائل الإعلام الأخرى، وهذه المبادرة لم تأت من فراغ، بل جاءت من ثقافة انتشرت منذ عقود بمنطقة الريف نظرا لتظلمات ظل الأهالي يرددونها طوال عقود، ويورثونها لأبنائهم حتى غدت ثقافة تتربص بالفرص لتطفو على السطح، ابتدأ ذلك أواخر الخمسينات من القرن الماضي بحملة عسكرية قتلت أمازيغ ـ ريفيين ـ متمردين على سلطة الدولة، وعاث فيها الجنود المغاربة فسادا في حملتهم التي طالت أعراض الناس لدرجة أن فر النساء والفتيات من الاغتصاب ليلقين بأنفسهن في البحر ومن قمم الجبال؛ والتي حضرت جزئيا كمشروع انتقامي في انقلاب الصخيرات الذي قاده الجنرال المذبوح والكولونيل اعبابو سنة 1971 وانقلاب الطائرة الملكية الذي قاده الجنرال محمد أوفقير وأمقران سنة 1972 من القرن الماضي على العرش المغربي، ثم ختم ذلك بحملة يناير سنة 1984 بمدينة تطوان ـ يذكر أن كثيرا من سكان مدينة تطوان سكان أمازيغ ريفيون ـ التي ابتدأت انتفاضة سلمية من تلاميذ بعض المدارس يوم الأربعاء 18 يناير من نفس السنة ضد غلاء المعيشة والزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية لتتحول إلى حركة حمّلت الدولة المغربية مسؤوليتها للإسلاميين والماركسيين اللينيين، و " هذا كلام فارغ كان الغرض منه التغطية على حملة القمع التي تلت الأحداث، إذ لم يكن ممكنا له ـ أي للحسن الثاني ـ أن يقول إن السياسة الاقتصادية هي التي أدت إلى انفجار شعبي " جريدة الصحيفة المغربية في استجواب من كان من ضمن من تنكر لهم بسبب الأحداث رفاقهم في النضال من أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تطوان وعلى الصعيد الوطني وقد عرفوا برفاق الشهداء السيد: عمر بودعاوي من ضحايا الأحداث، العدد:19، 27 يناير 2 فبراير 2006 ، صفحة: 19.
نعتت الدولة تلك الانتفاضة الشعبية بالشيوعية فاتهمت الجناح الراديكالي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتدبيرها، واتهمت أيضا منظمة إلى الأمام والطلبة القاعديين لسحب غطاء المساندة عليهم لتنتهي بقتلى حسب التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة لا يتجاوزون 13 قتيلا، وتصريحات لشهود عيان تفيد بأن القتلى تجاوزوا مائتي قتيل وقد حملوا جثثا هامدة فجر اليوم الأول من فبراير سنة 1984على متن شاحنات، ثم دفنوا دفنا جماعيا في أربعة مقابر لم يظهر منها إلا مقبرة واحدة بالثكنة العسكرية " زوادة " في طريق تطوان ـ خميس أنجرة ـ؛ مع بعض حالات الاغتصاب التي اقترفها بعض الجنود عند مداهماتهم الدور والمساكن بجبل درسة تحديدا، " ذلك أن أكثر عمليات إطلاق الرصاص تمت في الأحياء الهامشية مثل جبل درسة " المصدر السابق في استجواب لمراسل جريدة البايس الإسبانية السيد: دومنغو دِلْ بينو Domingo Del Pinoالعدد: 19، 27 يناير 2 فبراير 2006 صفحة: 17 ، " حتى أن بعض الأجهزة الأمنية طلبت من الأسر ثمن الرصاصات التي تم بها قتل أبنائها " المصدر السابق، نفس الصفحة، هذا دون ذكر 943 سنة من الأحكام وزعت على المعتقلين، وإتلاف أرشيف المستشفى المدني لسانية الرمل بغية مسح أي آثر يمكن أن يؤدي إلى كشف حقيقة المصابين والموتى الذي أودعوا المستشفى حينها؛ فضلا عن الذين قضوا تحت التعذيب. ومن ضمن من سجن وحوكم بعشر سنوات سجنا وهو مختل عقليا المدعو: أحمد أمحيح. وأما محمد الزناكي فقد فقد ذاكرته بسبب صدمات التعذيب في مصلحة الأمن والمعروف بـ : " الشوافة " ليقضي ما يزيد عن تسع سنوات سجنا، ثم قضى..
وجاءت اللحظة المناسبة لصناعة الإرهاب من الطغيان العالمي فهيمنت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بمسرحية إسقاط البرجين على العالم الغربي عامة، والعالمالعربي خاصة، وأخافت دوله بتلك التمثيلية القذرة، وأرهبت حكامه بورقة الإرهاب الذي بات أغنية بالية وسيمفونية مقيتة يستذرع بها اللص والدموي والسادي للسيطرة على خيرات الشعوب ومقدراتها والتحكم في سلوكها وفرض نمط تفكيري وثقافي عليها، واعتبرت كل من لم يسر معها ضدها، فقبل الجميع بالوضع الجديد تحت ضغط الخوف باستثناء أفراد وجماعات رفضوا مشروعها، وتصدوا لمخططاتها في البلاد العربية والإسلامية التي بسطت يدها عليها، لن يتركوها تهنأ بالاحتلال والهيمنة وتشرب نخب النصر طالما بقي فكر التحرير يسكن أدمغة حرة ولو وصفوا بجميع صفات القبح، لن يسمحوا للظالم بالاستئساد ولو كلفهم ذلك كل غال ونفيس، ومن يسر معها يقاتل نيابة عنها كل أنواع المقاومة من فكرية ومادية وروحية سيكون بذلك عدوا لشعبه وأمته والإنسانية لا يحرص إلا على الكرسي والعرش والمصلحة الشخصية.. لقد انكوى بتصرفاتهم الحي والميت، واشتكى لظلمهم وجبروتهم الشجر والحجر وكل الكائنات..
وفي طنجة المغبونة التي خضعت للظلم السافر منذ جلاء الاستعمار عنها ولم يزل؛ تدور ثقافة العودة وكأنها حاضنة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين، كأنها لبنان أو سوريا أو العراق، أو الأردن.. تدور ثقافة العودة هناك إلى البلاد التي ’هجّر منها أهلها قسرا، وتدور هنا ثقافة العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل انضمام مدينة طنجة المتأخر قليلا إلى جسم الدولة المغربية.
تنتشر تلك الثقافة وتعشش فيها ويذكيها الظلم والإحباط، والجهل والتخلف.. فمن جانب الظلم تمت سرقة كثير من أملاك شعب طنجة منها الهبات التي أوصى بها الملياردير السيد: دوق دو طوفال لشعب طنجة فقط دون غيره، وقد كانت تلك الهبات تقدر بالبلايين من مالية وعينية في المغرب وإسبانيا، وصى الهالك لشعب طنجة برصيد بنكي ثقيل، ومجوهرات ثمينة، وعقارات منتشرة في إسبانيا.. اشترك في تقاسم المسروق من شعب طنجة لصوص وقحون، وعاين السرقة وسكت عنها مسئولون كبار ينتمون لوزارة الداخلية المغربية فكانوا بذلك شركاء يشبهون أصحاب من تعاطى فعقر، وحملت أمتعة ومقتنيات ثمينة من بينها ساعة حائطية ضخمة في شاحنات إلى مقر إقامة عامل طنجة في الجبل الكبير حينها السيد: الكيسي، وسجل في لائحة الخيانة لشعب طنجة مستشارون أغلبهم بدو لم يرع حق الإقامة في مدينة أحسنت إليهم، ملكوا مقاعد في المجالس النيابية والبلدية بالتزوير وشراء الذمم، ثم ختمت الجعجعة بدعاية خبيثة جعلت مستشارا سابقا ومدير جريدة طنجة يحاكم بثلاث سنوات سجنا نافذا في قضية أملاك دوق دو طوفال وهي لم تكن لذلك بحيث لم تجرّ معها لصوصا كبارا إلى السجن وتنتزع منهم المال العام المسروق كواجب فترده إلى أهله، بل لأن السجن كان لجنحة أخرى تم إلصاقها به حتى ينجو هو أولا لأنه مستشار سابق معني بالمال المسروق، وحتى يغلق ملف القضية الذي لن يغلق أبدا ثانيا.
ومن ضمن مرافق شعب طنجة خاصة، والشعب المغربي عامة؛ بحر طنجة المتوسطي والأطلسي وغاباتها التي صارت تدمّر وهي رئة طنجة لتحويلها إلى تمثال إسمنتي بليد يعكس بلادة المسئولين وجشعهم وظلمهم مدينة طنجة.
شواطئ طنجة وسواحلها لم تعد ’ترتاد إن ليلا أو نهارا إلا تحت المراقبة والعرقلة، بل إن صيادي السمك ليلا ’يمنعون من غشيان البحر، يطلب من الناس تراخيص، أو يطلب منهم وضع بطاقاتهم الوطنية عند الذهاب إلى صيد السمك، كل ذلك بسبب انتشار الجيش في الشواطئ والسواحل الشمالية بحجة محاربة الهجرة السرية وتهريب المخدرات.. ومن الطريف حقا أن حراسا يعانون متذمرين، فمن جهة الأحذية دون شماتة وبغرض لفت النظر إلى معاناة الأجراء في المغرب كله وهم منهم من هزال الدخل الشهري الذي لا يفي بالحاجات الأساسية لا يلبس بعضهم إلا السبادرين يشتريها من ماله الخاص لوعورة المسالك التي لا تترك حذاء إلا خربته، وهم يتعايشون مع الصيادين فلا يمنعونهم من صيد السمك لبعض الإكراميات كتدخين " الكيف " معهم ـ مخدر الشيرا المخلوط بطابا ـ وتذوق " الدّْكّا " ـ شاي منعنع في قارورة ـ أو في طرمو حافظ عليه دفئه يجلبه الصياد..
