//**++.. التتمة ..++**//

* تشخيص القصة لموضوعات القرآن العظيم :
إن القرآن كما سبقت الإشارة إلى ذلك تناول كل ما تحتاج إليه البشرية في حياتها الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية والأخروية، وما يربط بينها من روابط.. وطرق مجموعة من المواضيع المختلفة أجمل في بعضها إجمالا وفصل في أخرى تفصيلا حتى إنه لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأوضحها وبين كل ما يمت إليها بصلة وشرح مكوناتها وخصائصها وكشف عن إيجابياتها وأبرز سلبياتها أو أشار إلى ذلك وأومأ، وسكت عن ثالثة ليس سهوا ولا نسيانا ولكن رحمة بالمتلقي ومراعاة لظروفه المختلفة وأحواله المتقلبة وبيئاته المتعددة وأزمنته المتعاقبة ومحيطه وعلاقاته المتشابكة وارتباطاته المتغيرة ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء (الأنعام: 39)..
وقد جمع العلماء كل موضوعات القرآن العظيم عند دراستها و تقنينها وتيسيرها للتلقي تحت مصطلحات رئيسة جعلوها عناوين يروجونها فيما بينهم ويعتمدونها في أبحاثهم ومؤلفاتهم، وأشهرها ما اصطلح على تسميته بـ" العقيدة " و" العبادات" و"المعاملات ".. ولقد فصلت الآيات القرآنية وكذا السنة النبوية الشريفة هذه الأمور وأعادت بشتى الأساليب والطرق.. وتأتي القصة لتؤكد ذلك ولتكون نوعا من أساليب القرآن الكريم في التبليغ والدعوة وبسط الموضوعات التي يتناولها.. وتكفينا - تمثيلا لما نقصد إليه - إطلالة رزينة على مجموع القصص التي وردت في سورة "الأعراف" فقط لنستحضر جل الموضوعات - كما سبقت الإشارة - المنطوية تحت العناوين الثلاث الرئيسة السالفة الذكر" العقيدة والعبادات والمعاملات"..
فلقد انتقلت الآيات الكريمات في السورة المباركة من الحديث عن قدرة الله سبحانه وتعالى على الخلق والتكوين والإنشاء وتكريم بني آدم وتفضيلهم والترهيب من اتخاذ الشيطان وليا من دون الله والتركيز على قيمة الإنسان في علاقته مع ربه من خلال قصة آدم عليه السلام.. إلى الحديث عن الكفر المعلن بالخالق سبحانه والاستهزاء المستمر برسله وعاقبة الفاعلين لذلك في قصتي نوح وهود عليهما السلام.. إلى الحديث عن عدم توقير آيات الله عز وجل وعدم احترام الوصايا الإلهية وعدم شكر النعم مع نشر الفساد وتأييد الترويج له في الأرض في قصة صالح عليه السلام مع ثمود.. إلى الحديث عن الفاحشة الكبرى والمعصية العظمى إتيان الرجال شهوة من دون النساء مع الإصرار والإسراف والإعلان والجهر في قصة لوط عليه السلام.. إلى الحديث عن النقص في المكيال والتلاعب في الميزان وبخس الناس أشياءهم والإفساد في الأرض بعد إصلاحها والصد عن العبادة، والعمل على نشر الرذيلة ومهاجمة الحق في قصة شعيب عليه السلام.. إلى الحديث عن التطاول على حقوق الله والاعتداء على خلق الله والتسلط على المستضعفين، وظلم النساء والأطفال والمعوزين، والوقوف في وجه الناهين والتآمر عليهم في قصة موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام مع الطاغية فرعون ومن سلك مسلكه كهامان واتبع خطاه كقارون، إلى الحديث عن التلاعب بأحكام الحق سبحانه و انتشار السذاجة والجهل وتفشي المكر والخداع واستفحال التهور والعصيان واتباع الشهوات في قصتهما عليهما السلام مع قومهما الأجلاف من بني إسرائيل..
هكذا جاءت هذه المجموعة من القصص التي اخترناها - على سبيل المثال فقط والاقتضاب - لتحكي عن كوكبة من الرسل الكرام مع أقوامها مبينة مجموعة من الأمور والقضايا التي تنتمي إما إلى العقيدة وإما إلى العبادات وإما إلى المعاملات، أي تدخل في إطار العلاقة بين الخالق والمخلوق من حيث الإيمان به وتوحيده وعبادته والاعتقاد في ما يأمر به، وإما في إطار العلاقات بين الخلق والخلق على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية وفي جميع أبعادها..
