فتاوي الفضائيات والشعور بالاضطهاد فجرا الأزمة
أزمة النقاب من لندن إلي حلوان



تحقيق: نفيسة عبد الفتاح صفاء عاشورهناء الشهالي
تزامن قرار رئيس جامعة حلوان بمنع دخول المنتقبات المدينة الجامعية مع تصاعد حملة دولية واسعة ضد العالم الإسلامي، وتصاعدت ردود الأفعال حول القرار في مناخ مشحون بالغضب، اكتسب القرار أهمية أخري لأنه اتفق مع وجهة نظر جاك سترو عضو مجلس العموم البريطاني حول المنتقبات ودعوته لكشف وجوههن عند زيارته.
وساهم هذا المناخ في إثارة الغبار حول قرار الدكتور عبد الحي عبيد الذي لم يتراجع عن موقفه فقد فهم البعض أن القرار يعني منع دخول المنقبات من الالتحاق بالمدينة، وفهم البعض الآخر أنه يعني منع دخولهن عبر البوابة إلا إذا خلعن النقاب أولا، وبعد تصاعد حملة الاحتجاج أصر د. عبيد علي موقفه مؤكدا أن سبب ذلك هو حرصه علي الكشف عن هوية من يدخل المدينة الجامعية حرصا علي الطالبات في المدينة، وتساءل: ماذا لو تنكر رجل في زي المنتقبة ودخل المدينة الجامعة للطالبات وتم اكتشاف هذا الأمر؟ بالطبع سيقوم أولياء الأمور بذبحي وقد أيده في ذلك القرار الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي مما زاد من غضب الطالبات وثورتهن فهناك من الطالبات من اعتبرن هذا القرار تدخلا في حريتهن الشخصية وهناك من اعتبرنه مخالفا لقواعد الدين. هذه الأزمة التي شهدتها جامعة حلوان فجرت أزمات أخري.. فهي من جهة كشفت عن حالة من التدين المظهري لدي طالبات الجامعة يجب دراستها وكشفت أيضا عن خلل إداري في كيفية التعامل مع هذه الظواهر الدينية فطريقة معالجة الأزمة من قبل رئيس الجامعة كانت خاطئة فليس من المعقول أن يتم منع المنتقبات من دخول مدينتهن الجامعية بشكل مفاجئ حتي لو كان قرار المنع يخضع لاعتبارات إدارية تقضي بالحفاظ علي حرمة مدينة طالبات الجامعة فكان من السهل جدا أن تقف إحدي العاملات أمام بوابة المدينة الجامعية وتتأكد بنفسها من شخصية الطالبة وما إذا كانت مقيمة في المدينة أم لا، كما أن رد فعل الطالبات جاء أيضا مبالغا فيه ولكن كل هذا يخضع للسياق الاجتماعي الذي تدور فيه مثل هذه الأمور، فمعظم طالبات الجامعة يستمعن إلي دعاة وشيوخ الفضائيات ويقعن تحت تأثير أحاديثهم وهناك شعور لدي هؤلاء الفتيات والشباب أيضا بأنهم يحاربون في دينهم، هذا الشعور تشكله الأحداث الخارجية والداخلية أيضا من حرب واضطهاد للمسلمين وإساءة بالغة ومتعمدة للإسلام تحت زعم محاربة الإرهاب، كل ذلك أدي إلي هذه النتيجة فالقضية لم تعد مجرد رأي ديني في النقاب هل هو واجب فرض أم سنة أم فضيلة تتحلي بها الفتاة؟
ومن حلوان تابعنا الأزمة وخاصة بين الطالبات اللاتي يرتدين النقاب تقول أمنية أحمد محمد 'طالبة بكلية التربية الفرقة الثانية': ارتديت النقاب منذ عامين عن اقتناع تام به من خلال دراسة معهد الدعاة وتفسير القرآن لذلك لن أخلع النقاب عن وجهي مهما وقع عليٌ من ضغوط.
وتؤيدها إيمان فارس 'طالبة بالفرقة الأولي بالخدمة الاجتماعية' التي تري أن هذا القرار قاسي ويعد تعديا علي الحرية الشخصية للمنتقبات وتروي العديد من الضغوط والمشاكل التي تعرضت لها كمنتقبة منذ 3 سنوات حينما كان رجال الأمن يقومون بإيقافها وتفتيشها، فالنقاب عندي مثل الحجاب لا أستطيع الاستغناء عنه لذلك لو خيروني بين المدينة الجامعية والجامعة أو النقاب سيكون الاستقرار في منزلي أفضل، فالتعليم يمكن تعويضه لكن الدين لا يمكن الاستغناء عنه.
وتتفق معها إيمان عبد الفتاح 'طالبة في كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان' وتقول: رئيس الجامعة يحارب المنتقبات والنقاب بطريقة غير شرعية ويثير الفتنة بين الأولاد والبنات 'ألا يكفي مزاح وسخرية الشباب والأولاد منا في الكلية والشارع؟'.. وإذا كنا نتعرض للاضطهاد من أجل التخلي عن النقاب فهذا ابتلاء من الله لاختبار مدي قناعتنا به ومهما وقع علينا من ضرر فسوف أدافع عن نقابي بكل وسيلة أمتلكها ولن أنهار أمام الظروف مهما حدث.
أميرة خالد 'طالبة الآداب بجامعة القاهرة' التي التحقت بمدينة الطالبات بالجيزة تقول: ارتديت النقاب منذ عامين ولا يوجد أي مشكلة من جراء النقاب منذ أن سكنت بالمدينة الجامعية ولم أتعرض لأي ضغوط أمنية ولو حدث وأصدر د. علي عبد الرحمن رئيس الجامعة مثل هذا القرار فسيكون الخروج من التعليم هو البديل الوحيد أمامي.
وفي الوقت ذاته أعلن مسئول بجامعة القاهرة رفض ذكر اسمه تأييده للفتاة المنتقبة لأنها طالبة محتشمة تريد أن تستر نفسها وبالتالي هي لم تخطئ لكي نعاقبها ونحرمها من المدينة الجامعية التي هي في أمس الحاجة إليها.
ويضيف: ما يستند إليه د. عبد الحي من مبررات هو حجج واهية لا أساس لها من الصحة فهو يستطيع وضع ضابطة للأمن مثلما يحدث بمدن جامعة القاهرة ولا أحد يستطيع إصدار قرار بمنع المنتقبات من دخول المدينة الجامعية لأنه في حالة صدور مثل هذا القرار يصبح غير قانوني كما أن أساتذة ورؤساء الجامعات يعارضون هذا القرار.
ويعقب د. أحمد يوسف 'أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة' علي ما أعلنه رئيس جامعة حلوان قائلا: هذه مسألة تنظيمية ومن حق ولي الأمرالذي يمثله هنا رئيس الجامعة ; أن يتخذ من التدابير والإجراءات ما يراه في مصلحة الجامعة وأن يطلب من الفتاة إزالة النقاب والكشف عن وجهها كمسألة تنظيمية لمنع دخول الرجال للمدن الجامعية مستغلين ارتداءهم لزي المنتقبات ويندسون بين الفتيات وهذا القرار لا يتعارض مع الإسلام في شيء لأن النقاب فضيلة وليس فرضا وإذا تعارضت الفضيلة مع الضرورة وهي حراسة الجامعة والحفاظ علي أمن الفتيات يجب أن تقدم الضرورة فلا يوجد أية أحاديث صحيحة تؤكد أن النقاب فرض لذلك يجب علي هؤلاء الفتيات الالتزام بقواعد رئيس الجامعة وإن كانت هناك وسائل أخري وهي تعيين امرأة من الحرس ولكن كان من الأولي برئيس الجامعة قبل أن يمنع النقاب أن يمنع التبرج والملابس الخليعة في حرمه الجامعي فإن كان ارتداء النقاب ليس فرضا فارتداؤه أيضا غير محرم شرعا لكن الحرام هو الملابس الضيقة والتبرج والعري الذي سيطر علي الحياة الجامعية لأنه إذا كان هناك احتمالية أن يتسبب النقاب في وقوع ضرر أو حدوث مشكلة فعاريات الجامعة قد تسببن بالفعل في مشاكل كثيرة نلمسها جميعا وهي إثارة الشباب وفتنتهم لذلك يجب القضاء علي مثل هؤلاء المتبرجات ثم بعدها نتحدث عن النقاب وما يمكن أن ينتج عنه من مشاكل.
