ثانياً- الطارق والكبس (التراكب والتضاغط).جاء في المعاجم أن الطرقَ هو وضع أو تركيب شيء على شيء.اطّرَقتِ الأرضُ إذا ركب التراب بعضُه بعضاً.اطّرقَ جناح الطائر: التفَّ ريشه.الطَّرَقُ في الريش: أن يكون بعضها فوق بعض؛ ويقالُ: ريش طِراقٌ إذا كان متراكباً.طارَقَ الخيّاط الثوبينِ أو طرَقَهما: ركّبَ أحدهما على الآخر وخاطَهما.طارَقَ الإسكاف النعليْن أو طرَقهما: خصف أحدهما على الآخر، ودرزهما أو خرزهما.تقول العرب: طرَق تطخطخُ الغيمِ الليلَ، وطارَقَ الغيمُ الليلَ بتطخطخه، أي من خلال تجمّع الغيوم والتأليف بينها زادَ الليلُ ظلمةً على ظُلمةٍ، وعتمة على عتمة.وما من ريْبٍ أن تراكب أو تركيب الأجسام بعضِها فوق بعضٍ هو كبس وتضاغط.ثالثاً- الطارق والتفريغ الكهربائيّ (البرق).جاء في "ثانياً" أن الطرق هو انضمام الشيء بعضه إلى بعض، أو هو تراكب الشيء متجمّعاً بعضه على بعض. وإذا نظرنا إلى التفريغ الكهربائيِّ، وهو طريقة حدوث البرقِ، فإننا نجد أنه في النهاية عبارة عن تجمُّعٍ لمتجمّعات؛ تجمّع للشحنات السالبة يقابله تجمّع للشحنات الموجبة، وعندما يحدث بينهما تجاذب كهربائيٌّ قادرٌ أن يحطم مقاومة الهواء بينهما، فإن الشحنات تندفع متصادمة، وتتعادل، وكأن الجسيمات الموجبة تلمُّ وتجمِّع الإلكترونات السالبة؛ أي يوجد في هذه العمليّةِ تصادمات ومحاولة انكباس وتراكب. ومن هنا، فالتفريغ الكهربائيّ يتضمن حدوث انكباس وتضاغط، وحدوث تصادم واحتكاك، أي إنه شكل من أشكال الطرق.والطرق هو أيضاً ضربُ أو رميُ الحصى. وإذا ما أخذنا ضرب الحصى بعيداً عن ارتباطه بالكِهانة، فإن واقع الشهب من المصدر الكونيّ هو أنه يغلب عليها أنها حُصَيّات أو فتات من الحصيّات، وقد تكون بحجم الحصى كما في حالة الكرات الناريّة fireballs، وأنّها ساقطة نحو الأرض بفعل الجاذبية الأرضيّةِ، وكذلك فإن الراجمات بالحصى يرمينها باتجاه الأرض فتسقط عليها بفعل الجاذبيّة الأرضيّة نفسِها. والطرق أيضاً يذكّر بالصوت، وقد تبيّن أن الشهب تكون مصحوبة بصدمات وأصوات.والطارق هو ذو الطِّرقِ، صاحب الطِّرق، ونستطيع أن نعتبر أنه الطِّرْقُ نفسُه. وما الطِّرق إلا الفخُّ أو حُبالة الصيد. ومن المعروف أن الفخَّ يكون في شكل كمينٍ، يكون في شكل رَصَدٍ، وهو ينطلق في الفريسة أو المتسلل فجأة. ولا ريْبَ أن حالة الشهب الجيوفيزيائيّةَ لَشبيهةٌ بحالة الفخِّ المتوتّر؛ إذ هي ناتجة من فرق جهدٍ كهربائيّ كامن potential، أي من حالِ توتُر كهربائيّ tension، ينبثق في اللامس فجائيّاً على شكل تفريغ كهربائيّ مطبقاً عليه.وباختصارٍ، فإن وصف القرآن الكريم للشهاب بالطارق، وربطه للثقبِ بالطرق: "والسماءِ والطارقِ. وما أدراكَ ما الطارقُ. النجمُ الثاقبُ"، هو في النهاية إشارة إلى ارتباط ضياء الشهب بكلٍّ من الاحتكاك، والضغط الكبسيِّ، والتفريغات الكهربائيّةِ. ولا ريْبَ أن التفريغ الكهربائيّ طارق، وأنَّ الكبس طارق، وأن الضغط طارق، وأن الصدمَ طارق، وأن الطرقَ نفسَه حاككٌ صاككٌ داقق.الرجم دائب:قال الله تعالى في سورة الصافّات: ï´؟ إنا زيّنّا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكبِ (6) وحفظاً من كلِّ شيطانٍ ماردٍ (7) لا يسَّمَّعونَ إلى الملإ الأعلى ويُقْذَفونَ من كلِّ جانبٍ (8) دُحوراً ولهم عذابٌ واصبٌ (9) إلّا مَنْ خَطِفَ الخطفةَ فأتبَعَهُ شهابٌ ثاقبٌ (10) ï´¾.وقال سبحانه في سورة الحِجْر: ï´؟ ولقد جعلنا في السماءِِ بروجاً وزيّناها للناظرينَ (16) وحفظناها من كلِّ شيطانٍ رجيمٍ (17) إلّا مَنِ استرقَ السمعَ فأتبعَهُ شهابٌ مبينٌ(18) ï´¾.إن التدقيق في الآيات الكريمة السابقة من سورة الصافّات ومن سورة الحجر، يجعلنا نستنتج استنتاجيْن:الاستنتاج الأول هو أن الرجم دائب؛ إذ لا بدَّ أن يكون حفظُ السماءِ دائباً على مدار الساعةِ، دون أيّ انقطاع في ليلٍ أو نهارٍ: ï´؟ فقضاهنَّ سبعَ سماواتٍ في يوميْنِ وأوحى في كلِّ سماءٍ أمرَها وزيّناّ السماءَ الدنيا بمصابيحَ وحفظاً ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليمِ ï´¾ [فصّلت: 12]..