رسائل حزب الله وصلت للشعوب والعروش أحمد أبوصالح - صحيفة الاسبوع المصرية
عند التاسعة وخمس دقائق من صباح يوم الأربعاء الماضي وتنفيذا للوعد الذي قطعته علي نفسها بتحرير الأسري والمعتقلين قامت المقاومة الاسلامية لقوات حزب الله اللبناني بأسر جنديين من جنود العدو الإسرائيلي عند الحدود مع فلسطين المحتلة وتم نقل الاسيرين إلي مكان آمن.
هكذا فعلها حزب الله، بعدما نفذ عملية عسكرية نوعية شديدة الدقة، وغاية في الجرأة، كان التوقيت فيها حاسما وحملت جملة من الرسائل لأكثر من طرف في آن واحد، أولها المقاومة الفلسطينية التي هي في أمس الحاجة لرسائل من هذا النوع، ليعرفوا أن هذا الزمن، مازال فيه بقية من رجال يدافعون عن الكرامة والشرف بعدما باعتهم كل العواصم العربية بأبخس ثمن، وبعدما عقمت النساء من المحيط إلي الخليج عن إنجاب قائد يمد يد العون لهم ولأطفال ونساء وشيوخ تراق دماؤهم صباح مساء دون ان يطرف لهم جفن.
الرسالة الأخري كانت للكيان الصهيوني، وللغطرسة التي ليس لها مبرر واقعي، خاصة أن حزب الله كان قد وضع يده بالفعل علي هشاشة هذا الكيان الهلامي المسمي ب 'إسرائيل' بعد أن وضع انفه في التراب، وأجبره علي الانسحاب دون قيد أو شرط من الجنوب اللبناني، واثبت حزب الله مرة أخري خرافة نظرية الأمن الصهيوني، القائمة علي دعاية الجيش الذي لا يقهر والتفوق العسكري المطلق في منطقة الشرق الأوسط، وأن العصابة التي تحكم تل ابيب لا تعرف الا لغة القوة، وهي اللغة التي يجيدها ابطال حزب الله في الجنوب اللبناني، وابطال المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وبالطبع فان تلك اللغة لا تجيدها اطراف عربية تدعي الريادة والابوة وحماية المقدسات وهي لا تملك المقومات الحقيقية لما تدعيه، خوفا وارتجافا من عدو وهمي، يتخيلون قدرته علي هز عروشهم وكراسيهم.
الرسالة الثالثة كانت لاطراف لبنانية حاولت في الفترة الأخيرة خلخلة التوازن في الداخل اللبناني لحساب اطراف خارجية وتحديدا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وان تلك الاطراف عليها ان تدخل ألسنتها في حلوقها بدلا من قطعها، فلبنان ونظرا للمكان والمكانة لا يمكن ان ينفصل عن القضايا العربية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية لما للبنان من تركيبة معقدة من جهة التواجد الفصائلي الفلسطيني أو العلاقات التاريخية مع سوريا، التي اجبرت علي الانسلاخ عن عمقها الطبيعي، ولعل العملية الأخيرة لحزب الله وما لها من تداعيات تؤكد ما يلعبه الوجود السوري في لبنان من استقرار للأوضاع، ويصبح من قبيل الجنون اتهام سوريا بتلك الاتهامات الجاهزة التي كانت تلقي في السابق من أنها داعمة لحزب الله، فسوريا وطبقا لكافة المراقبين قد رفعت يدها نهائيا عن الشأن اللبناني، وعن تعقيدات الوضع الداخلي في بيروت، وان محاولات الزج بدمشق في اللعبة الأخيرة سوف تلاقي صعوبات عديدة من جهة اقناع العالم بتورط سوريا في لبنان، وان اية محاولة للاعتداء علي سوريا أو محاولة جرها إلي المعركة أو الاعتداء عليها سوف تكون لها عواقب وخيمة وعندها لن تقف عواصم عربية عديدة ولأسباب ليس لها علاقة بتوجهها القومي إلي جانب دمشق، لأن سقوط سوريا بالضرورة سيكون بداية لسقوطها هي، فالتبريرات التي سيقت لشعوبها من أجل ذبح البوابة الشرقية من مآسي واخطاء تاريخية للقيادة العراقية، لن تصلح بالضرورة لتبرير عجزها بل ومساهمتها في اسقاط دمشق.
هكذا اصبحت عملية حزب الله نقطة فارقة في ترتيب الوضع الاقليمي، فإسرائيل سوف تعيد من جديد صياغة استراتيجيتها في التعامل مع واقع المقاومة وليس امامها عمليا سوي احتلال غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وهي بذلك تحرج اطرافا عربية دخلت معها في اتفاقيات تسوية وتحديدا مصر والأردن، فعند هذا الحد لن يكون أمام القاهرة وعمان سوي قطع العلاقات مع 'إسرائيل'، وهو ثمن باهظ تترتب عليه تبعات أخري حساباتها في واشنطن وفي كل من الشارع المصري والأردني الذي اصبح معبأ ومستعدا للتغيير إذا ما كانت ردود الأفعال دون الحد الأدني لأمنياته. وهو الأمر الذي يمكن ان يجر المنطقة الي حرب شاملة ومفتوحة تضع الجميع امام مسئولياتهم التي تهربوا منها طويلا.. وهكذا يصنع حزب الله ويصوغ تاريخ المنطقة من جديد