محاكمة لعهد الرئيس شيراك

شيراك ضحى بـ40 سنة من الدبلوماسية من أجل الحريري





المحلل الفرنسي ريشار لابيفيير يجرد حصيلة الدبلوماسية الفرنسية في عهد شيراك ويصفها بالكارثية.


ميدل ايست اونلاين
باريس - وصف المحلل والصحافي الفرنسي ريشار لابيفيير حصيلة الدبلوماسية الفرنسية في عهد الرئيس جاك شيراك بـ"الكارثية".

وقال مؤلف كتاب "التحول الكبير، بغداد ـ بيروت" أن شيراك ضحى بأربعين سنة من الدبلوماسية الفرنسية من أجل صداقته مع رفيق الحريري، خالطاً بين المصالح الفرنسية ومصالحه الشخصية.

واعتبر لابيفيير القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الأمن في 2 سبتمبر/أيلول 2004 انعطافا سياسيا غيّر استمرارية السياسة الخارجية التي وضع أسسها الجنرال ديغول واستمرت حتى الحرب ضد العراق عام 2003.

وأشار لابيفيير إلى خطاب وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفوليبان في فبراير/شباط 2003 أمام مجلس الأمن، الذي عكس موقف فرنسا المستقل المعارض للحرب والمخالف لسياسة واشنطن ولندن.

وقال إن "هذا الموقف عبر عنه شيراك في زيارته إلى الجزائر، في مارس/آذار 2003 حيث أعلن من على منبر جامعة وهران عن موقفه الرافض لصراع الحضارات، وشدد على مواقف فرنسا التقليدية من الدول المتوسطية".

وأوضح لابيفيير في مقابلة مع وكالة آكي الايطالية للانباء، "أن القرار 1559 الذي أعد في منزل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق في سردينيا غير مجرى الدبلوماسية الفرنسية، إذ استهدف القرار إخراج لبنان من محيطه الإقليمي، وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وهو ما يخالف تصريحات شيراك في قمة الفرانكفونية عام 2002 حين ربط بين استعادة سيادة لبنان الكاملة والحل الشامل في المنطقة".

ورأى لابيفيير "علاقة بين القرار 1559 وبين الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد لبنان"، مشيراً إلى الوضع الغير المتوازن الذي نتج عنه وأشار إلى مطالبة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبني ليفني باريس بإنهاء عملها العظيم بتطبيق القرار 1559.

وانتقد الصحافي تقارير المحقق الدولي ديتليف ميليس في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وقال إن فشل المحقق ميلس بإيجاد دلائل على الفاعلين دفع المخابرات الأميركية والفرنسية إلى تنظيم ظهور نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام على التلفزيون ليوجه الاتهامات بمقتل الحريري إلى النظام السوري.

وتعرض الصحافي الفرنسي إلى كيفية إعداد القرار 1559 في الكواليس وبشكل سري، إذ بدأ الأمر في قمة الدول الثمانية في ايفيان (فرنسا) في يونيو/حزيران 2003 حيث كان الوضع جليديا بين شيراك والرئيس الأميركي جورج بوش، الذي لم يمكث سوى ساعتين، ثم اتجه إلى مؤتمري العقبة وشرم الشيخ لإقرار خارطة الطريق.

وواصل لابيفيير "شعر شيراك أن موقفه غير مقبول من قبل الجميع حوله حتى ضمن حزبه، وأراد قطع الطريق على منافسيه، وخاصة على وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، فطلب شيراك من مساعديه، وخاصة من مستشاره الشخصي موريس غوردو مونتانيو، وسفير فرنسا في واشنطن جان ديفيد ليفيت وسفير باريس في لبنان برنارد ايميه إيجاد طريقة لتجاوز صفحة العراق الخلافية مع واشنطن، فاقترح عليه السفير الفرنسي في واشنطن ثلاث ملفات يمكن عبرها التقارب مع واشنطن وهي: تكثيف مساعدة الأميركيين في محاربة الإرهاب في أفغانستان، ومساعدتهم في هاييتي حيث تتمتع فرنسا بنفوذ هناك كونها قوة استعمارية سابقة، ويمكنها دعم الأميركيين بقطع الطريق على مافيات تهريب المخدرات، أما الملف الثالث فكان اللبناني ـ السوري وهو المرتكز في التقارب مع واشنطن.

وتابع لابيفيير، وهو رئيس تحرير في إذاعة فرنسا الدولية "لقد بدأ التحول يظهر للعلن في قمة النورماندي بين الرئيسين الأميركي والفرنسي في حزيران / يونيو2004، التي أقيمت بمناسبة ذكرى إنزال القوات الأميركية في فرنسا، إذ صدر أول بيان مشترك أميركي ـ فرنسي حول الشرق الأوسط، وبدأ العمل على إعداد القرار 1559، وركزت باريس فيه على عنصر السيادة اللبنانية، كما كانت تفعل لكن الجديد في القرار أن فرنسا أخرجت مسألة السيادة اللبنانية من سياقها العام ووضع لبنان الإقليمي، ففي قمة الفرانكفونية عام 2002 في بيروت شدد شيراك على أن استعادة السيادة اللبنانية يتم في إطار إقليمي لتسوية شاملة، حيث لا يمكن نزع لبنان من إطاره العربي، بينما القرار 1559 يتجاهل وجود 350 إلى 400 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، والخط الأزرق الذي لم يكن طيلة 40 سنة خط هدنة، بل حصلت أكثر من حرب واجتاحت إسرائيل لبنان أكثر من مرة".

وأضاف "لم يصدق الأميركيون عيونهم عندما اطلعوا على مسودة القرار الذي أعده الفرنسيون، وأضافوا عليه بند نزع سلاح الميلشيات".

وقال لابيفيير إن تراجع علاقات دمشق بباريس كانت بإلحاح من الرئيس الحريري الذي طلب من شيراك الضغط على سوريا، وأن هذا التراجع كان بالتوازي مع تحسن العلاقات الفرنسية ـ الأميركية.

وأشار الصحافي الفرنسي إلى تغير موقف باريس من المسألة العراقية، إذ أعلنت عن إلغاء 80% من ديون العراق، وبالصدفة ـ يواصل لابيفيير ـ يتم تحرير الرهينتين الفرنسيتين كريستيان شينو وجورج مالبرونو المختطفين في العراق بعد أقل من 10 أيام.

وعلق قائلاً "لقد ساهمت مسألة الرهائن بكسر ذراع الدبلوماسية الفرنسية". وحول تغير الموقف الفرنسي إزاء القضية الفلسطينية قال لابيفيير "لقد غير الرئيس شيراك خطابه لدى استقبال محمود عباس، فلم يعد نفس الموقف الذي كان يعلنه لدى استقبال الرئيس ياسر عرفات، فشيراك لا يتطرق إلى حدود 1967 وصار يقف خلف الموقف الأميركي". يذكر أن كتاب "التحول الكبير، بغداد ـ بيروت"، صدر أخيرا في 357 صفحة عن دار "لاسوي"، وهو حصيلة تحقيق أجراه الصحافي الفرنسي المختص بالمنطقة، واستند فيه على مصادر دبلوماسية فرنسية وعربية. وتضمن الكتاب، محاكمة لعهد الرئيس شيراك. (آكي)