وبمناسبة الحديث عن تهريب المخدرات دعوني أروي لكم قصة طريفة حصلت مع عائلتي في بداية الثمانينات من القرن الماضي حضرت’ بداية فصولها واستكملت’ الأخرى بروايات:
أخذت أمي وإخوتي للاستجمام في شاطئ البحر الأبيض المتوسط بمنطقة طالع القرع، نصبنا خيمتنا وقررنا قضاء أيام وليالي فيه، وفي الليلة الأولى وكنت مغادرا ساعتها إلى المدينة؛ قدم رجال من خفر السواحل بزيهم العسكري وطالبوا عائلتي بالرحيل، فما كان من صديق لي إلا أن تذرع بالكذب على أمي وقال لهم أنها ضريرة، فردوا عليه أنهم سيحملون عنهم كل متاعهم، وسيحملون الضريرة أيضا إلى الطريق العام وقد هيئوا لهم فوركونيط تعود للجيش ينقلونهم بها إلى مكان آخر، فرض طلبهم بلباقة، وقبل الدخول فيما ليس منه بد عند مثل هذه المواقف برز بدوي من أهل القرية، وكان بين عائلتي امرأة من قرابته؛ رمقها، فعرع إلى قائد الفريق وأخبره، ثم قدم الضابط وطمأن الجميع وأقرهم على المكوث بإذن فيه ما فيه من الخشية على زوال هيبة العسكر، وتوبيخ الضمير على التمثيلية المكشوفة لأهل طنجة، وفي منتصف اليل ظهرت رؤوس في أعلى الجبل تطل وسط شجيرات الدوم وكأنها لمعز ترعى ليلا، وسمع أزيز محركات تداعب الظلمة والماء، ثم ظهر المخبوء فكانت عملية تهريب السلع من الأثواب يمارسها سكان قرية طالع القرع وسيدي قنقوش.. ويحميها الحراس، ويشارك في حملها بأجرة؛ نفس أفراد عائلتي.
إن البحر الأبيض المتوسط من طنجة إلى مدينة سبتة ـ بل إلى غمارة بعد سبتة ـ والمحيط الأطلسي إلى مدينة أصيلا ـ بل بعد أصيلا وإلى غاية ضريح سيدي بوسلهام التابع للعرائش ـ وهو فضاء هيام شعب طنجة؛ صار ممنوعا على الناس لا يستطيعون التنقل فيه بحرية، وشعب طنجة سمكة تعشق البحر، وطير تعشق الغابة، وسدّ’ هذه المرافق عنه ظلم وموت له..
باتت غابات طنجة ’تفوت من الرباط لأفراد لا يهم من يكونوا، الذي يهم أن ملكية الشعب العامة، وهي ملكية لكل وافد إلى شمس المغرب من أي مكان بحيث من حقه الاستمتاع بها، والانتفاع بمرافقها، هذه الغابات بدأت ’تفوت، ويوقع على صكوك التفويت وزير المالية فتح الله ولعلو، هذا الجبان الذي زبن زبانيته أمام آلاف الحضور فانتزعوا الميكروفون من يدي عندما كنت’ بصدد تسفيه كلامه وتخطيئه في قاعة سينما موريتانيا بطنجة عند حملة حزبه الانتخابية التي أعقبت دخول حزب الاتحاد الاشتراكي حكومة التناوب بدهاء من الملك الراحل الحسن الثاني الذي لم ينتزع عنهم لباسهم ليعريهم ويفضح وصوليتهم أمام الشعب فقط، بل انتزع جلودهم وقضى على خلاياهم الجذعية في سنة 1998، هذا الوزير التقدمي الذي طالما عادى الرجعية والرأسمالية بات عدوا لمبدئه الاشتراكي وفكره، ولو كنت’ رجعيا مثله لنصحته بالتأميم بدل الخوصصة، لقد بات مفوتا بامتياز، يستميت في تعرية شعب المغرب ولا يرضى إلا بسلخ جلده عن لحمه، هذا البطل للخوصصة يتصرف في أملاك الناس والدولة تصرف التاجر والمنتج ورجل الأعمال، ولا يتصرف تصرف الراعي والمسؤول والحامي لأملاك الشعب والدولة، وأنى له ذلك وهو لا يملك ثقافة المسؤولية، صحيح يجوز للدولة تأجير بعض أملاكها، أو بيعها لإقامة مصانع أو منشآت اقتصادية مثل ما يجري في طنجة في الميناء المتوسطي، ولكن ليس على حساب نزع ملكية الناس المشروعة باسم قانون نزع الملكية الجائر، فقبيلة أنجرة منذ طردهم من الأندلس وهم يملكون أراض ويتوارثونها ويخصصون منها ما يحبسونه ويوقفونه وقد حكمهم التوثيق والعرف، وحين تنتزع أملاكهم بحجة أنهم لا يملكون وثيقة تثبت ملكيتهم لأرضهم كالأراضي الوقفية والمحبوسة.. فإن ذلك ظلم لهم وسرقة موصوفة لأراضيهم تعتمد الحيلة الخبيثة، ويكفي ذكر ما انتزع باسم القانون من أراض تعود لأصحابها الشرعيين في أنجرة أنها تنتزع منهم ويعوضون عنها قسرا بأثمنة عتيقة، أو أثمنة يقدرها من يضع يده عليها، ثم تملك لغيرهم بيعا وبأثمان خيالية، فثمن المتر المربع الذي يدفع للبدوي عن أرضه المسروقة لا يتعدى مائة درهم، أي 10 أورو تقريبا، ومنها ما لا تتعدى ثمان دراهم، أي أقل من أورو واحد، ولكن بيعها قد وصل إلى 7500 درهم، أي ما يعادل 750 أورو للمتر المربع، وهذا فضلا عن فنون الظلم للناس الممارس من طرف فنانين كبار هو الجزاء الأوفى للآمنين منذ قرون في بلادهم التي نزلوا بها عند طردهم من الأندلس، وتوارثوها في أعقابهم ليأتي بعدها المتاجرون من بعيد يدعمهم القانون الجائر فيبيعونها فوق أظهرهم العارية، وتحت أعينهم الدامعة..
جد اللصوص وسال لعابهم فتراموا على الأراضي الجماعية للجماعات السلالية التي تملك شهادة إدارية من طرف ممثلي وزارة الداخلية تثبت ملكيتها لثلاث قطع أرضية مقدرة بما يزيد عن:14 هكتارا في أرض تدعى أرض محمد، وأرض مقيال الجباري، وأرض الخربة وبها ما خصص للمقبرة؛ مقبرة كزناية، ومدارس ابتدائية لبني مكادة القديمة دون اعتبار للظهير الشريف المؤرخ في 25 محرم 1335 ـ 21 نوفمبر 1916 الذي ينص على تحريم تفويت الملك الجماعي، والغريب في الأمر أن عمليات البيع غير القانونية تتم بعلم قائد أحد الغربية، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى الضغط:" على نواب الجماعة السلالية للانصياع لرغباته وإلا كان مصيرهم العزل" جريدة: طنجة. العدد: 3381 السبت: 24 يونيو 2006 / صفحة: 4 .
جد أعداء البيئة والمناطق الخضراء كديدنهم منذ ابتليت بهم طنجة الثكلى يزورون الوثائق بتواطؤ مع موظفين وسلطات ليقيموا في أملاك الجماعة تماثيل إسمنتية من عمارات عبارة عن علب سردينية بغية الربح المادي..
وفي جهة أنجرة تحول اللعاب إلى دم يسيل من أنياب حادة تقضم حقوق الناس وتسطو على ملك الغير بالقوة وتزوير الوثائق ومباركة مسؤولين مثلما يجري في مدشر الشعيرات بجماعة البحراويين التابعة لعمالة فحص أنجرة ..
وعن كارثة عمال مقالع الرمال بطنجة فقد تم إيذاع السجن بعض المنتفضين من سكان البادية المحاذية للشاطئ الذي يتعيشون من رماله، تم توفيت شاطئ هوارة على حساب تشريد 5000 عائلة، وتم الحكم بستة أشهر نافذة مع غرامة 1000 درهم ـ 100 أورو تقريبا ـ على المنتفضين على الظلم، وكانت المحاكمة صبيحة 19 ـ 20 أبريل سنة 2006 تظاهرة كارثية حضرها مآت السكان من دوار هوارة والزياتن والدعيدعات والجبيلة ومديونة.. واستنكرها المجتمع المدني والهيئات السياسية والحقوقية والنقابية دون جدوى..
ويعلم الله بقية ما سيقدم من كوارث عندما يتقرر بشكل نهائي إقامة مدينة صناعية بتكلفة 240 مليون أورو لمستثمرين بحرينيين وإيطاليين..