وكما تمت الإشارة سابقا فإن القصة في القرآن الكريم كانت بمثابة تشخيص أنموذجي لكل مواضيعه أو بمثابة نقل حي وحركي لكل موضوعاته، وإن كانت لا تفصل في ذلك ولا تفيض، فلأنها ليست للتشريع بقدر ما هي للعبرة والحكمة والعظة والتدبر والتذكر وإزالة الغفلة.. فهي قص لنماذج من المخلوقات - سواء كانت بشرية أو كانت حيوانية أو خلقا آخر.. - تحمل مبادئ وأفكارا ونظرات ومفاهيم ورؤى تختلف باختلاف العقول والطبيعة والانتماءات وتتحرك في حياتها أو تفعل وتنفعل انطلاقا من قناعتها الفكرية والأيديولوجية راسمة بذلك كل ما جاء به النص القرآني العريض من أوامر أو نواه ومن تأييد أو اعتراض.. فالرسل والأنبياء والصالحون يمثلون نماذج الفئة المطبقة لأوامر الحق سبحانه والمنتهية بنواهيه ومن ثمة فهي الفئة المحمودة والمقبولة والمحبوبة عند المولى عز وجل.. أما الأفراد والجماعات المعارضة للرسل هم نماذج البشر الممقوتين والمغضوب عليهم والمعرضين لعذاب الله تعالى وزجره لكونهم يسلكون المسالك المنهي عنها..
وسنزيد الأمر وضوحا بتناول موضوع واحد مثالا يتوزعه أسلوب الوعظ وأسلوب القص ينير لنا فهمنا لهذه القضية القرآنية، فلنتأمل هذا الأمر بكل جلاء في قوله تعالى من سورة التوبة في الآية 39: ﴿ يا أيها الذين أمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا من الآخرة إلا قليل *إلا تنفروا يعذبكم عذاباأليماويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير *.. إن هذه الآياتالكريمة تعتبر رسالة واضحة وهادفة وخطابا مباشرا وحديثا مقصودا موجها بأسلوب النداء المركز والمؤكد لفئة معينة متلق محدد، معالمه واضحة قارئا أنموذجيا يعلم الله تعالى أنه مستجيب لندائه العلوي لا محالة، ولله المثل الأعلى (((يتوقع المؤلف قارئا أنموذجيا يستطيع أن يتعاون من أجل تحقيق النص بالطريقة التي يفكر بها المؤلف نفسه، ويستطيع أن يتحرك تأويليا بالطريقة التي تحرك بها المؤلف توليديا))) (3).. فكان هذا الأسلوب حاملا في طياته المقت والذم الذي تفوح رائحته من أسلوب النداء في بداية الآية إلى أسلوب تأكيد قدرة الله عز وجل في نهايتها.. كما يحمل هذا الخطاب دلالات التنفير من الركون إلى الأرض وترك الجهاد رهبة من الموت وخوفا من القتل، أو طمعا في العيش ورغبة في الحياة الدنيا التي لا تساوي أي شيء أمام ما أعده الله سبحانه في الحياة الأخرى للمؤمنين المجاهدين في سبيله.. والمهم عندنا في هذا هو الصياغة أو الطريقة التي تم بها عرض الآيات لهذه القضية/الموضوع، والمسلك الذي سلكه القرآن فيها من أجل الوصول إلى توضيح هذه الفكرة وتبيين هذا المقصد.. إنه أسلوب وعظي إرشادي مباشر يحث على الخروج في سبيل الله ويرغب في حمل أعباء الدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيل ذلك.. كما يرهب من الركون إلى الأرض والطمع في متاع الحياة الدنيا ودعتها والاغترار بخضرتها الزائلة.. ويعبر عن ذلك بلفظة بليغة جمعت معاني التنفير بطبعها هي كلفظة/مونيم.. وطبيعتها كمجموعة من الأصوات/الفونيمات:"اثاقلتم" وهي لفظة دالة على معناها من خلال تكوينها الداخلي نفسه فهي ثقيلة حتى على نفسها في أدائها اللغوي عند النطق بها، لأنها تتكون من حروف تتميز بثقلها اللفظي الذي يؤدي بالضرورة إلى ثقل معنوي لتعبر عن ثقل مادي واقعي ومرئي.. فالحرف اللثوي "الثاء المعجمة" المشددة والممدودة، والقاف من حروف القلقلة وما أدراك ما حروف القلقلة وكذا اللام الساكنة، ثم الحرف المهموس والميم التي تفرض على الشفتين الانطباق ليتسلل صوتها خفية من الأنف.. وكأن هذه اللفظة القرآنية المختارة بعناية بالغة تجمع بين الثقل والسكون وبين البطء والركون وبين التهاوي والتهاون حتى في تكوينها كطبيعة مستقلة عن السياق الذي لم يزدها إلا نفورا.. ومن كانت حاله على هذا الشكل حتى في التعبير عن فعله لغويا فإن الله تعالى يزجره، ويوعده بالعذاب الأليم والاستبدال بقوم آخرين.. وهي قمة الهوان والذل والخزي والصغار والخذلان.. أن لا يبقى للإنسان أي قيمة حتى إنه ليمحى من الوجود ويشطب عليه من لائحة الكائنات وتذهب آثاره بعد أن كان يحب الخلود والالتصاق بالأرض ويرغب في المكوث والبقاء بها دون مقاومة أو معاناة أو إثبات ما يؤمن به والدفاع عما يعتقده في حياته الخاصة والعامة.. هذا عذاب الدنيا أما الآخرة فقد أعد الله فيها العذاب الأليم الذي لا يعلم مداه إلا الله الذي هو على كل شيء قدير..
