عروة بن مسعود الثقفي يصف لنا حال الحبيب ، وصحبه ، فيقول :
( إنّي قد جئت كسرى في ملكه , وقيصر في ملكه , والنجاشي في ملكه , وإنّي والله ما رأيت ملكا في قومه قط ، مثل محمّد وأصحابه !..)
إنه نبيّنا الأميّ , وخاتم الأنبياء والمرسلين , وأشرف مخلوق على وجه الأرض ....
وقع حبّك في قلبهم وقعاً متمكناً , وألْزمت الكون بحبّ سيرتك, وبهاء روعة عظمتك, وأمانة صدق رسالتك ...
القلب لم يأنس إلاّ بحبّ رضاك , والفكر لن يستقيم إلا بإتباع سنتك , وهو يأمل من الله أن تكون له شفيعاً عند حوضك ..
أوصاف كمالك يا حبيبي شيمتها الصبر والجود والوفاء , ومكارم الأخلاق أبهى معالم حُسنك , وعظيم قدْر شَأْنك ....
محبتك يا حبيبي يا رسول الله لنْ تناسب إلاّ الأرواح الذّكية , والقلوب الطاهرة , ولن يأْنس بها إلاّ أصحاب الفكر العالية ....
شريعتك كان عنوانها الوفاء حتّى على الملل الأخرى ...
{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال : 72]
لم يكن الحبيب حتّى قبل أن يبلّغه الله برسالته إلاّ أنْ يكون وفيّاً أميناً لصدق العهد ...
يقول عبد الله بن أبي الحسماء : بايعت – أي بعت له شيئا – محمّداً , ووعدته أن آتيه في مكانه , فنسيت , فذكرته بعد ثلاثة أيام , فإذا هو مكانه , فلما رآني لمْ يزد على أنْ قال : لقد شققت عليَّ , أنا هُنا منذ ثلاثة أيامٍ أنتظرك )
[سنن أبي داود]
النبيّ الأميّ, والمربّي العظيم رمز الوفاء , والحبّ كان لأهله ...
عن عائشة قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي .
فقال لها : من أنت ؟.
قالت: أنا جثامة المزنية .
قال : بل أنت حسانة المزنية..
كيف كنتم كيف حالكم كيف أنتم بعدنا !؟.
قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
فلما خرجت ، قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال.
فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة , وإن حسن العهد من الإيمان )..
[ حديث صحيح على شرط الشيخين]
الحبيب الذي أرسله الله ليكون رحمة للعالمين كان رمزاً للرحمة والوفاء ، حتّى على الفئة الباغية الطاغية ، التي كانت تحارب دعوة صدق رسالته ...
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :
شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، وجاءته وفود هوازن ، قبيلة خوزان ، كانت من أشد الأعداء للرسول الحبيب وصحبه في حربها للإسلام والمسلمين , وبعد وقعة حنين ، وبعد أن انتصر المسلمين ، أرسلت الفئة الطاغية الباغية ( هوزان ) وفداً إلى الرسول ، تطلب منه فكّ أسراها ...
فقالوا يا محمد : إنّا أصل وعشيرة ، فمن علينا من الله عليك ، فإنه قد نزل بنا من البلاء مالا يخفي عليك .
فقال : اختاروا بين نسائكم ، وأموالكم ، وأبنائكم .
قالوا : خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا ، نختار أبناءنا .
فقال : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب ، فهو لكم ، فإذا صليت الظهر فقولوا : إنا نستشفع برسول الله - صلى الله عليه وسلم- على المؤمنين وبالمؤمنين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في نسائنا ، وأبنائنا قال : ففعلوا .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :
أما ما كان لي ولبني عبد المطلب ، فهو لكم .
وقال المهاجرون : ما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت الأنصار : مثل ذلك
وبذلك رد على هوزان آلاف الأسرى ... )
[مسند الإمام أحمد ]
لم يكن الوفاء للأنْصار أهل الخير والحبّ أَنْ يفارقه أبداً ..
قام خطيباً إلى أصحابه نبينا سيّد الأوفياء - بعد أن صلى واستغفر لشهداء أحد-
فقال لهم :
{ إنّكم يا معشر المهاجرين تزيدون , وإنّ الأنصار لا يزيدون وإنّ الأنصار عيبتي التي آويت إليها أكرموا كريمهم , وتجاوزوا عن مسيئهم فإنّهم قد قضوا الذي عليهم , وبقي الذي لهم }
[ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح]
تُرى هلْ وجد التاريخ مثلاً لحكمته , ووفائه !!؟؟...
إنه والله بحقّ كان أعظم رجل ٍ , وأشرف مخلوقٍ حمل الوفاء بين جنبات صدره !!....