’فوّتت غابات مديونة لمستثمر أردني بعدما تقدم في سنة 2002 بطلب إقامة مشروع سياحي عدما يئس من الاستحواذ على غابة الرميلات وكان قد اقتنى من الشركة الفرنسية CH.M العقار 277 T على مساحة 48 هكتارا من هذه الخميلة الخلابة التي تقف متبخترة قبالة جبال الأندلس، ثم منع على عهد الوالي محمد حلب باعتبارها محمية طبيعية، وليست هي وحدها محمية طبيعية، بل معها غابة مديونة، وكل الغطاء الغابوي الممتد حتى رأس سبارطيل المطل على المحيط الأطلسي، استبدلت غابة الرميلات بغابة مديونة لإقامة 360 فيلا يشاع أنها مخصصة لشواذ وممثلين وأرباب المال من العالم الثري على مساحة 360 هكتار من أصل 48 هكتار وهي المساحة الإجمالية لغابة مديونة الجميلة التي توجد بها أشجار نادرة، وأشجار لا توجد في بقية القارة الإفريقية، وهي محمية طبيعية ناضل المجتمع المدني من أجل ألا ’تفوّت، واحتج وكتب الصحفيون الغيورون، ثم حسم الأمر بتدخل فاضل بن يعيش المدير السابق لديوان الملك ليفرح في الأخير عمدة مدينة طنجة الإرهابي البيئي بامتياز السيد: الدحمان الدرهم بتحقيق أمنيته التخريبية، ولم لا وهو المترشح الذي لم يأت من رحم طنجة حتى يشتق من رحمها الرحمة فيرحمها، ولا يملك أي مصداقية لا هو ولا أي مستشار آخر جاء من انتخابات مزورة، وبالتالي لا يمثلنا نحن أبناء طنجة؟ ولكم تتأذى آذاننا عند سماع تجاوزات المخربين للمناطق الخضراء في كل البلاد، في أكادير مثلا ’تحوّل هكتارات من المناطق الخضراء وكأنها فيلة ضخمة تذبح ويوزع لحمها على وزيرين من الحكومة الموزمبيقية وليس الحكومة المغربية الحالية، وتوزع أيضا على مستشار بمجلس المستشارين، ووزير ابن وزير سابق، وأحد أعيان الصحراء، وبرلماني من جهة العيون.. لتحويلها إلى إسمنت يعكس جشع قلوب اللصوص وسوداويتها، ما هم إلا أعداء البيئة وأعداء الأجيال القادمة، وما هم إلا قتلة الفرحة باللعب والنزهة والمرح في أعين أطفالنا، ما هم إلا عصابة تعشق الإسمنت ولا تستنشق إلا غازات الدرهم..
الوزير الاشتراكي فتح الله ولعلو كما ’يعرف، والرأسمالي كما يظهر لا يميز بين الملكية الفردية وملكية الشعب وملكية الدولة، وبالتالي لا يعرف ما يباع وما لا يباع، ما يخوصص وما لا يخوصص، وهو لم يكتف بمس أملاك الشعب والأمة من مثل الغابات والأنهار والبحار والبحيرات والقنوات الكبيرة والسدود والطرقات والأحراش والمراعي والمساجد، وما يحتويه باطن الأرض من مواد صلبة كالمعادن، وسائلة كالنفط والغاز وغيره، بل تعداه إلى أملاك الدولة من مثل الصحارى والجبال وشواطئ البحار والوديان والشركات والأسهم في الداخل والخارج وموات الأراضي الحاملة لشروط الموات، والأراضي غير المملوكة للأفراد بوجه شرعي إن بيعا، أو شراء، أو هبة، أو إرثا، ولن يهدأ له بال حتى يسلم كل شيء للأفراد، والأخطر وقوع ما يفوّت في يد الأجنبي؛ حتى إذا قرر هذا الأجنبي الاستغناء عن عمالة المغرب استقدم عمالته من أي بلد يشاء، وإذا أراد التصرف في أمواله بما يمس حياة الشعب، فله ذلك، والنتيجة فوضى واضطراب ومظاهرات وفقر وتجويع وولاءات مقسومة واقتتال.. لن تدفأ كف الوزير ولعلو بتسلّمه شيكا بمبلغ 2,2 مليار درهم من طرف المجموعة الفرنسية CMA – CGM عن خصخصة كوماناف، بل ولا بخوصصة ما تبقى وعينه عليه كشركة جرف الموانئ " درا بور " التي فوت مجموع رأسمالها إلى الشركة الغابونية " ساطرام " المملوكة للمغربي لحسن جاخوخ، وأربعة في المائة من شركة اتصالات المغرب، وعشرين في المائة من رأسمال شركة التبغ لصالح المجموعة الإسبانية ألطاديس، والتفويت الكلي للشركة الوطنية لتسويق الحبوب " سوناكوس " التي تمتلك فيها الدولة 82 في المائة من رأس المال، وتفويت كل حصة الدولة في الشركة الشريفة للأملاح التي تملك الدولة % 50 من رأسمالها، وتفويت شركة الإنتاج البيولوجي والصيدلي والبيطري " بيوفارما " المملوكة للدولة، وتفويت شركة الملح المحمدية المملوكة كليا لمؤسسة شبه عمومية، وتفويت مائة في المائة من حصة الدولة في الشركة الشريفة للفحم والخشب " سوكوشاربو "، وتفويت % 62 من رأسمال شركة الآجر والأنابيب شمال إفريقيا.. كل ذلك فضلا عن كونه إرهابا بيئيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا كما أعتقد، واعتداء على الأجيال القادمة في سرقة حق الانتفاع بالمرافق التي لن تجد منها شيئا، فهو إلى جانب ذلك كله ’محفِّز قوي، ومغذٍّ غنيّ لثقافة العودة إلى الوضع القديم لمدينة طنجة، للوضع الدولي، سيشرّع الباب على تفاصيل عنصرية تحدد أحقية الطنجاوي، وتعيّنه بمقاييس لن يرضاها أحد، وذلك كأن نحدد كم جد مولود في أم المدن المغربية ينبغي أن يكون للمنتسب إليها حتى يكون فعلا طنجاويا، ستصبّحنا هذه الثقافة في بلادنا نقيم مؤقتا بتراخيص وتأشيرات وكأننا في أوروبا أو أمريكا أو أستراليا.. وبه يكون الوزير وحزبه الذي لا يردعه يساهمون جميعا في انصداع جماعة شعب المغرب..
لا تذهبوا للاستثمار بزيمبابوي فالأرض هناك تباع بعشرين دولارا للهكتار الواحد، وإن أبيتم إلا الذهاب فسنتعقبكم إلى هناك ولن نسمح لكم بالقضاء على المناطق الخضراء، بل لن نسمح لكم بالقضاء على المحميات الطبيعية التي تحوي حيوانات إفريقية جميلة، وأنبهكم إلى أن زمبابوي تحتضن لصوصا للشعب الجنوب إفريقي وغيره وهم أكثر شراسة منكم، وأحرص على المال منكم، فاحذروا أن يضموا أموالكم المسروقة إلى أموالهم بعد أن يصيبوكم في مقتل مادي أو معنوي.
لم تنفتح شهية الجشعين من أصحاب العقول الإسمنتية والثراء المشبوه إلا بعدما ولد مشروع إقامة ميناء متوسطي في طنجة، وازدادت على خلفية ترشيح طنجة لاحتضان المعرض الدولي لسنة 2012.
اذهبوا من فضلكم إلى كوكب آخر ودعوا لنا الصالح صالحا، فالشجرة المقطوعة وجدها قاطعها قائمة، فهي إذن نافعة وصالحة، فليبْق الإنسان الصالح على صلاحه، وإذا أبى إلا أن يفعل شيئا مضافا إليه فليضفْ إلى الصلاح صلاحا آخر لنقله إلى صيغ المبالغة حتى يكون الشيء أصلح وأجمل وأنضر وأبهى.. وليكفّ يده عن البيئة.
لن أخوّفكم بقولي أن طنجة ستكون قريبا لبنانية، لن أخوفكم ببلقنة شمال إفريقيا، لن أهز جشعكم بقولي أن دعاة الانفصال سيجرون إلينا المصائب والويلات وسينقلون طنجة وتطوان والحسيمة وأصيلا والعرائش.. إلى ساحات صراع واقتتال، لن أخوفكم بهذا حتى ترحلوا عنا، بل لن أقول إلا قولا واحدا هو:
كفى استغباء لنا، فلسنا كما تتصورون، واستنبات الشر قد تجاوز مرحلة البذور وظهر ساقه ويكاد يشتد عوده.
نحن في المغرب أمام سياسات متعاقبة فاشلة لا تعِد بشيء، وهذه السياسات هي التي ستدمر المغرب، وبوادر الدمار لا تلوح في الأفق فقط، بل هي قائمة، وقد بدأتفكريا وثقافيا وإعلاميا.. ويكفي النظر إلى الهوة الشاسعة بين أبناء الشعب المغربي، يكفي النظر إلى مشكل الفقر والسكن والشغل والتعليم.. انظر مثلا إلى كثرة التظلمات والاعتصامات أمام مجلس النواب، انظر إلى حوادث محاولة الانتحار بالحرق وشرب السوائل السامة، انظر إلى من يختبئون في الأحراش والغابات ومعهن نساء يتظاهرن بالحمل في الطرقات وهن يتربصن بالضحايا للإيقاع بهم، انظر إلى الأوتورات التي أصبحت مكان تكسب بحيث توضع الأحجار وسط الطريق، أو ترمى على السيارات من أجل أن تقف، أو تنقلب؛ لسلبها ولا يهم موت أصحابها أو إصابتهم بعاهات مستديمة أو جروح.. كما يكفي النظر إلى العش الذي بناه الملك محمد السادس لتفقس فيه دعوات ودعوات؛ الأمر يتعلق بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي كان لمستشاره ورفيقه عندما كان وليا للعهد في المدرسة المولوية حسن أوريد اليد الطولى في استنباته، انظر مثلا إلى دعوات الأمازيغ الذين شرعوا يحسسون الناس أنهم أمازيغ فكريا وحضاريا، وليس إسلاميا، إنهم كفراعنة العصر أمثال حفيد لطفي السيد في مصر يفرعنون الحضارة والثقافة واللغة، أولئك يفرعنونها، وهؤلاء يميزغونها.. ولحسن الحظ أن أغلب الأمازيغ يرفضون إعطاء الولاء لغير الإسلام وحضارة الإسلام، انظر إلى الاستذراع المشبوه في دعوتهم إلى تدريس اللهجة الأمازيغية وفرضها على المغاربة في مناهج التعليم.
