متميّزة في الحبّ عن غيرها ...


انتفاضة من عاطفة القلب تسلطت على أطواء الفكر , بين أكنافها تحمل أجمل آيات معاني الحسّ ...
من رآها يجد لوناً متميزاً يتهلّل في صورة إشراقة مضيئة على وجه الصدق, ولسان الحبّ !!!...

إنسانيّة قائمة تسحّبت على أعماق الصدر كأنّها نضّاحة عطر استقرت بندى عبيرها لتصبّ عبق أزهارها في إناء الروح , ومن ثم ترسل من أعماقها فجر التضرع لنور التسبيح, والدعاء وهي متّجهة إلى من هو أرحم من في الخلق !!..

متميّزة في الحب عن غيرها , يخيل لو أبصر الآخرين حقيقة روحها لما وجدها إلا حسّ اختفى وراء صورة واحدة ليس لها إلاّ معنى عين الوفاء, وذات الصدق !!!...

قضت معه سنين عديدة , لم يهزّها تعاقب الزمن , وشرر الظرف حين أتى بشريكة تقاسمها قلب الحبّ ...

لو أبصرت عيناها لوجدتها كأنّها طائر جريح انفجر من آلام لحمه , ودم روحه وهو يستطرد آفاق الكون , ويخاف أن تنحني هامته, ويسقط على الأرض من أثر نزف الجرح !!..

تجول بفكرها مع رهبة الظلم, ونور العدل لتسمو حينا مع كمال الرأي , وحينا أخرى تنطمس مع نزعات العذاب والألم ...
لكن لم تهجر بيتها وأولادها بل ستبقى وفيّة صادقة حتى ولو هجرها صاحب الروح والقلب!!...
صابرة معه في صورة قد لا يحتملها أحد منا , لكن لا ضير من أن نستشف الآراء والأفكار لقضية عمرها من ذوي جنسها , ونحن نأمل أن نجد لها العدل والإنصاف مع حكم قضيتها!!...

بدأت إحداهن تقول :


لا أستطيع أن أعيش مع سراب أمل لا وجود له في الحقيقة ....فلا مكان الآن للحبّ , ولا وجود للصدق , ولا صبر بلا أمل...
إنها مصابة بالجنون والخيال , ولا تعرف حدود ما وراء هذا الحلم , وكيف رضيت لنفسها الذلّ , والهوان وقد أتى لها بشريكة لقلب عمرها!!؟؟؟...
وإذ بالأخرى تردّ فتقول:


من المؤكد أنها تذبح عمرها ما بين دمع الروح ,ودم القلب لتصبّها في حركات الفكر , وتبني منها صرحاً شامخاً لإنسانية الحبّ !!...
لذا فإني أجدها حائرة ولكن مثابرة على عناد إصرار حبها , وتحيا ليلها في خنادق مستفيضة مع الدمع والألم !!...

أراها تبكي وحدتها وهي صابرة محتسبة أجرها إلى الله على ما آل إليه قدر العمر ...
هل ترون أنّ هذا هو الحقّ بعينه!! ؟؟..
ما تخبئه لمستقبل حياتها !!؟؟...
ما تنتظره من حبّ صدرها وهو غير قادر بعد أن تزوج بغيرها على تحقيق
ما يصبو إليه أمل عمرها!! ؟؟...
ما تأمل إليه هو قضية واقع لكائن بشري يطلب الحقّ لذات طبيعته ولكن كيف
لا أدري !!؟؟؟...
وأخرى زوت وجهها وقالت :

لا أحبّ هذا الإحساس!!!...
العواطف الجيّاشة الحيّة اندرست في مجتمعنا , ولم يعد لها وجود في حياتنا , ولا يمكن لها أن تجتمع في هذه الصورة التي تمثّلت بها ..
وطفقت تعالج مأساة تلك المرأة وكأنّها لا تعرف معنى سمو الصدق والوفاء , لأنّها بعيدة عن التحفة النفيسة لمعنى الروح الوفية , والحاشية العريضة لآمال معطيات الحياة!!..


