الحيوانات في نظريات الفلسفة السياسية


ألقى الدكتور نديم سراج الدين محاضرة في ريغنسبورغ مؤخراً تحدث فيها عن نظريات عدة حول الفلسفة السياسية حيث قال فيها :
إن الوضع المأساوي والخراب والدمار الحاصل في البلاد العربية سواء كان ماديا أو معنويا والذي لم يتوقف بقتل البشر فحسب و إنما راح يقتل الحيوانات والنباتات أي اتباع سياسة الأرض المحروقة هو ما أجبرنا على تحليل الواقع الراهن الذي يستند إلى فقدان وجود حوار بين البشر. و من هنا نتساءل عن السبب، هل هو عدم قدرتنا على التعامل مع بعضنا البعض أو أنه بسبب انعدام قابلية التعلم من بعضنا البعض والاعتراف بالآخر؟ و بناء على هذا الواقع المرير يتوجب علينا الرجوع إلى التاريخ العربي الأصيل الذي يستند إلى الحكمة والتشاور وليس إلى النظريات الأيديولوجية الغربية العقلانية التي لا تُناسب شعوبنا الشرقية في هذا العصر على الأقل وإذا أسقطنا هذا الواقع على التقلبات العربية بشكل عام وسورية بشكل خاص فإننا نجد أن عدم وجود مبادئ فلسفية عقلانية مقنعة و أصيلة هو ما يُجبرنا على القول بأن ما يحدث ليس ثورة و لكنه عصيان وكما قال كارل ماركس : بدون نظريات لا توجد ثورات ومن هنا نستطيع القول : إذا فُقد الأمل بالحوار بين البشر فيجب أن نتعلم من الحيوان عن طريق فهم و مقارنة:‏
ظ، - علاقة الإنسان مع الإنسان .‏
ظ¢ - علاقة الإنسان مع الحيوان .‏
ظ£ - علاقة الحيوان مع الحيوان نفسه .‏
فعلاقة الإنسان مع الإنسان كانت فاشلة تماماً وهذا ما نسميه نهاية العقل و نهاية التاريخ وهو ما نلاحظه في الواقع الحالي.‏
أما علاقة الإنسان مع الحيوان في الأدب والفن فهي علاقة متفاوتة، فأحيانا تكون سلبية وأحيانا إيجابية و لكنها ليست حيادية أما في اللغة الفلسفية فتكون العلاقة في معظم الأحيان سلبية في حين تكون علاقة الحيوان مع الحيوان في معظم الأحيان إيجابية أكثر من كونها سلبية.‏
نظريا و علميا يُعرّف الإنسان نفسه على انه في أعلى درجات التطور وأنه مركز العالم وهو المحور الذي يدور حوله الوجود بالإضافة إلى أنه حامل القيم الأبدية وهي الجمال، الحقيقة، الطيبة والقدسية و هذه الصفات بصورة عامة لا يملكها الحيوان و هذا ما يُعلل الرفض المبدئي للإنسان له.‏
أما بالنسبة للمقارنة بين الإنسان والحيوان فتكون في أكثر الأحيان عبارة عن لغة خاصة لتوضيح بعض الأفكار و توصيف الأوضاع و بلغة أبسط : تشبيه الإنسان بالحيوان في علم السياسة الفلسفية فإن هذه اللغة بصورة عامة تكو ن صارمة، حادة وواضحة و لها تعبير خاص رمزي وتصل في معظم الأحيان إلى فن الإهانة وكمثال فإننا نستخدم هذه اللغة لتعريف من هو المهاجم كأن نصف المهاجم على أنه وحش أو حيوان مفترس و هذا تبعا لقانون الغاب و بهذا ننخفض من قيمة الحيوان و النبات أيضاً إلى درجة متدنية و الهجوم والوحشية المطلقة نسميها البربرية و تتكون من:‏
ظ، – الإبادة والتصفية العرقية .‏
ظ¢ - جريمة ضد الإنسانية .‏
ظ£ - جريمة الحرب و هذا ما يفعله الإنسان فقط‏
ففي علم المنطق كما نعلم نقول إن أقرب شيء إلى الحقيقة هو الخطأ و الغلط و لا يوجد أقرب للإنسان من الحيوان في هذه الطبيعة حيث أنهم ينشؤون من أرومة واحدة، و في علم الطبيعة نحن نعلم أن التنافر بين الحيوانات والنباتات موجود، فتختلف فيما بينها و تتعارك و لكنها في النهاية تتعايش مع بعضها و تعود من جديد لإكمال حياتها فالطيور مثلا تهاجر آلاف الكيلومترات من قارة إلى أخرى بشكل جماعات مما يظهر المودة لديها.‏
