النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 رد : بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    2,180
    معدل تقييم المستوى
    20
    ربما جاز لنا أن نقول : إن المستشرق الفرنسي
    ( رينان RENAN ) كان أول من فتح باب الهجوم على العرب في كتابه ( تاريخ اللغات السامية المقارن HISTOIRE GENERAL ET SYSTEME COMPARE DES LANGUES SMITIQUES
    وفيه حاول أن يؤكد أن في الدنيا نوعين من العقليات :
    عقلية آسيوية ، وعقلية آرية .
    أما العقلية الآسيوية فبعيدة عن الإبداع ، ومن صفاتـها
    الضعف والإخفاق في كل شيء ؛ وما عقيدة التوحيد التي
    تسيطر على معظم أقطار آسيا إلا دليل على هذا التخلف ،
    وهذا الانحطاط . والآسيويون متهافتون ، ضعفاء في أخيلتهم ،
    خوارون ، عاجزون في حروبـهم ، لم يشهد لهم التاريخ تفوقاً
    حربياً ، ولا انتصاراً في أي عصر من العصور ؛ بخلاف العقلية الآريــة ، المتميزة بالإبداع ، المتفردة بالعبقرية ، القادرة على التصرف ،
    المنتصرة في كل ميدان .
    ذلك هو الهراء الذي طلع به رينان ، وقد كان
    أول القطر ، ثم راح ينهمر ..
    تبعه المستشرق الهنغاري اليهودي غولدزيهر GOLDZEIHER
    في معظم كتبه ودراساته ، ولا سيما في كتابه المشهور : ( العقيدة والشريعة ) فقد حشاه سماً زعافاً وبهتاناً مبيناً ، وزعم ـ من جملة ما زعم ـ
    أن حضارة المسلمين ليست نتاجاً عربياً ، وإنما كانت نتاجاً غير عربي ، وألح على التفريق بين العقلية العربية التي هي عقلية آسيوية غير منتجة ، وبين العقلية الآرية المبدعة .
    ولحقه المستشرق الإيطالي غويدي ( الأب ) المعروف بالكبير . جاء إلى القاهرة ليحاضر في ( فضل العرب في الفلك والجغرافية والطب والعلوم الأخرى ) وكان في مطلع محاضرته رائعاً ، بلغ حد الإبداع ، لما أظهر من موضوعية ، ورصانة ، وحياد . وقد أنصف العرب ، وأشاد بفضائلهم ، وأظهر حساباتهم أدق من حسابات الإغريق والرومان والأمم الأخرى في هذه العلوم . ولكنه ما لبث أن هوى من حالق حين حاد عن موضوعه الأصيل إلى بحث في أسباب العبقرية والإبداع ، وقد حصرهما في العقلية الآرية دون سواها ، وأنكرها على العقلية الآسيوية ..وهكذا .
    ومن إنكلترا طلع مرغوليوث بمثل ما طلع به رينان ، وغولدزيهر ، وغويدي ، وبدأ يشكك في كل التراث العربي ، وبكل العقل العربي ، ويملأ دروسه ومحاضراته بالأراجيف ، ويقنع طلابه ببراهين
    وأدلة ما أنزل الله بها من سلطان .
    وما هي إلا حقبة حتى كان صوت برتراند رسل الفيلسوف الإنكليزي يملأ الآفاق ، وكلمته التي جاءت في كتابه الضــخم ( تاريخ الفلسفة ) أكبر من أن تنسى . لقد قا ل : إن المكتبة العربية بكل ما تحتويه من تراث ومؤلفات أضن عليها برف من رفوف مكتبتي . والذي يلفت النظر أن الذين ترجموا كتابه إلى العربية لم يعلقوا بكلمة واحدة على هذه الإهـانة .
    والذي سدد الطعنة النجلاء لكل ما صدر عن العرب والمسلمين هو الفيلسـوف الألماني ( أزوالد شبينجلر ) في كتابه المشهور :
    ( انهيار الغرب ) .
    لقد أوصل نظرية التفريق بين العقليات إلى قمتها ، من حيث
    البحث العلمي ، وتلمس الدلائل الموضوعية ، والاعتماد
    على فلسفة التاريخ وتطوره .
