لكم الكلمة
... وإني لأرى الغاية والوسيلة، كما أراكم رأي العين، في ما جئتكم به اليوم مخطوطا على هذه الصفحات، وفي ما أتيتكم به اليوم على لساني مسرودا، ولا أظنكم سترون اليوم أو غدا أو حتى بعد غد غير ما أرى، ولو ضربتم في الأرض باحثين منقبين طولا وعرضا ...
ثم إني لا أرى سببا باعثا لي على طلب الإصغاء منكم، فذلك شأنكم وليس من شأني في شيء، كما أني لست مضطرا إلى التماس العذر منكم على إطالتي الحديث عليكم، فإن كنت قد أسهبت في مخاطبتكم، فلا لشيء إلا لأني رأيت لكل حرف نطقت به، ولكل حرف سأنطق به مكانا يليق به في كلمتي، التي أطرق بها في هذه الساعة آذانكم، ثم لأني رأيت من الخطإ أن أحذف منها حرفا واحدا، ويكفي أني صارحتكم بهذا الرأي، وأفصحت لكم عنه، وإني لا أراكم، وقد بادرت إلى ما بادرت إليه، إلا من الشاكرين ...
استرسل المتحدث ثم استرسل في حديثه أمام الحاضرين، وأطال ثم أطال حتى ظن الجمع أن صاحب الكلمة الماثل أمامهم على المنصة قد ضل سواء السبيل إلى ختمها ونهايتها، وفجأة سمعوه يقول: والآن لكم الكلمة، ثم أخذ أوراقه، وغادر القاعة مسرعا غير مستأذن.
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com
