بوشتسونامي
( قصة من الأدب المَمْدَري )
==========





تطير فوقرؤوس طلعها كأنه رؤوس الشياطين . تحلق باحثة عن مهبط رحيب . وجب لها القلب فاصطفتهللهبوط كأنه مطار وهي طائرة . سكنت قلبا مثقوبا من شدة تصريف الدماء العادمة . قلبراع بليد يرعى خنافس الدفن وماشية النمل . يمعن المرهاب في القضاء على زمن الإرهاب . يزداد إمعانا كلما أسقطت في يده الحيل . فتح النار من فكرته على حرب الحريةوالطغيان ؛ يستبدل بها حرب الإرهاب ، ثم استأذنته للعودة إلى الرأس حيث نتن مصطفىلتفاوحه ، فغرزت فيه سهما ساما منتظرة جمعا لحرب جديدة ، هي حرب الطوفان .
انفضالزمان من حوله غضبا حنقا لا يلوي إلا على نفسه . مضى يطوي عمره نفورا من فظاعةالظلم ، وصفاقة الظالم ، أسرع نحو حتفه كأنه غلام موسى الذي كبر ولم يكبر ، أوثعبان مهرج ولد ولم يولد .
في بيت نكرة لا يعرف إلا بلون عدو الناس الأزرق ،يبدأ الأملح فيه يومه بالصلاة للخشبة .
وفي البيت الأسود من شدة تدافع الجراثيموازدحامها ؛ طفقت عجول عربية تقدم ولاءها للرئيس وهي خائفة من عقوبته ، تخشى علىعلفها الذي ألفته ، تتقدم وكأنها سيقان نباتات تستطيل خلاياها من جانبها المظلم ،وعند نشوة التفرج على الموت بعد طول جفاف الخلايا قعد حفيد هرقل على رفات يتأمللونها ، وحال ضجرها منتظرا دق ساعة الحسم ، ودقت الساعة وما كانت لتدق لولا ضيقالحياة من سفالة الأحياء ، وسخرية العجلة من غايات خيالية . وحضر منظروا حرب الحريةوالطغيان وفي جعبتهم بديل لحرب أخرى أكثر قذارة وفظاعة ..
تتقدم الحضور خنفسةالدفن ، وهي ابنة قس مندس . تمشي على سوءة منفوخة كأنها مطوى محشوة بمخدر الشيرا ،بنيت من نفس خلايا السامري ، تحمل قلبا بلون جلدها ، في فمها فلجة كأنها ثقب فتحهياجوج وماجوج في غفلة عن ذي القرنين . إلى جانبها يمشي كولين باول على أربع ، فيعنقه حبل يجر منه جنبا إلى جنب مع كلبة رئيسه المدللة . عن يمينه يسير جرذ غزاهالشيب دفعة واحدة في الحادي عشر من سبتمبر سنة ألفين وواحد ميلادية ، اختبأ مذعورامنتظرا ردة فعل العالم على تمثيلية رئيسه الأبلد .
بمحاذاة الجعل الرئيس تنحنيهامة مقوسة تتبادل الحديث معه . وثق الرئيس فيها وثوق المريض بطبيبه . يسير ولايحفل إلا بها حتى دخلا قاعة الاجتماعات ، وعندما اطمأن بادر مرءوسيه يقول :
-
لقدجمعتكم لحرب الطوفان ، فماذا ترون ؟
رد عليه الخبير النووي ذي الهامة المقوسةقائلا :
-
إنها ممكنة الوقوع يا سيدي .
من غير مقدمات ، وبدون توقع قفز الجعلمن مقعده مندفعا في فناء القاعة يرقص رقصة الصامبا ، رمى نفسه في هواء القاعة فرحامرحا قد انتشى وثمل لقول الخبير . قفزت خنفسة الدفن تحاكي فعاله وارتمت في أحضانهفشرعت تلعق عرقه وتمتص لعابه كأنما هي متبركة بصوفي زنجي ، أو قس راسبوتيني .. وعادالرئيس إلى قعدته يقول للخبير النووي :
-
وأين يكون تفجيرها ؟
نطق كولين باولقاطعا الحديث على الخبير يقترح المحيط الأطلسي . يذكر موريتانيا والمغرب والبرتغالوإسبانيا وفرنسا وبريطانيا ، وما إن هم بنطق دولة أخرى بعد التجمع الجزائري حتىقاطعه رئيسه يقول منفعلا :
-
لا ، لا يكون البدء إغراق حلفائنا ؛ سنغرقهم ، ولكنبعد حين .
-
كما ترى يا سيدي .
-
أريد قتلى بعدد خلاياكم العصبيـة . لايسعدني رقم ناكازاكي وهيروشيما ولو كانا مضروبين في فقرات رواية : انتفاضة الجياع ،أو نصوص : نساء مستعملات . يفرحني رؤية تيه الأطفال وشرودهم . يطربني التفرج علىرؤية الناس فوق قمم الأشجار مذعورين كالقردة .
