أتابع معك ياشيخي الفاضل طارق اليعربيّ :
ومن مقامات النساء في الكيد والبلاء :
ويقرب من هذا ما روي عن وهب بن منبه أنه كان في زمن بني إسرائيل في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، رجل اسمه شمشون، وكان من أهل قرية من قرى الروم، كان قد هداه الله لرشده وصار من الحواريين، وكان أهله أصحاب أوثان يعبدونها وكان منزله من القرية على أميال، وكان يغزوهم وحده، ويجاهدهم في الله حق جهاده فيقتل ويسبي ويصيب المال، وكان ربما لقيهم بغير زاد فإذا قاتلهم وعطش انفجر له من الحجر الذي في القرية ماء فيشرب منه حتى يروى، وكان قد أعطي قوة في البطش وكان لا يوثقه حديد ولا غيره، وكانوا لا يقدرون منه على شيء، فتآمروا فيه فقال بعضهم لبعض: إنكم لن تقدروا على أذاه إلا من قبل زوجته، فدخلوا عليها وجعلوا لها جعلاً إن أوثقته، فقالت: نعم أنا أوثقه لكم، فأعطوها حبلاً وثيقاً وقالوا لها: إذا نام فأوثقي يديه إلى عنقه ثم ذهبوا فجاء شمشون ونام، فقامت إليه فأوثقته كتافاً فجعلت يديه إلى عنقه، فلما هب من نومه، جذب يديه فوقع الحبل من عنقه، فقال لها لم فعلت هذا. قالت لأجرب قوتك ما رأيت مثلك قط. ثم أرسلت إليهم إني قد ربطته بالحبل فلم يغن شيئاً فأرسلوا إليها بجامعة من حديد، وقالوا لها إذا نام فاجعليها في عنقه، فلما نام جعلتها في عنقه، فلما هب من نومه جذبها فتقطعت، فقال لها: لم فعلت هذا؟ قالت لأجرب قوتك ما رأيت مثلك في الدنيا يا شمشون! أما في الأرض شيء يغلبك. قال: الله عز وجل يغلبني. ثم شيء واحد. قالت: ما هو. قال: ما أنا بمخبرك به. فلم تزل تخدعه وتمكر به وتتلطف له في السؤال، وكان ذا شعر كثير جداً فقال: ويحك إن أمي كانت جعلتني نذيراً فلا يغلبني شيء أبداً ولا يوثقتي إلا شعري. فتركته حتى نام، ثم قامت إليه فأوثقت يديه إلى عنقه بشعره فأوثقه ذلك. وبعثت إلى القوم فجاؤوا وأخذوه فجدعوا أنفه، وفقؤوا عينيه وأوقفوه للناس، بين ظهراني المدينة، وكانت المدينة ذات أساطين، وأشرف الملك لينظر ماذا يفعل به، فدعا الله
شمشون، حين مثلوا به وأوقفوه، أن يسلطه عليهم، فرد الله عليه بصره، وما أصابوا من جسده، وأمره أن يأخذ بعمود من عمد المدينة الذي عليه الملك والناس ففعل، فوقعت المدينة وهلك من فيها وأرسل الله على زوجته صاعقة فأحرقتها، ونجى الله تعالى شمشون بمنه وفضله انتهى.
وحكاياتهن في المكر والكيد لا تحصى وحسبك أن الله تعالى استضعف كيد الشيطان فقال: "إن كيد الشيطان كان ضعيفاً" واستعظم كيد النساء فقال: "إن كيدكن عظيم" .