دعوني أقف عند هذه النقطة لأخاطب العقلاء من كلا الطرفين، فنشر اللهجة الأمازيغية، أو اللغة الأمازيغية حتى لا يغضب علينا أحد؛ لن يفيد في شيء، لأن فرض اللغات ينبغي أن يبنى على الغاية منها، وعلى ما ستجنيه الشعوب والأمم من فرضها، واللغة الأمازيغية لن تفيد في شيء، وليس الأمازيغية فحسب، بل كل لغة لا وجود لها في الموقف الدولي، ولا وجود لها في العلم التجريبي، هذه اللغات يجب إبعادها عن مناهج التعليم لأن فرضها غش فظيع، وعمل شنيع يؤخر الشعب والأمة خلاف فرض اللغة التي تواكب العلم التجريبي مثل اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والصينية.. هذه اللغات إذا بادرت دولة ما إلى فرضها، فمن خلالها يستطيع المتعلم كسب العلم التجريبي في الفيزياء والطب والفلك والجيولوجيا والإعلام الإلكتروني.. وهذا ’ملح ومطلوب، بينما فرض اللغة الأمازيغية لا يفيد في ذلك، ونفس اللغة العربية بالمناسبة، وهي لغة حضارة الأمازيغ والعرب والطورانيين والأكراد وكل شعب يدين بالإسلام، هذه اللغة أيضا يخطئ من يفرضها في العلوم التجريبية بطريقة التعريب، يخطئ كل من يعمد إلى تعريب العلوم التجريبية، لأن ذلك لن يضعها في المشهد العلمي، ولن يقعدنا مقعدا مناسبا، إذ سنظل دائما منتظرين التعريب، وفي الانتظار غش ومضيعة للوقت؛ خلاف تعلم لغة العلم التجريبي، فإنها ستجعلنا جنبا إلى جنب مع المتقدمين علميا من حيث الفهم، ومن حيث المبادرة بالمواكبة، وبذلك نستطيع تحقيق قفزة علمية تمكننا من قول لا لمن يسرق خيراتنا ويحتل بلادنا؛ الأمر على الأقل يتعلق بصناعة السلاح للدفاع عن اختياراتنا التي تتناقض مع الإملاءات التي تفرضها علينا دول تبيح لنفسها ما تحرمه علينا باسم الديمقراطية فوبيا، انظر إلى المغرب في مجال التسلح فكم عقد مضى دون الاهتمام بهذا الجانب، وإذا اهتممنا به وتسلحنا جيدا بما يردع الأعداء فهل سنستعمله ضد جارتنا الجزائر؟ كلا، لسنا أعداء.. وانظر إلى إسبانيا المحتلة لبعض بلداننا والحليفة لمن تقبع قبالة طنجة في كاديس بقاعدة عسكرية ضخمة نصبت فيها صواريخ الباتريوت البليدة، ماذا لو اعتدي علينا؟ انظر إلى الجزائر التي بدأت تهتم بالتسلح، فهل ستستعمله ضدنا؟ كلا، لسنا أعداء.. وعليه فنفس لغتنا الحضارية؛ اللغة العربية لا يصح اعتمادها في العلوم التجريبية، لا يصح ذلك، إن فرضها يؤخرنا عن مواكبة التطور الحاصل في العلوم، لأن المواكبة لن تكون إلا بلغة العلم التجريبي، فكيف بلغة لا تملك وجودا في الشعب المغربي، ولا تملك حضورا في الثقافة والأدب والمعارف؟ ولا يعني هذا رفضها، أو محاربتها، كلا، بل يعني عدم فرضها على نفس الأمازيغ؛ وفي نفس إقليم الريف ومنطقة سوس تحديدا حتى لا يظل الأمازيغ متأخرين، ولا ’يمنع أحد من تعلم أي لغة في الجانب الشخصي سواء انتفع بها، أم لم ينتفع، فاللغة لا تتعلم إلا لحاجة فردية في جماعة عرقية تتعلق برغبة إيصال ما يراد خارج الذات وسط الجماعة، أو للحفاظ على الهوية والإرث القومي كما يفعل الأمازيغ بأبنائهم وهم صبيان يعلمونهم لهجتهم في بيوتهم وبيوت عائلاتهم، وهذا جميل؛ بحيث تجد الصبي منذ خطواته الأولى يتكلم لغتين أو لهجتين، يفعل ذلك كل أقلية لا تسود لغتها المجتمع، ومن حقها ذلك، يفعل ذلك نفس الذين يتكلمون العربية في أوروبا وأمريكا مثلا، وهذا لا شيء فيه، ولا أظن عاقلا يطالب بسيادة اللغة العربية في أمريكا أو أوروبا أو الصين أو أستراليا أو اليابان أو غيرها قبل سيادة المبدأ الذي ’حمل بواسطتها، بل إن إيران مثلا ورغم زعم تطبيقها للإسلام لا تتبنى اللغة العربية لغة رسمية في البلد رغم استعمال حروفها للكتابة؛ الشيء الذي كان يجب أن لا يحصل على مستوى الدولة والمؤسسات العمومية.. وقد مر على الدولة العثمانية قرون دون اهتمام حقيقي باللغة العربية علما بأن هذه الأخيرة الوعاء الحافظ للحضارة والمبدأ الإسلامي.. وحين ’تطرح مثلا تجاوزات في حق اللغة الأمازيغية والأمازيغ من طرف بعض الجمعيات كجمعية أوسان بميضار في مدينة الناظور، والشبكة الأمازيغية لا بأس من الوقوف على تلك التجاوزات الحقيقية أو المزعومة لنكتشف أن الأمر لا يعدو كونه استنهاجا كاذبا لا يتعلق إلا بتغطية الأعمال بتظلمات ’يقصد بها التمهيد لفرض اللغة الأمازيغية، فماذا في تظلمات تشير إلى أن بعض الأمازيغ لا يتكلمون العربية، فكيف يدافعون عن أنفسهم قضائيا؟
والجواب على ذلك أن هذا لم يكن قط. وكانت قضايا قضائية ولم تزل يتم تداولها بغير الأمازيغية، ’تتداول باللغة الفرنسية واللغة العربية من نفس قضاة ومحامين أمازيغ، فما معنى وجود هذه التظلمات اليوم ؟ وما معنى التحالفات من طرف الجمعيات الأمازيغية تحت إطار النسيج الجمعوي لرفع مذكرة مطلبية إلى تنظيمات سياسية مغربية لا تمثل الشعب المغربي إلا في البروباكاندة قبل استحقاق مصفوع بعزوف الناس عن الاشتراك فيه ليأسهم من كل الوعود، ولتلبد إحساسهم بالنتائج المطبوخة دائما ومنها نتائج 7 شتنبر القادم من السنة الجارية والتي تلح لوضع مزمن بحل جميع الأحزاب السياسية المغربية التي تدعمها الدولة ماديا، والتي عند الانتخابات تصرف أموال باهظة عليها وصلت في الانتخابات الفائتة 150 مليون درهم، وخصص لهذه السنة 200 مليون درهم وكلها أموال مهدورة لا ينبغي صرفها في هذه الجهة لفقدان الأحزاب مصداقيتها، هذه الأحزاب لا تمثل حتى المنتسبين إليها، وأحيانا لا تمثل إلا أفرادا من عائلة الزعيم ورئيس الحزب نظرا لعدم أهليتها لقيادة الشعب، ولغشها له طوال عقود طويلة من الزمن، والقائد لا يغش جنوده، والرائد لا يكذب أهله، وكذلك حل المؤسسة التشريعية وإلغاؤها نهائيا، إلغاء البرلمان بمجلسيه وصرف الأموال المخصصة له والمقدرة في ميزانية 2007 بـ :444613000 درهم والتي تفوق ميزانية القطاع الاقتصادي والشؤون العامة 59612000 درهم، وقطاع قدماء المقاومين 45770000 درهم، وقطاع الثقافة 213827000 درهم، وقطاع الرياضة 94743000 درهم، وقطاع التجارة الخارجية 30280000 درهم مجتمعين؛ في أمور تنفع الشعب؟
إن المرافعات والمحاكمات باللغة الأمازيغية لو كانت تؤدي غرضها لما تردد القضاة والمحامون في عرضها وتداولها بتلك اللغة، ولكن اللغة الأمازيغية لغة خاصة بحيث هي لغة هوية وقوم، وليس لغة أمة، إنها لغة يتعلمها الأمازيغي ليتحدث بها إلى بني قومه، وهذا لا شيء فيه، وأما الإشارة إلى الحق في الترافع باللغة الأمازيغية، فهو كالحق في الترافع باللغة العبرية إن ’قدم مدان لا يفهم اللغة التي يزاولها القضاة والمحامون ليتداولوا بها القضاء، وعندها وكحق مكتسب يجب إحضار مترجم، وهذا لا شيء فيه تفعله الدول الأوروبية، ويكثر ذلك في إسبانيا بسبب الهجرة السرية للبدو غالبا من المغرب، وأهل الجنوب الذين لا يعرفون حرفا أو كلمة واحدة باللغة الإسبانية، ( اليوم صاروا يتعلمونها ) فتجد السلطات تهرع إلى إحضار مترجمين إلى مخافر الشرطة والكوميساريات، وإلى قاعات المحاكم، وهذا كما قلت حق مكتسب لا شيء فيه، ولا يجب الاستذراع به وجعله مظلمة.
