صفحة 16 من 40 الأولىالأولى ... 6 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 26 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 181 إلى 192 من 475

الموضوع: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة

  1. #181 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    حوار مع الكاتب والصحفي المغربي
    عبد القادر الشاوي

    حاورته: لطيفة لبصير*
    عن موقع كيكا
    www.kikah.com
    عبد القادر الشاوي باحث وروائي مغربي، له عدة مؤلفات في مجالات فكرية، سياسية وأدبية مختلفة، معتقل سياسي سابق، جسدت كتاباته العديد من تناقضات المجتمع المغربي وأحلام جيله، صدر له في الرواية "كان وأخواتها"1986،"دليل العنفوان" 1989،"باب تازة" 1994، الساحة الشرفية" 1999 التي حصلت على جائزة المغرب للأدب، "دليل المدى" 2003،"من قال أنا؟" تخييل ذاتي 2006، كما أنجز العديد من الأبحاث والدراسات الأدبية نذكر منها "الذات والسيرة" 1996، التخلف والنهضة" 1998، "الكتابة والوجود،السيرة الذاتية في المغرب" 2000 ...
    يعد عبد القادر الشاوي من المهتمين بالسيرة الذاتية، وقد هيمن هذا المدى على مسار كتابته الإبداعية، فالذات بالنسبة له تخييل وواقع في نفس الآن، تعمل الكتابة على السؤال في قضاياها.
    هذا حوار مع الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي:
    لطيفة لبصير: تجسد كتاباتك الكثير من القلق والارتباك والحنق، إذ نشعر في كثير من الأحيان سخطك على واقع الذات المتكلمة التي يمثلها راويك، وسخطك على واقع كبير، ألا يمكن القول إنك تهدد بسقوط العديد من القيم والمبادىء التي آمنت بها سابقا؟
    عبد القادر الشاوي: يمكن اعتبار الكتابة الأدبية لحظة تمرين قصوى للسيطرة على اللغة وعلى العالم المروي وعلى القارئ نفسه، وكذا على عملية التفاعل (مع المجال العام) التي ينشدها كل كاتب استوفى شروط الكتابة الأدبية التي لا تستقيم هذه بدونها. ومن الطبيعي أن نستنتج أن في ثنايا هذه العملية هناك أيضا عملية أخرى موازية للسيطرة على المواقف العامة المراد التعبير عنها بصورة واعية أو غير واعية.
    ويخيل إلي أن الانخراط في هذه العملية الصعبة، عندما تتاح جميع الظروف المناسبة للقيام بذلك على الوجه التام، يحتاج إلى تركيز ذهني كبير، مثلما يحتاج إلى استعداد نفسي وعقلي يسهل الانصهار المطلوب في الأجواء التي تقتضيها المناسبة، مناسبة الكتابة الأدبية.
    مرادي من ذلك أن أقول إن وعينا بالكتابة "الصافية" (الذي قد يكون وعيا قصديا نتوخى منه التعبير عن أفكارنا العقلية المنظمة) لا يتطابق باستمرار، من جهة، مع ما قد تمليه هذه الكتابة من اشتراطات وتأثيرات لغوية وذهنية ونفسية بحكم طبيعة الكتابة نفسها من حيث هي نظام لغوي، وكذا مع المواقف المدركة التي نود التعبير عنها لأنها تتأثر أيضا بالمناخات (من حيث هي سياقات للتعبير الأدبي والفني) التي نعبر عنها أو نتفاعل معها قصد التعبير عنها.
    ومن هذه الزاوية لا أجد في الروايات التي نشرتها لحد الآن أي نمط من التعبير الصريح والواعي عن القضايا الخاصة، سياسية وإيديولوجية، التي انشغلت بها في فترات الكتابة، بل ولقد عشت في أتون ذلك باستمرار على نوع من التناقض المدمر بين تصوراتي السياسية (التي أحسبها يسارية) وبين "التناول" الذاتي الذي غالبا ما ألقى بي في سياقات متعارضة إلى هذا الحد أو ذاك مع بعض الاعتقادات التقليدية البديهية المترسبة في وجداني، هذا مع علمي، وتلك خصيصة نفسية ما انفكت تلازمني منذ سنوات، أنني أميل ما أكون إلى حالات السلب منه إلى حالات الإيجاب، وأشد ميلا إلى السخرية ذات الطبيعة السوداء التي لا تبقي (من حيث المعنى) على أي شيء كما على الذات أيضا ولا تضر، بل وأصارحك أنني لا أجد في الكتابة الأدبية التي أكتبها أي مبرر عقلي ولا منطقي لممارسة خلاف ذلك.
    لطيفة لبصير: هذا يجعلني أستحضر المقولة الشهيرة لجان بلمين نويل إن الكتابة تقول أكثر من الكاتب، وقد يفاجأ الكاتب بأشياء صدرت عنه دون علم منه تكون الكتابة هي المسؤولة عنها وليس الكاتب، وهذا يدفعني إلى أن أبحث عن تبرير للتجنيس لديك، فأنت تترواح بين الرواية والسيرة الذاتية، وفي عمليك الأخيرين "دليل المدى" و"من قال أنا"، نجد تصنيفا أجناسيا هو التخييل الذاتي، هل هذا الانتقال مرده إلى ضرورة الكتابة التي تفرض ميثاقها، أم أنه يخضع هو الآخر إلى التطورات النظرية التي تعبر إلى التخييل الذاتي، باعتبار أن كل شيء حقيقي، وكل شيء يعاد صنعه؟
    عبد القادر الشاوي: هناك تواز غير مدرك بين الكاتب (الذات، المستوى الثقافي والفكري، التفاعل الوجداني من حيث الرغبات والعواطف) وبين الكتابة (نظام تعاقدي ومعياري) يتراوح، في كثير من الأحيان، بين التناظر والتفاعل حسب الأوضاع والمقامات، وعندما أشرع في الكتابة الأدبية، على وجه التحديد، أجعل من نفسي في موقع من يريد استخدام النظام التعبيري (اللغة والبنيات الذهنية) كأداة لبلورة التصورات المفكر فيها أو العوالم المراد بناؤها أو الفضاءات المراد طرقها وتأثيتها، وتتأثر هذه العملية بوضعيتي الشخصية وبدرجة وعيي الثقافي وكفايتي اللغوية، كما أنها ترتبط بغير ذلك من التأثيرات الظرفية المصاحبة التي تتفاعل فيها بينها في محاولة لإحداث وبلوغ الغاية المنشودة من التعبير على درجات مختلفة من القوة أو الضعف، من السهولة أو الصعوبة ...