إن هذا الأسلوب بهذا الشكل خطابي محض وتقريري قح ومباشر ووعظي وإرشادي يقرر فيه القرآن عاقبة من لم يمتثل أوامر الله تعالى في مسألة الجهاد في سبيله سبحانه في حين نجد في جانب آخر من القرآن الكريم ما يشخص الموضوع ذاته ويبرز القضية نفسها ويبينها ولكن بشكل غير مباشر إذ يتوسل في ذلك الأسلوب القصصي المرتكز على الأحداث التاريخية والتعبير التصويري المعتمد على الحركة الإنسانية.. كما في قصة طالوت وجنوده التي تعرض للموضوع نفسه عرضا مخالفا من الناحية الشكلية للآيات السابقة، وذلك بإفراغه في قالب من الأحداث الواقعية والمشاهد التاريخية والشخصيات الحية التي تحث على الجهاد وتنفر من الركون إلى الدنيا ولكن كما أشرنا بطريقة أخرى وبأسلوب مختلف هو الأسلوب الذي يعتمد السرد القصصي الذي يحلل المسألة ويتناولها دون اللجوء إلى المنطق الشرعي المباشر المعتمد على الترغيب والترهيب بشكل مباشر متوسلا القاعدة المعروفة "اِفعل أو لا تفعل"..
يقول الله تعالى: ﴿ ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا في سبيل الله قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين * وقال لهم نبييهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم * وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين * فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين* ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء. (البقرة : 246)
إن الذين اغترفوا من النهر كما شاءوا وشربوا منه كما أرادوا وقاموا بما أملته عليهم أنفسهم، وليس كما أمرهم نبيهم ولا كما حدد لهم قائدهم.. والذين قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ولا قدرة لنا على محاربتهم ونزالهم، هؤلاء وهؤلاء هم أنموذج المتثاقلين إلى الأرض الراغبين في العيش المريح والحياة السهلة، والزاهدين في الجهاد والمتقاعدين عن الخروج في سبيل الله ونصرة أنفسهم قبل نصرة دينهم.. ولذلك ذكروا في بداية القصة للإشارة لفعلهم ثم أنكرهم النص القرآني على مستوى الحكي كما أنكر وجودهم ضمن الطائفة المؤمنة، فهم كما قال لهم طالوت " فليس مني" وكذلك كان الأمر سرديا لأن الآية ذهبت مباشرة لسرد الأحداث المتعلقة بمن اتبع أوامر طالوت، فجاء قوله تعالى نفيا لوجودهم " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه." ثم أعقب ذلك حديث الفئة الأخرى التي قالت " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " جاء الحديث عن الفئة التي قالت ﴿ربنا أفرغ علينا صبراوثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرينوانكر الآخرين وكأنهم لا وجود لهم وجاء السياق مباشرة على الشكل التالي " ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " وخاضوا غمار المعركة،ولم يتخل الله عنهم ولم يدعهم لأنفسهم، فذكروا على مستوى النص وعلى مستوى الواقع.. ولم يتركهم لعدوهم الذي يفوقهم عدة وعتادا بل كان معهم فهزموا جالوت وجنوده وكان نصر الله كبيرا.. هذه الفئة في القصة تمثل الأنموذج الواقعي والحي للخطاب الإلهي المباشر في قوله تعالى: ﴿إلا تنصروه فقد نصره اللهإذن فطريقة العرض في آيات سورة البقرة تشخيصية وتصويرية تقوم على نحث لغوي لشخصيات حية من الواقع المشهود، وتبرز مواقف وأحداث ملموسة في لغة سهلة تعبيرية وتصويرية مفعمة بالحياة والحيوية.. إنها طريقة الأسلوب التوجيهي والتربوي التي تجعل للأحداث التاريخية مسلكا إلى القلوب وطريقا إلى الأفئدة ومعبرا إلى العقول ومن ثمة جسرا إلى الأعضاء المتحركة/المنفذة.. وتجعل من المشاهد الحية سبيلا إلى شرح وبسط الفكرة المتوخاة.. إنها أسلوب يعتمد السرد والحوار ويعدد مستوياته ويخالف بينه.. ثميعطي لكل محاور نتيجته النهائية دون أن نلمس منه المباشرة..