    كانت نظريته تقـوم على فكرة ( الظاهرة الأولية) وهو يعني أن لكل أمة من الأمم ( ظاهرة أولية ) هي التي تتحكم في سلوكها ،
    وعقلها ، ونتاجها .
    وفكرة ( الظاهرة الأولية) استقاها من علم البيولوجيا
    والنبات ، فقد لاحظ أنه قد يتفق نوعان أو أكثر من النباتات
    في المظاهر الخارجية ، السوق متشابهة ، والأغصان متشابهة ،
    والأوراق كذلك ، وأحياناً قد تتشابه الثمار ، ولكن لدى
    فحص الأوردة الصغيرة في الأوراق النباتية يظهر الفرق
    في عدد هذه الأوردة ، أو شكلها . وهذا الفرق الدقيق هو
    الذي يميز صنفاً من صنف ، ونوعاً من نوع .
    وكذلك أمر الناس ، فقد ينتقل عربي ـ مثلاً ـ إلى بلد أوربي ،
    فيظهر كأنه منهم ، من حيث طعامه ، وشرابه ، ولباسه ، ووجهه ،
    ولونه ، وقد يشبههم حتى في لغتهم ، والفرق الوحيد الذي
    منهم يكمن في( الظاهرة الأولية) المترسبة في أعماقه . وتبدو
    واضحة لدى أنواع من السلوك ، وألوان من التحريض .
    قد يثور إذا حدق أحد في زوجته ، أو غازلها ، وقد يضرب
    من يهينه أدنى إهانة ، في حين أن ( الظاهرة الأولية) عند
    غيره قد لا تكون لها هذه الاستجابات ، وإنما تكون لها
    استجابات أخرى ، ومن لون مختلف .
    كذلك درس شبينجلر تطور التاريخ ، فرأى كل أمة تمتاز
    بـ ( ظاهرة أولية ) تختلف عن الظاهرة الأولية عند سواها .
    فالإغريق مثلاُ تبدو ظاهرتهم الأولية في ( المكان ) ومن صفات
    المكان وجود الأعمدة علواً ، والمسافات امتداداً . لهذا فإنهم عنوا
    بالأعمدة ، والمعابد المختلفة ذات الأعمدة الجميلة ، وقالوا بتعدد الآلهة .
    والظاهرة الأولية عند الرومان تبدو في ( العمود ، أو الجبل ) وهو يرمز إلى الاستعلاء والقمة . وهذه الظاهرة هي التي جعلتهم يتفوقون حربياً على الشعوب الأخرى ، ويتسلطون عليها . كذلك فإن مفهوم الدولة عندهم منسجم مع هذه الظاهرة ، إذ يرونها فوق المجتمع ، وما خلاصة مجموعة ( جستنيان ) الفقهية إلا برهان على هذه الفوقية ،
    أو على هذه الظاهرة ـ على حد قوله ـ .
    أما العرب ، ويعني بالعرب كل ما امتد من الجزيرة العربية
    إلى أن يشمل سورية ، والعراق ، والقسم العربي من فارس ،
    فالظاهرة الأولية تتجلى في ( الكهف ) . و( الكهف ) عند شبينجلر يمثل محدودية مظلمة ، ذات ازورار غير منفتح ، وإيحاؤه محدود ،
    مكتنف باللاانفتاح ، وبالإغراق في الإبهام .
    وللتدليل على صحة ما ذهب إليه ضرب مثلاً بالهندسة العربية المولعة بالأقواس ، والقباب ، والمحاريب بل ببنائهم الأصلي
    الذي هو ( الخيمة ) . وفي زعم شبينجلر فإن الخيمة توحي بالكهف ،
    ولا سيما في مظهرها الخارجي ، بل في مظهرها الداخلي كذلك .
    وإلحاحاً علىهذه الظاهرة الأولية جاء إلى الشعر العربي
    وزعم أنه مظهر للخيمة .
    استدل على ذلك بعلم العروض الذي ابتكره الخليل بن
    أحمد الفراهيدي ، وبالتسميات التي استخدمها في أكثر
    مصطلحاته ، كالعروض ، والسبب ، والوتد ، وغيرها ، فإنها
    جميعاً تدل على الخيمة وأجزائها .