    ولذلك فإن علاقة الكاتب بالكتابة لا تنبني على الدرجة أو الرتبة بل على الوظيفة، أي ماذا أريد من كتابتي الأدبية أن تقول عندما يكون في مبناها ومعناها، بناء على الشروط المصاحبة، ما يشكل القول ويصوغه، وإذا كان من الصحيح أن نتساءل، في بعض الأحيان، عن درجة الوعي التي يمكن أن تصاحب سؤالا من هذا النوع، وهل في صياغته ما يفيد العلم بالغاية المرجوة، فإننا مع ذلك نستطيع أن نتحكم بقدر معين في جعل الكتابة الأدبية صيغة من الصيغ الممكنة للتعبير عن المواقف التي نريد إبلاغها أو الإعلان عنها.
    عندما تقول الكتابة الأدبية أكثر من الكاتب، فمعناه أننا في دائرة التأويل الذي يمكن أن يصطنعه القارئ المفترض لقراءة ما يًكتب ومن يَكتب، أما عندما يقول الكاتب ما يتوخاه من الكتابة، بالمعنى الذي شرحته في السابق، فمعناه أننا في دائرة الإبداع، ولا يمكن الحديث عن الإبداع في هذا المجال إلا من خلال الكتابة، مثلما لا يمكن الحديث عن اللوحة مثلا إلا من خلال التشكيل الفني الذي يكونها، هذا ما يدفعني إلى القول: إن على الكاتب أن يتوقع لا أن يكون ضحية للمفاجأة، مثلما عليه أن يكون مبدعا لا داعية.
    من هنا أصل إلى مسألة التجنيس التي أراها، في الواقع، على صلة أكثر بطبيعة النصوص التي ننتجها عندما تطاوعنا الكتابة الأدبية لإنتاج نصوص جيدة تستحق القراءة والتأويل. أعني بذلك أن الطبيعة التجنيسية للنصوص مرهونة بطبقاتها من حيث هي بنيات ومقولات ومواثيق أكثر مما هي من وحي تنظير يرتبط بالمفهوم التاريخي للتراكم الذي تحققه النصوص عندما تستقل بنفسها كنصوص تعبيرية أدبية من نفس الطبيعة، مع الاعتراف، بطبيعة الحال، بأن التخييل الذاتي يستهويني أكثر لأنه يتيح لي إمكانية هائلة للتعبير الحر، وكذا لتشكيل عالم "مبتدع" يتوازى مع كثير من التصورات التي أكونها عن نفسي وعن العالم من حولي.
    لطيفة لبصير: ما في ذلك شك أن التخييل يتيح إمكانات أكبر في صوغ الذات، وحتى في صنعها، لماذا أتحدث هنا عن الصنع، لأن اللغة تقدم خطابا آخر، بالرغم من أن الكاتب قد يشتغل على أحداث واقعية، ونعود لنصوصك، أنت تشتغل على الذاكرة، بشكل كبير جدا، وهي ذاكرة متصدعة، مكلومة وتتحدث كما رأيناها في "دليل العنفوان" أو"دليل المدى" مثلا، عن مراحل عبرت من العمر، وفضاءات عاش فيها الكاتب( الرباط، البيضاء...)، لكنه أعاد صياغتها أدبيا إذ أننا نجد الأحداث منسوجة، أو أنها تصنع نوعا من الكذب الصادق، خاصة ونحن نقرأ عملك الأخير"من قال أنا"، كنت كمن يهيىء قبره، حتى أن النص يبعث على الرهبة حين نجد أصدقاءك هم من يتحدثون عنك في المستقبل، طبعا من خلال تخييل صنعته أنت، وفقا لهذا الاعتبار، فإن زمن الماضي والمستقبل هما زمنان غير حقيقيين، لذا فان التخييل يعبر إليهما، ألا ترى معي أن التخييل هو أيضا حقيقة الكاتب، لأنه نابع منه ويدرج في مصاف استيهاماته؟
    عبد القادر الشاوي: يمكن اعتبار التخييل الذاتي، كلون أدبي مستحدث، أحد صيغ التعبير الممكنة لتشكيل "صورة بيانية" مبتدعة عن الذات والمحيط. ويمكن اعتبار التخييل الذاتي، من هذه الزاوية، صيغة موازية تنتظم من خلال اللغة وفيها وبها لتجربة حياتنا الواقعية التي نود التعبير عنها على اطمئنان أو يقين خادع، لا يهم، بأننا نكاشف القارئ بحقائقنا الذاتية الخاصة، أما ما نقوم به كَكُتاب، في الواقع، فهو أننا نكتب ما نتوهمه، ونتوهم ما نكتبه. أضيف إلى ذلك أن التخييل الذاتي هو، بمعنى ما، العالم المنظور وقد تحول من خلال الصور البلاغية الإنشائية إلى مادة مشخصة، مبناه اللغة الأدبية وحياته اللغة الأدبية والتأويلات التي قد تتفرع عنه نابعة من اللغة الأدبية نفسها.
    ومن المفهوم من هذه الزاوية أن علاقة التخييل الذاتي بالذاكرة ليست علاقة شرطية محكومة بالردود التي تقتضيها الأفعال، ولا تقوم على الاستجابة التلقائية أو الفورية النابعة من ضرورة ما، ولا أيضا على التواصل الذي قد يتحقق بصورة تلقائية من خلال التماس الدافع، في معظم الأحيان، إلى بلوغ التفاعل، بل إنها، إذا أحببنا، علاقة مركبة، أي أنها ترتبط بالذكريات، وكذا بالمفهوم الخاص الذي نسبغه أو نُعَرٍفُ به تلك الذكريات، أشرح ذلك قائلا: إن التخييل الذاتي يحاذي الاستيهام ويلاعبه بل ويتلاعب به أيضا، وسر ذلك أنه يجعل من لغة الكتابة أداة للاستعارة، والأمر كله ينبني على المفارقة الناتجة عن ذلك من حيث يصبح الاشتباه، في مطلق الأحوال، طريقة لتأويل المعاني المبثوثة في السرود. وعندما أتكلم عن ذاتي في هذه الحالة فإنني لا أنتج لغويا تلك الصورة التي أتخيلها عن نفسي فقط، بل وأقوم في نفس الآن باختيار مباني ومعاني تلك الصورة، من حيث زاوية النظر والمحمول الرمزي الذي قد يرتبط بها، على أنها الصورة الواقعية أو الحقيقية التي تشبهني أو تقاربني في الشبه، غايتي من ذلك، وأنا في أشد حالات اليقين اطمئنانا، بأنني أكتب عن ذاتي في انسجام لا ينازعني فيه شك.
    أريد القول إن التخييل الذاتي، في حقيقة الأمر، يرتبط في الكتابة الأدبية باللغة وبالذاكرة وبالكتابة (الأدبية) هي ذاتها على نفس المستوى من الارتباط الذي به تتحقق الغاية من القول الأدبي، والبعد التخييلي في الكتابة هو الذي ينتج جميع الصور الاستيهامية التي تصدر عنها في علاقة بالذات، سواء أكانت هذه الذات كاتبة أم مكتوبة، وبطبيعة الحال فإن الأمر يختلف في الأجناس الأدبية الأخرى من حيث الميثاق ودرجة التبئير المتعلقة بالموضوع، في الرواية نشيد العالم الموضوعي، ونوهم القارئ على أنه العالم الممكن، أما في التخييل الذاتي فإننا نعيد تشييد العالم الذاتي على أنه الصورة المفترضة لوجودنا في الزمان.
    في (من قال أنا) صورة مركبة للذات من خلال السرود التي تتناوب عليها الشخصيات، ولكنها سرود تتراكب دفعة واحدة لتقديم صورة متخيلة عن الشخصية المفترضة أو تلك التي يفترض القارئ بأنها تتماثل مع الشخصية الواقعية ذات الاسم المعين، هل يمكن أن نطمئن إلى شيء من ذلك عندما نعرف أن مبنى الحكاية أصلا لا يتطابق مع "المعرفة الواقعية/فيليب لوجون" التي نختزنها في أدمغتنا ومخيلاتنا عن الآخرين والوقائع؟ هذا هو السؤال الذي يقود إليه كل تخييل ذاتي.
