امرؤ القيس (124 - 80 ق.هـ / 500 - 544 م) واسمه امرؤ القيس بن
حجر بن الحارث الكندي. من أشهر شعراء العرب، وقائل أحد المعلقات ومطلعها:

فقا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسفط اللوى بين الدخول فحومل
أبوه حجر بن الحارث ملك أسد وغطفان، وخاله المهلهل الشاعر.

نشأته وحياته:

"امرؤ القيس هو جندح بن حجر بن الحارث بن عمر وبن حجر بن معاوية ابب
الحارث الأكبر الكندي، الملقّب بامرؤ القيس، وبالملك الضلّيل و بذي
القروح". "ولد امرؤ القيس بنجد نحو سنة 500م وكان ذا منيتٍ عربيٍ
عريق، فأمه فاطمة بنت ربيعة أخت كليب والمهلهل، أشراف إحدى القبائل اليمنية
التي كانت تسكن غربي حضرموت قبل الإسلام "، و أبوه حجر بن الحارث الكندي
ملك بني أسد. نشأ امرىء القيس نشأة ترف وشب في نعيم، الاّ أنه نشأ نشأة
الغواة، فراح يعاقر الراح ويغازل النساء ويعشق اللهو، فأطلق العنان لنفسه في
المجون، فحاول أبوه أن يردعه، فلم يرتدع، فطرده من بيته، فراح يخالط العرب
اللذين يرتادون الرياض، ويلعبون، ويعاقرون الخمرة، ويصيدون، فكان يتجول من
مكانٍ الى مكان طالباً اللهو والمجون حتى بلغ به الترحال –كما يقال- الى
الشّام وهناك حملت الأخبار خبر نعي أبيه وقد قتله بنو أسد وثاروا عليه لشدته
ولإستبداده بهم وسوء سيرته، فهب القيس و قال قولته المشهورة:"ضيعني
صغيراُ، وحمّلني دمه كبيراً، لا صحو اليوم و لا سكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر
"، وحلف على نفسه ألاّ يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حتى يقتل من بني أسد
مائة ويحزن مائة أخرون. فرحل امرؤ القيس يسنتصر القبائل للأخذ بثأر أبيه من
بني أسد، فطلب العون من قبيلتي بكر و تغلب فأعانوه وأوقعوا ببني أسد، وقتلوا
منهم، واكتفوا بذلك، ولكن امرىء القيس لم يكتف، فتركوه وحيداً، فتوجّه الى
السموأل طالباً العون في كتابٍ يريده الى الحارث بن شحّر الغسّاني لعله يتوسط
لدى قيصر الرّوم بالقسطنطينية، فيكون له منجداً. غادر امرؤ القيس تيماء –أرض
السموأل- الى القسطنطينية يريد القيصر يوستينيانوس، ورافقه في سيرته الشاقة

عمر بن قميئة، وكان من خدم أبيه، وقد ثقلت بهم المسيرة الى أن وصلوا
القستنطينية والتقى فيها بالقيصر، فأكرم وفادته و وعده بالمدد والعدة، ولكن
الآمال لم تتحقق، فصار امرؤ القيس بائساً، و فيما هو في طريق العودة، تفشّى
فيه داءٌ كالجدري، فتقرح كل جسمه، وسمّي بذو القروح رحوعاً الى هذه الحادثة،
ومات بعدها سنة 540م، ودفن في أنقرة، إحدى مدن الروم. تختلف بعض المصادر حول
رواية موت امرىء القيس، حيث أن هناك رواية أخرى تقول أنّ رجلاً من بني أسد -و
كان أباه قد قتل على يد القيس- كان يضمر الحقد له، لذلك قرر الإنتقام منه،
فذكر للقيصر أن امرأ القيس كان يراسل ابنته و يواصلها، فأرسل القيصر إليه
عباءةً مسمومة، فلمّا لبسها، جرى فيه السم و تقرّح جسمه و سمّي بذي القروح
نسبةً الى ذلك.


