المعلم الناجح
كثير من المعلمين هذه الأيام يعيب على النشء تصرفاته وسلوكياته وعدم مبالاته أثناء الشرح وانصرافه عن الدرس بأمور تافهة وما إلى ذلك ، ويصبُّ اللوم برمَّته على الطالب وحده ، ولا يأبه بملهيات العصر وما يدور في خلد الطالب أثناء وجود جسمه داخل حجرة الصف المدرسي .
لن أخوض في المسائل التي تشغل الطالب وتصرفه عما جاء من أجله ـ الآن وإنما سأفرد لها مقالاً لاحقاً إن شاء الله ـ وإنما سأضع من خلال خبرتي في مجال التعليم والتي قاربت على ربع قرن من الزمان ، أهم صفات المعلم الناجح فلعلها تكون نبراساً يهتدي به أولو الاختصاص ، وأكون قد أدليت بدلوي مع الدلاء المباركة التي أسهمت في هذا المجال ، لعل الله ينفع بها ، فأقول :
إن من أبرز الصفات التي يجب على المعلم أن يتحلى بها هي :
• حبه لهذه المهنة الخالدة ، مهنة الرسل والأنبياء ، فإن كان المعلم يتخذ التعليم كأي مهنة من المهن وينتهي عمله من لحظة قرع الجرس مؤذناً بانتهاء اليوم الدراسي ، فقد جانب الصواب ، فلا بدَّ من التفاني والإخلاص .
• تمكنه من المادة التي يقوم بتدريسها ، فإن كانت بضاعته قليلة في مادته ضعفت هيبته في عيون تلامذته وأصبح هدفاً رخيصاً لسهام نظراتهم الهازئة ، ومعْبراً لرماح ألسنتهم اللاذعة ولا يتمُّ ذلك إلا بكثرة المطالعة لدرجة الإدمان .
• أن يكون ملمَّاً إلماماً عاماً بسائر العلوم الأخرى الخارجة عن تخصصه ، لاسيما العلوم العصرية كالحاسوب والنت وغيرهما .
• أن يظهر أمامهم بمظهر القدوة في هيئته وملبسه وحديثه وأخلاقه ، فلا يطلب منهم فعلاً ويقوم بضده ، ورحم الله الشاعر حيث يقول :
لا تنْهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثله عارٌ عليك – إذا فعلت – عظيمُ
• أن يعدل بين طلابه في كل شيء ، حتى في النظرات ، فيوزع أسئلته عليهم بالتساوي ، يشجع المحسن منهم ، ويقيل عثرة المخفق فيهم ، ولا يسخر من طالب إن أخطأ ، ولا يصرخ فيه إن تلعثم بالإجابة ، يفتح عليه باب الإجابة إن أُغلق عليه ، ويصيخ بسمعه إن بدا مرتبكاً خائفاً ..
• أن يحضِّر دروسه يومياً ولا يتكئ على خبرته السابقة ، وهنا تجدر الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية ، وهو أن كثيراً من المدرسين يكتفي بالكتاب المدرسي في تحضير دروسه ، وهذا عين الخطأ ، فلا بد للمعلم من الرجوع إلى المراجع خاصة إذا كان يدرس في مرحلةِ متقدمة ، لأن كثيراً من الطلبة المتفوقين يتشعَّبون في أسئلتهم ، فهل يقف أمامهم مطأطئ الرأس ويقول لهم : لا أدري ؟
• وأخيراً : أن ينوّعَ في أسلوب عرضه ، ويستخدم شتى الطرق : الاستنتاجية والحوارية ... وليقلل من الإلقائية ما استطاع لذلك سبيلاً ، وليكثر من طرح الأسئلة التي تُعمل الدماغ وتنشِّطه ، وليدعْ فرصة من الزمن للتفكير ، ولينوِّعْ في نبرات صوته فلا يلجأْ لوتيرةٍ واحدةٍ لأنه إن فعل كان ذلك مدعاة للسأم والملل وانصراف الطلبة عنه .
وفي نهاية المطاف ، وقبل أن أسدل الستار عن مقالي هذا ، الله أسأل أن يوفق سائر المعلمين لما فيه صلاح أبنائهم ، والرقي بهم إلى ذروة المجد والسؤدد ، إنه أكرم مسؤول وأسرع مجيب .