    والقصيدة العربية دليل آخر على هذه الخيمة ، فالتزام
    الشاعر بقافية واحدة من أول القصيدة إلى آخرها يجعلها
    بمثابة العقدة التي تمثل رأس الخيمة ، ويجعل الأبيات بمثابة
    الشعاع الذي ينطلق من هذه العقدة ، أو يتجمع فيها .
    وهذا كله يوحي بصورة الخيمة .
    إذن ، فالخيمـة ، والأقواس ، والمحاريب ، والشعر العربي
    تقود إلى ظاهرة ( الكهف ) وهذا يفسر انغلاق التفكير ، وتحجره ،
    أو قل : يمثل ـ على الأقل ـ محدوديته وانطباقه .
    وهكذا ، راح ينتقل من أمة إلى أخرى ، ويبتدع لها ظاهرتها
    الأولية ، ويحاول أن يستخدم كل المعطيات العلمية للدلالة على
    صحة ما يقول ويدعي .
    ولا نغالي إذا قلنا : إن هذا الفيلسوف الكبير ينا ل من
    علماء الفلسفة الحضارية التقدير الكبير ، والاحترام الجم ،
    ويعد من أعظم مفكري القرن الحالي .
    نظرية شبينجلر هذه رد عليها العلماء ، وقالوا : إن كل
    زعم في التمييز بين الأقوام ، وظاهراتهم الأولية هو وهم من
    الأوهام ، لا يسنده واقع ، ولا تؤيده حقيقة ، ولا يدعمه منطق .
    فليس هناك في الدنيا كلها أمة صافية ، وأن كل أمة وضعت
    رجلها في التاريخ صارت مركبة . وصفاء العروق غاب عن هذا
    العالم منذ آلاف السنين ، حتى إنه غاب عن الأسكيمو ذاتهم ،
    بعد أن وفدت عليهم البعثات الاستكشافية ، واختلطت بهم ، وبدمائهم .
    وبعد ، فإن الواجب يقضي أن ننصف بعض المستشرقين
    أمثال ماسينيون ، ونولدكه ، ودي غويه ، وفلوجل ، وولفنسون
    الذين ردوا على رينان ومن لافّه ، وعارضوهم بأبحاث علمية ،
    وبراهين ساطعة ، وبينوا إسرافهم في هذا التمييز بين
    العقليات ، ورموهم بالتعصب ، ومخالفة الحقيقة ، والبعد
    عن العدل والإنصاف ، وضربوا الأمثلة الكثيرة على تفوق الساميين ـ والعرب على رأسهم ـ في ميادين مختلفة ، سواء في الانتصارات
    الحربية أو في الأمور الحضارية
    أمينة أحمد خشفة
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    2,180
    معدل تقييم المستوى
    20
    كل ما نريد الوصول إليه أن نقول : إذا كانت شعوبية
    القدماء قد انصبت على احتقار قوم معينين ، فالشعوبية الحديثة
    انصبت على احتقار العقليات والأمزجة الآسيوية ، والمسلمون
    جزء من هذه الآسيوية . وبمعنى آخر نريد أن نقول :
    إنه في رأي الشعوبية الحديثة أنه مهما بلغ الإنسان العربي
    أو الآسيوي من العلم والمعرفة والعمق فإنه قد يصبح
    عالماً أو عارفاً ، ولكنه يستحيل عليه أن يكون عبقرياً
    أو مبدعاً ، لأن ظاهرته الأولية تحده بحدود .
    ولا بد من أن نؤكد على فكرة أساسية في هذا الموضوع ،
    وهي أنه لا يكفي أن نقتصر على ما ردَّ به بعض العقلاء
    من الغرب وحدهم ، ولا على الرد على تلك النظريات بشتائم
    أصحابها ، وسبابهم ، إن ذلك لا يغني عن الحق شيئاً .
