أبجد هوز "واو"

حسرة

بكت هذه الليلة كما لم تبك من قبل، أحست بسيل من الأسئلة تنساب انسياب المياه من نبع تجمعت فيه لفترة طويلة ثم تفجرت لتجرف كل شيء تجده في سبيلها، سقطت دمعة أولى من عينيها، رسمت أخدوداً على صفحة خدها الأيمن، لتستقر على حافة شفتها السفلى، تحسستها بلسانها، أخرجته كما تخرج أفعى من جحرها، في يوم قائظ بحثاُ عما يخفف من شدة ظمئها، أحست لزوجتها، رفعت يدها اليمنى، وبسبابتها و إبهامها شكلت قياساً بقدر زاويتي الفم، و مسحت أثر الدمعة الممزوجة باللعاب الذي سال لطرد الدمع الذي غير طعم المذاق في الفم.

تتالت الدموع ، أغرقتها في يم من الأسئلة التي تناسلت بشكل كثيف، أيقظت فيها إحساسات متناقضة؛ كراهية و شفقة، حقد و عطف، إكبار و احتقار. كيف يمكن أن تجمع بين المتناقضات. ثم قبل هذا و ذاك، لِمَ كل هذا؟ و هي تنعم بما لم تحلم به قريناتها...بيت و زوج و مركز اجتماعي محترم.

أحست بخطواته تقترب، بالباب يفتح و يصد بقوة، عرفت أنه، كالعادة، عاد الليلة ثملاً، أو كما يحلو له أن يقول :" منشط شوية" ، خلع ثيابه، ارتدى منامته،كالعادة، دخل المكتب و أقفل الباب خلفه. قامت من سريرها، نظرت إلى الساعة، تشير عقاربها إلى الرابعة صباحاً إلا ست دقائق.. خرجت من غرفة النوم، سارت بخطى ثابتة، طرقت باب المكتب، انتظرت برهة، لم تسمع رداً يأذن لها بالدخول، تساءلت إن كانت ملزمة بانتظار أمر يسمح لها بالدخول، و هي في بيتها، و ممن؟ من زوجها؟..دفعت الباب التي لم تكن موصدة، كان الظلام يخيم في المكتب، ضغطت على زر الإنارة، ولعت الحبابات المتدلية من سقف المكتب، أنارت المكان، جالت بعينيها؛ اللتين لا زالتا محتفظتين بآثار البكاء..في جنبات المكتب، كان ملقى على المقعد الجلدي، في وضع غير مريح. اقتربت منه، طلبت منه أن ينتقل إلى غرفة النوم، لم يعرها اهتماماً، جمعت قواها و لفت يديها حول خصره، و جاهدت في رفعه عن المقعد الجلدي، سارت به في تعثر نحو الباب، بحركة من رأسها ضغطت على زر الإنارة، فألقى الظلام ستاراً أسوداً على المكتب.

عبرت و الجسد الممر الضيق، حذرة أن يقعا و يوقعا معهما أدوات التزيين التي رصت عبر الممر. و أضفت عليه رونقاً. وصلت و الجسد إلى باب غرفة النوم، دخلت و أدخلت الجسد، اقتربت من ا لسرير و ألقته فوقه. عدلت وضعه حتى يجد وضعه المريح. امتدت إلى جواره، اقتربت منه، ، همست في أذنه كلاماً رقيقاً، رد عليه بشخير، حاولت بكل ما تملك من أنوثة، أن تثير رجولته، لم تنجح في ذلك، و لم تكن هذه المرةُ المرةَ الأولى. أدار جسده نحو الجهة الأخرى، تاركاً إياها أن تكتوي بلظى الحرمان...

استيقظت في الصباح، تحسست الجسد بيدها، لم يكن مكانه، تنهدت، نهضت، لم تتناول وجبة الفطور في منزلها، جمعت حاجياتها، و استقلت أول سيارة أجرة وقفت لإشارتها..إلى اتجاه منزل أبويها.

رحب الأبوان بابنتهما، ردت التحية بفتور، لم تكن لها القدرة على النظر إلى وجه أبيها، الذي، بحدسه المعتاد، أحس بأنوثتها الممزقة، و بحرمانها..اختلق ميعاداً..اعتذر و ودع.. فسح المجال للمرأتين...

بعد بضعة أيام، عادت إلى بيتها، آملة أن يكون الزوج عاد إلى وضعه الطبيعي، فتحت باب المنزل، كان الصمت يخيم في البيت، جالت بعينيها في جنباته، فتحت باب المكتب، لم يكن هناك. همت بالاتجاه نحو المطبخ، تراجعت عن فكرتها، سمعت دوشة آتية من غرفة نومها، اقتربت من الباب، لم تصدق ما رأته عيناها، زوجان من الأحذية، عرفت زوجاً منهما، إنه لزوجها. أما الآخر...فكان حذاء رجل، بل ذكر....خرجت من المنزل، و لم تقفل الباب خلفها....

أبو كمال التطواني