وفي التعليم يركزون على الميثاق الوطني للتربية والتعليم في فصله التاسع بمادتيه 115 و 116 التي تعتبر الأمازيغية بموجبها مادة للاستئناس يجوز الانفتاح عليها وترك مأمورية تدريسها للاختيار الجهوي والإقليمي ولرغبات المسئولين في هذه الجهة أو تلك، هذه النقاط التي حصل عليها دعاة الأمازيغية لا يقبلون بها إذ يرغبون في فرض اللغة الأمازيغية فرضا في مناهج التعليم، يودون استخراج تراخيص، واستصدار قوانين يحققون بها رغبتهم، ونحن بما ورد من رعاية وعناية للغة الأمازيغية من طرف الدولة المغربية نسجل ظلم هذه الأخيرة وعدم نضجها في معالجة الشأن اللغوي الأمازيغي الخاص، نسجل ذلك، ولكننا نعلن كسياسيين أن ذلك لم يحدث إلا لإرضاء الأمازيغ، وهو إما أن يكون فعلا غير مسئول، أو هو دفع إلى تخريب النسيج الوحدوي للشعب المغربي.
وفي مجال الإعلام ترفع التظلمات عن قلة المنابر الإعلامية الأمازيغية في المغرب، علما بأن هناك منابر إعلامية تافهة جدا، وباللهجات المحكية، فقد نبتت دوريات وإذاعات ولم تزل، فما عليهم إلا الإسراع لاستصدار تراخيص من الدولة المغربية التي باتت تقيم وزنا مقلوبا لهذا التنوع المضر، ولست بكلامي هذا أدعو لمصادرته، كلا، بل أدعو إلى إيجاد إعلام جاد وهادف لا يستنبت في محيطه إعلاما تافها مثله..
وإذن فإن سياسة التعليم المغربية في جميع حقول المعرفة تتخبط في التناقضات، وتسبح في الضبابية، لا وضوح فيها، ولا استنارة تكتنفها، وقد بسطت أمريكا يدها عليها لتزيدها فسادا ونتانة، لا، بل طاولتها بمستشار أمريكي من أصل فارسي " كانيباسيري "الذي انسحب إعلاميا تحت وقع الضغط الإعلامي وبقي عمليا يملي على وزير الأوقاف المغربي الذي تعرف إليه عندما كان هذا الأخير طالبا زائرا في جامعة هارفارد، وقد أقر الموظف الأمريكي في مقال نشر علي موقع جامعة ريد الأمريكية التي يعمل بها بأن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق ـ البوتشيشي ـ هو الذي عرض عليه ـ وهو عرض غاية في الإخلاص لهذا الشعب ـ تولي مهمة إصلاح منهاج الدراسة في دار الحديث الحسنية..
إن فرض القيم والمثل، وإلزام الناس بطريقة حضارية معينة قسرا، وحملهم على نمط حياتي معين بالإرهاب لهو الإرهاب عينه، والترويع الحقيقي ذاته، والخسة نتيجته، وبذلك ستجعل منا هذه التدخلات المغرضة أجانب في بلادنا؛ ولا عجب، فالاستعمار والاحتلال قد فعل ذلك بين الشعوب العربية، ولم يزل، لا يزال واكفا كالبومة على بيض فاسد لن ينتج إلا فسادا، إنه حريص على الإبقاء على كل فكر وكل وضع يساعد ويساهم في الإبقاء على أسباب الفرقة والتمزق رغم دعوات الحركات المخلصة التي تدعو إلى الوحدة والاندماج..
إن أي تساهل، وإن أي تنازل من أجل تجزيء المجزئ، وتشتيت المشتت جريمة لا تغتفر، والدعوة إلى ذلك دعوة انفصالية عدوانية بصرف النظر عن الفكرة التي تغلف الدعوة والتي تقف في مقابل دعوة الوحدة والاندماج بين الشعوب التي تحمل مقاييس وقناعات ومفاهيم وأفكار واحدة موحدة؛ وهي الديمقراطية، فهذه الأخيرة فضلا عن كونها خيالية باتت ديمقراطية فوبيا، وديمقراطية فاشية، وديمقراطية سادية، وديمقراطية نطح ولحس وقتل وسلب ودم.. يجدر بنا رفضها جملة وتفصيلا ولن نعدم خيرا منها طريقة وأسلوبا لحياتنا كالمَمْدَرية، وإلا فنحن في شركها نتقلب كالسمك الذي يحتضر..
ماذا لو كانت المطالبة بالحكم الذاتي للأمازيغ فضلا عن كونها مشجعا قويا على التميز العرقي في بلد لم يعرف إلا الانصهار والوئام والوحدة والأخوة المبدئية منذ قرون بفضل حضارةالإسلام الذي جعلت المسلمين أمة واحدة من دون الناس وإخوة تجمعهم عقيدة حضارتهم وتحكمهم شريعتها، وفي ثقافتها رفض للقومية التي اعتبرتها نتنة ونعتت الداعي إليها بالداعي إلى جاهلية؛ مجرد توطئة للمطالبة بفصل شمال المغرب عن جنوبه وإعلان الجمهورية كما أعلنها بطل المعركة الشهيرة أنوال التي قادها وخاضها محمد بن عبد الكريم الخطابي باسم الإسلام والجهاد وليس باسم الأمازيغية، والتي تكبد فيها الإسبان 15 ألف قتيل وفيها أيضا وبسبب المحاصرة شرب الجنود الإسبان أبوالهم؟
ماذا لو دعم الإسبان دعوات الانفصال لإلهاء المغاربة عن مدينتيهم سبته ومليلية والجزر الجعفرية، وغذاها بالمال، وأمدها بالسلاح، وأدخلها المحافل الدولية، وجعلها قضية إنسانية، وقضية تقرير المصير، وتصفية الاستعمار؟
ماذا لو ابتلي المغاربة بانفصاليين مرتزقة ( إنهم موجودون أفرادا وجمعيات يعملون بخجل يجب فضحهم وتجريمهم ) ووجد من يسندهم محليا ودوليا؟
لا شك أنها ستكون كارثة على المغاربة وعلى الأحرار الذين يرفضون التجزئة والتمزق والتفرقة ويخشون من عودة سايكس بيكو في حلة جديدة يرتديها بوش وبلير وتسمى اتفاقية: بوشبليرو..
لقد ’فرض على الشيوخ والقواد والمخاتير( المقدمين ) المغاربة في فترة معينة تعلّم الأمازيغية، فالتزموا بتعلمها، يحملون في أيديهم دفاتر وأقلاما ويذهبون للتعلم، ولكنهم سرعان ما ملّوا ذلك التعلّم وأهملوه، لم يتعلموا تلك اللغة، ولم يواظبوا على الذهاب إلى أقسام التعلم المخصصة لها، هؤلاء لولا أوامر الداخلية المغربية لما التزموا، ومع ذلك أهملوا الأمر لعدم واقعيته، ولفراغه من الجدوى، فلم تلزمهم الداخلية، أو تعاقبهم على تخلفهم..
من يقيم مكتبا للسياقة مثلا يريد به أن يعلم الناس السياقة فليترجم مادة التعليم إلى الأمازيغية، ولكن شرط أن تكون لغة قانون السير حتى تجدي، وإذا فرضها حتى تعلمها الناس وجاءه من لا يتكلم الأمازيغية، فعليه أن يترجم المادة من الأمازيغية إلى لغة الزبون ليعلمه بها ما دام لا يفقه اللغة التي يستعملها، ويبقى نفس الشرط قائما، وهذا بسيط لا يعالج بفرض اللغة التي يراد لها أن تحل محل لغة اختارها الشعب واصطفاها وأحبها لما تحمله من حضارة، ولما في رحمها من قدرة على التعبير عن مبدأ الشعب وشريعته فصارت اللغة العربية هي لغته الحقيقية، وليس الأمازيغية على فرض أنها لغة، وهي ليست كذلك، إنها لهجة لا تنفع في التعبير عن أبسط شيء، فكيف بالتعبير عن أهم شي؛ فضلا عن كل شيء؟
وبشأن دعوات غريبة فهنالك من يدعوا إلى الرحيل عن المغرب، يدعوا العرب ـ جبالة والعروبية ـ أن يرحلوا عن شمال إفريقيا لأنهم دخلاء عليه ومستعمرون جاءوا بالإسلام، وبلغة الإسلام وفرضوها قسرا على الأمازيغ، وعليه فقد نضج الأمازيغ وصاروا يرفعون تظلماتهم، والدعوة صادرة عن أمازيغ الجنوب بمنطقة سوس هذه المرة، وليت تلك الدعوة تجرأت فطالبت ملك المغرب بالرحيل عن المغرب هو الآخر ما دام من أب عربي، أم سيشفع له كون أمه أمازيغية؟..
