صفحات من التراث ...

باب في الشعراء والشعر :


طبقات الشعراء أربع :

جاهلي قديم ، ومخضرم ، وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام ، وإسلامي ، ومحدث.

ثم صار المحدثون طبقات :

أولى وثانية على التدريج ، وهكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا ، فليعلم المتأخر مقدار ما بقي له من الشعر ، فيتصفح مقدار من قبله ، لينظركم بين المخضرم والجاهلي ، وبين الإسلامي والمخضرم ، وأن المحدث الأول ، فضلاً عمن دونهم في المنزلة ، على أنه أغمض مسلكاً وأرق حاشية ، فإذا رأى أنه ساقة الساقة ، تحفظ على نفسه ، وعلم من أين يؤتى ، ولم تغرره حلاوة لفظه ، ولا رشاقة معناه ، ففي الجاهلية والإسلام من ذهب بكل حلاوة ورشاقة ، وسبق إلى كل طلاوة ولباقة.

قال أبو الحسن الأخفش :

يقال : ماء خضرم ، إذا تناهى في الكثرة والسعة ، فمنه سمي الرجل الذي شهد الجاهلية والإسلام مخضرماً ، كأنه استوفى الأمرين ، قال:

ويقال : أذن مخضرمة ، إذا كانت مقطوعة ، فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام .

وحكى ابن قتيبة ، عن عبد الرحمن ، عن عمه ، قال:

أسلم قوم في الجاهلية على إبل ، قطعوا آذانها ، فسمي كل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرماً ، وزعم أنه لا يكون مخضرماً ، حتى يكون إسلامه بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وقد أدركه كبيراً ، ولم يسلم ، وهذا عندي خطأ ؛ لأن النابغة الجعدي ، ولبيداً ، قد وقع عليهما هذا الاسم ، وأما علي بن الحسين كراع ، فقد حكي : شاعر محضرم ، بحاء غير معجمة ، مأخوذ من الحضرمة ، وهي الخلط ؛ لأنه خلط الجاهلية بالإسلام .

وأنشد بعض العلماء ، ولم يذكر قائله:



الشعراء فاعـلمـــن أربــعــــــه // فشاعر لا يرتجى لمنفعه

وشاعر ينشط وسط المجمعه // وشاعر آخر لا يجري معه

وشاعر يقال خمر في دعه


وهكذا رويت ، عن أبي محمد ، عبد العزيز بن أبي سهل ، رحمه الله ، وبعض الناس يرويها على خلاف هذا.

وقد قيل :

لا يزال المرء مستوراً ، وفي مندوحة ، ما لم يصنع شعراً ، أو يؤلف كتاباً ؛ لأن شعره ترجمان علمه ، وتأليفه عنوان عقله.

وقال الجاحظ :

من صنع شعراً ، أو وضع كتاباً ، فقد استهدف ؛ فإن أحسن ، فقد استعطف ، وإن أساء فقد استقذف .

قال حسان بن ثابت، وما أدراك ما هو !!؟:



وإن أشعـــر بيت أنت قائلـــــــه // بيـــــــــت يقال إذا أنشدته: صدقا

وإنما الشعر لب المرء يعرضه // على المجالس إن كيساً وإن حمقا


وقال محمد بن مناذر ، وكان إماماً:



لا تقل شعراً ولا تهمم به // وإذا ما قلت شعراً فأجد



وقال شيطان الشعراء ، دعبل بن علي :



سأقضي ببيت يحمد الناس أمره // ويكثر من أهل الروايات حامله

يموت ردي الشعر من قبل أهلـه // وجيده يبقى وإن مات قائله



وقالوا: الشعراء أربعة :

شاعر حنذيذ ، وهو الذي يجمع إلى جودة شعره ، رواية الجيد من شعـر

غيره ، وسئل رؤبة عن الفحولة ، فقال: هم الرواة .

وشاعر مفلق ، وهو الذي لا رواية له ، إلا أنه مجود كالخنذيذ في شعره ؛ وشاعر فقط ، وهو فوق الرديء بدرجة .

وشعرور ، وهو لا شيء ، قال بعض الشعراء لآخر هجاه:



يا رابع الشعراء كيف هجوتني // وزعمت أني مفحم لا أنطق