سبب ذيع صيت امرؤ القيس:

يعتبر امرؤ القيس من أشهر الشعراء الجاهليين وذلك لكثرة ما تميّز به شعره و
أعماله، فهو"أول من وقف على الأطلال، وأول من وصف الليل والخيل والصيد
"، و قال أبو عبيدة معمّر بن المثنى:"من فضله أنه اول من فتح الشعر
و استوقف، وبكى الدمن ووصف ما فيه، وهو اول من شبّه الخيل بالعصا والسباع،
والظباء والطير، وهو اول من قيد الأوابد في وصف الفرس، وهو أول من شبّه الثغر
بشوك السيال "، ونضيف على هذه المتميزات أنه ابن الملك حجر الكندي، ملك
بني أسد، فهو إذن قد نما في نعيم وراحة بال جعلته و جعلت من خياله واسعاً و
غير محصور، بل قادرٍ على خلق ما هو جديد. فجاء امرؤ القيس بما لم يأته شاعرٌ
أخر، حتى أنه ساهم الكثير في صنع بناء القصيدة العربية الجاهلية، وقد جاء
الكثير من الشعراء بعده و قلّدوا أسلوبه في التحصّر على الحبيبة بالوقوف على
الأطلال في مطلع قصائدهم، وجائت الكثير من الصور الفنيّة التي شبّهت المرأة
بالغزلان و الظباء وصوّرت الليل والخيل على غرار صور امرؤ القيس.

الوصف في شعر امرؤ القيس:

إن مخيلة امرؤ القيس الواسعة المبتدعة، أشهرته و أشهرت شعره،و بخاصة معلقته
التي هي من أسلم ما وجد من أعماله. امرؤ القيس جاء بالحديد في شعره و لكن ليس
بالغريب، حيث أنه ظلَّ متعلقاً ببيئته الصحراوية في ما كتبه من شعر، ولكنه
أضاف صوراً جديدة نسجت على شكلها الكثير من القصائد لشعراء أتوا بعده. لعلّ
سبب قوّة التصوير و الخيال و الإبداع في مخيلة امرىء القيس تعود الى أن القيس
نشأ نشأة ترفٍ و عظمة و تربّى في بيت أبيه الملك و لم يكن يعوزه شيء، بل كان
يؤتى بكل ما يطلب، أضف على ذلك كثرة الرحلات و الترحال لهذا الشاعر، حيث أنه
جاب بقاعاً كثيرة إمّا في رحلات اللهو أو إمّا في رحلاته للصيد، و لذلك أثرٌ
كبير على أشعاره حيث نحد التنويع في الصور الفنية و نجد الإبداع كذلك. دعوني
أتمثّل ببعضٍ مما صوّره صاحبنا في شعره: قال في معلقته يصف الليل:


"وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ
لِيَبتَلي"
"فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ
بِكَلكَلِ"
"أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ
مِنكَ بِأَمثَلِ"
"فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت
بِيَذبُلِ"



يقول الشاعر في أبياته السابقة:
إنّ الليل يشابه أمواج البحر في توحشه و نكارة أمره، و يقول أنه أرخى عليه
ستور ظلامه مع فنون الهم و ذلك كي يختبره إن كان يصبر على هذه الشدائد أم يجزع
منها. و يشبه الشاعر ظلام الليل في هوله و صعوبته بأمواج البحر التي قد أرسلت
أو أرخيت عليه لتختبر إن كان يحملها. و يكمل الشاعر:فقلت لليل لما أفرط بطوله،
ونائت أوائله و ازدادت أواخره طولا:ً- و "قد شبّه الشاعر الليل بحملٍ
بارك له صلب و اعجاز كثيرة و قد تمطّى بصلبه و أتعبه اعجازه و أثقله صدره فلم
يستطع النهوض "، و يشير بذلك الى طول الليل و ثقله عليه-، يا أيّها الليل
انحلي و انكشف و تنح بصبحٍ ليزيل ظلامك بالضياء و النور، ثم قال: و لكّن الصبح
ليس بأفضل منك عندي لأني أقاسي الهموم نهاراً كما أقاسيها ليلاً. و يعود
ليخاطبه في البيت الأخير و يقول: يا لك من ليلٍ طويل، فكأن نحومك قد شدت بحبال
كتّان الى صخورٍ أو حبالٍ صلب. إن دلالة الصورة هنا هي أن الليل لم يتحرك و قد
طال على صاحبنا فكأن سمائه قد ربطت كي لا يتحرك.

