ﺑﻌﺪ ﻋﻨﺎﺀ ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻀﻨﻲ .قضّته المسكينة في الكنس والطهي وتوضيب الأسرّة والأفرشة.حتى من الطفل الرضيع تغيرله الحفاظة باستمراروتهدهده إذا ما بكى وتطبطب عليه لينام.مثقلة بأعباء البيت,ﺧﺮجت لحديقة "الفيلا" ﻟتبدد القليل من التعب الذي هدّهاولتستعيد قبسا من ﻧﺸﺎﻃها ﻛﻤﺎ اعتادت مساء كل يوم.ﺑﻴﻨﻤﺎ هي تتمشى ﻟﻮﺣﺪها على العشب بين الشجيرات المشذبة والمعتنى بها جيدا كالطفل المدللﺍﺟﺘﺎﺣﺘها فجأة ﺭﺯﻣﺔ ﻣﻦ الأﻓﻜﺎﺭدفعة واحدة لم يتحملها عقلها الصغير وكاد ينفجرمن شدة ضغطها وتواترها.فإذا ﺑﻬﺎﺗﻒ ﻳﻨﺎﺩﻳها ثلاثا ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻒ:
" ﻳﺎ امرأة ..! ﻳﺎ امرأة..! ﻳﺎ امرأة ..! "
ﺗﻮﻗفت مذعورة ﻭﺇﺳﺘﺪﺍرت،فلم تجد ﺃﺣﺪﺍ ﺳﻮﺍها.ﺃﺩﺭكت حينها ﺃﻥ ﻣﺒﻠﻎ ﺍﻟنساء ﻟﻴﺲ في المكاحل والمجاسد والطيب والحلي.ومن يومها لم تعد كما كانت تلك الطفلة البريئة التي كانت تلعب ذات يوم لعبتي الغميضة والعرائس.لم يكن في الحقيقة ذلك الهاتف غيرصوت طفلة بريئة انبرت من عدم تتأبط محفظة أضاعتها وهي تتلمس طريقا غير الطريق كما يضيع الصوت في الفراغ ونفقده.أضاعتها ولن تستعيدها أبدا وفي نفسها شيئا من القلم والدواة.كان وقع النداء قويا في أذنيها لم تشعربه قط من قبل ولم تعه مثلما وعته لحطتئذ.كبرت الطفلة قسرا بدواخلها.تخلّصت من طفولتها المشاكشة واللعوبة مبكرا ورمت بها بعيدا,نزعت عنها رداء الأماني الحالمة والحياة الناعسة المخملية وتدثرت بلبوس الجد والعمل.فهناك دوما أسر تنتظرمن يعولها وأفواه صغيرة بحاجة إلى من يطعمها.هكذا تموت الطفولة لتحيا أخرى.وخلف الجدران عيون ترقب الوضع عن كثب وآذان تسترق السمع وتحصي الخطوات.لا تفعل شيئا لكنها مستعدة للتدخل في أية لحظة.تغض الطرف مرة وتتدخل لتلميع الصورة أخرى.وبين الحينين تبقى الآمال معلقة والطفولة تغتصب في ظل قوانين محتشمة تحمي ولا تجرم.