(6)

دنيا بلا طعم ولا رائحة . وأمك تناديك فى حلمك الرهيب . ولا أمل فى خلاص وهى تريد نبش الماضى وقفٍش الأمس الكئيب وعباس كان يحسبك إماماً , وربما ظنك من الإخوان . أما الشيخ عبد السلام النمل فما تسمعه عنه مجرد أساطير . وحين صرخت تستدعى قانونك الذى درست ، بصق فى وجهك جندى وقال : انا القانون وقلتُ : صدقتَ . وبصقت فى وجه الدنيا .
دنيا بلا طعم ولا رائحة .. ولا أمل فى خلاص ، فلم لا تموت ؟ .. لِم لا تدفن الحاضر والغد أيضاً ؟ .. والإنسان فى غيبة الحق أكثر ضراوة من ذئاب الجبال ، ولا حق ثمة .. وعباس يحلم . وكنت تريد أن تدفن الأمس وتعيش اللحظة وكفى .. ذلك محال , فالحاضر البائس ينعش الأمس الحزين . فى كل شبر مظلوم وظالم ، وفى كل زاوية سجن .. ولا أمل فى خلاص . ها هى ذى يتفجر الدم من وجنتيها ، فماذا حدث ! .. وقلتُ لها :
- عندى لكِ خبر لا أدرى كيف أنقله لكِ ..
أحاطتنى بذراعيها ، وطبعت فوق رأسى قبلة ، وقالت هامسة :
- وأنا ..
- ماذا ؟
- عندى لكَ خبر سار .
- لا شئ عاد يسر .
ردت :
- لن أتحدث عن الماضى ثانية كما أمرتنى ..
قلت ساخراً :
- لِمه !
- من الواجب علىَّ أن أطيعك ..
وأردفتْ :
- وأعتذر لك عما سلف منى .
وهمت بتقبيل رأسى مرة أخرى ، فابتعدت عنها ، وتابعت تقول :
- عموماً .. ما عندى من أخبار سيجعلك تقبل رأسى ..
ولما لم أنبس . أردفت فرحة :
- أنا حامل .
وتجمد الدم فى عروقى وتمتمت :
- كيف !!
قلتها ذاهلاً وقد طار لبى ، وارتعدت فرائصى ، وتلاشى ما فى عقلى من قدرة على التماسك . حامل .. ذلك محال .. وقلت :
- كيف حدث هذا ؟!
ردت ذاهلة :
- ألا تعرف كيف حدث هذا ؟!
- لا أريد أطفالاً ..
- الله يفعل ما يريد .
- لم أكن أتصور أنك بكل هذه القسوة ..
- ذلك عالم قذر .
- لا شئ يستمر إلى الأبد ..
- إلا هنا ..
- يا لله ! .. أبلغ بك اليأس ذلـ ..
ودق الباب دقات متلاحقة عنيفة . وتطلعت إلى الوراء وكأنما أنظر من طاقة فانخلع قلبى .. نفس الدقات ، ونفس الجو الكئيب ، وهى حامل . وأمى كانت عجوزا . تكورتُ فى جانب السرير ، ونظرتْ متسائلة ، فقلتُ :
- ألم أقل لك ذلك عالم قذر ؟!