    لطيفة لبصير: لهذا السبب عمل فيليب لوجون على التجديد في السيرة الذاتية، ذلك أنه وجد أن كل الحيوات تتشابه، وعليه فإن التجديد يكون على مستوى نظام التركيب الذي يتيح إمكانات كبرى للتخييل، ولكن بالرغم من ذلك، فإن عوالمك السردية مبنية على محكيات سيرية ذاتية، وهنا لا أتحدث عن السيرة - الميثاق، ولكن عن عنصر تقني داخل العمل الأدبي، إذ أننا نجد معظم أعمالك الأدبية تحكي مسار الأنا، والأنا هنا ليس ضمير متكلم فقط، بل يمكن القول إن جلالة الأنا ليست سيدة بيتها الخاص ، فهي تبحث عن كل عوالم الهو داخل الذات وتسعى إلى نبشها والتشهير بها، وأعطي مثالا بروايتك "باب تازة"، فقد كنت منشغلا بتحقيق صحفي، ولكن بالرغم من ذلك تصعد حياة يومية مليئة بالقرف، الزوجة، والبنت التي تصرخ كل حين، والآلة الكاتبة، إذ كنا نسمع ضجيجا آخريخلق أدبا سيريا يدون سيرة الأنا بكل عوالمها الخفية، هذا يذكرني بروايات "غالب هلسا"، فقد كانت رواياته أيضا ضاجة بسرد حياته الخاصة، وأنت تعرف أن غالب هلسا عرف سجون المدن أكثر من عواصمها، هل يمكن القول إن عالم السجن كمحطة أساسية في حياتك لها عامل في استجماع حياة أخرى، هاربة ومنفلتة، تصوغها الكتابة، حتى أننا نشهد كل العوالم السرية(وهنا أتحدث عن لغات الجسد المتعددة بما فيها من شبق ومن رغبة محرمة) تصعد إلى السطح، مغلفة بحرير اللغة؟
    عبد القادر الشاوي: يمكن اعتبار الكتابة الأدبية، وهو ما قد يفهم أيضا مما ذكرته سابقا، أداة لصوغ المعنى وبلورته بصورة مدركة في قالب جمالي تتوفر له، في الغالب، خصائص التعبير والبيان والفهم، ومع ذلك فإن الكتابة الأدبية هي، بالتعريف، إشكالية أو مركبة من حيث إنها بلاغية تتواصل فيها تواصلا حيا عدة مستويات (لغة، ذات، واقع) ترتبط باللغة وبالذات الكاتبة وقدرتها على التعبير اللغوي وبمجالات العالم الذي نتفاعل معه ونود التعبير عنه في آن. ويبدو لي أن الكتابة الأدبية، وهي تختلف من هذه الناحية عن غيرها، لا يمكن أن تتحرر من ذات كاتب (ت)ها، بل إنها، كما هو المؤكد، تتعالق مع أخص مناطق تلك الذات إيغالا في الغموض، فتصدر عنها صدور الماء عن نبع دفين لا ترى طبقاته الأرضية السميكة.
    ينشأ العالم الأدبي (المحكي) في علاقته بالكتابة من قدرة الكاتب نفسه، وهي قدرة لغوية وتخييلية، على بناء الكون الرمزي الذي يحايث (كينونته) ووجوده الاجتماعي ضمن مختلف العلائق التي تحتويه وتكتنفه، لا يمكن أن نفترض كتابة أدبية سابقة على الذات، ولكننا يمكن أن نفترض وجود كتابة عليها.
    الذات هي التي تفكر في الكتابة، وهي التي تؤطر سياقات التعبير العامة، وبالطبع فإن الكتابة الأدبية يمكن أن تفارق الذات كموضوع، ولكنها لا يمكن أن تتحرر منها ككيان، وتقديري أن الفرق بين الكُتاب بعامة بخصوص هذا الموضوع هو في الدرجة، درجة التحرر أو مفارقة الذات، لا في الاختيار، ولو قدمت مثلا من تجربتي الشخصية في الكتابة الأدبية لوجدت أن مختلف الأعمال الأدبية التي نشرتها لحد الآن تقوم أو تنبني على سرود ذاتية متباينة الأوضاع والحالات والمواقف والتصورات، فضلا عن الخطابات التي تبعثها نحو القارئ.
    وأود أن أضيف إلى ذلك أن هذه التجربة لم تكن اختيارية، وأزيد على ذلك بأنني لم أخطط لها على أي نحو من أنحاء التخطيط الذي قد يفترضه أو يحاوله كاتب لمساره الأدبي، ومع هذا وذاك فإنها لم تكن عفوية أيضا، بل تلقائية لأن المشاعر الأولى التي داعبت مخيلتي وألحت علي في الكتابة كانت مرتبطة بالأوضاع الخاصة التي عايشتها واكتنفت حياتي الإنسانية والإبداعية في فترة ما من تطوري الأدبي والإنساني.
    لقد كتبت بيدي وتفاعلت الكتابة مع أحاسيسي ومواقفي وتصوراتي ... وهذا هو المنطلق الذي أدافع عنه وأعتبره، في نفس الوقت، مرتبطا بالذات لصيقا بأوضاعها العامة مكتنفا لها متدافعا مع اندفاعاتها التي ترمي إلى التعبير عن الأحاسيس والرغبات والمواقف والأهواء على جميع الوجوه الممكنة، فلا يعمل الكاتب إلا على تنظيم المجال العام الذي ترسمه الكتابة الأدبية بالطرق الجمالية التي يختارها بناء على حساسيته الفنية واقتناعه الفكري.
    لا يجب أن نتصور أن الكتابة عن الذات هي مجرد "إعكاس" مرآوي للأوضاع التي هي عليها ولمطلق الأحوال التي تنتابها، لأن الكتابة عن الذات هي، في نهاية المطاف، تضعيف للوجود المادي لتلك الذات بطريقة لغوية وتخييلية، وما تنتجه تلك الكتابة بهذه الطريقة وعلى هذا الصعيد هو، من باب التعريف، "مضاعفها الذهني"، كما أنه لا يمكن اعتبار "التذويت" استنساخا بل ابتداعا تتضافر له جميع المقومات التي تجعل من الإبتداع طريقة أخرى لبناء العالم الذاتي الموازي كما أشرت إلى ذلك مرارا.
    لو تكلمت، مرة أخرى، عن تجربتي الشخصية أنطلاقا من الأعمال الأدبية التي نشرتها لحد الآن لقلت بعبارة صريحة: إن العالم الذاتي الذي تترجمه مختلف تلك الأعمال هو زاوية نظر وطريقة اشتغال ومجال كتابة. وأضيف إلى ذلك أنني أعتبر تجربتي الشخصية، من خلال جميع المعاناة التي كابدتها وخبرت أطوارها، سياقا للكتابة الأدبية المتحللة من جميع القيود المعنوية، مثلما أجد فيها ما يؤكد لي باستمرار بأن الذات، ذاتي، هي، على نحو من الأنحاء، مظهر آخر لوجودي المادي في المجتمع الذي تتقاطع فيه، بعيدا عن كل هندسة محكمة أو كيمياء مضبوطة، جميع العلاقات والأوضاع والمؤثرات الفاعلة وغير الفاعلة ... ويبدو أن السجن في تجربتي الشخصية، مرة ثالثة، وربما في تجارب غيري من الأفراد، ساهم بدور معين في تكوين النظرة العامة التي تسيطر على وعيي الكتابي في هذا المجال، مجال الكتابة الأدبية، أتكلم هنا، على وجه الاحتمال، عن الإكراهات العميقة التي قد يكون تشربها وجداني وترسبت في تكويني ثم سخرها قلمي، لست أدري.
