من شعر عاتكة الخزرجي

(1)
مصر ساحرة التاريخ


حَبِيبَـةَ الرُّوحِ يَا رُوحِي وَيَا ذَاتِي

الشَّوْقُ يَعْصِفُ بِي لَوْلاَ عُلاَلاَتِي

هَذِي سُنُونٌ تَوَالَتْ إِثْـرَ فُرْقَتِنَـا

وَلَسْتُ أَمْلِـكُ إلاَّ حَـرَّ آهَاتِي

يَا مِصْـرُ يَا قِبْلَةً لِلْفَـنِّ بَارَكَـهَا

رُوحُ القَدِيـرِ بِآيٍ عَبْـرَ آيَـاتِ

لأَنْتِ سَاحِرَةُ التَّارِيخِ مُـذْ وُجِدَتْ

أَسْرَارُ حُسْنِكِ سَارَتْ فِي الشّلاَلاَتِ

سُبْحَـانَ رَبِّي كَمْ أَوْلاَكِ مِنْ نِعَمٍ

أَنْوَارُهَـا تَتَـلاَلاَ كَالْمَجَـرَّاتِ

إِنْ قِيلَ عِلْمٌ وَأَنْتِ العِلْمُ بَارِعَـةٌ

أَوْ قِيلَ فَنٌّ فَأَنْتِ الأَمْس وَالآتِي

كَمْ قَدْ رَوَيْتِ عَنِ الأَهْرَامِ مُعْجِـزَةً

وَكَمْ سَمَـوْتِ بَآمُونٍ وَ(نَفْرَاتِ)