لنلقي نظرة على بعضٍ مما قاله القيس في وصف محبوبته فاطمه –إبنة عمّه -: قال
امرؤ القيس في معلقته:

"مُهَفهَفَةٌ بَيضاءُ غَيرُ مُفاضَةٍ تَرائِبُها مَصقولَةٌ
كَالسَجَنجَلِ"
"كَبِكرِ المُقاناةِ البَياضِ بِصُفرَةٍ غَذاها نَميرُ الماءِ غَيرُ
المُحَلَّلِ"
"تَصُدُّ وَتُبدي عَن أَسيلٍ وَتَتَّقي بِناظِرَةٍ مِن وَحشِ وَجرَةَ
مُطفِلِ"
"وَجيدٍ كَجيدِ الرِئمِ لَيسَ بِفاحِشٍ إِذا هِيَ نَصَّتهُ وَلا
بِمُعَطَّلِ"
"وَفَرعٍ يَزينُ المَتنَ أَسوَدَ فاحِمٍ أَثيثٍ كَقِنوِ النَخلَةِ
المُتَعَثكِلِ"
"غَدائِرُها مُستَشزِراتٌ إِلى العُلا تَضِلُّ العِقاصَ في مُثَنّىً
وَمُرسَلِ"
"وَكَشحٍ لَطيفٍ كَالجَديلِ مُخَصَّرٍ وَساقٍ كَأُنبوبِ السَقِيِّ
المُذَلَّلِ"



يقول الشاعر في وصفه لمحبوبته:
هي امرأة دقيقة الخصر، ضامرة البطن، غير عظيمة البطن و لا مسترخية، وصدرها
برّاق متلألىء كتلألؤ المرآة، ثم ينتقل الشاعر ليصف بياضها و يقول أنها تشبه
في صفاء لونها ونقائه درّة فريدة تضمّها صَدَفَة بيضاء شابت بياضها صفرة و
كذلك لون الصَدَفَة، ثم ينتقل في البيت التالي ليصف وجهها، فيقول:" إنها
تعرض عنّا فتظهر في اعراضها خدّاً أسيلاً و تستقبلنا بعينٍ مثل عيون ظباء وجرة
أو مهاها اللواتي لها أطفال، و خصهن لنظرهن الى أولادهن بالعطف و الشفقة و هي
أحس عيوناً في تلك الحال منها في سائر الأحوال ". ينتقل بعدها من وصف
الوجه و العيون الى وصف جيدها، فيقول:"و تبدي عن عنقٍ كعنق الظبي غير
متجاوز قدره المحمود إذا ما رفعت عنقها و هو غير معطل عن الحلي ". يعود
امرؤ القيس ليصف رأسها فيقول في شعرها:"و تبدي عن شعرٍ طويلٍ تام يزين
ظهرها إذا أرسلته عليه، ثم شبّه ذؤابتيها بقنو نخلة خرجت قنوانها، و الذوائب
تشبه بالعناقيد، و القنوان يراد به تجعّدها و أثاثتها ". يكمل الشاعر
وصفه لشعرها و يقول أن غدائرها مرفوعات الى فوق، و هنا يريد أن يقول أن شعرها
قد شدّ على الرأس بخيوط، ثم يقول:"تغيب تعاقيصهافي شعر بعضه مثنى و بعضه
مرسل، أراد به وفور شعرها.و التعقيص التجعيد ". يعود الشاعر أخيراً ليصف
خصرها فيقول فيه:"و تبدي عن كشحٍ (خصر) ضامرٍ يحكي في دقته خطاماً متخذاً
من الأدم و عن ساقٍ يحكي في صفاء لونه أنابيب بردي بين نخل قد ذللت بكثرة
الحمل فأظلت أغصانها هذا البردي،و شبّه هنا الشاعر بطنها بمثل هذا الخطام، و
شبّه صفاء لون ساقها ببردي بين نخيلٍ تظله أغصانها."

بقلم الباحث: زكي سهيل سعادة. فلسطين.

الممصادر و المراجع:
1. فيتور، د.عمران اسماعيل، شعر الغزل عند امرئ القيس (دراسة في الادب
الجاهلي).ط1 2005. دار المناهج للنشر و التوزبع. عمان،الاردن.
2. حاوي، ايليا، فن الوصف و تطوره في الشعر العربي.ج1.ط1. 1959م. دار الشرق
الجديد.
3. الزبيدي، د.عبد المنعم، مقدمة لدراسة الشعر الجاهلي. 1980م. منشورات جامعة
قاديونس.
4. ضيف، د.شوقي، العصر الجاهلي.ط7. دار المعارف، مصر.
5. شرح المعلقات السبع للزوزني. دار صادر.
6. رجال المعلقات العشر، مصطفى الغلاييني.
7. اليوسف، اسماعيل. الشعراء العشاق.
8. الجاهلية نماذج محللة.
9. مراجع أخرى.