هكذا بدأوا الإعداد لإلباس اليونيفيل زي الاحتلال .... في ظل تسريبات لا حدود لها وفبركات بدأت تتكشف الخطط المخفية للتحالف الأميركي- الصهيوني مع جماعة 14 شباط!
يبدو ان ما توقعناه بالنسبة لقادم الأيام في لبنان بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي عليه هو الذي يجري التخطيط لتنفيذه منذ الآن، أي محاولة القوى الدولية الفاعلة المتحالفة مع إسرائيل والتيار اللبناني الأميركي المتصهين، المتمثّل بجماعة 14 شباط تحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالقوة العسكرية وأسلحة الدمار طوال 34 يوماً من الحرب الطاحنة.
هذا على الأقل ما تُشير اليه الوقائع على الأرض اللبنانية، وما يُخطّط له في كواليس عواصم القرار الغربية. وحتى داخل مجلس الأمن من قبل الدول المؤثرة فيه، بالتناغم والتنسيق الدقيق مع حلف الحريري – جعجع- جنبلاط! فما هي المؤشرات التي تدل عليه، وما هو الجديد الملموس الذي يدفعنا إلى ترجيح هذا التوقع على سواه، رغم أن وجود القوات الدولية " اليونيفيل" يقتضي استبعاده؟
أول ما يستوقف المتتبّع لمجريات الأمور اليومية السائدة في لبنان الآن اتفاق القوى المناهضة للمقاومة والتحرر الوطني على صبّ كامل جهودها باتجاه تكبيل المقاومة عملياً – وعزلها سياسياً، في الوقت الذي تقف فيه القوات الدولية – بشكل عام – متفرجة على استمرار التواجد الإسرائيلي في بعض مناطق الجنوب اللبناني بعد وقف إطلاق النار، واستمرار الانتهاكات اليومية، سواء بالتوغل في الأرض، أو اقامة الحواجز وتفتيش المواطنين اللبنانيين ومصادرة هوياتهم، أو بطلعات الطيران الحربي واختراقه لأجواء لبنان "بحثا" عن السلاح ومراقبة علميات " التهريب"! دون أن يقوم الجيش اللبناني الذي أرسل للجنوب بهدف حماية الوطن والدفاع عنه- كما ورد بالنص الصريح في قرار حكومة السنيورة المتعلق بهذا الموضوع- لعدم جاهزيته.
مقابل هذا الوضع، يلفت انتباه المتتبّع جملة من التحركات الدولية والاقليمية المحمومة باتجاه تغيير طبيعة هذه المرحلة – التي تتمثل بإبقاء الحال على حاله – إلى الأسوأ، أي تغيير صيغة القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 1707، التي لا يسمح مضمونها للقوات الدولية المساس بتركيبة الوضع الداخلي اللبناني والتدخل في شؤونه، سواء لجهة تغليب فئة على فئة أو طائفة على أخرى، إلى صيغة أخرى تسمح لها بالعمل على سحب سلاح المقاومة المتمثلة بحزب الله بعد تكبيلها بالكامل.
ومن أبرز ما يلفت الانتباه في هذه التحركات التي تمّت مؤخراً موافقة مجلس النواب الأميركي بأكثرية 411 صوتاً من أصل 435 على مشروع قرار يدعم من جديد سيادة لبنان، ويدعو حكومته إلى ضرورة طلب المساعدة الدولية، بما في ذلك المساعدة العسكرية في أي ظرف أو وقت يستدعي نشر قوات على الحدود السورية بهدف منع تهريب السلاح إلى "حزب الله"!
ومع أن هذا المشروع لا يحلّ محل قرار مجلس الأمن 1701، ولا يلغيه، إلا انه يعبّر بكل وضوح عن تَوَجُّه الدولة الأكبر نحو "تصحيح" القرار الأممي السابق الذي لا يُكلّف القوات الدولية بمهمة الانتشار على الحدود السورية، ويدفع باتجاه تعزيز الأجواء المطالبة بضرورة أن تكون هذه القوات رادعة، ضاربة، وغير متفّرجة الا على التجاوزات الإسرائيلية فقط!
