بسم الله الرحمن الرحيم
على هامش
(حلب عاصمة الثقافة الإسلامية)
لعام 1427هـ/2006م
الشيخ عبد الله سراج الدين
بقلم
أ.د. : بكري شيخ أمين
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو اللجنة العالمية للغة العربية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين.
سيدي مدير الثقافة بحلب
سادتي العلماء الأفاضل
حضرات السيدات والسادة
العلماء هم مصابيحُ الأمة وأنوارُها وهداتُها في كل الأزمنة والأمكنة، يُنيرون دروبَ حياتها ، فيفتحون القلوب المغلقة، ويُجْلون الغشاوة عن العيون المتعَبة ، وينقلونها من دياجيـر الجهل إلى أنوار العلم ، ويخرجون الناس من الظلمات إلى النور.
وأخص بالذكر منهم علماءَ الشريعة ، وفقهاءَ الدين .. فبالشريعة يكون الإنسان إنساناً شريفاً، والمواطنُ مواطناً حقاً .. وفي ضوء الشريعة يعرف الحقَّ فيتَّبعه، ويعرف الباطل فيجتنبه .. يعرف ما يهوي به إلى الجحيم، وما يرقى به إلى أعالي الفردوس والنعيم.
وعلماء الشريعة وحدَهم الذين يأخذون بأيدي الناس إلى طريق الهدى والصواب والحق والنور .. لأنهم ورثة الأنبياء ، وحمَلة الرسالة والأمانة .. وهم دائماً في عيون الناس المثلُ الأعلى الذي به يقتدون.
أريد أن أصل بهذه الكلمات إلى عالمٍ من بلدي .. يحمل تلك المزايا ، ويتصف بتلك الصفات ، اسمه عبدُ الله بنُ محمدٍ نجيبِ سراجِ الدين الحسيني .
لو رأيته لخُيِّل إليك كأنك ترى في ملامحه رسولَ الله r ، وقاراً وجمالاً وجلالاً وسكينة وتواضعاً وبشاشة ورقة .. وأحلى ما يتصوره الإنسان من كمال وجمال في عبد من عباد الله .
لست أغالي ، أو لست أبالغ في رسم صورة هذا الإنسان المادية والمعنوية والروحية .. فلقد حدثني من أثق به أنه رأى فيما يرى النائم أن صديقاً له دعا رسول الله e إلى وليمة في بيته ، وفيها كلُّ ما لَـذَّ وطاب ، ودعا إليها أعزَّ أصحابه وأحبابه ، وهيَّـأ لهم أكرم المجالس والأطايبَ والعطور ، واختار لهذه الدعوة من يحبهم رسولُ الله e ويحبونه .. وحضر المدعوون واصطفوا صفيْنِ متقابلَينِ في مدخل بيت ذلك الرجل ، ووقفوا بكل احترام وأدب وإجلال ، ينتظرون المكرَّم الحبيبَ الغاليَ على الجميع ، وما هي إلا برهة قصيرة حتى سـمعوا خطواتِه الكريمة ، فشدّوا قاماتِهم ، ورصُّوا صفوفَهم ، ووقفوا وِقفةَ الإجلال والإكبار والاحترام .
وما هي إلا لحظةٌ حتى سَرَتْ كلمة : وصل النبي e وصل النبي .. وفتحوا عيونهم يكحِّلونها برؤية طلعتِه البهيَّة ، واضعين أيدِيَهم على صدورهم إجلالاً واحتراماً .. فإذا هم يرون الشيخ عبد الله سراج الدين يدخل في صورته r
$$$
وبعد : فلست أصِفُ الرجلَ بما ليس فيه ، ولست أبالغ ، ولا أريد أن أُطريَه وأقولَ عنه ما يحاسبني عليه الله تعالى يوم الدين ، أو أقطعُ ظهرَه .
فالرجل متمثل برسول الله r تمثلاً إن لم نقل : كاملاً فهو قريب من الكمال .. من فَرْقِ شَعرِه إلى أَخمَصِ قدميه .. في مظهره .. وفي حديثه .. وفي حركاته.. وسكناته .. وفي تبسمه .. وفي أخلاقه .. وفي كل ما يتصل بحياته الإنسانية من صغيرة أو كبيرة .