ترى أين هؤلاء الذين كانوا يدافعون عن نبيّ الوفاء وأمانة الرسالة !!؟؟
أين نحن من الصدّيق وابن الخطاب, وسعد وعمرو بن العاص , وخالد بن الوليد وو.... !!!؟؟؟
أين نحن من أهل الوفاء ، وأهل الإخلاص لسيّد المخْلَصين , والأوفياء !!؟؟
رجلٌ عظيم من آلِ عبد المطلب ، كان مولعاً في الصّيد , وإذا ما رجع منه طاف بالكعبة , ثم مرّ على أندية قريش يسلّم على أهلها ..
كان أعّز فتى عندهم , وأبعدهم عن دين محمّد النبّي الأمّي ...
إنه حمزة- سيد الشهداء –
وهو يطوف بالكعبة ، وجدته جارية ، فقالت له :
إنّ أبا الحكم بن هشام ( أبا جهل ) , وجد محمداً هاهنا جالسا , فسبّه ونالَ منه ما يكره , وانصرف عنه , ولم يكلمه محمّد , فغضب حمزة ، وثأر لابن أخيه , وضرب بالقوس أبا جهل أمام قريش ، وشجّه شجّةً منكرة , ثم قال له : أَتَشْتمه , وأنا على دينه ، أقول ما أقول ...
إنها والله صورة من صور الكرامة والوفاء للنبي الأمي !!...
صورة حيّة من صور الدفاع عن الحقّ المبين , وسيد الأنبياء والمرسلين !!...
والله لو قلبنا كتب التاريخ , ودرسنا أخلاق الأمم , وفضائل الشعوب لما وجدنا مثل مدرسة محمّد النبيّ الأميّ , وصحبه !!؟؟...
مدرسة عظيمة , ورسالة حقٍّ وفيّة , وجوهرة مضيئة , وذؤابة نور أنارت حلكة البشرية وظلماتها ..
لنسأل أنفسنا يا أمة الحبيب :
متى نضمن الإنصاف , ومتى نستعيد الكرامة , ومتى نتزيّن بالمروءة والنخوة والشهامة , ومتى تستقيم لنا الحياة !!؟؟
أليس الوفاء هو قوام الحياة !!؟؟
أليس الوفاء من شيم المروءة , والأخلاق !!؟؟
أين نحن من سيّد الرجال , وسيّد الوفاء , خاتم الأنبياء الصادق الأمين !!؟؟
أين نحن من صاحب الروح السارية ، التي أضاءت بنور جلالها ظلمة الجهل , والجاهلية !!!!؟؟؟؟
ألمْ يكفنا فخراً وعزّةً وكرامةً ، أنّنا من أبناء هذه الأمّة العظيمة الوفيّة ، التي دان لها كل من في الأرض ؛ لتنشر دين الوفاء والبرّ والصدق ...
تلك هي النفس الوفية , والروح الصادقة الأبيّة ، التي لا يمكن لها إلا أن تبقى حيّة ؛ لنتعلم من مدرستها معنى الوفاء ، والإخلاص ...
بكلّ حب ووفاء أناديكم :
أين نحن من وفاء وكرامة أصحاب النبي الأميّ !!!!؟؟؟
فقدنا القوّة والعزّة والكرامة , وارتضينا الذل والهوان والهزيمة حياةً لنا !!؟؟
أصبحنا في غفلة عن ديننا , وفي غفلة عن أنفسنا ..
ألفنا الفسق والفجور , وانسلخنا عن أمتنا ، في مخالفتنا لدين الله ، وشريعة نبينا !!!
أغمضنا أعيننا , وأطبقنا أفواهنا , ووضعنا أصابعنا في آذاننا , ولمْ نَعد نرى ونسمع شيئاً ممّا يدور حولنا !!!؟؟؟
والله الذي لا إله إلا هو ، لَنْ يكشف عن الأمّة الغمّ ، والظلم ، والعار ، إلاّ إذا ما عادت بصدق ، ووفاء إلى الله ، وسنّة رسوله ، وصحبه ...
لن يكشف عن الأمّة العار ، إلاّ إذا ما وقفنا يداً ، وقلبا ، ولساناً واحدا ؛ للدفاع عن رمز الوفاء والصدق ، نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- !!؟؟
لن يكشف عنّا الغم إلاّ إذا ما علمنا بأننّا :
خير أمّةٍ أخرجت للناس ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر !!!؟؟
ولا يمكن ، والله حينها لهؤلاء المارقين ، والحاقدين على الإسلام ، وحبيبه ، إلاّ أن يأخذهم أخذَ عزيزٍ مُقْتدر , وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب سينقلبون .........
بقلم : ابنة الشهباء