    لطيفة لبصير: نعم، السجن كعالم آخر يمكن أن يعمل على توجه نمط الكتابة اتجاه سرد الذات، وتجليها لغة أخرى كما ذكرت، ربما يكون اختيارك للبحث في السيرة الذاتية نابعا من نفس الهاجس، وهو الإيمان العميق بالذات وانكساراتها وخيباتها، أو أحلامها أيضا، ولكن دعني أقف قليلا عند عنوان الرواية الأخيرة "من قال أنا"، فقد كان عنوانا مثيرا جدا، إذ يمكن أن يقرأ قراءات متعددة، فإذا صغناه بالدارجة المغربية يصبح له معنى آخر، ولكن إذا قرأناه باللغة العربية الفصحى ففيه جدل كبير لأنا المتكلم الذي ينفي وجوده. في بعض الأحيان نقف كثيرا عند العنوان، ونتساءل لماذا هذا العنوان بالذات؟
    إن توجهي إلى البحث الأكاديمي في السيرة الذاتية كما إلى الكتابة فيها قبل ذلك أراه في تجربتي، ولست في ذلك إلا حادسا لا متيقنا، وليد أمرين متداخلين: أولهما ذاتي صرف نابع من خصوصية بعض المعاناة الفكرية التي خبرتها أثناء فترة السجن، وأغلبها كان من وحي اهتمام عميق وأليم يوجبه الوجود في مكان مغلق وجودا قمعيا لا بديل فيه لأي اختيار ولا موجب فيه لأية حرية ولا قدرة فيه للقيام بأي تصرف ... فكان أن بذلت في سبيل تذليل الصعاب التي واجهتني على الصعيد الذاتي ما لا قبل لأي كان من غير السجناء على بذله طوعا (غالبا ما يُكْرَه السجناء على التكيف مع الأوضاع الاستثنائية المفروضة عليهم قياسا إلى تجاربهم السابقة في الحياة لا بحكم قساوة التجربة التي يكابدون ويلاتها فقط بل وكذلك بحكم قانون المعاناة الذي يكرسه السجن).
    ومن المفهوم أن تجربتي في السجن، وهو أمر يدعوني باستمرار إلى ما يشبه الافتخار النرجسي، علمتني أن أجعل من ذاتي عنوان تجربتي وخبرتي في الحياة، أي أن أفهم تماما أنني في مجال مغلق، وفي تجاور حياتي مع الذوات الأخرى، وأن الطابع العام لجميع مظاهر الاحتكاك التي لا تقاوم بين الأفراد مردها إلى الأحكام المطلقة المبنية على أقيسة إيديولوجية (موضوعية؟) التي اعتادوا عليها في التعامل مع الآخرين.
    أما الأمر الثاني فيعود إلى عنايتي الخاصة منذ فترة مبكرة من تجربتي الأدبية بالنقد الأدبي، وأعتبرني الآن، بعد أن لم أفلح لظروف شخصية من السهل إدراكها في أواخر السبعينيات من القرن الماضي في مواكبة التطورات الأدبية التي استجدت في ميدان نقد الرواية والقصة القصيرة ربما، قد انصرفت تلقائيا، في ارتباط مع بعض القراءات المؤثرة في تكويني ومعرفتي، إلى الاقتراب من السيرة الذاتية والاهتمام التدريجي بالعوالم التي بدأت تفتحها في وجهي (قراءة نصوص واستيعاب نظرية وتطبيق مفاهيم)، هذا فضلا عن أن الاهتمام بالسيرة الذاتية لم يكن مذكورا في الجامعة المغربية، على الأقل من خلال الأطاريح المسجلة أو المنجزة، إلا على نحو جزئي ... علما بأن الاهتمام بالسيرة الذاتية كجنس أدبي كان "محقرا" وليس لقراء العربية حوله إلا النزر اليسير من الأفكار المبهمة التي لا تنير المعاني ولا المواقف، بالإضافة إلى أن كثيرا من المنظومات الفكرية والإيديولوجية الغربية نفسها أشاعت من حولها كثيرا من الأحكام السلبية ... هذا مع العلم بأن الذين رفضوا السيرة الذاتية انتهوا إلى كتابتها أسرى طائعين بمعنى من المعاني (أشير بذلك إلى "بيير بورديو" آخرهم على سبيل المثال الذي يحضرني الآن فقط).
    وتنويعا على هذا كله أريد أن أقول للجواب عن الشق الثاني من سؤالك: لو وقفت قليلا عند عنوان النص الذي نشرته قبل سنة تقريبا (من قال أنا) لوجدت فيه بوضوح شيئا كثيرا مما أتيت على ذكره، أو هكذا يبدو لي الأمر، يمكن لي، إذن، أن أقرأه على ثلاثة وجوه ممكنة: أولها بإضافة الاستفهام الاستنكاري يصبح تأكيدا ندركه بالتأويل: أنا الذي أقول أنا رغم استنكار المستنكرين؟ وأعقله (حرف مَنْ) أيضا، وهذا ثانيها، كتأكيد للقائل الذي يقول أنا بطبيعة الحال، إذ فيه تصريح يعود على القائل الغائب. أما الوجه الثالث المضمر فهو أن في العنوان ما لا يخفى من الإحالات الضمنية على الاعتقاد "الديني" الراجح لدى كثير من الأفراد بأن الأنا مرادف آخر للشيطان الذي يرجم، وهي في جميع الأحوال والأوضاع، قولا وسلوكا، محقرة مذمومة غير مستساغة عندما ينطق بها الناطق، وله أن يستعيذ بالله تعالى من قولها وسردها (تكاد أن تكون الأنا مسرود بدون سارد، أو ملفوظ بدون لافظ). ويظهر لي أن الاعتقادات الرائجة حول الأنا إن هي، في الواقع، إلا اعتقادات ثقافية تقليدية ترتبط ببنيات معينة على صعيد المجتمع، ولها في التاريخ العربي الإسلامي كثيرا من التصورات والأسانيد التي لا يستقيم فهمها إلا من خلال مفهوم الجماعة (أو البنية المماثلة) الانتربلوجي، لقد أردت القول، من خلال العنوان المشار إليه.
    إن جلال الذات لا يكون إلا على قدر الحكاية التي تسردها في التجربة والحياة، وأن الأنا غير محايدة بطبيعة الحال، بل إنها محاذية لجميع المعاني التي ننتجها عن وجودنا الاجتماعي في الحياة والكتابة... وصدق بذلك شاهدا ما لا يحصى من النصوص القوية التي كُتبت على هديها الأسطوري منذ القرون الوسطى على الأقل، لأنها أرخت تأريخا نصيا موازيا للقلق والحيرة والسؤال الذي "ماكر" الأفراد ولاعبهم منذ أن كانوا أفرادا في العلاقة بذاتهم الشاكة (التهامي الوزاني) وبالكون الملغز (غوته) وبالخالق الجبار (القديس أغوستين).
    * لطيفة لبصير
    كاتبة مغربية
    labsirlatifa@yahoo.fr