، ï´؟ وجعلْنا السماءَ سقفاً محفوظاً وهمْ عنْ آياتِها مُعرِضونَ ï´¾ [الأنبياء: 32].وهذا الحفظ الدائب متمثلٌ في انقذافِ رجومٍ من كلِّ جانب وبشكل دائم: ï´؟ ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطينِ ï´¾ [الملك: 5].. ، ï´؟ لا يسَّمَّعونَ إلى الملإِ الأعلى ويُقْذَفونَ من كلِّ جانبٍ ï´¾ [الصافات: 8].والاستناج الثاني هو أن هناك شهباً هي أحداث لحالات متميّزة من القذف بالرجوم قد يكون حدوثها أحياناً مرتبطاً بمحاولة الجنّ أو الإنس، للنفاذ من السماء الدنيا: ï´؟ وأنّا لمسنا السماءَ فوجدناها مُلِئتْ حرَساً شديداً وشُهُباً (8) وأنَّا كنّا نقعُدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمَنْ يستمعِ الآنَ يجدْ له شهاباً رصَداً (9) ï´¾ [سورة الجنّ]..، ï´؟ يا معشرَ الجنِّ والإنسِ إنِ استطعتم أن تنفُذوا من أقطارِ السماواتِ والأرضِ فانفُذوا لا تنفُذونَ إلّا بسلطانٍ (33) فبأيِّ ربِّكما تكذّبانِ (34) يُرسَلُ عليكما شُواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصرانِ (35) ï´¾ [سورة الرحمن].وبناء على ما سبق، وأخذاً للثقبِ بمعنى الإضاءة؛ إذ هي أوْلى معانيه بالأولويّة، نصل إلى أن الرجم إمّا يكون بقذائف داحرة غير ثاقبة تنقذف في السماء الدنيا انقذافاً طبيعيّاً باستمرارٍ، وفي جميع الاتجاهات، أو بالشهب الثاقبة ذات الاتجاه المعيّن، أي أن وظيفة تلك الشهب في انطلاقها وانقضاضها هي الثقب، وأن الثقب قد يصل إلى درجة من السطوع بحيث يكون تألّق الشهاب مُبيناً تبصره أعين الناس المجرّدة، أو قد يصل الثقب إلى درجة من السطوع بحيث يكون تألّق الشهاب غير مبين أي لا تبصره أعين الناس سواء مجرّدة أم غير مجرّدة. فهل اكتشفت علوم الفلك والجيوفيزياء هذه الحقائق؟أولاً- هل اكتشفت علوم الفلك والجيوفيزياء أن هناك رجماً دائباً بقذائف داحرة تنقذف في السماء الدنيا باستمرارٍ، وفي جميع الاتجاهات؟نعم، هذا ما تمَّ اكتشافه؛ إذْ إن تساقط الجسيمات المشحونة precipitation of charged particles على الأيونوسفير أمرٌ دائب على مدار الساعة، وهو رماية وقذف bombardment، تساقط قصفيٌّ ذو طاقة عالية، وأيضاً فإن الإلكترونات والبروتونات تتحرك باستمرار على طول خطوط القوة المغناطيسيّة المارّة في الأيونوسفير، وعلى الدوام فإن قسماً منها يفلت من خطوط القوة المغناطيسيّة منقذفاً مرجوماً في جميع الاتجاهات في عمليّة انتثار مستمرة تعرف باسم: "بعثرة زاوية الرماية" pitch-angle scattering، أو باسم: "انتشار زاوية القذف" pitch-angle diffusion. ولا ريْبَ أن هذه الدقائق المشحونة، هذه القذائف، هي في النهاية أجسام ماديّةٌ لها كتلة، أي هي رجوم.وكذلك فإنه تجري في الأيونوسفير باستمرار تفريغات كهربائيّة من نوع التفريغات النقطيّة point discharges، وهذه التفريغات لا يصاحبها توهجات ولا صدور ضياء، ولكنها ترسل أو تقذف جسيماتٍ مشحونةً.ثانياًً- وهل اكتشفت علوم الفلك والجيوفيزياء أن هناك رجماً بشهب غير مبينة لا تكشفها حتّى التلسكوبات؟نعم؛ إن تساقط المستشهبات حادث باستمرار في كل السماء فوق كلّ خطوط العرض، ولكنها قد تكون دقيقة micrometeoroids بحيث ينشأ عنها شهب غير مبصرة سواء كانت العيونُ مجرّدةً أم معانةً بالعدسات والتلسكوبات، أي إنها شهب مستصغرة جدّا وغير مبينة micrometeors، أي لا يمكن رصدها ضوئيّاً من على سطح الأرض، ولكنها يمكن أن ترصد بالرادار[27].وعلى كل حالٍ، فإنه يمكن أن نعتبرَ أن للقذف خمسة أشكال:1) بالمستشهبات meteoroids والمستشهبات الدقيقة micrometeoroids.2) بالأيونات والإلكترونات من خلال الانجذاب أو التجاذب بالكهربائيّة الساكنة electrostatical attraction[28] .3) الانتثار والانتشار بزاوية رماية pitch-angle diffusion.4) بالتفريغات النقطيّة (point discharges)، وهي تفريغات الشحنة المتجمعة في نقطة محددة، في حيّز محدد مثل الرؤوس المدببة، وهذه التفريغات ليست ذات وهج.5) بالتيّارات الكهربائيّة، وبخاصة تيّارات القصر short circuiting currents.