إن هـذه القضية كثر حولها الجدل .. ومازال الجدل قائما حتى الآن ، ومن كبار النقاد الذين يرفضون هذين اللونين د / زكي نجيب محمود ، و د / الطاهر مكي ، و د / أحمد هيكل ، و د / محمد زغلول سلام ، و د / يوسف خليف ؛ ومن أقطاب الشعر المقفى أو شعر الشطرين " عمر أبو ريشة " ، و " محمد مهدي الجواهري " ، وصالح جودت ، ومحمد التهامي ، وعبد الله شمس الدين .
ويرى د / زكي نجيب محمود أن ما يسمى بالشعر الجديد هو محاولة أن تكون هذه التجربة شعرا لكنها لم تبلغ أن تحقق لنفسها ما أرادت ، والفرق عندئذ لا يكون فرقا بين شعر قديم وشعر جديد بل يصبح الفرق فرقا بين الشعر وما ليس بشعر على الإطلاق .
وبعض النقاد يرفض مصطلح قصيدة " النثر " وهم كثيرون ، ولكنهم يؤيدون كل أشكال الشعر الحر .. وفي مقدمة هؤلاء : نازك الملائكة ، و د / محمد النويهي ، و د / علي عشري زايد ، و د / إحسان عباس ، ود / حسن ظاظا ، ود / محمد مندور .
ود / محمد بن حسين يعارض الشكلين " الحر " أو شعر التفعيلة ، والشعر المنثور أو قصيدة النثر ، وله أدلته التي تؤيد موقفه ، وهو ليس الرافض الوحيد .. لكنه ينضم إلى أسماء عديدة وكبيرة لها حضورها وتأثيرها في الساحة النقدية والأدبية ، ولا يكتفي " ابن حسين " بالرفض .. بل يطلق صيحته الجريئة والصادمة ويجعلها عنوانا موضوعا أعلى الصفحة في صفحتين من الكتاب ص 270 و 271 ويقول : الشعر الحر ليس شعراً عربيا ، ويردف هذه العبارة بعبارة تالية وهي [ الأسباب الفنية لهذا الحكم ] ، ثم يقول : " إنه لا يجوز لنا أن نعتبر ما يسمى بـ " الحر والمنثور " شعرا عربيا لأسباب عديدة من أهمها : فقدان الخصائص الذاتية الآتية :
[ 1- الموسيقى الخارجية 2- الموسيقى الداخلية 3 – الاستقلال الكياني ]
وحين ننظر فيما يسمى " بالشعر الحر والمنثور " لا نجد فيه من ذلك شيئا ، اللهم إلا ظلالا من الموسيقى الداخلية توجد في بعض مقطوعاته .
ويتهم كذلك الشعراء الذين ينظمون في قالب الشعر الحر بالتكلف واللف والدوران والتكرار ، لمحاولة إبراز المقصود ؛ وكأنما الشاعر وهو يكتب قصيدته يعاني عملية ولادة مستعصية .
أما الموسيقى الخارجية والتميز والاستقلال الكياني : فيقرر " ابن حسين " أنه لا نصيب لهذا الدعي فيهما ، وهو يقصد بالدعي هذا اللون من الشعر أو الشاعر الذي أنتج هذا اللون الدعي ، ويبالغ في الحكم ويرى أن الهدف هو العمل على هدم هذه القيمة الفنية بدافع من عوامل عديدة ، بعضها من ذات الشاعر المغمورة بمركب النقص ، وأخرى هدامة مخربة وجهته شعر أو لم يشعر إلى مصير سحيق .
* وهذه الرؤية الرافضة لشعر التفعيلة تحتاج إلى مناقشة وتحليل ، ولكن لكل وجهته ورؤيته شريطة أن لا يرفض الآخر .. وإنما يظل الخلاف حول الشكل والقالب الشعري .
وأقدم رأي د / محمد مندور : وهو من أعلام النقاد في العصر الحديث ، في سياق الرد على د / زكي نجيب محمود .. وعلى كل من يرفض هذا الشكل الشعري الذي فرض وجوده على الساحة الأدبية ، وتشعبت طرائقه ، وتعددت أشكاله .. وتجاربه : يقول د / محمد مندور [ أبدأ فأؤكد للدكتور زكي .. بأن ما نسميه شعرا جديدا اليوم يكاد يكون الخلاف بينه وبين الشعر التقليدي الذي لا يزال يصدر عن الذاكرة أو من التوليدات الجافة العقلية ، ويكاد يكون الاختلاف بينهما اختلافا في الطبيعة لا في نسبة الشاعرية وحدها ، وهو اختلاف لا يقتصر على الشكل الموسيقي للبيت والقصيدة ، بل يمتد أيضا إلى المضمون الشعري في شكل البيت وشكل القصيدة إنما ينبع من تغير الذوق الجمالي وحده ، بل ومن تغير المضمون الشعري وطرائق التعبير والتصوير أيضا . (20)
وقد آثرت أن أقدم نص د / محمد مندور ، في هذا السياق لأنه قيل مبكرا .. وكانت حركة الشعر الحر مازالت في بدايتها ..، وكذلك قال د / محمد بن سعد بن حسين .. رأيه في زمن قريب في عقد الستينات من القرن العشرين ، وبعض النقاد يغير من آرائه أو يعدل بعد ذلك ، ويلاحظ أن د / ابن حسين .. قدم رأيه في سياق تقويمه لشعر الشاعر السعودي سعد البواردي ، والشاعر التونسي الهمامي ، وأراد أن يدلل على رفضه لهذا اللون التفعيلي ، فأتى بنموذج من نثر الأستاذ / محمد فريد وجدي ، ونموذج من شعر الطاهر الهمامي ، ونص " الهمامي " من الشعر المنثور وليس من شعر التفعيلة ، وقد فضل الناقد نثر محمد فريد وجدي على النص الشعري التونسي .