وفجأة وهي مستمرة في تشدقها , وإذ بصرخة قويّة من صاحبة القلب المتألم تقول :

كفاك تشدّقاً وسخريةً !!!!....
كلامك غير متجاوز الآذان .. لا إنسانية فيه , ولا فائدة منه ..
إنه يدور حول دائرة مفرغة بعيداً عن حال طبيعة الإخلاص, والتضحية والعطاء!!...

وهي تصرخ ظهر على قسمات, ومعالم وجهها أشعة غبار وكأنّها عادت من سفر طويل مع ليل الحزن والشجن , لكن بكلماتها البسيطة كانت تعبّر عن معاني ومعطيات الأنس, والعطاء والوفاء !!....

مرّت تلك بأدوار متفاوتة من العمر , وقد ناهزت الآن سنّ السبعين لكن مازال الإحساس بصدق الحبّ , والإخلاص يسكن داخلها وقد اكتوى بنار صاحب قلبها !!!..

ومع كلّ هذا لا يمكن أن تبعد عنه , بل لا زالت تلازمه في السرّاء والضرّاء , وقد فاض من قلبها نور الهدي , والإيمان لتنير له بدعائها حلكة الدرب الصعب , فلا الظرف ولا الألم , ولا الندم والدمع يفصل بينها وبينه ...
إنّه امتزاج روحين ولدت لتعيش معه في دنياها وتدعو الله أن تلتقي معه وليس مع غيره في آخرتها !!!..

تتحدّث إلينا وهي تجهش بالبكاء , وظهرت كأنها لغة موسيقية تفيض من ألحانها سمات الحزن والألم لتخرج للعالم نغماً على أوتار عوده سمفونية عنوان صدرها التضحية والوفاء والصدق !!!....

السعادة شعور بالاطمئنان ... والشعور الصادق هو في القلب , حتّى ولو كانت الآمال محطمة ومثواها في لجج العذاب والهمّ , وفي أعماق الندم والألم , لكن أصل الوفاء في القلب لن يموت بل سيبقى خالداً مخلّداً لأنّه أتى من أصل روح الهدي والإيمان , وسمو التضحية والعطاء ...
وضع حبّه في قلبها لتبعد عن غيره ولن تلتقي إلاّ به .. عاشت معه الصدق لئلاّ تضلّ من معاني الخداع والغشّ .. كلمة قلبها ستبقى متماسكة متراصة ما دامت عرفت طريق بيانها , وأصول فرائضها , وبلاغة تعبيرها !!...
الحبّ لن يحتاج إلى تمييز أو سياسة , لأنّه شعور مفاجئ في الروح تستميل إليه ليتمكّن منه القلب , ويبعث الحلاوة والمرارة في الفكر ...

إنه قضية هدي الإيمان في الصدق , ولولا هذا لما أصبح الحبّ علامة ظاهرة على قسمات وجهها , وبرهان واضح يصدقه حُسْن صدقها , وليس في هذا غرابة وإلا ّلما اجتازت تلك السنين وهي لا زالت تحضن بيتها , وفلذة أكبادها !!..

إنه استفاضة في العطاء والجود , وليس كما يتصوره الآخرين بأنّه جنون
لا يحتمله هذا الزمن !!.....


لا أبدا !!!..

تكابد الألم وتغالب الضنى , وتناضل من أجل أن تسجّل في ديوان الصدر عنوان الصدق والعطاء في الحب !!!..

أهذا جنوناً تُرى!! ؟؟؟..

أجل هناك عقدة في صدرها , وألم يكوي مقلتيها , لكن لا يمكن أن يشدّ من أزرها وعزيمتها إلا إذا ما لجأت إلى العليم بحال خبرها ومبتدأها !!!...

و لم أجدها تتجاوز في الدعاء مقدار الحقّ لذات نفسها , لأنها لا تريد أن تأتي الحب وهي ظالمة , وتجلس معه وهي معادية , وتلج بابه وهي متمردة , وتركن إليه وهي غريبة....

لم تتهاون في هذا أو ذاك , فهي غير مقتصدة إلاّ العدل والإنصاف من حاكم الخلق , وستنشده كل ليلة مع صلاة التهجد ليرحم الله زوجها – بعد أن وافته المنية - ويأخذ بناصية يدها إلى ما فيه الخير لها ولكلّ من حولها !!....


بقلم : ابنة الشهباء