-
فأي الدول تقترح سيدي للطوفان؟
-
لا أقبل بأقل من إحدى عشر دولة أكثرها من آسيا . أريد خليج عدن ، وضفتي البحرالأحمر ، ولكن حذار من إغراق مدينة اللد لأنها لبيادقنا . أعيدوا إن شئتم سيل العرمللتسلية مع أبناء محمد .
-
سنصل إلى عشرين دولة ، ولكن فوران التنور لن يكون منشمال جزيرة ة سو ماطرة .
-
طيب ، لتكن سو ماطرة . سنعود للتسلية معك يا محمد ؛انتظر .
عند أعياد الميلاد ، وعلى بعد أيام يونيية من السادس والعشرين لآخر شهرفي سنة ألفين وأربعة تنتهي باليوم العالمي للبيئة ؛ تحركت بوارج بحرية تمخر عبابامتأوها ، تحمي في جريانها غواصة منبطحة على مجمر نووي ، يدفعها الوقود الصياحمستعجلا التخلص من الجنين . تسرع به نحو أجل الوضع ، ولكنها لا تعرف أوانه ومكانه . تحمل جنينا ضخما كأنه ناقة ثمود تنط في سفينة نوح . تحمل قنبلة لا إشعاعية ، أعدتخصيصا للانفجار الأفقي ، يستهويها قاع البحر ولا تتعامد فيه أبدا حتى تطل على سطحه، يراد منها صناعة مد بطول رقم اليوم العالمي للمياه ، يراد لها أن تصنع أمواجاعاتية يفشل في التزحلق عليها أشرس قرش .
حطت الغواصة قرب جزيرة سو ماطرة . تلطفالضباط مع القنبلة الوديعة وهم يخرجونها . وضعوها في قاع البحر وفي رأس كل واحدمنهم صور شق المحيط الهندي والابتعاد عن مركز التفجير ، ثم تفجريها عن بعد . وما أنأشعلوا المحرك النووي حتى قامت القنبلة من نومها ، فجرها الجعل عن بعد بنفس تقنيةالنطح للنطيحتين النيويوركيتين .
وانطلق المارد يصهر اللحم والمعدن . انطلق فهزالماء تحت سطح البحر هزا عنيفا ودفع به أفقيا . زلزل اليابسة زلزالا شديدا كاد يصلبه إلى رقم اليوم العالمي للمعاق . اهتز له رفات ريختر مصياحا . انفجرت القنبلةأفقيا ولم تطل على سطح البحر استحياء . دفعت مياه البحر في جميع الجهات . أحدثتفراغا في قاع المحيط تحاكي به فراغ عشرين تورنادو ، واندفعت بلايين الأطنان من مياهالبحر في جميع الجهات . صنعت مدا بطول الحبل الشوكي للإنسان البالغ ، ولكن منالأمتار . أشفق الهدير المرعب على الأحياء فنزل بمده حتى كان بنفس رقم اليومالعالمي لمحو الأمية .
تقدم المد يشكو جراح المهانة . قصد الهند وإندونيسياوالصومال وسيريلانكا وتايلاند وماليزيا والمالديف وبانغلاديش ..
أحدث المدالخراب والدمار . يتم الولدان وأثكل الأمهات . أهلك الحرث والنسل ؛ وأغرق الناسأمام عدسات الكاميرات .
جلس الجعل إلى مكتبه يتفرج على صور حية تبثها له أقمارالتجسس من على بعد مائة وستين كيلومترا فوق سطح البحر ، يتفرج وعلى لسانه همهمةشادية بقوله :
-
أذقتكم ما أذقتكـم ، واستلذت بذلك ولم أزل . خلاق أنا للهوان . خلاق أنا للذل . صانع الموت أنا . فموتوا .. موتوا .. وليتني أميتكم ميتتين .
نادى الجعل على خنفسة الدفن وطالبها بالإعلان عن مساعدة مالية بخمسة عشر مليوندولار مشترطا أن تؤخذ من خزينة مال الشعوب المسروق ، ثم دخل مكتب الصحافة يعاينأقوالها وتقاريرها ، وحين علم بإجماعها على ما حصل أنه زلزال ؛ انخرط في قهقهةبليدة شامتة ، ثم شرع يشرب نخب نجاح حرب الطوفان .
احتفل بنصره وأعياد الميلادفي ضيعته ببلدة كارا فورد ، رقص طربا ، وثمل انتشاء بحرب جديدة لم يعد يهم فيهاصناعة ألف من بن لادن ، ولا مائة ظواهري ، أو عشرة من الزرقاوي ، لم يعد يهم فيهاسوى الزلزال المائي ؛ والطوفان الجورجي .

ـــــــــــــــ

محمد محمد البقاش