أما النباتات فهي بصورة عامة مسالمة و لها عزتها و رونقها بالإضافة إلى الزهور الجميلة والرائحة العطرة التي نستخلصها منها و نتعطر بها و يمكننا تشبيه الشجرة المُنبتة بالمرأة التي تُنجب الأطفال وتؤدي إلى وجود إنسان جديد، و كذلك الحيوان الذي له قيمة كبيرة في حياتنا فهو يُعطي و يُنتج ونشرب حليبه ونأكل لحمه وله في بعض الديانات قيمة قدسية كالبقرة عند الهنود و لكن تختلف طريقة تعامل البشر مع الحيوانات بحسب البيئة فعند أهل المدينة تكون قيمة الكلب مثلا متدنية أما عند البدوي فهو مثال للإخلاص و الوفاء.‏
أما من الناحية العاطفية و نأخذ مثالا على ذلك علاقة المرأة والرجل ففي مرحلة العشق يصف الرجل المرأة بالعصفور أو بالقطة أو بالغزالة أو حتى بالفرس وهي تشبيهات محببة عند المرأة وتجد فيها الكثير من الإطراء أما في مرحلة الجدال فيصفها بالكلبة أو بالحمارة أو بالبقرة و حتى بالدبة و هذه التشبيهات بالمقابل تجد فيها المرأة الكثير من الإهانة على عكس التشبيهات الأولى علما أن كل هذه التشبيهات هي لحيوانات.‏
الحيوان في الفلسفة اليونانية:‏
عرّ ف أرسطو الإنسان على أنه حيوان سياسي zoon politikon وهذا المعنى لا ينطوي على المعنى السلبي و إنما يشتمل على التعريف العام للإنسان على أنه وجود حيوي اجتماعي و إن مفهوم zoonله علاقة بعلم الحيوانات zoologie مما يُظهر التقارب بين الإنسان و الحيوان من مُنطلق طبيعي وبكلمات أخرى نستطيع مُقارنة بعض تصرفات الإنسان بتصرفات الحيوان اعتمادا على هذا المُنطلق و خاصة في المجال السياسي فإذا كانت هذه التصرفات سلبية فتكون عادة قاسية و متوترة وتُظهر حقيقة الإنسان بالانفعال فتبدو الغريزة الأنانية أكثر وضوحا بالإضافة إلى حب النفس وعدم المبالاة بالآخر في حين أن الفيلسوف أفلاطون لم يأخذ هذا المفهوم بعين الاعتبار بل اعتمد مفهوم كون العسكري كالكلب واعتمدنا مفهومه لأنه هو المناسب للوضع في بعض البلدان العربية حيث أن النظام العسكري هو الموضوع الذي يشغل بال الكثيرين وهو ما ركز عليه أفلاطون أصلا.‏
لقد شبّه أفلاطون العسكر بالكلب الذي يكون شرساً على الأعداء و يلعق حذاء صاحبه و ينام خارج البيت ) في الثكنات ( ولا بد أن نذكر هنا أن تشبيه أفلاطون العسكري بالكلب لا يُعد تشبيهاً سلبياً نظراً لكون العسكري يملك نوعاً من التفكير الخاص و يضع حياته في خدمة الوطن‏
كما أنه مُستعد لتقديم روحه فداء لهذا الوطن و لا يمكن الاستغناء عنه أبدا.‏
و هذا ما دفعني إلى دراسة الفلسفة عند جنرالات الألمان بعد الحرب العالمية الثانية الذين كان هدفهم إعادة بناء شخصية الجنود وترويضهم لتهيئتهم للدخول إلى المجتمع المدني الأهلي والعمل كعنصر فاعل وكسبهم لخدمة المجتمع.‏
إن الحيوانات الأليفة كالقطة والكلب هي حيوانات محبوبة في الغرب حتى أنهم يعتبرون أن لها دوراً تربوياً وطبياً حيث أن الأطفال هناك يتربون مع الحيوانات مما يؤثر على سلوكهم العاطفي أما الدور الطبي فيعتمدون على بعض الحيوانات في الترفيه عن المُسنين والترويح عنهم بالإضافة إلى كل ذلك يستخدم الإنسان صور بعض الحيوانات كرموز يريد منها الإشارة إلى صفة معينة يتمتع بها هذا الحيوان فالصقر في طيرانه فوق الجبال والسهول يملك السماء ويتمتع ببعد النظر أما الحمار فهو رمز للغباء والتحمُّل وقد تختلف هذه الصفات بين الشرق والغرب كما هو الحال في حالة الجمل.‏