ماذا عن أولئك الذين سافروا من المغرب واستوطنوا الخليج العربي مثلا وهم من أصول أمازيغية، هل يتم طردهم هم أيضا ؟ وإذا طردوا فهل سيستقبلهم الأمازيغ ماداموا من قومهم ويسمحون لهم بالاستيطان بالمغرب بلدهم الأم أم لا؟
وماذا عن أبي البشرية الذي استوطن إفريقيا، ثم تفرق أبناؤه في الأرض واستعمروها بالتعبير اللغوي؟ ما يكون مقياس استيطان غير قارة إفريقيا وربما البقعة التي نزل فيها آدم ووجد بها؟
وماذا عني وأنا أنحدر من جد قريشي رحل أحفاده من الحجاز إلى المغرب الأقصى منذ ما يزيد عن 10 قرون، ثم عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى الأندلس، ثم طردوا منه وعبروه ثانية إلى المغرب ونزلوا بطنجة، ثم منهم من عاود الرحلة إلى الجزيرة العربية فنزل بالإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر..؟
هل سأطرد من المغرب كما طرد أجدادي من الأندلس؟
هل هذه مظلمة أرفعها؟
وإذا رفعتها فإلى من؟
هل هذا عقل؟
إن البربر لم يكونوا برابرة بالمفهوم غير القدحي عندما تصدوا للفاتحين الأولين من حملة الحضارة الإسلامية مثل حسان بن النعمان بقيادة داهيا أو الكاهنة كما ’تلقّب، ولا الفاتح عقبة بن نافع الفهري بقيادة كسيلة، وقيادة المطغري وخالد بن حميد الزياني، ثم الخوارج ـ البربر ـ ضد بني أمية فيما بعد، بل كانوا برابرة عربا عندما انتقلوا من الجزيرة العربية، وكانوا أولا وأخيرا عربا من أصول بربرية عندما استعربوا للمرة الثانية خلاف الاستعراب الأول الذي كان من طرف إسماعيل وأبنائه في قبلية جرهم، حصل الاستعراب الثاني للبربر فصاروا عربا مستعربة بحكم تبنيهم للإسلام وعقيدة الإسلام ولغة الإسلام بعد أن فقدوا لغتهم الأصلية ردحا من الزمن خلقوا فيه لغة أخرى هي الأمازيغية التي أنستهم لغتهم الأم؛ العربية، يتبع ذلك حركة التاريخ الطبيعية، فالفلاحون المسيحيون في الهلال الخصيب مثلا تخلوا عن الآرامية لصالح العربية بحكم حركة التاريخ التفاعلية التي تستجيب للغة التي تحمل الحضارة المتبناة صاحبة الموقع الرفيع أو المتميز في الموقف الدولي وبين الشعوب والأمم. واليهود الذين نسوا لغتهم وكذلك غيرهم يقعون في نفس النسيج بحكم حاجتهم إلى تبادل العلاقات والمصالح، فنفس الأمر ينطبق على الأمازيغ الذين اعتنقوا الإسلام وتبنوا حضارته، فمنهم من نسي لغته تماما، ومنهم من صار فقيها في اللغة العربية وعالما يحارب الشعوبية ولا ينتصر إلا لمبدئه وحضارته.. صارت الحضارة الإسلامية بمثابة مركب يقلهم جميعا على اختلاف ألوانهم ولغاتهم، جمعتهم على لغة واحدة بحكم اختيار الله لها وأدائه بها وحيه للناس كافة، وهو لم يفرض الحديث بها وحدها على الأفراد والجماعات ويلزمهم بها، بل تركها على حالها ولأصحابها، فقط جعل لغة الدولة هي اللغة العربية فصارت بذلك لغة تابعة لمبدئهم، فهي لغة الأمازيغي والتركي والفارسي وكل مسلم اعتنق مبدأ الإسلام، فرضت عليه فقط التعبّد بها في صلاته، ورغّبته في تعلمها، وشوّقته إلى ركوبها بغية تذوّق وفهم ما تحمل من خير إلهي أراد الله أن يبلغه لعباده بواسطتها، فهي مختارة كطاقة إنسانية لأنها وضعية رغم اهتزاز ذوق ابن جني وقناعته لوضعيتها لحمل طاقة الإسلام، هذه اللغة كانت لغة دولية يتعلمها المسلمون وغير المسلمين بسبب ما تحمل من عناصر مرغوبة في عجلة التطور الاجتماعي..
إن الذين انتسبوا للإسلام وتبنوا حضارته من فرس وترك وبربر لم ينتسبوا للعرب، بل انتسبوا لمبدأ الإسلام وحضارة الإسلام، ومن المسلمين العرب والبربر والترك والفرس والأفغان، والتركمان وغيرهم، وبالتالي فهم ينتسبون إلى من ينتسب للإسلام، وبذلك صاروا أمة واحدة من دون الناس، وأضحوا عقلاء ناهضين متنورين يترفعون عن الإثنية والقومية والوطنية.. لا رابطة أرقى عندهم غير مبدأ الإسلام وحضارة الإسلام، هذا الأخير هو الذي يجمعهم ويجعل منهم إخوانا حقيقيين يرتفعون عن أخوة العرق والنسب والرحم..
ركبوا عجلة الزمن وفق مواصفات وضعها لهم مبدأهم فقطِّعت بينهم أسباب الفرقة، و’محق فيهم التمزق، وانتكس لفطنتهم ووعيهم الانفصال والعنصرية..
إن البرابرة على حد إطلاق ابن خلدون خليط من البشر تختلف أصولهم وتتعدد أنسابهم بين عربي وتركماني وزنجي وفارسي وأمازيغ، وهم منتسبون إلى العرب ليس لشبههم باليمنيين والفلسطينيين، بل لأنهم على حد قول الكلبي من كتامة وصنهاجة، وهاتان القبيلتان ليستا من قبائل البربر، وإنما من شعوب اليمانية تركهم إفريقيش بن صيفي بإفريقيا مع من نزل بها من الحامية.
ويشير مالك بن المرحل إلى البربر فيعود بقبائلهم إلى حمير ومضر والقبط والعمالقة وكنعان وقريش تلاقوا بالشام ولغطوا فسماهم إفريقيش البربر لكثرة كلامهم.
وعند المسعودي أن إفريقيش استجاشهم لفتح إفريقية وسماهم البربر.
وفي بعض المصادر أن اسم البربر أطلق عليهم من طرف الرومان.
ويضيف ابن خلدون أن سام خرج إلى المغرب، ثم قدم إلى مصر فتفرق بنوه في الأقاصي بشمال إفريقيا حتى بلغوا سوس، ثم غابت عنه أخبارهم.
ونقول نحن أن البربر بالمغرب سبقوا إليه العرب، وقد قدموا من الجزيرة العربية، فهم من حيث الأسبقية مهاجرون ’أوَّل، وهم عند القول الفصل أناس من البشر لهم ما لغيرهم من حق العيش في كوكب الأرض، وهم من جانب هام جدا؛ مسلمون في أكثريتهم، والمسلمون لا يتمسكون بالعرق والنسب والقوم.. بل يتمسكون بوجهة النظر الكلية التي تجمعهم وهي عقيدة الإسلام بحيث لا فضل في حضارتهم وثقافتهم بين عربي وعجمي، ولا أسود وأبيض، أو أمازيغي وكردي، أو أفغاني وأوزبكي، أو طوراني وفارسي إلا بمدى تقربهم من الله وتحقيق رضوانه، وبذلك فالقومية والشعوبية لا مكان لها بينهم، ولغتهم الحقيقية هي لغة القرآن وليس أي لغة أخرى، وهذا لا يمنعهم من تعلم الأمازيغية، سواء كانت لهجة تمازيغت التي تعود للزيانية بالأطلس المتوسط، أو تاشلحيت بالأطلس الكبير والمتوسط إلى واحات تافيلالت، أو السوسية بمنطقة سوس والأطلس الصغير الممتدة من المحيط جنوب الصويرة إلى مراكش في اتجاه الأطلس الأعلى، أو تاريفيت بجبال الريف وواحات فيكيك، أوالحسانية الممزوجة بتاشلحيت وتاسوسيت وتقرب اللغة العربية الفصحى والتي تنطق بها مجموعات إثنية صحراوية؛ لأن دينهم لا يمنعهم من تعلمها، أو تعلم غيرها، ولكن الحرص على الفائدة يجعل كل غيور لا يقبل بالتشبث بشيء لا فائدة من ورائه، ولقد أحسن من حذف دراستها في فجر الاستقلال المزيف من " معهد الدراسات العليا المغربية "، ويخطئ من يسعى إلى إعادة دراستها اليوم، وهي كذبا وفي البروباكاندة: " في السنوات الأخيرة تحولت إلى شأن عام يهم كل المغاربة بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية والعرقية. كما أنها ـ كذبا أيضا ـ دخلت المدرسة العمومية من بابها الواسع شأنها في ذلك شأن العربية واللغات الأجنبية الأخرى.." المسألة الأمازيغية في فكر حسن أوريد من خلال كتابه " تلك الأحداث" العلم الثقافي، الخميس 17 مايو 2007 صفحة:11 ..
هذا المراد يشبه الميز العنصري لدى اليهود بفلسطين لإخوانهم يهود الفلاشا ويهود الاتحاد السوفيتي.. ويشبه أيضا إرهاب وسادية نصارى القرون الوسطى مع الموريسكيين الذين لم تثق الكنيسة في إسلامهم وقد أرغمتهم على ترك دينهم رغم إعلان تنصرهم أمامها وتعبدهم في الكنائس مثل النصارى..
والهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزالون يعانون من ظلم المتحضر إلى يومنا هذا، كانوا في القارة الأمريكية قديما في حدود 18 مليون نسمة، واليوم لا يتجاوزون ربع العدد في كل القارة، لا يزالون؛ وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا يوضعون في محميات وكأنهم حيوانات، يخطفون لهم بناتهم في سن أربعة ويقتلونهن، أولئك الذين قدم إليهم الاستعمار البريطاني والأوروبي وكادوا يبيدونهم؛ حاولوا بذلك تغييب هويتهم بظلم سافر وسلوك همجي، أولئك الهنود الحمر ما كان من حقهم استيطان القارة الأمريكية شأنهم شأن من استوطنوا القارات الأخرى غير القارة الإفريقية، ما كان لأي شعب استيطان القارة الأمريكية، والقارة الأوروبية، والأسيوية والأسترالية، ولكن ومن هذا المنطق، كيف نعالج الأمر؟
إن الإنسان لم يوجد نفسه، ولم يوجد كوكبه، وعليه فهو مختار في اصطفاء أي البقع من كوكب الأرض يختار للاستيطان، وهذا الحق الطبيعي يجب تقنينه حتى يستفيد البشر من خيرات الأرض دون سرقة موصوفة مغلفة بنشر فكرة العصر الخبيثة؛ الديمقراطية، أو ما شابه..