    الواجب الكبير أن نرد على الدلائل المنطقية العقلية
    بمثلها ، إن لم يكن بأرجح منها ، ولا يتم ذلك إلا إذا قامت
    دراسات عميقة ، رصينة ، تبين خصائص المجتمع العربي ،
    ومزاياه ، وإتنولوجيته ، بمثل ما فعل ابن خلدون في مقدمته ،
    أو بمثل ما تطلع إليه ابن سينا في رسالته الصغيرة
    ( منطق المشرقيين ) . وقد أراد أن يتمها ولكن تقاصر به العمر ،
    وحينئذ يخرجون إلى الناس بخصائص المجتمع العربي ،
    وإملاءات هذا المجتمع ، ليقولوا : إن الفكر العربي يميل إلى
    النحو الفلاني ، وإن الفكر العربي قادر على مواجهة الطبيعة
    بكل ما فيها من عقد . ولا يستطيع أن يقوم بهذا إلا علماء متخصصون في هذه الدراسات ، قادرون على مجابهة الأفكار بمثلها ،
    تدعمهم الحكومات ، وتنفذ وسائل الإعلام في البلاد العربية
    جميع ما يريدون ، وتسهل لهم الســبل للوصول إلى كل بقعة من العالم .
    الأسف الشديد هو أن نظرية رينان ، وشبينجلر ، وغولد زيهر ، وماسينيون ، وغويدي ، ومن لف لفهم وجدت آذاناً صاغية ،
    وقلوباً متفتحة ، في مصر بالدرجة الأولى ، ثم تبعتها لبنان
    وسورية ، وبقية العالم العربي .
    في مصر كانت مدرسة ( أحمد لطفي السيد ) مرآة صادقة لنظريات رينان ، ومن ذكرنا من هؤلاء المستشرقين ..
    هذه المدرسة وقفت أمام تيارين في عصرها ، الأول المتمثل في الأحزاب الوطنية المنادية باستقلال مصر ، والثاني المتمثل
    في الدعوة إلى الإسلام وحده .
    أصدر أحمد لطفي السيد جريدة ( الجريدة ) وجعلها منبراً
    للشباب المثقف في مصر كلها ، وكان على رأســهم عبد العزيز فهمي ، وعلي عبد الرازق ، وطه حسين ، وسلامة موسى ، وأحمد أمين ،
    ومحمود عزمي ، وتوفيق النديم ، وكثيرون لا يحصون عدداً .
    اعتقد هؤلاء الناس بسبب تلمذتهم على المستشرقين ، وتبنيهم لآرائهم ونظرياتهم أن مصر ما دامت متمسكة بتراث شرقي آسيوي ، وبالعقلية الآسيوية العقيمة غير المعطية ولا المنتجة ، فإنها لن تفلح في تحرير الوطن من كل راسب ، سواء أكان هذا الراسب دينياً أم حضارياً ،
    وما الإبداع والنبوغ إلا نتاج آري ، والعرب ومعهم كل الآسيويين
    لا إبداع عندهم ، ولا نبوغ ، ولا أصالة ، ولا شيء يستحق الذكر .
    خذ مثلاً نظريات طه حسين في كتابه " حديث الأربعاء " ،
    وانظر كيف رد عبقرية المتنبي ، وابن الرومي ، وأبي تمام
    وابن جني إلى أصول غير عربية ، وسلخ عن جميع
    العلماء والشعراء العرب كل أصالة وإبداع .
    وفي كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " زعم أن مصر ـ وإن كانت واقعة جغرافياً في القارة الإفريقية ـ إلا أنها جزء من القارة
    الأوربية وقا ل : هذه الحضارة الإسلامية الرائعة لم يأت بها
    المسلمون من بلاد العرب ، وإنما أتوا ببعضها من هذه البلاد ـ ويقصد
    مصر ـ وببعضها الآخر من مجوس الفرس ، وببعضها الآخر
    من نصارى الروم . ثم تساءل من جديد : أمصر من الشرق
    أم من الغرب ؟
    وفي كتابه " في الشعر الجاهلي " طرح شكاً كبيراً في الشعر الجاهلي ، وأنكر وجود عدد من الشعراء ، ولم يكتف بذلك ، بل عمد إلى أقدس المقدسات ، وهو القرآن الكريم ، فزعم أنه يبحث فيه بحثاً موضوعياً ، فشك في قصصه ، وشك في صحة تلك القصص ، وأراد
    من وراء ذلك أن يقنع الناس بفساد ما يعتقدون ، ولكن الله سلم ،
    إذ ثارت عليه مصر من أولها إلى آخرها ، واندفع الناس إليه من كل
    فج عميق يريدون تقطيعه وتمزيقه ، لولا أن حمته الدولة ، وجعلت عليه ألف حارس وحارس ، وما إن مضت فترة ، وهدأت النفوس إلا
    وعين ـ بقدرة أصابع خفية ـ وزيراً للمعارف ، يتصرف بأمور التعليم والتوجيه في ذلك البلد المسلم العظيم .