الرائع في هذا النور المحمدي الذي سكن في مدينة حلب الشهباء من أرض سورية أنه ليس عالماً فقط ، وإنما هو عالِمٌ عامِل ..
وحتى نلم بسيرته تفصيلاً أقول :
ولد الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني بمدينة حلب سنة 1342 للهجرة النبوية والموافقة لسنة 1923 للميلاد من أب كان نجمَ حلبَ في أيامه هو الشيخ محمد نجيب سراج الدين الحسيني الحنفي ، فأدخل ابنه عبدَ الله كُتّاب جامعِ سليمانَ القريبَ من حي قاضي عسكر بحلب .. فتعلم تلاوةَ القرآن الكريم والكتابة ، ثم انتسب إلى مدرسة دار الفلاح ـ السلطانية .. فتدرج في صفوفها ، وجوّد القرآن الكريم على القارئ الشيخ عثمان قنديل الطنطاوي المصري ، وأخذ شيئاً من فقه العبادات والنحو ، وأشعارِ العرب ، وخُطبِهم التي كانت مفروضة على الطلبة يومذاك أن يحفظوها ، كما أخذ علوم الرياضيات عن الشيخ محمد خير إسبير . ثم انتسب إلى مكتب الشيخ عبد الوهاب المصري الحلبي .. فبدأ بحفظ القرآن الكريم وتجويدِه عليه ، واستمر سنتيْنِ كاملتَيْنِ حتى حفظ كتاب الله كلَّه عن ظهر قلب .
ثم انتقل إلى المدرسة الخسروية متدرجاً في صفوفها إلى أن بلغ الصف السادس الأخير ، فداوم فيه قليلاً ثم تركه بعد مضي ثلثي العام الدراسي لظروف صحية قاهرة .
وحُبِّب إليه الحديث النبوي ، وأولع بقراءته ، فحفظ قسماً كبيراً من صحيح البخاري ، ثم عاج على العلوم الدينية الأخرى من فقه وأصول وتفسير وفرائضَ وتوحيد ومصطلح وسيرة ، وأتبعها بعلوم العربية من نحو وصرف وعروض وبلاغة ، فكان فيها المبرز والمتقن .
ثم استقر به الحال في غرفة والده الشيخ محمد نجيب في المدرسة الشعبانية مجاوراً للعارف الكبير الشيخ ياسين سرِيُّو الذي كان يُعَدُّ من أجَلِّ شيوخه رحمه الله تعالى .. كما لازم دروس الفقه في المدرسة الإسماعيلية عند الشيخ أحمد عساف الحجي الكردي .
$$$
ثم عين مدرساً في جامع ( أبو درجين ) بعد امتحانه في العلوم النقلية والعقلية نال فيه الدرجة الأولى ، فدرَّس فيه الفقه والنحو وغيرَهما طوال أيام الأسبوع .
ثم دعي للتدريس في معهد العلوم الشرعية في المدرسة الشعبانية ، وكُلِّف بتدريس التفسير والحديث والفقهِ الحنفي ومصطلحِ الحديث .
كذلك استُدْعِي إلى المدرسة الخسروية ، فدرَّس فيها المصطلح ، وألف كتاباً في هذا الموضوع ، فطبعته المدرسة ، ووزعته على طلابها
ناب خلال ذلك في التدريس عن والده الشيخ محمد نجيب سراج الدين في جامع الحموي ، ثم أبدل بجامع أبو دَرَحَيْن درسَ المحافظة في الجامع الأموي الكبير .
وشاء الله تعالى أن ينتقل من جامع الحموي ، ويركِّز جهوده في المدرسة الشعبانية ، وراح يستقبل طلاب العلوم الشرعية ، حتى إذا تخرج أحدهم من الشعبانية تلقفته جامعة الأزهر الشريف في أرض الكنانة ، وأدخلته في قسم الدراسات العليا .
يضاف إلى هذا كله اتصالُ عالمنا الشيخ عبد الله بعلماء العالم الإسلامي ، ومحادثتهم ، ونيل الإجازات الرفيعة منهم بخط أيديهم .
$$$
ولعل مَن أحبَّ هذا الرجلَ أن يعرف آثاره في الناس ، وما ترك في المكتبة العربية والإسلامية ، وما قدَّم ، وماذا أفاد غيره من العالمين .