إن عودة طنجة إلى الوضع الدولي لن يكون مطلبا طنجاويا، لأن وصفه بالطنجاوية لا يعطيه المشروعية وإن طالب به شعب طنجة والذي بمطالبته تلك لن يكون بحق طنجاويا، لأن الطنجاوي ما كان ولن يكون انفصاليا ينقلب ضد قيم الوحدة والأخوة، ومن أمثلة طنجاوة الذين ليسوا طنجاويين بمنطق فكري ثقافي عقدي حضاري المدعو محمد عبد العزيز المنبهي، هذا اللاجئ السياسي في فرنسا عاد إلى المغرب كما فر منه، عاد بفكر انفصالي صدئ ووقف في الذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيس البوليساريو إلى جانب زعيم الحركة ينعت الحكم الذاتي المقترح رسميا والمرفوض شعبيا وحضاريا بأبشع النعوت، ويعتبر ضم المغرب للصحراء ودمجها في النسيج الشعبي الوحدوي للشعب المغربي ووجودنا فيها وجودا " استعماريا تجب محاربته " الأيام الأسبوعية، العدد:282 ، 26 مايو ـ 1 يونيو 2007، صفحة:5 هذا الطنجاوي الرجعي بالفكر التقدمي ما كان له أن يقول هكذا قول لولا سطحيته في فهم شروط الشخصية المعنوية للشعب المغربي والصحراوي، وفساد مذهبه الذي ذهبه في تذكية روح الانفصال والدفاع عنها طول عقود من الزمن ذهب ضحيتها دون شماتة نفس أخته الوسيمة بإضرابها عن الطعام حتى الموت، وكثير من أصدقائه المتقدمين في الرجعية، لم يدرك بعد ـ ربما ـ أن الذي وقف بين يديه يساند قضيته قد كان على وشك الدخول إلى المغرب سنة 1995 لولا دخول أطراف أفشلت مخطط إدخاله، لا يعرف ـ ربما ـ أن عبد العزيز المراكشي يخشى من إذاية القيادة العسكرية الجزائرية له ويرغب في الهروب من الجزائر، لا يعرف ـ ربما ـ أن قائد البوليساريو الذي يساند قضيته الانفصالية قد كان في خضم مخطط يمكّنه من دخول المغرب على يد مغربي لم يكن مساهما في ذلك المخطط يحمل جنسية إسبانية وهو عبد العزيز اليخلوفي المعروف في طنجة على خلفية الشاب هشام بائع السجائر المهربة في السوق الداخلي، يشتريها من المنطقة الحرة من عبد العزيز اليخلوفي الذي يستوردها من الولايات المتحدة الأمريكية ويبيعها قانونيا داخل المنطقة الحرة، ثم في النهاية تلصق بعبد العزيز اليخلوفي تهمة المتاجرة في المخدرات من طرف الداخلية على عهد إدريس البصري غيظا من هذا الأخير عليه لأنه ابتعد عن جهازه وارتبط بمستشار الملك الحسن الثاني رضى كديرة وبعض كبار جنرالات كوبيين كانوا مسؤولين عن الوجود الكوبي في الموزمبيق وأنغولا وجنوب الجزائر، وكانوا واسطة بين اليخلوفي والمراكشي.. ثم إدخاله السجن بعد تبليغ الحسن الثاني ـ الذي بات مغيظا من نجاح فرد اتهم بما لم يكنه ونسجه علاقات مهمة مع عبد العزيز المراكشي لدرجة أن أوشك على الدخول إلى خانة: (( إن الوطن غفور رحيم )) وفشل البصري وجهازه ـ أنه يسيء إلى سمعة المغرب، والغريب في الأمر أنه قبع في السجن على خلفية الحملة التطهيرية لسنة 1996، ولكن الحملة التطهيرية جاءت بعد سجنه ببضعة أشهر، ثم في النهاية يقتل بعملية جراحية حسب رواية رسمية، وقد قتل مذبوحا بحسب تصريح زوجته لتلفزة إسبانية، كل ذلك كان من أجل منع دخول زعيم البوليساريو إلى المغرب حتى لا يؤثر دخوله على قضية الصحراء التي باتت سلعة للمتاجرة في دماء وأرزاق المغاربيين كما يرى ذلك كثير من السياسيين المغاربة، كما يمكن التساؤل عنه باعتباره من جهة أخرى عملا انتقاميا من إدريس البصري الذي اشترط المراكشي لكي يدخل المغرب غياب جهازه لاختراقه من عملاء للبوليساريو حسب قوله والتعامل مباشرة مع شخص من القصر..
لن يكون تقسيم المغرب إلى ملكية في الجنوب، أو الوسط، وجمهورية في الشمال مطلبا ديمقراطيا أيضا، كما لن يكون الحكم الذاتي لأي مجموعة أو منطقة ديمقراطيا هو الآخر كذلك، ذلك أن الانفصال بين من يتماسك بوحدة الأفكار والمشاعر والأنظمة، وينظر إلى الحسن والقبح والخير والشر من منطلق تصور واحد للكون بما فيه من إنسان وحياة ما هو إلا خيانة، ودعوى ديمقراطيته لن تخرجه من دائرة الخيانة للمبدأ والشعب والأمة..
ولا يقال أن تجربة الحكم الذاتي في جارتنا إسبانيا مثلا أفادت كثيرا، وقطعت دابر التفكير في تمزيق إسبانيا إلى دويلات، لا يقال ذلك وإن كان صحيحا بشروطه، ذلك أن الحكم الذاتي بإسبانيا دعم للوحدة وحصانة للمركزية السياسية، بينما الحكم الذاتي في المغرب هدم لها، فإسبانيا تتوفر على شروط الانفصال فعلا، وهي لا تحتاج إلا إلى هزة بسيطة تجعلها دويلات غير متجانسة قد تصبح متقاتلة لأنالباسك والكتلان والأندلس.. جهات مستقلة بما تحمله من إرث تاريخي لم يندثر، ظل حاضرا حيا يسري في تلك الشعوب، بل إن الباسكوس مثلا إذا أراد أحدهم السفر إلى مدريد فإنه يعتبر نفسه مسافرا إلى إسبانيا، وبلدته الباسكية لا يدخلها في النسيج الوحدوي للدولة الإسبانية، وهذا رأي عام يطغى على الباسكيين، ويحتفظون به تحت رماد ساخن، ويكفي إدراكا نشاط منظمتهم إيتا الانفصالية منذ عقود.
وليس دليلي على هذا؛اُلتّشكيلات السياسية القومية من ائتلاف حزب التجمع الكتلاني وائتلاف جزر الخالدات إلى ائتلاف الحزب القومي الباسكي، ليس دليلي على ما سقته؛ الانتخابات البلدية الأخيرة في 27 مايو من السنة الجارية لثلاثة عشر إقليما من أصل 17 تتمتع بالحكم الذاتي والتي أفرزت فوز الحزب الشعبي بنسبة ضئيلة جدا وتقدم الأحزاب السياسية الإقليمية والانفصالية في نافارا وكاتالونيا وغاليسيا.. ليس دليلي على ما ذكر عودة اليمين الإسباني للتناغم مع اليمين المتمثل في ميركل بألمانيا، وساركوزي بفرنسا، كلا، لأن ذلك عرضة للعودة مرة أخرى نظرا للتناوب الضروري على السلطة خدمة للدولة في التراجع عن السياسات الفاسدة، والمخططات التي ظهر فسادها وهكذا دواليك ما دامت السياسة في القارة العجوز تتقاطع لتتواصل رغما عنها درءا لمفاسد كما قلت ظلت ولم تزل تطاولهم جميعا في موضوع الهجرة والمخدرات والصحراء بالنسبة لإسبانيا والمغرب وكذلك الحدود البحرية بينهما، بل دليلي مفعول ثقافة الانفصال والإحساس بالاستقلال.. هذا هو الذي سيظل يغذي النفس والعقل في المشهد السياسي للقارة العجوز دفعا للعودة إلى الأصل القديم حتى يتحقق، صحيح أنه بطيء في سيره نحو الغاية العتيقة دون وقود، يسير بطاقة الدفعة الأولى بعدما انطفأت شعلة المحرك، ولكن ربما وجد من ينفخ فيه الروح أكثر ويمده بالطاقة من جديد لتتماثل سرعته بسرعة العمل الفكري والسياسي الهادف..