    هذه الكراهية للعرب والمسلمين والشرق سمة ظاهرة عند
    جميع أفراد هذه المدرسة ، فسلامة موسى قال بالحرف الواحد
    في كتابه " اليوم والغد " : كلما ازددت خبرة وتجربة وثقافة توضحت أمامي أغراضي في الأدب كما أزاوله ، فهي تتلخص في أنه يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلحق بأوربا . وكلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ، وشعوري بأنه غريب عني ؛ إلى أن يقول في آخر كلامه : أنا كافر بالشرق ومؤمن بالغرب . وكان من جملة ما دعا إليه أن يكون التعليم أوربياً ، لا سلطان للدين عليه، ولا دخل له فيه . ومن قوله : اعتقادنا بأننا شرقيون بات عندنا كالمرض ، ولهذا المرض مضاعفات .
    وامتدت العدوى إلى لبنان ، ولكنها اتخذت مسارات أخرى ،
    أولها محاربة اللغة العربية لأنها بصراحة لغة القرآن ؛ وراح
    الدكتور أنيس فريحة أستاذ اللغات السامية في الجامعة الأمريكية
    في بيروت يدعو في كتابه المعنون بـ " نحو عربية ميسرة "
    إلى هجر اللغة العربية الفصيحة ، واتخاذ العامية اللبنانية
    بديلاً عن الفصحى ، وملأ كتابه هذا هجاء للقرآن ،
    ولكل التاريخ الإسلامي .
    وشايعه كاتب آخر اسمه " مارون غصن " دبج مئا ت المقالات في هذا الاتجاه . واتفق الرجلان : أنيس فريحة ومارون غصن على الدعوة إلى العامية اللبنانية ، وكتابة هذه العامية بالحروف اللاتينية ؛ وكان يزعجهما ، بل يقززهمـا ـ كما قال المرحوم الدكتور عمر فروخ ـ أن يريا مسلمي لبنان يتلون القرآن الكريم ، ويتجهون إلى المساجد ، ويتحدثون بالعربية ، ويكتبونها ، ويدافعون عنها .
    وتبعهما شعوبي آخر ، أمضى لساناً ، وأقوى شكيمة ، وأكثر
    أنصاراً ، وأوضح حجة ً ، هو سعيد عقل الماروني الزحلاوي ،
    فلقد أصر على أن يكتب ديوانه الأول المعنون بـ " جلنار "
    باللغة العامية الزحلاوية ، ثم كتب ديوانه الثاني " يارا "
    بالعامية وبحروف لاتينية ، وكذلك فعل في ديوانه الثالث " لن " .
    ويبدو أن دعوة الدكتور فريحة ومارون غصن وسعيد عقل لاقت صدى محبباً ، ورواجاً طيباً في لبنان بعامة ، وعند الموارنة بخاصة ، وعند كل الشعوبيين المبغصين لكل ما هو عربي أو مسلم .
    ونتساءل اليوم عن أولئك الناس الذين يتكلمون
    الفرنسية أو الإنكليزية في بيوتهم في لبنان ، أو يجعلون أكثر كلماتهم إنكليزية أو فرنسية ، هل هذا ياترى أثر من آثار الاستهانة بالعربية
    واحتقار لها ، أو له سبب آخر ؟
    وماذا نقول عن الفضائية اللبنانية L.B.C. والتي جعلت جل
    الأحاديث التي تذاع فيها ، والبرامج التي تبثها ، وأخص بالذكر
    برنامج " ياليل ، ياعين " والذي يحرص معظم العرب ، ولا سيما في الخليج العربي ، على مشاهدته لما فيه من تشويق وإغراء وأمور مستباحة ، باللغة العامية ، والمليئة بما يقشعر منه الخلق الرفيع ، وتشمئز منه اللغة العربية الشريفة .