بل لعله يقول في نفسه : لا يكفي أن يكون المرء عالماً ، ومبرِّزاً في علوم الأولين والآخرين ، ثم ينطوي على نفسه ، فلا يستفيد منه أحد .. إنما شأنُ العالِم أن يكون عامِلاً بعلمه ، موزِّعاً معارفَه عبْرَ الجهاتِ كلها ، ينثـر الخيرَ يمنةً ويَسْـرَةً ، آناءَ الليل وأطرافَ النهار .. ثم يكون له أتباعٌ يتمثلون بشخصه وتعاليمه ، ويقتدون به ، ويغدو كلٌّ منهم فلكاً جديداً تدور حوله نجوم وكواكب وأقمار .. وهكذا
ومع هذا كلِّه ، لا يكفي أن يلقيَ العالِمُ دروسَه على أتباعه ومريديه وتلامذته .. ثم ينصرفُ وينصرفون .. وينتهي كلُّ شيءٍ بانتهاء حياتـه أو حياتهم .. وإنما ينبغي أن يتركَ العالمُ بعده آثاراً مسجَّلة مكتوبة، يقرأها الناس أيام حياته وبعد موته. ويطَّلع عليها من هو قادر على أن يصل إلى الشيخ ويراه، ومن هو غيرُ قادر على أن يصل إليه أو يراه.
لقد آمن أن نفع التصانيف أكثرُ من نفع المشافهة ، فهو يشافِهُ خلال حياته عدداً محدوداً من الناس ، ولكنه بتصانيفه ومؤلفاته المطبوعة يشافه عدداً لا يحصى، ما خُلِقوا بعد .. ودليل هذا انتفاعُ الناس بتصانيف المتقدمين أكثرَ مما يستفيدونه من مشايخهم المعاصرين، وأن العالِمَ الحقَّ ينبغي أن يعكف على التأليف إن وُفِّق إلى التأليف المفيد، فإنه ليس كل من ألَّف أفاد ونفع، وليس المقصودُ جمعَ شيء كيفما كان، وإنما هي أسرارٌ وأنوار يُطْلِعُ الله تعالى عليها من شاء من عباده، ويوفقه لكشفها، فيجمعُ ما تفرق، ويرتبُ ما تشتت، ويشـرحُ ما يحتاج إلى شرح، ويحُل كل غامض أو معقَّد.
لقد دأب شيخنا في حياته على إلقاء الدروس في المدارس المختلفة كالشعبانية والخسروية وفي جوامعَ عدةٍ كالجامع الكبير وجامع الحموي وجامع بنقوسا وجامع سليمان، ومع تلك الدروس الملقاة راح يسجل دروسه بتصانيف وكتب، بلغ عددها ستة عشر كتاباً مطبوعاً، منها:
كتاب سيدنا محمدe خصاله الحميدة ـ شمائله المجيدة
التقرب إلى الله تعالى : فضله ـ طريقه ـ مراتبه .
الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها .
الدعاء: فضائله ـ آدابه .ـ ما ورد في المناسبات ومختلف الأوقات.
صعود الأقوال ورفع الأعمال إلى الكبير المتعال ذي العزة والجلال.
شهادة أن لا إله إلا الله، سيدنا محمد رسول الله فضلها ـ معانيها ـ مطالبها.
الصلاة في الإسلام: منزلتها في الدين ـ فضائلها ـ آثارها ـ فوائدها.
الصلاة على النبي: أحكامها ـ فضائلها ـ فوائدها.
تلاوة القرآن المجيد: فضائلها ـ آدابها ـ خصائصها.
هدي القرآن الكريم إلى الحجة والبرهان.
هدي القرآن الكريم إلى معرفة العوالم والتفكر في الأكوان.
حول تفسير سورة الفاتحة ـ أم القرآن الكريم.
شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث.
أدعية الصباح والمساء ، ومعها استغاثات.
قصائد كثيرة في مدح الرسول.
يتبع بإذن الله