    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 22/05/2008 الساعة 10:17 AM

    رد مع اقتباس  
     

  2. #182 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية احمد خميس
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    مصر
    العمر
    61
    المشاركات
    294
    معدل تقييم المستوى
    18
    رد مع اقتباس  
     

  3. #183 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    "البقية في حياتي .. لوحات تذكارية على جدران الطفولة"
    أنيس منصور

    للحفظ على الرابط التالي:
    الكتاب
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  4. #184 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    "هذه حياتي"
    عبد الحميد جوده السحار
    للحفظ على الرابط التالي:
    الكتاب
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  5. #185 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    "سير ذاتية عربية من ابن سينا حتى علي باشا مبارك"
    مصطفى نبيل
    للحفظ على الرابط التالي:
    الكتاب
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  6. #186 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    "مذكرات الهواة والمحترفين .. فن كتابة التجربة الذاتية"
    الدكتور
    محمد الجوادي
    للحفظ على الرابط التالي:
    الكتاب
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  7. #187 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36



    أصغي إلى رمادي
    حميد العقابي


    الطبعة الأولى - 2002
    تصميم الغلاف: أليسا زيلينوفا

    دار الينابيع - دمشق
    يثير كتاب حميد العقابي (أصغي رمادي) إشكالية لم تحل في الخطاب الأدبي رواية، سيرة، سيرة ذاتية، أم سيرة ذاتية روائية، وكلها مفاهيم مختلفة حينا، على مستوى الخطاب والتركيب والبناء، ومتداخلة على المستوى نفسه حينا آخر، وتتعقد هذه الاشكالية أكثر في الخطاب الأدبي العراقي الذي لم يعالج لا على مستوى علم نقد النص، ولا على مستوى القراءة الابداعية بوصفها اعادة صوغ وكتابة أخرى للمقروء، قضية السيرة الذاتية/ الروائية/ السيرة، بإستثناء ما عرف من"سير" الشخصيات العامة التي ترى في نفسها اهمية أو في حياتها أو في المرحلة التي عاشتها، وهذا النوع الاخير من السير، عراقيا، لا يدخل في نسيج الادب لأنه أقرب ما يكون الى التوثيق التاريخي، والاعترافات، وملفات المحاكم، وخطابات تبرئة الذمة، والحرص على مبدأ المطابقة بين الواقع وبين النص، بين الشخص الواقعي ـ السارد أو موضوع السيرة أو التاريخ ـ وبين الوقائع، وهذه السير هي أقرب الى خطابات التبرير منها الى محاولة اعادة صوغ هوية ذاتية جديدة كما هو الامر في جنس السيرة الذاتية/ أو السيرة الروائية، وهذان جنسان مختلفان ومتداخلان وفي بعض النصوص يصعب الفصل بينهما، و في نصوص اخرى يظهر التمايز واضحا، فليس العنوان أو القراءة أو العقيدة هي التي تحدد جنس الخطاب الادبي، بل الخطاب نفسه وتموضعه داخل علاقات اللغة والاسلوب. فالتجنيس ليس سابقا على النص، اي نص، بل هو ينبثق منه، وهذا هو خطأ يرتكبه النقد الايديولوجي الذي لا يقرأ النص من داخله، بل يقرأ أفكاره فيه، فهو مقبول اذا تطابقت هذه بتلك، ومرفوض اذا تنافرا، وهذه القراءة هي في الاساس قراءة دينية حرفية وثوقية وعظية، بتعيبر أدق: إنها ليست قراءة، بل هي اجترار مقولات عن الأدب وليس الأدب نفسه.
    وموضوع السيرة الذاتية أثار ويثير جدلا متواصلا حول طبيعته كجنس أدبي منفصل أو متداخل مع أجناس أخرى، ولم يحسم هذا الجدل النقدي حتى في علوم النقد الأوروبية على اختلاف مذاهبها. وكتاب فليب لوجون (السيرة الذاتية ـ الميثاق والتاريخ الأدبي) يعد مرجعا في حقل النقد السيروي، رغم ان المؤلف نفسه لم يصل الى استنتاجات نهائية وحاسمة في هذا الصدد، وهذه هي طبيعة النص النقدي المفتوح، على عكس الخطاب النقدي العربي الذي يميل الى التحديد، والتمركز، والآراء الجازمة، ويمكن في هذا الصدد مراجعة كتاب (زمن الرواية) للناقد المصري جابر عصفور، وكتاب الروائي عبد الرحمن منيف(رحلة ضوء) ـ تمثيلا لا حصرا ـ كنماذج على طريقة تصور الكاتب العربي لموضوع السيرة الذاتية/ الروائية/ والخلط الحاصل بينهما، واللغة اليقينية، والجاهزة، والصارمة، وهي لغة قادمة من حقل الايديولوجيا لا حقل الادب، وربما يعد، حسب اطلاعنا، كتاب الناقد والروائي المغربي عبد القادر الشاوي (الكتابة والوجود ـ السيرة الذاتية في المغرب) استثناءً في دراسة السيرة الذاتية العربية، ومرجعية قيمة لدراستها، إضافة إلى كتابات الدكتور عبد الله إبراهيم في نقد وتفكيك الخطاب الروائي من خلال منهج ورؤية غير تلك التي اعتاد عليها النقد العراقي.
    ومن الضروري هنا استعراض بعض الآراء النقدية في هذا الجنس الأدبي الملتبس قبل الدخول في نص العقابي، إن فليب لوجون في نصه المرجعي المذكور ينطلق من ان السيرة الذاتية (هي حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية) ويقر ان لفظة السيرة الذاتية أخذت في انكلترة في بداية القرن التاسع عشر، في حين اعادها باختين الى العصر الاغريقي في القرنين الثاني والرابع في مؤلف افلاطون(دفاعا عن سقراط) في حين جعل جورج ماي في كتابه(السيرة الذاتية) بداية القرن الثامن عشر نقطة انطلاق استنادا الى( اعترافات) القديس أوغستان، ويتواصل الجدل النقدي حول قضية التأسيس والشروط أيضا.
    يرى الناقد فابيرو أن (السيرة الذاتية تترك مكانا واسعا للاستيهام، ومن يكتبها ليس ملزما البتة بأن يكون دقيقا حول الأحداث كما هو الشأن في المذكرات، أو أن يقول الحقيقة المطلقة كما هو الشأن في الاعترافات)، لكن لا خلاف بين فليب لوجون وفابيرو في ان المطابقة بين خطاب السيرة وبين الواقع لا وجود له، وهو تطور في موقف لوجون، واعتبر في كتابات لاحقة ان النص السيروي هو اعادة خلق لخطاب وزمان وذات وتاريخ مختلف عن تاريخ الراوي أو المؤلف أو السارد أو الشخصيات والحوادث، ويرى لوجون ان هناك خلطا قد حصل حتى بالنسبة له بين مفهومين متناقضين هما مفهوم التطابق ومفهوم المشابهة، ويقول جيرار جنيت حول المطابقة والمشابهة(إن علاقة الشخصية في النص، بالنموذج، هي بالتأكيد علاقة مطابقة أولا، لكنها وبالخصوص علاقة مشابهة) والمعني بالنموذج هو الواقع، فكيف يمكن لنص أن يشبه حياة؟ كما يتساءل لوجون.
    ان المطابقة هي استعادة حرفية والمشابهة خلق، وان النظام المرجعي في الامر هو النص نفسه، دون احالات خارجية على النص، وتحميله منظومة قيم فكرية قادمة من حقول اخرى غير حقول الأدب، اي قادمة من خطابات اجتماعية وسياسية وفكرية، وحسب كوسدروف في كتابه (شروط وحدود السيرة الذاتية) فإن السيرة الذاتية (لا تستطيع اعادة بناء الماضي كما جرى، وهكذا تغدو السيرة الذاتية خلقا للأنا)، ويقول جيمس أولني(لم يعد من المهم في السيرة الذاتية صدقها ووفائها للماضي المعاش، بل دورها في البحث عن الهوية) وحسب الناقد ياكين في قضية السيرة الذاتية (إن المؤلف هو الذي يخلق نفسه، ويخلق معه أناه الذي ماكان له أن يوجد لولا النص).
    السيرة الذاتية، حسب وجهات النظر هذه، لا توثق، بل تكتشف، ولا تبرر، بل تحاول استعادة هويتها الاصلية الضائعة في الماضي من خلال الخطاب السيروي، وهنا يكون النص ليس موازيا للحياة، او حياة مستعادة حرفيا، بل هو هوية أخرى، وحياة مغايرة، وذات تتشكل لا في الواقع، بل داخل النص، وداخل ذات الكاتب، المؤلف، السارد، وهذه الحياة الجديدة، أو (الذات النصية) لها عالمها الداخلي، وشبكة بناء، ومنظومات لغة، وزمن خاص هو زمن الخطاب وهو ليس زمن الحكاية، اي ان النص السيروي لا ينفتح على الماضي بكل مقوماته انفتاحا حرفيا، بل هو انفتاح على الذات الجديدة: اي الذات الكاتبة، ذات المؤلف، وهي تعيش في زمن يختلف عن زمن الذات المروي عنها، ويتقاطع معه، وذات النص لا تحيل الى ماقبل أو مابعد النص، بل تحيل الى زمن التخيل والرؤى وعلاقات اللغة وشروط البناء النصي، ووعي الراوي الجديد، ونظرته الى ذاته والى العالم الذي يتشكل معه وفيه.
    وليس مهما في السيرة الذاتية/الروائية ضمير السارد أو الراوي أو المؤلف كي يحمل عنوان سيرة ذاتية، فلقد كتب كثيرون سيرتهم بضمير المخاطب أو الغائب: عربيا كتب الروائي المغربي محمد برادة سيرته (لعبة النسيان) كرواية بضمير الغائب واحيانا المخاطب، وكتب حنا مينا سيرته في ثلاثية (بقايا صور، الدقل، القطاف) على لسان أبطال آخرين، وضمّن نجيب محفوظ رواياته مساحات واسعة من سيرته الشخصية، وعلى الصعيد الغربي قال فلوبير عن روايته (مدام بوفاري) ان بوفاري هي انا، وكذلك جان بول سارتر في كتابه(الكلمات) الذي يروي قصة عائلة، وسيرة الروائي ميشيل بوتور(التغيير) المكتوبة بضمير المخاطب، ورواية جبرا إبراهيم جبرا(صيادون في شارع ضيق) رغم ميثاق القراءة الموجود على الغلاف والذي يشير الى انها رواية، لكنها تضمنت الكثير من حياة جبرا الشخصية.
    إن تاريخ الذات في السيرة الذاتية ليس في الماضي وحده، وزمن الكتابة ليس هو زمن السيرة، وفضاء السرد ليس هو فضاء الاحداث، وليس الزمن واحدا في السيرة، اي انه ليس الماضي فحسب، بل هو الحاضر، اي زمن الخطاب والمشفر، زمن الحكي. لذلك يكون الحكم تعسفيا وسطحيا على تاريخ سيرة من خلال ماضي السارد أو المؤلف أو وجهات نظره في احداث عاشها أولا، وتخيلها ثانيا، وقرر استعادتها ثالثا، وبناء هوية نصية مختلفة رابعا، فهذا النوع من الحكم يصلح في خطابات السياسة والاجتماع والتوثيق والتاريخ والفلسفة والردح والمحاكم ، لكنه تعسفي ومقحم ودخيل في نص جسدي يتشكل داخل علاقات اللغة، بعد ان تشكّل داخل علاقات القوى ومنظومات المجتمع والدولة والسياسة والعائلة. وليس هناك نص سيروي ذاتي مكتمل مادام قد دخل في علاقات الكتابة ومكونات الكلام وقوانين الخطاب،لأنه يستمر حتى بعد موت المؤلف، لأن هذا الموت لا يشمل السارد السيروي، واليوم نقرأ نصوصا كتبت على الحجر والواح البردي تعيش حية معنا، وتتحاور، ونختلف معها، بل أكثر حياة من نصوص معاصرة ولدت ميتة، والعقابي يشير في بداية السيرة إلى أنها (فصول من سيرة ذاتية) أي انها في طور التشكل مثل أناة الكاتب.