    وإذا كانت هذه الفضائية لبنانية ، والقائمون عليها من أعداء العربية الفصحى ، إذن فماذا نقول عن فضائية الإمارات العربية المتحدة المسماة بفضائية " أبو ظبي " وقد استضافت سعيد عقل ثلاثة أسابيع عدداً ، وخصصت له في كل أسبوع مقابلة امتدت ثلاث ساعات كاملة ، كان يتحدث فيها عن هذه اللغة الميتة ، ويدعو بملء فمه ، وبكل صراحة إلى هجرها ، ومحاربتها ، وعدم اعتمادها في الحديث ، والكتابة ، والتأليف وسماها لغة الجاهلية ، وحتى يكون البرنامج ناجحاً ، والدعوة محببة ، زينت البرنامج بكل ما هو حبيب إلى الناس من موسيقى ، وصور ، وأفانين ، وصورت دواوين الشاعر بصور مكبرة ، ومجسمة ، وقربت آلة التصوير من الكلام حتى كاد كل متفرج أن يرى الشعر العامي باللهجة الزحلاوية ، ويرى العامية اللبنانية مكتوبة بحروف لاتينية ، وكانت عناوين الدواوين معروضة بأ حلى ما يكون العرض ؟
    ماذا نقول عن هذه الدعوة ، بل من الذي
    يختفي وراءها ، ومن الذي تبنى هذه الضيافة ، ولم لم يدع مثل هذه الدعوة الحارة رجال من الأزهر ، أو من مجمع اللغة العربية من دمشق ، أو من رجالات كليات الآداب العربية ممن عرفوا وشهروا بحسن الحديث والدفاع عن هذه اللغة الشريفة ؟
    على أن حديثنا عن سعيد عقل ومدرسة الدعوة إلى العامية يجب ألا تشغلنا عن النظر في تيارات شعوبية أخرى ، لا تقل عن مدرسة سعيد عقل خبثاً ، وسوء طوية ، وشعوبية سوداء ؛ إنه تيار يتمثل بأدونيس ويوسف الخال ثم بعبد الوهاب البياتي وأمثالهم ، يناصرهم مجموعة من النقاد ، ويدعمهم إعلام غني ، وإذاعات ، ونقاد ، ومنظرون ، وسدنة ، ومجلات منها : " شعر " و"مواقف " ، و" حوار " .
    يتخذ هذا التيار مواقف عدائية من التراث تنصب على
    كل ما هو عربي ، أو إسلامي منه ، بشكل صريح ، لا لبس
    معه عند أدونيس ويوسف الخال ، وبشكل معلن مرة ، ومبطن
    مرة عند عبد الوهاب البياتي .
    ومواقفهم هذه المعادية للتراث تتجلى من خلال قناعات ثابتة
    نابعة من أفكار مسبقة ، ومن هذه الأساليب طرح مشكلة
    " الحداثة " والإلحاح على ضرورة وجودها ، مع إصرار أن تكون
    بعيدة عن أي صلة بالتراث ، و ربطها بالتيارات الفنية والفكرية
    الأجنبية ، و محاربتها المباشرة لكل ما يتصل بالقومية أو بالدين ،
    أو اللغة العربية الفصحى ، بل سعيها لتحطيم اللغة الفصيحة التي هي الحصن الحصين لحماية الأدب والتراث بعامة .
    فالبياتي مثلاً نشأ في بيئة علمية تتصل بالتراث ، يتنكر بسبب
    اعتناقه المذهب الماركسي لكل ما يتصل بالدين والتراث من قريب
    أو بعيد . يقول في إحدى قصائده شاتماً الكتب الصفراء ، والتي
    هي تراث العرب والمسلمين : يقول :
    شبابي ضاع في المقابر
    والكتب الصفراء والمحابر
    من بلد لبلد مهاجر
    آه من صمت القواميس المريب
    ومقامات الحريري
    على هامش مخطوط قديم
    ذكرتني بكلاب الزمهرير تنبح الموتى
    بصحراء الجليد
    وفي قصيدة أخرى أكثر غموضاً يقول :
    أدخل في عينيك
    تخرجين من فمي
    على جبينك الناصع أستيقظ
    في دمي تنامين على سرر أمطار
    صحارى التتر الحمراء مجنوناً أناديك
    بكل صرخات العالم الوحشية واللغات
    كل وجع العاشق في قاع جحيم المدن
    العاشق والولي والشهيد
    في دمي تنامين .