وليس سراً بالطبع ان هذه الأجواء بدأت تنفخ سمومها قبل اقرار ارسال القوات الدولية، واتسعت دائرتها أكثر في الآونة الأخيرة بعد تمركز هذه القوات في الجنوب، حتى شملت تسريب كمٍّ هائل من الأكاذيب والادعاءات النافخة في أتون الفتنة الداخلية، منها ما نسبته بعض الصحف الخليجية المتصهينة عموماً، والكويتية خصوصاً إلى مصادر دفاعية بريطانية من معلومات حول دخول مئات الجنود والضباط من القوات الخاصة السورية، وأجهزة المخابرات إلى لبنان بلباس مدني، على أساس انهم من العمال السوريين العائدين للعمل في لبنان بعد وقف اطلاق النار، والقول على ذمة المصادر البريطانية نفسها ان هؤلاء الضباط والجنود قد توزّعوا على مقار ومواقع "حزب الله" في منطقة البقاع كمرحلة أولى! وصادف هذا " الحدث الخطير" - حسب المصادر نفسها- وصول مجموعات أخرى من الحرس الثوري الايراني إلى لبنان وتوزعها على مواقع الحزب في بيروت والشمال، الأمر الذي أعطى للعناصر السورية امكانية التمركز أيضاً في مكتب حزب " المردة" التابع للوزير السابق سليمان فرنجيه "المتهم" بولائه لدمشق"!"
ولم تنس صحيفة "السياسة" الكويتية، المتخصصة في صب الزيت على نار الأكاذيب أن تتحدث بإسهاب عن تقارير استخبارية واردة لعواصم مهمة في الاتحاد الأوروبي- كما وصفتها- تؤكد على التحاق مئات من عناصر الجيش والاستخبارات السورية بمواقع فلسطينية "ارهابية" تعمل تحت إمرة نظام الأسد " في البقاعين الغربي والأوسط، وفي بيروت وضواحيها.
وحسب هذه التقارير الاستخبارية فان قيادة حزب الله والفصائل الفلسطينية "الارهابية" قد أنشـأت غرفتي عمليات مشتركة خارج حدود المخيمات، احداها في الضاحية الجنوبية والأخرى في منطقة بعلبك!
وحتى لا تبدو هذه الخطوات مجّرد تنسيق طبيعي بين حلفاء في وجه هجمة ينتظر وقوعها، ذهبت هذه التسريبات إلى أبعد من ذلك، وتحدثت أقلام صحفية ومواقع الكترونية معروفة الانتماء الاستخباري عن تقارير سرية- يمكن للقارئ الكريم ان يرصد عملية فبركتها بشئ من المتابعة والتمعن "تكشف" عن ضخّ يومي للمعلومات بين حزب الله والمخابرات السورية، وان آخر هذه التقارير الخطيرة الموجهة من الطرف الأول إلى الثاني يُحددّ استراتيجية الحرب الجديدة، وكيفية التعامل مع الجيش اللبناني في الجنوب بعد انتشاره ومع قوات اليونيفيل الدولية، ويطلب رأي دمشق بهذا الخصوص.
وحسب هذه التسريبات، فإن ردّ دمشق جاء سريعاً وايجابياً جداً على حزب الله، وقد قدمت له لائحة بمجموعة من الضباط اللبنانيين"!" ممن يمكن التنسيق معهم وتحييدهم، ولكن (على حد ذمة المسربين) مقابل اغراءات مالية كبيرة"!" بعض هؤلاء الضباط يتواجد في الجنوب، وبعضهم الآخر في قيادة الجيش، كما تضمنت اللائحة قائمة أخرى لبعض كبار العسكريين والمدنيين ممن يعملون على جانبي الحدود السورية - اللبنانية، ويمكن شراء سكوتهم على عمليات تهريب السلاح والأفراد وما شابه!!
الآن يمكن التساؤل ولو بسذاجة: ماذا تعني هذه التسريبات التي لا تغدو أكثر من نقطة في بحر ما يجري فبركته، على غرار ما كان يفبرك ضد "النظام السابق" في العراق؟
اسمعوا آخر "المعلومات المبتكرة"، لتحكموا بأنفسكم على ما تعنيه وما ترمي اليه:
في الوقت الذي قبلت فيه الأمم المتحدة اعتذار إسرائيل عن قصف مقرها قواتها في الجنوب اللبناني بقنبلة فائقة الدقة تزن نصف طن، أدت إلى تدميره وقتل حوالي 50 مواطناً لبنانياً، مع أن "حزب الله" - حسب اعتراف لجنة أممية لتقصي الحقائق- لم يقم في ذلك اليوم الذي صادف 25 تموز بأية فعاليات عسكرية او "أنشطة معادية". في هذا الوقت، خرج علينا مدير مكافحة الإرهاب في الخارجية الأميركية فرانك اوربانسيتش قائلا بالحرف: "ان حزب الله يهّدد بشكل جدي الحكومة اللبنانية من داخلها، كما يهدد المصالح الاميركية والأمن الإسرائيلي في المنطقة"!