    لا يمكن تجاوز هذه المقدمة عند الحديث عن السيرة الذاتية (أصغي الى رمادي) لحميد العقابي، فهذه المقدمة لا تضع هذا النص في مكانه كجنس أدبي خاص، بل غرضها توسيع دائرة القراءة والحوار في هذا النوع الجديد من الادب العراقي، وهو يأتي مباشرة بعد السيرة الذاتية الروائية لكاتب هذه السطور"الاعزل، وعزلة اورستا"، وهذا الادب يبدو كأنه رد فعل أدبي على خطابات السياسة واكتشاف الذات المغيبة تحت ركام الكلمات والسلطات والأوهام، وعلى اعترافات ومذكرات وسير أصحاب الشأن والحكم والاحزاب والمال ومالكي الحقيقة والثروة وابواب الدنيا والاخرة وحراس النوايا.
    وعلى عكس تصور الكاتب سلام ابراهيم في تناوله هذا النص( المؤتمر.ع.305 .س 2002) حين جعل من سؤال الراوي في الطائرة من دمشق الى كوبنهاكن( هل اكتشفت نفسي؟ مالذي ابغيه؟..) مفتاحا جوهريا لقراءة نص العقابي، فإن مفاتيح النص لا توجد في هذا السؤال، بل في مكونات وعلاقات وشبكة بناء وأزمنة الخطاب ومحاولات تجديد الهوية عبر الجسد والكتابة، وليس في اسئلة منتقاة على مقاس مسبق. ولا توجد في النصوص مفاتيح دخول وخروج عامة، بل هناك قراءات واحتمالات وتأويلات وتفسيرات وشفرات وعلامات ورموز، فكل نص، حسب أمبرتو إيكو، يتحمل قراءات مختلفة ومتعددة، والقراءة الواحدة تغلق الباب، لأنها تملك المفاتيح الجوهرية، من أين ندخل إذن؟
    قراءة سلام ابراهيم تصلح نموذجا لنوع النقد السائد في الساحة الثقافية العربية عامة، والعراقية خاصة، وهي قراءة ايديولوجية حرفية تتعامل مع النص الروائي/السيروي/القصصي/بناءً على مبدأ المطابقة لا على مبدأ المشابهة والاختلاف، وسنبرهن على ذلك بقراءات نقدية سابقة للكاتب سلام ابراهيم مع التمثيل بنصوص من كتاباته في محاولة لخلق تقاليد في الحوار النقدي. ماهي أساليب السرد السيروي التي اتبعها العقابي في بناء نصه؟.
    *عقد القراءة الأول، وليس مفتاح الدخول، الذي يقترحه علينا العقابي هو العنوان (أصغي إلى رمادي)، وهو عنوان مراوغ وضبابي في الظاهر، ولكنه دال وشديد الوضوح من زاوية أخرى. إن كلمة (أصغي) من الكلمات السمعية، وكلمة(رماد) هي من كلمات النظر، وبديهي ان الرماد لا يترك صوتا.
    فكيف يمكن الإصغاء إلى صوت الرماد؟ وبدون الدخول في لعبة تفسير المعنى، فليس هذا مجال هذه الدراسة ولا موضوعها ولا هو منهجنا، فإن ما اراد العنوان الايحاء به، والايحاء هو معنى المعنى حسب الجرجاني، أو ما عرف عند العرب بالتخيل، أو (نقيض التقرير) كما يرى غريماس، أو انه حسب رولان بارت(نسق سيميائي)، هو الاحالة الى ماضي الكاتب ومحاولة استعادته، وهذا من شروط السيرة الذاتية: استعادة ذات وصوغ أخرى من جديد داخل النص وعلى انقاضها.
    *أما عقد القراءة الثاني، وهو عقد سيروي ايضا، فهو العنوان الفرعي (سيرة ذاتية) اي ان الكاتب يقول صراحة ويؤسس مع القارئ ميثاق قراءة على نحو واضح، رغم ان الكاتب يستعمل تقنيات من أنواع ادبية عديدة كالشعر والرواية.

    *عقد القراءة الثالث هو الاهداء(الى ابنتي دجلة ونور) ولن نفهم دلالة هذا الاهداء ولا لغز هذه الاسماء الا عند التوغل في النص. يردد المؤلف عبر صفحات كثيرة هذه العبارة(ثلاثة اشياء لا تختفي من هذه المدينة: السدة، والسجن، والجدة شمعة).
    إذا كانت السدة هي النهر (دجلة) واذا كانت الجدة شمعة هي النور(نور) فسيكون واضحا دلالة الاهداء وهو جزء بنيوي من النص كالعنوان الاول والثاني، اي ان السيرة تتجه نحو المستقبل، وليست استعادة للماضي أو الوقوف عند حدود المراثي.
    لن الجأ الى تفسير وشرح هذا النص لأن هذه ليست من اختصاص هذه القراءة، ولا أملك مثل الزميل سلام ابراهيم مفاتيح الدخول الى نص لا ينفتح من سؤال أو قصيدة أو حادثة أو علاقة، بل سأحاول قراءة الكيفية التي قام بها المؤلف ببناء هذا النص، فالمهم هو التجربة الذاتية المستعادة والمصاغة صوغا فنيا، حسب تعبير الدكتور عبد الله إبراهيم في (السيرة الروائية وإشكالية التهجين السردي).
    ويضيف الدكتور (السيرة الروائية هي "نوع" من السرد الكثيف الذي يتقابل فيه الراوي والروائي/ والتجربة الذاتية تشحن بالتخيل واعادة صوغ الوقائع واحتمالاتها، وكل وجوهها دون خوف من الوصف المحايد والبارد للتجربة/ ويقتضي الحديث عن السيرة الروائية الى اهمية التجربة الذاتية والمصاغة صوغا فنيا محضا يناسب متطلبات السرد والتخيل ومقتضياتها، ذلك ان المادة التي يفترض أن تكون حقيقية وأصلية، لا يمكن أن تحتفظ بذلك، فما أن تصبح موضوعا للسرد الا ويعاد انتاجها طبقا لشروط تختلف عن شروط تكونها قبل أن تندرج في السياق الفني، وعليه لا يمكن الحديث أبدا عن مطابقة وحرفية ومباشرة بين الوقائع التاريخية المتصلة بسيرة المؤلف الذاتية والوقائع المتصلة بسيرة الشخصية الرئيسية في النص/اننا يمكن ان نحيل على وقائع خارج نصية استنادا الى الاشارات المعترف بها كالتواريخ والوثائق والاحداث، لكن تلك الوقائع كُيّفت وانتجت، لتكون عناصر في نظام مغاير/ وذلك يفضي الى التأكيد أن أمر المطابقة الكاملة بين الوقائع النصية في السيرة الروائية مستبعد، ولا يفضي الى نتيجة مفيدة لكل من التاريخ والسيرة والرواية)، وقراءة الكاتب سلام ابراهيم هي قراءة مطابقة، اي قراءة ايديولوجية، لأنها تشرح ولا تفكك آليات انتاج الخطاب، وهذا المقال هو أيضا محاولة ليس لقراءة نص العقابي فحسب، بل محاولة لخلق نوع من الحوار النقدي مع نص أو نصوص سلام ابراهيم لأنها نصوص/ نص عام وشائع وقراءة عمومية ، والحوار النقدي لا يعني القدح ولا يتنافى مع الاحترام، بتعبير "ليونارد لانسكي" في "اشكالية المرجع" بل هو محاولة لتجاوز الحساسية والسمو بالفكر النقدي من الدوغمائية والانطباعية والتاريخية، والتمسك بالحوار المتعدد الاصوات انطلاقا من مبدأ الاختلاف ـ كما يقول الناقد المغربي محمد سويتري وهو يشرح مصطلح النقد الحواري الذي اطلقه "تودوروف".
    إن سيرة العقابي الذاتية (أصغي الى رمادي) هي دعوة خفية لكي نصغي نحن ايضا إلى هذا الرماد، وما أكثر الرماد العراقي! ورغم أن عقد القراءة يشير صراحة الى أنه (سيرة ذاتية)، لكن أساليب الخطاب وعناصر البناء تتجاوز السيرة إلى تقنيات العمل الروائي وتستعير كثيرا من الرواية والشعر والسينما والاسطورة في محاولة فهم واستعادة ماضي النص، وهذا الماضي لا يخضع للادانة أو المدح كما يذهب دائما نقاد الايديولوجيا، بل هو مدعاة للفهم واقامة الحوار مع ذات/مجتمع/هوية/مغيبة، وهذا الحوار لا يعني اعادة الانسجام مع هذه المكونات، فهذا مستحيل ماديا، بل يعني اعادة بناء الذات وهذه المرة من خلال الكتابة.
    إن الذات تنتمي الى عالم الطبيعة، والكتابة هي مفهوم ثقافي. فمع من يتصالح الكاتب؟ واذا كان الزميل سلام ابراهيم قد جزم بأن هذه الذات قد (دمرتها الطفولة والحرب) وهو عنوان مقالته، فكيف استطاع العقابي، المؤلف، من اعادة كتابة ذاته من جديد، وتشكيلها عبر النص ونسيج الخطاب؟. صحيح ان المؤلف في السيرة قد تعرض الى اشكال كثيرة من الهوان والتشرد والخوف والكبت والهروب المتكرر كأجيال أخرى، لكن ما ينفي فرضية الذات المحطمة هو فعل الكتابة، كتابة هذه السيرة الذاتية. إن الجسد هو الاخر مفهوم طبيعي كالذات، والكتابة هي فعل ثقافي، والمعادلة في هذا النص هي انتصار الكتابة، الثقافة، النص على بربرية المؤسسة: سلطة حاكمة، أو منظومة قيم، أو عناصر خوف وكبت وزجر من مصادر مختلفة. اي اننا أمام شهرزاد ذكورية تحكي لا لتنجو من الموت فحسب، بل من الذل، اي مرة اخرى النص في مواجهة السلطة بالمعنى الواسع للسلطة.
    يروي العقابي حكايته الشخصية، لكنها في الخطاب لم تعد شخصية، كما أن أب المؤلف وعائلته ليست هي العائلة البيولوجية، بل هي في النص عائلة نصية ولغوية تحكمها شبكة مفاهيم لغوية وسردية وقواعد خطاب وتقنيات كتابة من جهة، وهي تشكل، من جهة أخرى، وضعية المؤلف الاجتماعية، لكن اعيد تشكيلها على صورة أخرى. هذه هي طبيعة الفن، والادب: ليس نسخا، بل خلقا.
    ما قام به الكاتب سلام ابراهيم هو إعادة شرح النص وردد كلام المؤلف، اي اعاد العقابي الى الحالة التي حاول الهروب منها، ونجا من موت وشيك عدة مرات، وهذه هي متاعب القراءة الحرفية. إن شرح النص لا يشكل، في علم النقد نقدا، بل هو نسج على ذات النول. وقراءة سلام ابراهيم تتكرر في نصوص أخرى وبالأسلوب نفسه.
    ففي عدد المؤتمر 308 كتب سلام ابراهيم تحت هذا العنوان ( قراءة لمرحلة من تاريخ العراق المعاصر) عن رواية (الغلامة) للكاتبة عالية ممدوح، والعنوان يحيل الى كتب التاريخ والوثائق والسياسة وليس الى حقل الأدب، لكن هذا هو مدخل الناقد، حيث يقول صراحة بتعبير واضح عن منهج نقدي معروف بأنه لن يركز على البناء الفني للنص، بل على مضمونه، ويكتب حرفيا (سأركز على مبنى النص الأصلي"نص عالية ممدوج" وليس في اطار اللعبة الفنية المعلنة).
    وفي عدد المؤتمر 311 كتب سلام إبراهيم عن مجموعة قصصية للكاتب نعيم شريف اسمها(عن العالم السفلي) هذا العنوان المماثل (العراقي يحمل جرح الحرب في الوجدان والذاكرة، وكما هو مشغول بشرح نص العقابي، وعلى (مبنى النص) أي محتواه، كما في عالية ممدوح، فهو هنا ايضا مشغول بقضية المطابقة بين نصوص نعيم شريف وبين الوقائع مطابقة حرفية دون الانتباه الى ان تلك النصوص قد كيّفت وانتجت في نظام نصي مغاير. يكتب سلام ابراهيم:(يخلق الكاتب" نعيم شريف" في هذه الاقصوصة الجميلة معادلة عميقة عن الواقع العراقي المعاصر).
    إن مثل هذه المعادلة وفي أقصوصة لا توجد في اي نص في العالم، فماقيمة أن ينتج الادب معادلة أو مطابقة مع واقع شديد التغير، شديد الالتباس، واكثر مراوغة من اي نص، ومن اي سلطة نقدية أو سياسية أو غيرهما؟ وأين هو الاستقلال الذاتي للأدب عن الواقع اذا كان قادرا على تقديم(معادلة عميقة) عنه؟ مافائدة الادب في هذه الحالة اذا لم يكن كشفا، وفرادة، أو واقعا مختلفا عن الواقع الأصلي؟.