    هل فهم أحد ماذا يريد البياتي أن يقول ، اللهم إلا كلاماً تأباه اللغة العربية الفصيحة والشريفة .
    ومن هذه المدرسة نظم الشاعر اللبناني عادل فاخوري الكلام
    التالي ، وأخذته الإذاعة اللبنانية ، ولحنته ، ودعته بالقصيدة الإلكترونية .
    قال الفاخوري تلميذ أدونيس :
    هسهسات السنابل
    صليل
    في الهوا
    ينتهي رحيل
    سين . سين . سين .
    سرساب أسود
    عصفور يطير
    يتبعثر في الريح
    يولد
    عند تجمع الأثير
    ويهوى الصعود
    كلما
    هم
    به
    من النشوة
    همى
    النشوة ريش
    سين . سين . سين
    سرساب أسود
    أبجد . هوز . حطي . كلمن
    سعفص . قرشت
    سين . سين
    أبجد هوز . حطي
    الحرف يسري حيث الموت
    حاء
    فحيح
    عصفور
    عين . صاد
    عصفور
    عين . صاد
    النشوة ريش
    اشخط
    النشوة ريش
    اشخط
    خط . نقطة . خط
    خط . نقطة . خط
    خط .
    أمينة أحمد خشفة
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    2,180
    معدل تقييم المستوى
    20
    ترى ماذا يريد هذا الرجل أن يقول ، بل ماذا يريد بتلك الحروف المقطعة ، عين . سين . عين صا د … تراها معارضة لحا ميم عين سين قاف ، أو ألف لام ميم ، أم لشيء آخر؟

    وهذه قصيدة أخرى من مدرسة يوسف الخال وأدونيس
    والبياتي لمحمد بدر خان :
    مثل المرايا الملونة في الشوارع
    قمح مسلوق في كرم الجبل
    وهو رماد
    في أيام الأعياد
    قلبي سجين في سايغون
    قتيل ، قديس ، خالد
    فوق المرتفعات
    وفي الملاحم
    ولكنه جواب في القتال
    لاجئ صبور عبر الزمن
    متمرد الآن
    مسمار في جلد جلد جاموس

    وإذا كنا قد نسبنا هذه الأشعار إلى أدونيس وصحبه ، فمن هو هذا الرجل ، وماذا يريد ؟
    أدونيس رجل سوري الأصل ، من جبال العلويين ، اسمه الحقيقي : أحمد سعيد علي ، واتخذ لنفسه لقب إله الخصب عند القدماء وهو " أدونيس " . تقلب بين الشيوعية ، والقومية السورية ، والناصرية ، ثم تنصر ، وهجر الوطن العربي كله ، واستوطن فرنسا ، ولا يزال فيها .
    أدونيس صاحب رسالة في هدم التراث ، وهو الفيلسوف ،
    والمنظر لهذا الاتجاه . ففي كتابه " الثابت والمتحول " وبخاصة في الجزء المسمى بـ " صد مة الحداثة " حرب معلنة شعواء وصريحة على كل
    قيم التراث ، والدين ، والأدب ، والشعر ، ورفض لكل أدب
    فيه أثارة من دين وإسلام .
    وهو يرى أن المشكلة المصيرية والحضارية تتمثل بمشكلة الدين ، ويعني به الدين الإسلامي ليس غير . قا ل أدونيس عن الإسراء
    والمعراج من قصيدة طويلة ساخرة من كل القيم الدينية على
    لسان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم :
    رأيت باباً كتبت عليه
    كتابة قرأتها
    فانفتح الباب ، رأيت خلفه
    جهنماً
    رأيت غابات من النسوان
    يغلين في القطران
    يُطرحن للأفاعي
    هذا جزاء نسوة
    يظهرن للغريب .. هذي امرأة
    صورتها صورة الخنزير ..جسمها حمار
    لأنها لم تغتسل من حيضها
    هذا عقاب امرأة تعشق غير زوجها
    هذا جزاء امرأة
    لا تحسن العشرة .. أو لا تحسن الوضوء
    لاتصلي
    ……..