من حلوان إلي لندن
تتخذ قضية ارتداء النقاب بالنسبة لمسلمي أوربا بعدا ثقافيا وسياسيا يختلف كثيرا عن مثيله في الدول العربية حيث النقاب مظهر من مظاهر الالتزام الديني في مجتمعات تضج بالعنصرية ضد المسلمين وأحيانا يعد النقاب نوعا من أسباب الهوية الدينية في مقاومة سلبية للممارسات القمعية التي اعتمدتها الدول الأوربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد الجاليات الإسلامية بها التي باتت متهمة بالإرهاب وكل مظاهر العنف الأخري.
ولقد تزامن قرار منع دخول المنتقبات إلي المدينة الجامعية التابعة لجامعة حلوان مع اتجاه أوربي عام لإصدار قوانين تمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمؤسسات الرسمية بدعوي أنه يدعو إلي الطائفية، واثارة الفتن بين الطوائف الأخري كما أنه يستخدم من قبل الهاربين من العدالة للتخفي.
ففي بريطانيا فجر 'جاك سترو' رئيس مجلس العموم البريطاني قضية الخطر الذي يمثله النقاب علي التعددية الثقافية لبريطانيا حين دعا المنتقبات عند زيارته إلي إظهار وجوههن.
وفي مقالة له نشرت بمجلة 'لانكشايرا' كتب 'سترو' أنه وجد إقبال من المنقبات ولم ترفض واحدة منهن بل أبدين ارتياحا لذلك، وأضاف أنه يعرف أن النقاب لا يعد من الدين في شيء وأنه ما هو إلا زي له خلفيات ثقافية اجتماعية.
مقالة 'سترو' أثارت عددا من ردود الأفعال، وإعادة قضية دمج الجاليات الإسلامية إلي دائرة النقاش.
وقال 'فيل ولاس' وزير الحكم المحلي: إن غالبية المسلمات ولدن في بريطانيا وعليهن التقيد بثقافة المجتمع ومعرفة أن ارتداء النقاب يخيف الطوائف الأخري ويحض علي الكراهية، وفي حين التزم بلير الصمت رفض الرد علي ما إذا كان يجري الإعداد حاليا لقانون يمنع النقاب ويلزم المخالفات بالغرامة.. وعلي الرغم من ذلك دعت أغلب الصحف البريطانية إلي احترام حق المنتقبات في ارتداء النقاب.
جماعة 'حماية الحجاب' بدورها نظمت مظاهرة حاشدة اشترك فيها عدد من ممثلي جمعيات نسائية أخري تنتمي لخلفيات دينية مختلفة وتؤمن جميعها بحرية المرأة في اختيار زيها أيا كان.
والخوف الحقيقي من كلام 'سترو' وما أثاره من دعوي بعض السياسيين لمنع الحجاب وليس النقاب فقط بعد التلاعب اللفظي الذي شهده الجدل الدائر حول القضية واستخدام لفظ 'الحجاب' بدلا من 'النقاب' بشكل موحي متعمد.