    وسلام إبراهيم سواء كتب عن سيرة ذاتية للعقابي أو رواية لعالية ممدوح أو مجموعة قصصية لنعيم شريف فهو يستعمل المنهج النقدي الايديولوجي نفسه، وفي قراءة رابعة له لرواية (عراقيون أجناب) لفيصل عبد الحسن في جريدة صادرة في لندن تحدث عن شخصيات الرواية استنادا الى هويتهم السياسية، وليس كونهم مخلوقات روائية، فهو غير مهتم كما يقول صراحة (باللعبة الفنية)، اي كل ماله علاقة بأنظمة الخطاب الروائي وابنيته ونسيج طبقاته ولا الحفر في أعماق النص ككائن لغوي يعيش خارج الواقع ويتخطاه، بل يشغله أولا وأخيرا الانتماء السياسي أو العقائدي، فهو لا يتعرض مثلا لبطل (عراقيون أجناب) كشخصية روائية، بل يتحدث عنه كرفيق في الحزب، رغم ان هذه الشخصية العقائدية في هذه الرواية ممزقة البناء وتتحرك خارج النص ومقطعة الاوصال وغير مقنعة على المستوى البنائي، ولايشفع في عملية البناء الروائي قيم البطل وعقائده وهويته الاخلاقية، بل ان البناء الهش يسيء الى هذه القيم. هكذا تتم قراءة النص بمقاييس السياسة،وهذا تشريع معروف في النقد الادبي وفي غيره حيث يتم وضع اللغة الادبية، رواية، سيرة، او شعرا، على مستوى واحد مع قوانين الفكر والعقائد والأخلاق ولغة السياسة.
    واختيار الكاتب سلام ابراهيم هنا مقصود لأنه أكثر النماذج وضوحا في هذا النوع من القراءات التي تتعامل مع الخطابات، رواية، قصة، سيرة، شخصية، من خارج منظومة الادب وعلم النص، ولا تفرق بين المتخيل والمعيش، وتؤمن بالمطابقة بينهما وهذا مستحيل في الفن، وبهذه الطريقة تعامل مع نص حميد العقابي وهو نص يفتح الجرح السري المغلق على المسكوت عنه والمؤجل والمخبوء والمهموس به والذي لا يقال الا عبر الكلمات المحجوبة والخائفة والمترددة.
    النقد يتشكل مع القراءة وليس قبلها أو بعدها، انه كتابة ابداعية أخرى وليست شرحا، إن نص(أصغي الى رمادي) تأتي كتابته ونشره في ظروف تفتح وحرية غير تلك التي صنعت زمن الحكاية أو السيرة، وهذه هي وظيفة الكتابة الابداعية: التمرد على شروط جسد مهان، وسلطة وحشية، وقواعد كتابة مدجنة، وبناء مساحات في الزمان والمكان تصلح للعيش والحب والصداقة والنظافة والتأمل في مناخ الطمأنينة، ولا يبقى من الماضي إلا ذلك الرماد الذي هو خليط من البشاعة والتخلف والقسوة والهمجية والجمال والرغبة المستحيلة والأمل في مكان نظيف حسن الاضاءة، بتعبير أرنست همنغواي.
    وبهذا المعنى فإن هذا الكتاب الذي يستأهل وقفة اطول، يتطلع صوب المستقبل، من خلال انتهاك اللغة، وتعرية قيم الخوف، وقهر المؤسسات، ومد البصر نحو دجلة ونور، حيث "السدة" باقية حتى اليوم، و"الجدة شمعة" باقية ايضا داخل الحكاية والذاكرة، ولم يبق إلا السجن الذي سيزول حتما من الحكاية والذاكرة والحياة إذا أصغينا جميعا إلى هذا الرماد العراقي المتكاثر.

    المصدر
    حياكم الله


    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 23/05/2008 الساعة 07:51 AM

    رد مع اقتباس  
     

  8. #188 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36



    عبد القادر الشاوي
    الفائز بجائزة المغرب للكتاب برسم سنة 1999
    الإبداع الأدبي
    عن روايته: الساحة الشرفية

    للقراءة على الرابط التالي:
    الرواية
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  9. #189 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    بيانات مؤلفات حول أدب السيرة الذاتية
    على الرابط التالي:
    أدب السيرة الذاتية
    حياكم الله


    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  10. #190 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36



    على الرابط التالي:
    السيرة الذاتية
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  11. #191 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36




    على الرابط التالي:
    السيرة الذاتية
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

  12. #192 رد: مكتبـــــة أدب السيــــــرة الذاتيــــــة 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36



    على الرابط التالي:
    السيرة الذاتية
    حياكم الله

    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

    aghanime@hotmail.com

    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مكتبـــــة الحــــــديث النبـــــوي الشـــــــــريف ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 03/12/2007, 06:34 PM
  2. مكتبـــــة صيد الفوائــــد ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16/07/2007, 11:14 AM
  3. مكتبـــــة الأزهــــر الشريــــف للمخطوطــــات ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25/12/2006, 05:58 AM
  4. مكتبـــــة التـــــــراث الإســــــلامي ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21/12/2006, 06:32 AM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14/12/2006, 11:52 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •