المؤمن الصالح كالغيث النافع لا تطيب الحياة إلاَّ به ، ولا يحلو العيش إلاَّ معه .
والناس في نفعهم لغيرهم على ضروب شتَّى ومنازل متفاوتة .
فمن الناس من خيره كماء الآبار المستقر في جوفها ، لا تنال من خيره ولا تحصل على معروفه إلاَّ بالذهاب إليه ، وإنزال دلوك فيه ، وبذل المشقة في الحصول عليه .
ومن الناس من خيره كماء الأنهار الساري فوق وهادها والجاري في أوديتها ، يدرك منفعته من يسري في أرضه ويجري على ثراه ومن يسعى إليه ويقف على ظفَّتيه .
ومن الناس من خيره كماء الغيث الذي يهمل فوق الوهاد ويهطل على الثنايا وينزل في كل واد ، فينال منه السهل والجبل والمرتفع والمنخفض والبحر الأجاج وهامدات الفجاج .
فيحيي الله به الأرض بعد موتها ، وتنشرح به الصدور بعد انقباضها ، وينبت به الزرع الهامد ، ويدر به الضرع الجامد ، وتكتسي به الأرض زخرفها .
تفرح به البهائم وتحلو به النسائم ، ولذا فالخلائق ترقبه والكائنات تنتظره ، فإذا ما لاح برقه وصوَّت رعده وتلاحمت مزونه ، ارتفعت الأيدي للمعيد المبدىء بأن يرسله من سمائه وينزله من عليائه .
فالغيث حيثما وقع .. نفع ، فهو طاهر في ذاته ومطهر لغيره .
وهذا مثل العلماء والدعاة ، فخيرهم متعدي لغيرهم ، ونفعهم منبسط لسواهم ، وفضلهم ليس حكرًا عليهم .
تعمر بهم المجالس ، وتأنس بهم النفوس ، وترتاح لهم الأرواح ، فهم يعلمون الجاهل ، وينبهون الغافل ، ويذكرون الناسي ، ويحذرون القاسي .
يذودون عن إسلامهم بنفوسهم ، ويبذلون دنياهم لإعلاء دينهم ، فإذا ما تلذذ أهل الدنيا بدنياهم ، كانوا عنهم بمعزل ، فلا لذَّة لهم في غير دينهم الذي ملك عليهم نفوسهم ، وحكم بشرائعه وشعائره حركاتهم وسكناتهم .
فالناس في حاجة ملحة للعلماء والدعاة أكثر من حاجتهم لطعامهم وشرابهم ، فحياة قلوبهم خير لهم من حياة قوالبهم ، لو كانوا يفقهون !
وهل للأرض حياة دون ماء السماء ؟!
وهل للقلوب حياة دون وحي السماء ؟!
أجيبوا .. أيها العقلاء !
* لفته !
رعاكم مولاكم ياورثة الأنبياء ..
فما أجمل أثركم على الناس ! وما أقبح أثر الناس عليكم !
فلا تحزنوا .. ولا تركنوا ، فيوم الجزاء بين أيديكم !
وسلام الله عليكم !