وقد تعاطف الناقد مع تجربة " سعد البواردي " .. ولم يرفضها ولم يكل له الاتهامات ، ولكنه قرر بأن قوالب أعماله الشعرية جلها من الشعر العمودي ، وينعته بأنه من الرواد الأوائل الذين تركوا بمجهوداتهم العلمية والأدبية أثرا بالغا على صحافتنا ، ثم يقول : فكل مأخذ عليهم مغتفر في جنب ذلك السبق .
ومما يدل على أن هجوم ابن حسين على قالب الشعر الحر بدأت تقل حدته ، أنه قدم نموذجا شعريا للشاعر / سعد البواردي .. ووصفها بأنها مما يسمونه " الشعر الحر " وقال : " والحق أنه من أجود ما كتب في مثل هذا : قصيدة بعنوان " ابتهال "
يقول الشاعر / سعد البواردي :
رباه ...
كم يتعاظمون على مشيئتك الكبيرة
فيسرقون .. ويهدمون ..
.. ويبطشون .. بدون خشية
ويقوضون بنغمة الأحقاد آمالا فتيّة ... إلخ القصيدة
5- أثار د / ابن حسين قضية الشعر الفصيح ، والشعر " النبطي " الشعبي ، ونوّه في إعجاب بخصائص الشعر العامي عند " ابن بليهد " وأقر بفنية هذا اللون وتأثيره في أذواق الناس ، وهو في الوقت نفسه يرفض " الشعر الحر " والشعر المنثور وهما فصيحان !!
ويقول في هذا السياق : غير أن هناك مسألة تجدر الإشارة إليها ، وهي أن الناظر في شعر الشيخ " ابن بليهد " يتبين أن شعره العامي في مجاله أقوى من شعره الفصيح في مجاله . [ ص 59 ، 60 ]
ويؤيد الناقد المؤرخ " ابن حسين " موقف " ابن بليهد " حين يتهم رجال الأدب بالخروج على المعايير الصحيحة في تقييم الأدب ، لأنهم وصموا الشعر الشعبي بالسطحية والقحولة والجفاف ، وهذا الموقف يؤكد تعاطف " ابن حسين " مع الشعر الشعبي وقائليه ، لأنه يصور البيئة ، ويرصد أحوال الناس ، ويجسد عواطفهم ، وينحت خيالاته من الطبيعة التي تشاركهم حياتهم .
6- ومن معالم الخطاب النقدي والأدبي لدى د / ابن حسين [ الموازنات النقدية والأدبية :
وهذه الموازنات عقدها بين اتجاهات بعض الشعراء السعوديين وتجارب بعض الشعراء العرب المتأثرين بالمذاهب الأدبية الحديثة ، مثل الموازنة بين حمد الحجي والشاعر المهجري إيليا أبي ماضي ، والموازنة بين الحجي وأبي القاسم الشابي ، ورصد أوجه التلاقي بين الحجي وأبي العلاء المعري .
وإذا كانت هذه الموازنات قائمة على رصد أوجه التشابه بين " الحجي " وهؤلاء الشعراء فإن المؤلف بالغ في تقديره لشاعرية الحجي في بعض المواقف وفضله على جميع شعراء العربية ما عدا طرفة بن العيد ، ولكنه لم يدلل على المشابهات والخيوط الفنية بين الحجي وطرفة ، مثلما دلل على ذلك حين عقد الموازنات بينه وبين الشعراء الآخرين ، ولكنه لا يجزم بأن الشاعر قرأ شعر إيليا أبي ماضي أو شعر الشابي ، ومع ذلك يسوق وجهين من أوجه التلاقي بين أبي ماضي والحجي .. وهما :
1) الأصالة والعمق في اللغة والتعبير والفكرة والأسلوب .
2) الانسياق وراء الأفكار التأملية إلى ما وراء المألوف .
ويعقد " ابن حسين " الموازنة الكاملة بين الحجي والشابي حيث يقدم أوجه الاتفاق وأوجه الاختلاف وهي موازنة فنية جيدة ويجدر بها أن تفرد بدراسة نقدية مستقلة من أحد الباحثين الجدد .
فأما أوجه الاتفاق .. فهي كما أوردها " ابن حسين " ولكنه لم يقدم الشواهد التطبيقية عليها :
1- صفاء الديباجة ، وتأجج العاطفة ، وصدق التعبير .
2- النظرة المتشائمة .. المتبرمة بالناس .
3- الطموح ونشدانه ما هو أفضل وأكمل .
4- تلاحم الصور والمعاني ، وأخذ بعضها بحجز بعض .
5- السن والشاعرية المبكرة .
وأما أوجه الاختلاف فهي متعددة تشمل النشأة وظروف الحياة والبيئة والصحة والحالة الاجتماعية والنفسية .
7- رصد ملامح تطور الخطابة والكتابة في العصر الحديث في نجد ، والموازنة بين خـطب الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من خطباء الجيل السابق .