إن هذه القصة قد تظهر للمتلقي البسيط أو الذي لا يعير اهتماما وكأنها قصة لا يعني موضوعها أحدا ممن يتلقاها، وإنما هي في ظنه مجرد حكاية أو قصة تروي أحداثا عن قوم أو عن اختلاف قوم عن نبيهم أو تحكي عن حرب بين قوم وقوم.. فهي بالنسبة له مجرد أحداث تاريخية ليس إلا.. نتعرف عليها ولا تعنينا وقد نتسامر حول موضوعها ولا تغنينا.. أما الذين يفهمون الأسلوب القرآني، ويتمعنون في كيفية أدائه اللغوي وطرائق تبليغه ومستويات تناوله لدين الله تعالى فإنهم يعلمون حق العلم أن القصة في القرآن جاءت أساسا لتشخيص آيات كثيرة أخرى وردت في شكل وعظي يحمل الترغيب والترهيب المباشرين..
وبعد هاتين الوقفتين بين يدي آيات سورة التوبة وآيات سورة البقرة يمكن أن نلحظ في الخطاب القرآني ما هو أدل على ما نقصده ونريده في شكل جمع بين الوعظ المباشر وغير المباشر، وذلك حين نقف مبهورين أمام آيات سورة الصف التي تجمع بين أسلوب آيات سورة التوبة وبين طريقة آيات سورة البقرة أي بين السرد القصصي والسرد غير القصصي في مثل قوله عز من قائل:﴿يا أيها الذين أمنوا كونوا أنصارا لله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فأمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين أمنوا على عدوهم فأصبحواظاهرين(الصف:13)فالأمر ليس قصة أو حكاية أو رواية لوقائع وأحداث تاريخية، وإنما هي طريقة وأسلوب في عرض الموضوعات يوظفان من أجل الحصول على ما أراد القرآن أن يعرفه المؤمنون به في مسألة معينة من مسائله الكثيرة التي تناولها كهذه المسألة التي وقفنا عندها وهي " الجهاد ونصرة الدين "..
إذن فما أوجبه القرآن الكريم بصريح العبارة وعن طريق الأسلوب الوعظي المباشر الموجه عن قصد نجده مبثوثا أو متضمنا أو موحى به أو مشارا إليه في الحكي بأسلوب قصصي بديع..
لذلك لو أردنا أن نقف عند هذا الأمر بتفصيل لوجدنا أنفسنا أمام القرآن الكريم كله لأن - كما أوضحنا سلفا - الأغراض القرآنية جميعها متجلية في قصصه بشكل من الأشكال وليس من الضروري أن يأتي ذلك بالتفصيل.. ثم إنه ليمكن القول وبكل تأكيد إن القصة في القرآن الكريم تتواشج تواشجا لا مثيل له في غيره من الكتب، وتمتزج امتزاجا بينا واضحا لا مرية فيه بموضوعات السور التي ترد فيها، بله إنه يعتبر في رأينا امتزاجا عضويا لا يستطيع أي متلق كيف ما كان أن يفصل بين السرد القصصي وبين ما جاء في السورة التي احتوته بأكمله من موضوعات طرقتها، حتى إننا لو حذفنا القصة، بل جزء منها أو فصلا من فصولها أو مشهدا من مشاهدها، من موقعها من السورة التي وردت فيها لأضعنا المعنى المراد والفهم المطلوب ولاختل المقصود.. ولألفينا أنفسنا أمام نص مبهمة مقاصده أو لا يكاد يبين...
*******
الهوامش والمراجع:
(1) كتاب "القرآن كتاب حياة" لكاظم السباعي مؤسسة الوفاء بيروت/لبنان الطبعة الأولى 1404هـ الصفحة:13
(2) النص القرآني من الجملة إلى العالم.. وليد منير.. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.. الطبعة الأولى/1997.. الصفحة: 24..
(3) القارئ النموذجي.. أمبرتو إيكو.. ترجمة أحمد بو حسن وهو ضمن كتاب " طرائق تحليل السرد الأدبي" اتحاد كتاب المغرب-الرباط..الطبعة الأولى/1992.. الصفحة:160


الأستاذ عبدالرزاق المساوي
74 درب الكوبة م.ق
الرمز البريدي: 20000
الدارالبيضاء / أنفا
المغرب
lmoussaoui@maktoob.com