اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الحكيم مشاهدة المشاركة
يا أصدقاء الســؤال المطروح بَين والأخ : أبو شامة واضح في طرحه فلما التعريج على ابواب النحو .

يقول امرئ القيس بن حجرٍ الكنْدي في معلقته وهي من روائع الشعر الجاهلي :


  1. قــفا نَبْك نت ذكْرى حَبيبِ ومنتتزل بسقط الوي بين الدخول فحوْمَـل
  2. فَتٌوضحَ فالمقْراةِ لَمْ يَعْفٌ رَسمها لما نَسَجتْها من جَنٌوبٍ وشَمْـــأَلِ
قِـفا : قيل خاطب صاحبيه ، وقيل بل خاطب واحداً وأخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين لأن العرب من عادتهم اجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع .

اما قوله : "سقط اللوى والدخول وحَوْمل والمقراة " فهـي اسـمـاء امـاكن كان ينزل بها أهــل محبوبته (فاطمة ، أو فاطم وهو مرخم كقوله : افاطم مهلا بعض هذا التذلل ) والدليل على ذلك قوله في الشطر الثاني في البيت الأخير : " لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوبٍ وشمْـأل "، أي لم ينمحي أثر هاته الأماكن رغم تعاقب رياح الشمال والجنوب عليها طوال هذه المدة . يقصد مدة الغياب وترحاله .
الأخ العزيز عبد الحكيم، تحية و بعد..
صحيح أن سؤال أخينا "أبو شامة" سؤال واضح وبَيِّن الدلالة.. و الوقوف عند الجانب النحوي أملته أمور منها السؤال ذاته: "هل كان الشاعر يخاطب "عينيه" و لفظ عينيه جاء بصيغة المثنى. ثم إن الوقوف عند الجانب النحوي، عند بعض المدارس أو الاتجاهات النقدية يعتبر دعامة أساسية بل ضرورية لصبر أغوار النص للوصول إلى المستوى الدلالي، و هذا أمر قابل للنقاش..
و أود هنا ، أن أساهم بمداخلة مقتضبة و متواضعة، أحاول من خلالها تقديم فهم أولي للبيت.. فأقول:
البكاء و الذكرى و الحبيب و المنزل ، علامات أربع تشكل منها هذاالجزء من البيت إضافة إلى المكونات التالية "من" و "الواو" و فعل الأمر"قف" المشبع ب"ألف الإثنين" الدال على المثنى المخاطبين.
و فعل الأمر إما أن تكون دلالته الإلزام أو الالتماس. من خلال هذه المحددات الأولية، وبدون الوقوف عند مكونات الشطرالثاني من البيت المؤثثة للجغرافية المكانية أولاً، والتي بدورها وسيلة للتأثيث للجغرافية النفسية و العاطفية؛ نلمس أن الشاعر صدح بفعل الأمر و استنبت من ذاته ذاتاً أخرى قصد جعلها مطية للقول الشعري، و كأني به يلتمس العضد من الآخر، سواء أكان الآخر متواجداً وقت الوقوف عند المكان/الأمكنة أو كان الآخر/ المفترض كما هي الحال عند كل مبدع.
و البكاء تعبير عن إحساس و حالة/ حالات فردية ذاتية. إلا أن الشاعر هنا سعى إلى تضخيم الوضع / المعاناة لنقلها إلى الحالة /المأساة. الغيرالقادر تحملها لوحده، و ليجعل الآخر شاهداً عليها مشاركاً له في التخفيف من أعبائها.
ثم إن لفظتي "حبيب" و "منزل" علامتان أساسيتان في البيت، فعلى مستوى الإيحاء كلتاهما توحي بالاستقرار النفسي و العاطفي و المكاني الجغرافي ، وهي مايسعى إلى تحقيقها كل فرد لتحقيق وجوده وذاته. وهما العنصران المفقودان عند الشاعر؛فكلاهما" الحبيب" و "المنزل"لم يعد إلا ذكرى.. و الذكرى جزء من الماضي المفقود، ووعي الشاعر باستحالة استرجاعهما جعله يعي أن ذاته غير قادرة ، وحدها، للتعبيرعن مأساة المعاناة التي يحياها و يعيشها،لوحده، فكان من الضروري الاستنجاد بالآخر/،سواء كان الآخر حاضراً وقت التعبير و الإنشاد، أو كان الآخر/المتلقي.
بقيت كلمةأخيرة في الحركات الطاغية في النص، فالكسرة هي العلامة الطاغية على البيت: نبكِ ذكرى: اسم مجرور(البناء)، حبيب، اسم مجرور، منزل : مجرور أو معطوف على الاسم المجرور سقطِ الدخولِ حوملِ ؛ إن هذا الكم الهائل من الأسماء أو الحروف المجرورة تشير إلى الحالة النفسية المنكسرة و المنهزمة التي يحياها الشاعر. ثم إن تحديد الأماكن بكثافة في بيت يتيم؛ منزل، سقط اللوى ، الدخول و حومل يشير إلى مدى انتشارالمساحة الجغرافية الشاهدة على ذكريات الشاعر بالآخر/الحبيبة.إلا أن هذه الأمكنةأضحت أثراً بل آثاراً تستدرف دموع الشاعر....