    أفليست هذه الشواهد دليلاً على تلمذة هؤلاء
    لأولئك الشعوبيين ، ودعوة إلى إحباط كل شيء عربي
    ، أو إسلامي ، أو آسيوي ؟ .
    ولماذا نتكلم عن مصر ولبنان وننسى ما يحدث في بلدنا الذي نعيش فيه ، وهو سورية ؟
    لقد امتلأت شوارعنا بإعلانات كبيرة ، ومضاءة بالليل ، ومنصوبة أمام كل عين ، ومثبتة في كل زاوية تحمل دعاية بلغة عامية ، أو بلغة أجنبية عن مصنوعات وطنية ، فهذا صابون جود مورننغ ، وهذه النكهة من دربي ، وتلك نوت يات ، وهكذا .. ويضيق الصدر من هذه اللغة ، وتحتج وتحتج ، ولا من يسمع أو يجيب .
    لقد كتبت مقالاً مرة لإحدى الصحف ألفت النظر إلى هذه الظاهرة الخطيرة ، وأربط شرف الأمة بشرف لغتها ، وفوجئت في اليوم التالي بمقالي منشوراً ، ولكن بعبارات ليست عباراتي ، وبكلام ليس من كلامي ، وأما ما طالبت به فقد حذف من أوله إلى آخره ، وكان المقال لا أسخف منه ، ولا أهزل . وحدثني عدد من الأصدقاء كتبوا بمثل ما كتبت ، وفوجئوا بمثل ما فوجئت .
    وأخيراً ، لا بد من الانتباه إلى أن الشــعوبية الحديثة تتخــذ اليوم مظاهــر مختلفة ، وتتلبس ملابس شتى ، منها :
    1ـ الدعوة الحارة إلى إحياء اللهجات العامية المحلية ،
    وهجر اللغة العربية الفصيحة ، وقد تنادي بإحلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية ،والانصراف عن قواعد النحو والإعراب ، وترك الشعر التقليدي ذي الوزن الخليلي ، واستبداله الشعر الحر الحديث .
    2ـ الدعوة إلى التفريق بين العقليات ، وتعميق الفروق
    بينها في الدراسات والبحوث ، وربط المبدعين العرب في شتى ألوان
    العلوم والفنون بغير الأصل العربي ، ورده إلى أصول آرية ،
    أو على الأقل ، إلى أصول غير عربية .
    3ـ إشاعة فكرة ( الرفض ) التي تتبنى رفض الماضي ، ورفض الكتب الصفراء ، ورفض التراث ، ورفض كل اعتزاز بمجد تليد .. والدعوة إلى التطلع إلى أمام ، أو إلى احتذاء أمم أخرى تختلف ظروف حياتها عن ظروف الحياة العربية حاضراً ، وماضياً ، ومستقبلاً .
    هذه المظاهر خطيرة ، وأصحابها يتسلحون ظاهراً بالموضوعية ، والعلمية ، والغيرة ، وسواها من ادعاءات ... والمؤسف أن هؤلاء الناس يعملون ، ويجدون ، ويكتبون ، وينشرون ، وأن محبي العروبة ، وكل ما اتصل بها يقنعون بالقليل ، وكثير منهم لا يكلفون أنفسهم جهداً في الرد العلمي ، والبحث الجاد ، والتعمق المتعب ، والإقناع الصارم ، بل كثيراً ما يعتمدون على سواهم في هذه المهمات الخطيرة .
    أيها العرب ‍ ! افتحوا عيونكم على الخطر الداهم ، وادفعوه قبل أن يكون طوفاناً مغرقاً .
    حلب : 21 / 3 / 2001
    الدكتور بكري شيخ أمين
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 05/01/2007 الساعة 09:57 AM
    أمينة أحمد خشفة
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين
    بواسطة بنت الشهباء في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10/06/2007, 08:47 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •