الهاربة
انفلتت من قبضة يده، بعدما هاله صراخها،تركت خصلة من شعرها في يده،لقد كان يمسكها من شعرها ويضرب بعصا،لم يكتف بذلك،رمى العصا وشرع يضربها بيديه ويركلها برجليه، الطفل الصغير يبكي والكبير من غرفة إلى أخرى لا يدري ماذا حصل،الحماة والضرة يتفرجان على المشهد يبديان التذمرويضمران التشفي،لقد أشفى غليلهما من الكلبة كما يسميانها،هرعت نحو الباب فارة بجلدها،كأنها نجت من حيوان مفترس،تهمهم بأصوات غير مفهومة،تسب وتلعن في نفسها،حافية القدمين، صارت تجمع شعرها المنتفش،لقد تركت الصندل والمنديل في ساحة المعركة،تمزقت ملابسهاالطويلة حتى بدا جانب من فخدها،لقد حاولت الضرة والحماة النيل منها لكنها استطاعت صدهما ببنيتها القوية،قبل أن يحضر الزوج ويفض العراك بالقوة لتدفع ثمن كل ما حصل،لقد خبرت العراك مع مرور الأيام،ولا زالت تحتفظ بخصلة من شعرها كانت قد انتزعتها الضرة في عراك قديم،اتجهت صوب منزل أبيها البعيد،تبعها الحاج ابراهيم أحد الجيران، محاولا تهدئتها وإرجاعها إلى البيت لإصلا ح ذات البين.
"الله يهديك يا ابنتي،ارجعي إلى دارك،الله يهديك،"
-"ابتعد عني،اتركني وإلا صفعتك،اذهب وشأنك".
كانوا يتكلمون بصوت مرتفع،سمع صراخهم في المدشر كله،حتى البهائم أحست بذلك،هدأت القرية كانت الكلاب تكسر بنباحها الهدوء من حين لآخر.تابعت المسير وهي تلتفت يمينا وشمالا خوفا في الكتبان الخالية،حتى الرعاة عادوا بقطعانهم،لا نبات ولا زرع في هذا الوقت من السنة، دوى صوت الرعد،تعاظم خوفها على ولديها اللذين يلبسان أقمصة لا تقيهم البرد،بدأت أولى قطرات الخريف المكتنزة في التساقط تصفع الطفلين في وجهيهما كأنها حصى صغيرة،استرجعت شيء من سكينتها مع اقترابها من بيت أبيها.
بدت من بعيد في الأحراش جهد العين لأن احمرار الغروب يسود الأفق، تسرع الخطى ،يمشي وراءها طفلاها بديا كأنهما يدبان دبيبا،اختفت شيئا فشيئا وأهل القرية جالسون أمام بيوتهم يرقبون المشهد ،بقيت أعينهم مسمرة ودت لو أنها لم تختفي.26-02-2007