حلب الشهباء
*****
مدينة حلب الشهباء العاصمة التاريخية لبني حمدان وأبرز الثغور المنافحة عن حياض الخلافة الإسلامية في مواجهة الروم، وقد جعلها سيف الدولة سيدة العواصم، وأمدها بأسباب القوة في كل مجالاتها العسكرية والثقافة والأدبية، فجعلها اللسان المعبر عن أمجاد الأمة، بعد انحدار شمس بغداد، وانقسام الخلافة إلى دويلات يحكمها أمراء الهتهم المصالح الخاصة عن تقدير الخطر الداهم. ولم تكن لهم غيرة سيف الدولة وحميّته.

وحلب اليوم هي المدينة الثانية من مدن سوريا بعد دمشق العاصمة، مدينة كانت وما زالت مرفقاً تجارياً وصناعياً هاماً، ومعبراً على طريق القوافل نحو الشمال.
مدينة دافئة تطالعك عراقتها في كل معلم أثري تحتفظ به من مختلف العصور، وتزحم أحياؤها الجديدة حاراتها القديمة، لكنها لا تجرؤ على أن تتخذ أصالتها التاريخية، فإذا حل المساء تركن المدينة إلى تقاليدها، وتراثها في بيوتها، ومنازلها ومقاهيها، ومسارحها، حيث تتردد الوجوه الحلبية مستعيدة ذكرى تراث مجيد مازال أهلها يعتزون به ويفاخرون بأنهم وحدهم احتفظوا به وحافظوا عليه.
تراث ينحدر من الموشحات ويؤدى شجياً، فتعود المدينة بزوارها إلى سالف الأيام ونشوة القديم، وكأنها تصارع الزمن، وتستعصي على شرعته، وقد تغنى الشعراء بجمال طبيعتها، فقال فيها المتنبي:

كلما رحبت بنا الروض قلنا*

حلب قصدنا وأنت السبيل
وخلدها بدوي الجبل، والأخطل الصغير بقصائد في مدح بني حمدان وعظمة المدينة في أيامهم، وما كان لهم من أثر في حماية الحدود الشمالية السورية من غزوات الروم، فقد كانت حلب الثغر المتميز لهذا الدفاع، منه تنطلق الجيوش الإسلامية لرد الغزوات، والدفاع عن الحمى، ومن تلك البقعة لبى المعتصم صوت المرأة المستغيثة، فسير حملته المشهورة إلى (زبطرة) حتى احتلها ودمر حصونها، وخلّد الشاعر أبو تمام هذه الواقعة بملحمته الخالدة، ومنها انطلق سيف الدولة فاحتل قلعة الحدث، وارتعدت من ضربات سيوف قواته فرائص إمبراطور الروم ففر مولياً الأدبار.
***********
د. أبو شامة المغربي