بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد .. فقد روى البخاري في صحيحه ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : نظر النبيُ صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين – وكان من أعظم المسلمين غناءً عنهم – فقال : " من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا " فتعبه رجل ، فلم يزل على ذلك حتى جُرح ، فاستعجل الموتَ ، فقال بذبابة سيفه ([1]) فوضعه بين ثديين ، فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه ( أي أنه قتل نفسه ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليعمل – فيما يرى للناس – عمل أهل الجنة ، وإنه لمن أهل النار ، ويعمل – فيما يرى للناس – عمل أهل النار ، وهو من أهل الجنة ، وإنما الأعمال بالخواتيم " ([2] )

إن المؤمن حين يقرأ هذا الحديث ليشعره بقشعريرة تسري في كيانه ، يرتجف منها الجنان ، وتهتز لها سائر الجوارح والأركان كيف وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " لن يُدخل أحداً عملُه الجنةَ " ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ ! قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني اللهُ بفضل وحمةٍ " ( [3] )فتأمل قوله : " ولا أنا " [4] وهو القائل صلى الله عليه وسلم : " إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا " وقارن نفسك يا مسكين بسيد الخلق أجمعين ، عندها ستعرف حقيقة نفسك ، ومدى تفريطك في جنب الله ، وكلنا كذلك – لكنا لا نملك إلا أن نقول كما قال الأبوان عليهما السلام : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) .

وبعد : فهذه بعض القصص الواقعية لأناس خُتم لهم بخاتمة السعادة ، وآخرين خُتم لهم بالأخرى ، وهي خاتمة السوء (عياذاً بالله تعالى ) وقد دفعني إلى جمعها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أكثروا ذكرَ هاذمِ اللذات ك الموت " [5] . وغفلة الكثيرين عن هذه الحقيقة العظمى ، والفاجعة الكبرى ، سائلاً المولى عز وجل أن يختم لي ولإخواني المسلمين بخاتمة السعادة ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا إلى أحد سواه .


[1] ذباب السيف طرفه الذي يُضرب به .


[2] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ، باب الأعمال الخواتيم .


[3] أخرجه البخاري في كتاب المرضى ، باب تمنى المريض الموت .


( [4] ) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ،باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أعلمكم بالله ... " وقوله في الحديث ( أنا ) ليس من باب تزكية النفس وإنما له مناسبة .


([5] ) أخرجه الترمذي في الزهد ، باب ما جاء في ذكر الموت ، وأخرجه غيره .