لا : تأتي مزيدة وغير مزيدة فالمزيدة كقوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } { لئلا يعلم أهل الكتاب } . وشرط إمام الحرمين في البرهان في زيادتها قصد تأكيد معنى النفي الذي انطوى عليه سياق الكلام , كما في قوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد } بدليل حذفها في الآية الأخرى . يعني أنها توكيد للنفي المعنوي الذي تضمنه " منعك " , ولهذا قال بعضهم : تزاد في الكلام الموجب المعنى إذا توجه عليه فعل منفي في المعنى . قال المازري : ويطالب بإبراز مثل هذا المعنى في قوله " لئلا يعلم " . قال : وله أن يقول : استقر الكلام أيضا بمعنى النفي ; لأنه إذا كان القصد إكرام المؤمن ليعلم الكفار هوانهم , فهم الآن غير عالمين بهوانهم , فقد تضمن سياق الخطاب الإشعار بانتفاء العلم عنهم وحرف " لا " للنفي . قلت : أما الأولى في { لئلا يعلم } فزائدة بالاتفاق , ونص عليها سيبويه في كتابه ويدل لها قراءة ابن عباس وعاصم الجحدري " ليعلم أهل الكتاب " وقرأ سعيد بن جبير " لأن يعلم أهل الكتاب " وهاتان القراءتان تفسير لزيادتها . وأما " لا " الثانية في قوله : { أن لا يقدرون } فكذلك زيدت توكيدا للنفي الموجود بما توجه عليه العلم . وغير المزيدة إما ناهية في عوامل الأفعال الجازمة وإما نافية .
[ ص: 202 ] قال صاحب البرهان : وإنما تستعمل في المظنون حصوله بخلاف " لن " فإنها تستعمل في المشكوك حصوله , ومن ثم كان النفي ب لن آكد . قال ابن مالك , " لا " لتأكيد النفي " كإن " لتأكيد الإثبات , وجعل ذلك عمدته في إعمال " لا " عمل " إن " وأنهم يحملون النقيض على النقيض , وقد استنكر ذلك منه , من جهة أن " إن " داخلة على الإثبات فأكدته , و " لا " لم تدخل على نفي . وجوابه : أن مراده أنها لنفي مؤكد , أو بمعنى أنها ترجح ظرف النفي المحتمل في أصل القضية رجحانا " قويا " أكثر من ترجيح " ما " ويدل عليه بناء الاسم معها ليفيد نسبة العموم .
وهي إما تتناول الأفعال وتكون عاطفة , وفيها معنى النفي , نحو قام زيد لا عمرو , فلا تعمل في لفظها شيئا , ومنه قوله تعالى { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } { لا تأخذه سنة ولا نوم } فأما قوله { فلا صدق ولا صلى } فقالوا : المعنى لم يصدق ولم يصل , وإما أن تتناول الأسماء , فإما أن تلي المعارف أو النكرات , فالتي تلي النكرات إن أريد بنفيها نفي الجنس بنيت مع اسمها , وإن أريد نفي الوحدة فهي العاملة عمل ليس , وبهذا تقول : لا رجل فيها بل رجلان . والتي تلي المعارف لا تعمل فيها شيئا ويلزمها التكرار , نحو لا زيد فيها ولا عمرو . وقال ابن الخشاب : وهي عكس " بل " ; لأن " بل " أضربت بها عن الأول إلى الثاني فثبت المعنى الذي كان للأول للثاني , و " لا " بدلت [ ص: 203 ] معها بإثبات المعنى للأول فانتفى بها عن الثاني , ولهذا لم يعطف بها بعد النفي فتقول : ما جاءني زيد لا عمرو ; لأنك لم تثبت للأول شيئا فتنفيه بها عن الثاني .