ما تلك الرياح التى دمرت كل شيء في قريتى الصغيرة...عندما بدأت الرياح فى الهبوب لم أكن أتخيل أن تكون بهذه القوة...لقد حطمت كل شيء فوق رؤسنا...بيوتنا ،حقولنا ،أشجارنا التى كانت عالية ، ولم يعد فى قريتي شيئاً غير الأطلال .... آتذكر قريتى التى كانت أجمل قرى العرب وكان يحكمها حاكم عادل ، نشر الحب والعدّل بين سكان القرية ، فكانت قريتى فى عهده ، هى دُورة القرى ، وازدهرت التجارة فى قريتى ، وأصبح سكان قريتى هم أغنى سكان القرى وأكثرهم رقى وحضارة .
وكان النعيم الذى جعل من سكان قريتى كسالى ,،لا يفعلون شيئا سوى الجلوس فى منازلهم ، أهملوا الزراعة ،أهملوا التجارة ، أهملوا الصناعة ،فكانوا يعتمدون على ما يقوم الحاكم العادل بتوزيعه عليهم من بيت المال كل شهر ..
هذا اليوم المشؤوم أتذكره جيداً .. كانت تلك المشاجرة التى نشبت بين أكبر عائلتين فى قريتى ، كانت تلك المشاجرة هى الأكبر فى تاريخ قريتى ، والتى جعلت الحاكم يقوم بإستدعاء قوات من حرس القرية
...
دارت معارك طاحنة لفض تلك المشاجرة الكبرى ... وكان الانتصار لقوات الحاكم .. ولكن اهتمام الحاكم بالداخل أدى إلى ضُعف الاهتمام بالخارج ، وضعف حدود قريتى ، وكان الغزو الخارجى من القرى المجاورة ، ليبدأ عصراً جديداً فى قريتى ، هو عصر الاحتلال....
لم نكن نتخيل أن تمُر بنا تلك الأيام ، قصورنا الشاهقة تحولت إلى خيام ، وقام الاحتلال الغاشم بتولية حاكم ظالم ، كان هو صوت الاحتلال ، فكان مجرد ظل ، زاد فى عصره السلب والنهب ، وشعبي أصبح من أفقر الشعوب ، وقام هذا الحاكم الظالم بالقبض على حاكمنا العادل ، وقام بقتله وصلبه فى أكبر شوارع قريتى ، لم يقاوم شعب قريتى الاحتلال وهذا الحاكم الظالم ، وكان رضاهم على الوضع ، هو الذى أدى إلى زيادة هذا الحاكم واحتلاله الغاشم فى الظلم ...
كان يوم تلك المصيبة الكبرى عندما قرر هذا الحاكم أن ينشأ ... قانوناً يكون به هذا الحاكم هو الإله , وأمر بهدم كل المساجد والكنائس ، وشعب قريتي كما هو لا تتحرك فيه إلا فئة قليلة ، وكل من كان يعترض كان يُرمى به داخل معتقلاته التى كانت تملئ القرية شرقها وغربها ، كان سكان قريتي يذهبون إلى معبد هذا الحاكم ، ويأمرهم بالقرابين التى كانت نساء وأموالا , ولم يعترضوا ..
فكان غضب الله عليهم , وفى يوم لم تظهر به شمس ، بدأت تلك الرياح التى نزعت كل شئ من موضعه ،القصور بمن فيها ، الأكواخ البالية بمن فيها ، المعابد هُدمت فوق رؤس من فيها ، وكان هذا هو الجزاء الآلهي العادل على ما أقترفت قريتي , ولم يبقى فى قريتي سوى معتقلات هذا الحاكم الظالم التى بقيت بمن فيها ، ليقوموا بدنيا جديدة من العدل والرحمة , والعودة إلى الله......
حمادة زيدان
http://hamadazedane.maktoobblog.com/