وداعاَ أيها الضيف الكريم
لم أرَ في حياتي ضيفاً دمث الأخلاق ، خفيف الظل ، لطيف المعشر ، كضيفنا اليوم .
فما أن يطلُّ علينا بطهره وصفائه ، ويحلّ حبائله ليقيم بيننا ، حتى يعود ثانية لحزم أمتعته ، ويعزم على المغادرة .
ضيفنا اليوم حلو المعشر ، كثير الحياء ، عذب اللسان ، فصيح البيان ، خلوت به لما رأيته يستعد للرحيل ، وكان لنا هذا اللقاء :
• أيها الضيف الحبيب : أراك قد قررت مفارقتنا ، فهل آذاك أحدٌ منا أثناء إقامتك ؟
• لا يا عزيزي ، وإنما هي سنة الله في خلقه ، فلكل بداية نهاية ولكل مخلوق أجل ، وقد حانت ساعتي ولا بدَّ من الرحيل .
• أفهم من حديثك أنَّك لم تكن ضيفنا العام المنصرم ، وأنت مخلوق جديد ؟
• بالطبع ، فما من يومٍ ينشقُّ فجره إلا وينادي : يا ابن آدم ، أنا مخلوق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فاغتنم مني ، فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
• وهل أحسن المسلمون استقبالك ؟
• الخير باقٍ في أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ... هناك من أحسن الاستقبال فكافأتهم مكافأة سخيَّة ، والبعض ـ هداهم الله ـ استغنى عن الهبات والعطايا ، وحرم نفسه منها .
• من حقِّ الضيف علينا أنْ يُكرَمَ لا أنْ يُكرِم ، فبماذا أكرمت محبيك ؟
• لقد حملت إليهم بشائر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وجعلت لهم دعوة مستجابة يرفعونها إلى خالقهم عند فطرهم ، أما حسناتهم فهي مضاعفة ..
• وماذا عن التائه المستغني ، هل له من أوبةٍ إلى الله ؟ هل يمكن أن يتدارك ما فاته ؟
• لا زالت هناك بضعة أيامٍ على رحيلي ، فمن أراد لنفسه الخير ، وصحا من غفوته ، فربما يحظى بشيء من عطاء الله وكرمه ، فباب الله مفتوح دائماً ، ولا يُغلقُ إلا في وجه مَنْ صدَّ عنه .
• ما الذي أعجبك فينا ؟
• أمورٌ كثيرةٌ لعلَّ من أبرزها عكوف الأمة على تلاوة القرآن الكريم ، و محافظتهم على صلواتهم ، وتزاورهم فيما بينهم ، وصلتهم لأرحامهم ، وإعانة فقرائهم ، ومذاكرة أمور دينهم و..
• وما الذي لم يعجبك ؟
• تحريف أهم صفاتي .
• لم أفهم . أرجو التوضيح .
• إنما جعلني الله موسماً للعبادة وقهر النفس ، لكني رأيت البعض ينام نهاري ويسهر ليلي ، وعند الإفطار تعجُّ مائدته بأنواع عديدة من المأكولات والمشروبات ، فكيف يحسُّ بآلام الفقير وهذه هي حالته ؟
• ( وقد رأيت أني أثقلت عليه بطرح أسئلتي ) هل من كلمة أخيرة تقولها أنهي بها لقاءنا ؟
• لقد تعود الكثير أثناء إقامتي بينكم عل عادات طيبة مباركة ، وأرجو أن يستمروا عليها ، فإن ربَّ رمضان هو ربُّ سائر الشهور ، وهو مطَّلع على أعمال العباد . فهل من متَّعظ ؟