وبعبارات أكثر حدة منه، قال رئيس فرع مكافحة الارهاب في "الاف. بي. آي" جون كافينو: "ان حزب الله يُعتبر اكثر التنظيمات الارهابية قدرة في العالم، وانه يمثل قدرة قتالية عالية التدريب والخبرة في التكتيك العسكري ومجال التسلح"! وليس ذلك فحسب بل اتهم المناصرين للحزب في الولايات المتحدة بأنهم "عصابات متخصصة في تهريب المخدرات وتبيض الأموال، وتزوير البطاقات البنكية"!
أما الأخطر من كل هذا الكلام- على خطورته القصوى – فقد جاء على شكل معلومات "أطزج" سربتها جماعة 14 شباط الانعزالية المتصهينة على لسان " مصادر عسكرية في حلف شمال الأطلسي" كما ادعت، شككت فيها بقدرة الجيش اللبناني على حماية الحدود مع سورية ومنع عمليات تهريب الصواريخ والمتفجرات والعناصر الارهابية.. الخ، وأعادت سبب ذلك إلى ان مثل هذه العمليات تتم عبر انفاق كبيرة واسعة شقـّها الايرانيون في سلسلة جبال لبنان الشرقية المحاذية لسورية بالتعاون مع حزب الله والسوريين، وبعد استيراد أجهزة حفر انفاق متطورة من الخارج ويبلغ عددها من 10 إلى 12 نفقاً اما طولها فيتراوح بين كيلومتر واحد وثلاثة كيلومترات!
وبعد، هل هناك أي لبس أو شبهة حول الأهداف المتوخاة من كل هذه التسريبات والمعلومات المفبركة؟
حسناً لتقرأ من جديد بعض المعلومات الحقيقية- وغير المفبركة- الواردة من عواصم الغرب المهمة، والتي أخذ يتناقلها علناً بعض السياسيين اللبنانيين من محترفي نقل البنادق من كتف إلى كتف، وهي تتحدث عن وصول التنسيق الذي لم ينقطع بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، إلى اتفاق ضمني على ضرورة اصدار قرار دولي جديد من قبل مجلس الأمن يحل محل القرار 1701 ويغطي على ثغراته المتعلقة بـ"التساهل" مع حزب الله وسورية.
أما مضمون هذا القرار- كما أصبح معروفاً – فلن يبتعد كثيراً عن صيغة سابقه الا في جوهر المعاني والتحديدات، بحيث لا يعود قريباً من البند السادس لميثاق الأمم المتحدة- كما هو حاله الآن- ويصبح تحت إبط البند السابع الالزامي الذي يعطي للقوات الدولية حق تنفيذ القرار 1559 سيء الصيت بالقوة، وهو ما يقتضي تحويل مهمة " اليونيفيل" بنص صريح من المراقبة والسهر على استمرار وقف اطلاق النار إلى الردع الحاسم والحازم ولو اقتضى الامر استعمال السلاح المتطور والقوة "القاهرة".
وهذا يعني بعبارة أكثر صراحة تمكين هذه القوات رسمياً من تحقيق ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه خصوصاً لجهة سحب سلاح حزب الله وتحجيم دوره، ثم قطع خطوط الامداد عنه، والعمل على مضايقة سورية وفصل تحالفها مع القوى الوطنية اللبنانية، وصولاً إلى ترسيم الحدود وإقامة العلاقات الدبلوماسية، وتعزيز سلطة "الأغلبية النيابية" في لبنان، والعودة به إلى ما قبل ثلاثة عقود وأكثر.. أي إلى ايام كميل شمعون وبيار الجميل، وحرب الطوائف والمذاهب، ولكن بوجوه أجد وأكثر شباباً كالحريري وجنبلاط والسنيورة وجعجع ثم .. فتفت!
هل يمكن تفتيت لبنان أكثر من هذا؟

سينشر في العدد القادم من البيادر