و قد شبه النازيون أعداءهم بالجرذان و الحشرات.‏
الحيوان في النظريات الكلاسيكية الغربية:‏
التصرف السياسي للإنسان هو مُعقد غير ثابت و مُركب من عدة عوامل أهمها :‏
العقل- العاطفة- الجسم.‏
القاسمان المشتركان مع الحيوان هما العاطفة و الجسم و في بعض تصرفاتنا المتشنجة نصل ليس فقط إلى الحدود الحيوانية بل نتعداها أيضاً. و يوجد مثل عربي: "الحيوان يعرف حدوده والإنسان أحيانا يتعدى و لا يعرف الحدود و قد يتخطاها".‏
من النظريات الفلسفية السياسية نأخذ نظرية المفكر الانجليزي توماس هوبز الذي قال: "إن التطور من الوضع الطبيعي إلى الوضع المدني المتقدم و الحضاري هو تغلب على قانون الغابات و هو حرب الكل مع الكل" كما أنه عرّف الإنسان كذئب متوحش يتوجب على الحاكم أن يسلب جزءاً من حريته من أجل أن يحافظ على أمان الآخرين ومن هنا ينبثق مبدأ الحرية والأمان بالوضع الطبيعي.‏
لتقدم الوجود الحضاري يتوجب أن يوجد توازن بين الحرية والأمان والسلام والمبدأ العسكري هو أولوية الأمان على الحرية، أما الديمقراطية فهي على العكس إذ تقدم الحرية على الأمان. و يجب ألا ننسى أن القاعدة الفكرية والأسباب المناسبة لتنفيذ الديمقراطية يجب أن تكون جاهزة فإن لم تكن كذلك فيتوجب الانتظار حتى تنضج مظاهر الديمقراطية بسيطرة العقل و المنطق على العاطفة و الإرادة علاوةً على ذلك إن عدم وجود الديمقراطية لا يعني بالضرورة أننا مُتأخرون لأنها أصلا ليست مقياساً للشعوب الشرقية في حين أننا نحتاج للاستقلال الفكري والمعنوي و الأيديولوجي من أجل إنتاج تجربتنا الخاصة وهي أساس الاستقلال السياسي.‏
و إذا كان وعي المواطن غير ناضج فأولوية الأمان والحكم الصارم أهم من مبدأ الحرية والانفتاح ومن هنا نحن لسنا ضد العسكري لأنه ضروري في بعض المراحل من حياتنا ولكن يجب أن نميز بأن العسكرية ليس من الضروري أن تكون دكتاتورية حيث أننا على الأقل ننظر إلى الحكم العسكري على أنه حكم انتقالي مؤقت و ليس هو الهدف و الغاية. فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر رفع شعار "الاتحاد- النظام- العمل" أي أنه استطاع في مرحلة مبكرة أن يُشخص أمراض المجتمع العربي حيث أننا نعيش الآن في مجتمع يُسيطر عليه نقيض هذا الشعار من تفرقة و فوضى و كسل .‏
مُلخص:‏
يتعلم الإنسان من أخيه الإنسان المعرفة والتجارب ولكن يجب أن يتعلم من الحيوان التصرف ، نعم التصرف أحيانا أهم من العلم و المعرفة حيث نُلاحظ أن تصرف الإنسان مع الحيوانات الأليفة يكون بشكل ناعم و لطيف و قد يصل أحيانا إلى حد الترجي و هذا ما يفتقره الكثير من البشر في التعامل مع الآخرين و هناك مثل ألماني يقول: "من يعرف البشر يُحب الحيوانات" لأنها لا تتبنى مبدأ الشر و نقول أخيرا بعد إخفاق الحوار مع بعضنا البعض كما نرى في صورة الحمارين: يجب علينا أن نتعلم من كيفية تعامل الحيوانات مع بعضها البعض، صحيح أن للحيوان وحشية قد تصل حد الموت لكن هذا ليس هو الوضع الطبيعي ولكنه الاستثناء فالتعايش السلمي الذي نُلاحظه بين الحيوانات هو درس عملي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار.‏
تنويه :‏
لم يكن الهدف من هذه المقاله إهانة البشر و لكن أردنا أن نُسلط الضوء أكثر على أهمية التصرف و التعايش السلمي الذي تسلكه الحيوانات في معظم الأحيان بدافع الغريزة أي إن غريزة الحيوان قد تكون أحسن و أفضل من علم و عقلانية البشر .‏
الجماهير