والكتلان يتميزون بلغتهم عن قصد كأماريغنا في شمال المغرب، يتعمدون إهمال الحديث بغير الكتلانية وهم إسبان يعرفون إلكستيانو El Castillano، أي اللغة الإسبانية، ويتضايقون لسماع لغات المهاجرين، وهنا في المغرب بدأت تطغى ظاهرة تعمد الحديث بالأمازيغية، ومن الأمازيغ من يرفض الحديث بالعربية على علمه بها. وفي بلجيكا يرفض الفلامانيون الحديث بلغة الوالان، أي اللغة الفرنسية، ويتضايق الجميع لسماع الحديث في الشارع والمؤسسات والمرافق باللغة العربية والتركية والإسبانية.. وكل ذلك وقود العنصرية وما هي عنا ببعيد، وعليه فإسبانيا غير المغرب، أو بتعبير آخر شعب المغرب غير شعب إسبانيا، فنحن نملك ثقافة وحضارة تمنعنا من الانفصال، وتذيب فينا وبيننا كل الفوارق، وتجعل ما نملكه نحن حق لمن لا يتمتع به في أي جهة من جهات بلدنا تفتقده، وأذكر فائض بليون يورو لدى حكومة مانويل تشافيس الأندلسية وبحثه عن وجهة صرفها دون الرجوع إلى مركز مدريد، هذا من ذلك، وطريق الانفصال جزء منه، والشيء من معدنه لا يستغرب، أضف إلى ذلك وهو الأول والأخير وحدة الأفكار والمفاهيم والمشاعر والأنظمة التي تجعلنا إخوة أحببنا أم كرهنا، وعليه فلا مكان لأي فكر انفصالي بيننا، ولا مجال لأي حكم ذاتي فينا لأنه سيكون تمييزا بما تحمله كل جهة، وهذا ظلم مرفوض ثقافيا وحضاريا، والداعي إليه عنصري لا يقبل بمشاركة إخوانه له فيما يملك إن كانت جهته تتميز عن غيرها، ويكفي لفت النظر إلى الدجل في هذه الدعوة؛ وقوع البلديات والجماعات المحلية والقروية تحت وصاية وزارة الداخلية، الشيء الذي لن يمكِّن البلديات والجماعات المحلية والقروية من الانفلات والتمتع بالحكم الذاتي الحقيقي، وهذا حسن في جزئية واحدة هي عدم واقعية الحكم الذاتي على ضوء طبيعة الحكم المغربي التي تجعل الملك يملك ويحكم، ولكن ركابه مهيء لدعوة الانفصال، وقد تؤثر فتجدي انفصالا حقيقيا بدعم خارجي، وعليه فنحن أمة من دون الناس، وجهاتنا هي جهاتنا جميعا ولا يحق لأي كان منع أي كان من التنقل والانتفاع والانتساب لأي جهة..
ولا داعي للالتفات إلى دعاوى باطلة يطلقها هنا وهناك دعاة الانفصال، فليس: " الحل الأمثل للمركزية في المغرب هو منح الحكم الذاتي لجميع المناطق المغربية.." كما يزعم الباحث المختص في تاريخ منطقة الريف من جامعة ليدن الهولندية في تصريح له لإذاعة هولندا العالمية السيد: محمد مزيان في الأيام، المصدر السابق، صفحة: 6، هذه أطروحات تخفي خلفها خبثا مبيتا للشعب المغربي والأمة الإسلامية، ولا تثير إشفاقا عليه لرفضنا الحكم بانضباعه بالنموذج الإسباني في الجنوب بالأندلس، بل تثير الغضب الشديد بما سيسببه الانفصال من مآسي وكوارث إن حصل.
ألم نشبع تمزقا وتشتتا وانفصالا عن بعضنا البعض؟
كما لا داعي للوقوع في الاستغباء بمراوغات موقعة في المكيدة حتى نقبل بالتراجع عن المطالبة بالحكم الذاتي من طرف الناشط الجمعوي الأمازيغي شكيب الخياري بدعوى أن: " الوضع السياسي الذي يمر به المغرب حاليا يعتبر جد حساس بسبب ملف الصحراء، وإن أي ربط للمطالبة بالحكم الذاتي بالريف بهذا الملف في هذه الفترة الحرجة يعد أمرا غير جدي " الأسبوع الصحفي، العدد: 451 / 888، الجمعة : 1 يونيو 2007 ، الصفحة الأولى. ليس ذلك إلا مناورة يستريح بها الجبان، ولكنها ستفعّل بلاغا ثانيا من الكنغريس العالمي للأمازيغ أكثر نضجا من سابقه المنعقد في سنة 2002، ثم يكون للتحرك إستراتيجية أخرى لا تتأثر بوقائع وحوادث قد تقصم ظهرها، أو تقبرها في مهدها.
ألم نعْيَ بالتركة الاستعمارية، وحمولة التخلف الفكري والحضاري الذي جعلنا أجانب في بلداننا؟
لن يكون كل ذلك مطلبا ديمقراطيا، لأن وصفه بالديمقراطية وصف لغير موصوف لم يعد ينطلي على أحد لوعي الناس اليوم على خبث فكرة العصر الخبيثة؛ الديمقراطية، ولشفائهم من عمى الألوان.
لن تكون الدعوة الانفصالية بشأن مدينة طنجة، والدعوات الانفصالية بشأن الصحراء الغربية، ومنطقة سوس، والريف لبنة زائلة من سور الوحدة الحصين بغية إيجاد شرخ فيه، وتصدع في جنباته، لن يكون الأمر كما يتصوره المستعمر والمحتل والانفصالي.. وسيفدى بالغالي والنفيس في حال الاعتداء عليه، ولا يهم أن ينعت مشروع الرفض والتصدي والمقاومة بالإرهاب ما دام الإرهاب مركبا أمريكيا يخوض محيطا سيبتلعه إن عاجلا أو آجلا لما فيه من بروباكندة سخيفة ’يسوَّق بها العهر السياسي الأمريكي، والديمقراطية فوبيا.
إن الديمقراطية الحقة ليست في دعم حركات الانفصال من طرف الولايات المتحدة الأمريكية في بلادنا نحن، فبلادنا محصنة بفكر وحدوي لا يتساكن والفكر الديموقراطي الانفصالي، بل في دعمها في نفس الولايات المتحدة الأمريكية حتى تنفصل عن بعضها البعض، وذلك بتشجيع الولايات فيها بإقامة دويلات لها ورفض التبعية لمركز واشنطن، وهي مهيأة لذلك، وفيها بوادر الانفصال بنفس وقود الديمقراطية تحتاج إلى تغذية خصوصا في نيورورك.
إنني أحمِّل المسؤولية عن أية قطرة دم تهرق في سبيل الدعوات الانفصالية لكل داعية انفصالي.
أحمِّل المسؤولية لكل متسبب في الاقتتال لتحقيق أهداف انفصالية في بلادنا.
أجرِّم كل متسبِّبٍ في جلب الأسلحة من الضفة الأخرى سواء من السفن التجارية والترفيهية، أو الحربية الراسية والعابرة لمضيق جبل طارق وهي لبلدان مستعدة لتمويل الحملات الانفصالية وقد أعدت عملاءها لذلك.
أجرِّم جلب السلاح برا وبحرا وجوا بغية ضرب ما استعصم به الشعب المغربي.
أجرِّم كل داع لفكر الانفصال وثقافة الانفصال وعنصرية الانفصال تحت أي ذريعة.
نحن في غنى عن ظهير بربري جديد، في غنى عن الاقتتال الذي يراد لنا تأسيا بمخططات إمبريالية تتزعمها زعيمة الإرهاب الدولي؛ الولايات المتحدة الأمريكية التي ضربت بها ولم تزل وحدة العراقيين وتستميت الآن في تطبيق مخطط التهجير والإبادة بعمليات التفخيخ الممارس من طرفها ومن طرف الإنجليز والبنغاليين والمرتزقة بغية السير في ازدواجية الإنقاص من أعداد ساكنة العراق الذبيح بيدها وبيد العراقيين ذاتهم عند إشعالها الفتن الطائفية بضربها المساجد والحسينيات..
تضرب وحدة اللبنانيين بدفع السنيورة للاقتتال في نهر البارد بعد أن عطل قواته ومنعها من إطلاق رصاصة واحدة عند الاعتداء على لبنان الصيف الماضي، بل ضيَّف بعض اللبنانيين جنودا إسرائيليين دون حياء في خضم المعارك والاعتداءات، ولن تكتفي زعيمة الشر بذلك، بل ستدفعه في أماكن أخرى كما دفعت ألمرت في الصيف الماضي في حربه على نفس السنيورة وكل اللبنانيين ولكن بمعية عدم الرغبة في إيقاف النزيف في اللبنانيين خلاف تعاملها مع إسرائيل..
تضرب وحدة السودانيين وتروِّعهم وتجوِّعهم في قضية دارفور..
تضرب وحدة الصوماليين الذين اختاروا لأنفسهم ما لم ترضه لهم فجاءت بعملاء من خارج الصومال ليثبِّتوا عملاءها في الداخل بعد أن قتلت من الصوماليين سابقا وبأسلوب رياضة القنص وإرماء الصحون لإصابتها 15 ألف قتيل قبل خروجها منه..
ضربت وحدة الأفغانيين بأن أشعلت الفتنة فيهم، وصارت بائضا الفرقة بينهم فكان كارازاي شبيها بالمالكي، واحد لا يخرج كابول ولا يتجاوز نفوذه غيرها، وآخر في المنطقة الخضراء بالعراق التي تطالها نيران المقاومة الباسلة، قتلت أمريكا ودول التحالف في أفغانستان شيوخا ونساء وأطفالا كان منهم اليوم 12 تلميذا قتلوا بالرصاص بيد القوات الأمريكية وهم في سيارة بمديرية بيتش بولاية كونر شرقي أفغانستان،..
تعمل بمعاولها الخبيثة في المصريين والمغاربيين..
فالحذر الحذر أيها العقلاء من السقوط في شرك القتلة والدمويين الذين يعملون سرا وجهرا للفتنة بشتى الطرق والوسائل..
الحذر الحذر أيها الكيِّسون الغيورون على وحدة الشعب والأمة من علماء ومفكرين وكتاب ومثقفين وسياسيين ومخلصين لمبدأ الوحدة..
ـــــــــــ
محمد محمد البقاش
طنجة في :
13 يونيو 2007