وترتدي الآلاف من المسلمات ببريطانيا الحجاب بينما يبلغ عدد الجالية الإسلامية ببريطانيا ما يزيد علي مليون مسلم، لا يتعرضون للمضايقات المختلفة في العمل حتي أنه يسمح للمسلمات بالالتحاق بالشرطة وقد تم تصميم غطاء رأس خاص بذلك.. محاولة منع النقاب امتدت إلي عدد من الدول الأوربية الأخري مثل نيوزيلندا التي منعت الشرطة منها المنتقبات من قيادة السيارة بدعوي لجوء 'المجرمين' للنقاب لخداع الشرطة وقال رئيس الأمن: إنه إذا ما كان النقاب يمثل الالتزام الديني فربما علي المنتقبات عدم القيادة أو الخروج إلي الشارع أصلا وإلا فإن عليهن خلع غطاء الرأس والاستعداد للاندماج في المجتمع.
وفي بلجيكا التي يعيش بها أكثر من 450 ألف مسلم من إجمالي تعداد السكان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة يحظر النقاب في الأماكن العامة بدعوي أنه يؤدي إلي الإضرار بالأمن العام ويبث الخوف داخل المواطنين ويندرج منع النقاب كذلك ضمن منع ارتداء الأقنعة التي يحظرها القانون ويعاقب مخالفيها بغرامات باهظة، وبالنسبة للحجاب فلا يوجد قانون خاص بل يترك للوائح الداخلية الخاصة في المؤسسات.
وفي هولندا يمنع ارتداء النقاب الكلي داخل المؤسسات التعليمية وخصوصا 'الشادور' الأفغاني الذي يغطي العينين ويعوق عملية الاتصال والتلقي.
وقد انتقلت أزمة النقاب من جامعة حلوان ولندن إلي الفضائيات حينما أعلنت د. سعاد صالح في برنامج 'عم يتساءلون' أن النقاب ليس فرضا وأكدت أنه تبين لها من إجماع جمهور المفسرين والفقهاء أن النقاب إنما هو عادة جاهلية كانت موجودة من قبل الإسلام ثم ترك الرسول صلي الله عليه وسلم الحرية لمن تنتقب أم لا، وفور صدور هذه الفتوي من الدكتورة سعاد صالح خرجت أبواق التكفير ضدها من قبل أنصار النقاب، ولكن د. آمنة نصير 'أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية' أيدت د. سعاد صالح وأكدت أنها ترفض النقاب أيضا، وأكدت أنه لدينا الكثير من المفاهيم التي لا تقوم علي أسس دينية صحيحة وقد حاول البعض إجباري علي القول بأن النقاب فضيلة فقلت أيضا إن هذه المقولة مرفوضة لأنها ستجعلنا نزيد في الدين فلو شاء المولي عز وجل فرض النقاب لما كانت الآية الكريمة تقول: 'وليضربن بخمرهن علي جيوبهن' فتخصيص الحبيب هنا لأن الوجه غير مقبول فلو أراد الله تعالي فرض النقاب لقال فليضربن بخمرهن علي وجوههن'.
ويبدي الشيخ علي أبو الحسن 'رئيس لجنة الفتوي السابق' رأيا آخر لكل من د. آمنة ود. سعاد في مسألة النقاب فيقول: إن الشيخ محمد الغزالي يقول: إن الحجاب هو الفريضة الواردة في كتاب الله وإن النقاب شيء زائد علي الفريضة تقتضيه الظروف ذلك لأن القاعدة الأساسية أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما بمعني أن العلة في فرض الحجاب ألا يثار الرجل بجمال المرأة ولا ينشغل الرجل أو المرأة ببعضهما البعض خاصة أن الرجل يتأثر بالمرأة عن بعد كما يقول علماء النفس، ولذلك فالفقهاء قديما وحديثا قالوا: إذا أصبح وجه المرأة مثيرا للرجل فإن النقاب يأخذ نفس حكم الحجاب وهو الفرضية أما إذا لم ينشغل الرجال فيعتبر كشف الوجه للضرورة والضرورة تؤخذ بقدرها فتكشف وجهها عند اللزوم.
ويختم الشيخ علي أبو الحسن قائلا: الأمر بغض البصر يدل علي أن الوجه مكشوف فإذا أصبح الكشف مثار فتنة أصبح النقاب مفروضا