فَكُلُّ شِبْـرٍ بِأَرْضٍ مِنْـكِ مَأْثَـرَةٌ

وَفِي مِياهِـكِ أَنْفَـاسُ النُّبُوَّاتِ

فَمَنْ يَزُرْكِ يَظَلّ الدَّهْـرَ مُنْبَهِـرَاً

بِغَابِـرٍ مُعْجِـزٍ أَوْ حَاضِـرٍ آتِ

يَا مِصْرُ يَا قِبْلَةَ الْقُصَّادِ يَا عَلَمَـاً

إِنْ رَفَّ كَانَ الْمُعَلَّى بَيْنَ رَايَاتِ

للهِ أَنْـتِ حَضَـارَاتٌ مُخَلَّـدَةٌ

يَا مَنْ أَدَلْتِ عَلَى كُلِّ الْمُدِلاَّتِ

بِالدّلِّ وَالشَّكْلِ وَالْحُسْنِ الذِي انْفَرَدَتْ

بِسِحْرِهِ بَيْنَ أَهْلِ الأَرْضِ بِالذَّاتِ

كَفِلْقَةِ البَدْرِ أَوْ كَالشَّمْسِ إنْ خَطَرَتْ

رَفَّ السَّنَا بَيْنَ أَهْدَابِ الثَّنِيَّاتِ

كَأَنَّمَا النُّـورُ بَعْـضٌ مِنْ مَفَاتِنِهَـا

وَالْكُلُّ مِنْهَا خَبِيءٌ فِي الجُزَيْئَاتِ

يَا مِصْـرُ أَعْيَيْتِنِـي وَصْفَاً، فَذَا قَلَمِي

مُكَسَّـرٌ كَمْ يُـوَرِّي بِِالْكِنَايَاتِ

فَهَلْ تَطُولُ إِشَارَاتِي وَقَدْ قَصُـرَتْ

عَنْ مُعْجِزِ الْفَنِّ فِي الْمَاضِي وَفِي الآتِي

ذِي آيَةُ اللهِ تُعْيي الْوَصْفَ، لاَ عَجَبٌ

إِنْ أَعْجَزَتْ أَحْرُفِي فِي غُرِّ أَبْيَاتِي

تَقَبَّلِي مِصْـرُ قَلْبِي عَبْـرَ قَافِيَتِـي

فَإِنَّـهُ الْحُـبُّ رَقْرَاقَـاً بِمِرْآتِي

وَإِنَّـهُ الصِّدْقُ فِي رُوحِي وَفِي كَلِمِي

بَلْ فِي ضَمِيمِ الْحَنَايَا مِنْ شُعِيْرَاتِي

وَلَسْتُ أَنْظِمُـهُ زِيفَـاً وَلاَ كَلِمَـاً

فَهْوُ الصَّفِيُّ الْمُصَفَّى، إِنَّـهُ ذَاتِي

***************************
(2)
تحيــــة حُـــــبّ

تَمَهَّلْ – أَبَيْتَ اللَّعْنَ – جُرْتَ عَنِ القَصْدِ

فَلَيْـسَ لِمِثْلِـي أَنْ تُقَابَـلَ بِالصَّـدِّ

بِلاَدُكَ - إِنْ تَرْشُدْ - بِلاَدِي وَإِنَّهَـا

عَشِيرِي وَأَحْبَابِي وَأَنْفَسُ مَـا عِنْـدِي

هَوَايَ بِهَا، مَا حِدْتُ عَنْ عَهْدِ حُبِّهَـا

وَحَاشَا لِمِثْلِي أَنْ تَحِيدَ عَـنِ العَهْـدِ

وَكَيْفَ وَقَدْ مَلَّكْتُهَا كُلَّ مُهْجَتِـي؟

وَإنِّي لأُخْفِي في الهَوَى فَوْقَ مَا أُبْدِي

هَوَايَ بِهَا، إنِّي نَذَرْتُ جَوَانِحِـي

إِِلَى كُـلِّ شِبْرٍ في العُرُوبَـةِ مُمْتـَدِّ

إِلَيْكُمْ، إِِلَى الصَّحْرِاءِ، لِلرَّمْلِ، لِلرُّبَـى

لِمَوْجِ الخَلِيجِ الثَّرِّ، لِلرَّوْحِ مِنْ نَجْـدِ

لِمَكَّةَ، لِلْبَطْحَاءِ، لِلْخيفِ مِنْ مِنَـىً

لِسَيْنَاءَ، لِلجَوْلاَنِ، لِلْقُـدسِ، لِلْخُلْـدِ

إِِلَى كُـلِّ عِرْقٍ في العُرُوبَةِ نَابِـضٍ

وَكُـلِّ فُـؤَادٍ يَذْكُـرُ اللهَ بِالحَمْـدِ

إِِلَى تُونِسٍ، أَوْ لِلجَزَائِـرِ، لِلْهَـوَى

بِمَغْرِبِنَا الأَقْصَى القَرِيـبِ عَلَى البُعْـدِ

يَمِينَاً لَقَدْ أَحْبَبْتُكُـمْ حُـبَّ زَاهِـدٍ

وَأَعْنَفُ أَهْـوَاءِ المُحِبِّيـنَ في الزَّهْـدِ

وَمْنْ أَجْلِكُمْ أَرْجُو الشَّهَادَةَ في الهَـوَى

فَلِلّـهِ مَـا يَلْقَـى الأَخِلاّءُ في الـوُدِّ!

لِئَنْ كَانَ في بَغْـدَادَ مَهْـدِي فَإِنَّنِي

أَرَى أَهْلَكُمْ أَهْلِي وَمَهْدَكُـمُ مَهْـدِي

« وَهَلْ أَنَا إلاّ مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَـوَتْ

غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ فَفِي رُشْدِهَا رُشْدِي»

يَمِينَاً لَقَـدْ أَحْبَبْتُكُـمْ حُـبَّ وَالِـهٍ

يُفَدِّيكُـمُ بِالنَّفْـسِ وَالمَـالِ وَالوِلْـدِ

وَهَلْ بَعْدَ بَذْلِ النَّفْسِ في الحُبِّ غَايَـةٌ

وَهَلْ عِنْدَكُمْ في الحُبِّ بَعْضُ الذِي عِنْدِي؟

يَمِينَاً لَقَدْ أَحْبَبْتُكُمْ حُـبَّ رَاهِـبٍ

يَرَى غَيْرَ حُبِّ اللهِ في اللهِ لاَ يُجْدِي
وَهَلْ بَعْدَ هَذا الحُبِّ في الحُبِّ غَايَـةٌ
وَهَلْ عِنْدَكُمْ بِاللهِ بَعْضُ الذِي عِنْـدِي؟




****************************
(3)
أمانـــــــــة

يَهُونُ عَلَيْكَ اليَوْمَ مِثْلِي وَلَمْ أَكُنْ

لأَحْسَبُ يَوْمَاً أَنَّنِي سَأَهُـونُ

يَلَذُّ لَكَمْ ذُلِّي فَأُنْكِـرُ عِزَّتِـي

لَدَيْكُمْ وَيَقْسُو قَلْبُكُمْ وَأَلِيـنُ

فَحَتَّامَ أَرْجُو وَالرَّجَـاءُ يَخُونُنِـي

وَقَلْبِي عَلَى العِلاّتِ لَيْسَ يَخُونُ؟

فَدَيْتُكَ، هَلْ تُرْجَى لِمِثْلِي شَفَاعَـةٌ

لَدَيْكَ وَهَلْ لِي في هَوَاكَ مُعِينُ

وَكَيْفَ ٱصْطِبَارِي عَنْكَ وَٱلشَّوْقُ عَقَّنِي

وَأَمْرُكَ أَعْيَانِي فَلَسْتُ أُبِيـنُ

وَهَذِي ٱلنَّوَى تَرْمِي ٱلمَرَامِيَ بَيْنَنَـا

وَتِلْكَ سُهُولٌ دُونَنَا وَحُزُونُ؟

تَمَنَّيْـتُ لَوْ أَنِّي وَإِيَّـاكَ نَلْتَقِـي

لَوْ أنّ المُنَى مَقْضِيَّةٌ فَتَكُـونُ

وَأَنْ يَلْتَقِي طَرْفِي وَطَرْفُـكَ لَحْظَـةً

فَتَرْتَاح نَفْسٌ أَوْ تَقَرّ عُيُـونُ

وإلاَّ فَطَيْفٌ مِنْ خَيَالِـكَ طَارِقِـي

إذَا جَنَّ لَيْلٌ وَٱسْتُثِيرَ حَنِيـنُ

فَدَيْتُـكَ، ذَا قَلْبِي لَدَيْـكَ أَمَانَـةٌ

وَأَنْتَ عَلَيْهَا، مَا حَيِيتُ، أمينُ

***************************
(4)
تَحِيَّــــــــــــة

عِيدُكَ يَا مَوْلاي عِيدُ الجَمَـالْ

عِيدُ الفَتَى الفَرْدِ العَزِيـزِ الْمَنَالْ

لا زِلْتَ فِي يُمْنٍ وَفِي رِفْعَـةٍ

تَعْنُـو لَكَ الدُّنْيَـا وَفِي خَيْرِ حَالْ

لا زِلْتَ يَا مَوْلاي نَفْـحَ الهوى

هَمْسَـاً حَنُونَـاً فِي شِفَاهِ الجَمَالْ

لا زِلْتَ سِـرَّاً فِي ضَمِيرِ الْمُنَى

وَحْيَـاً أَمِينَـاً فِي بَنَـاتِ الخَيَـالْ

لا زِلْتَ مِثْلَ النُّورِ.. مِثْلَ النَّدَى

مِثْلَ الشَّـذَى، مِثْلَ رَفِيقِ الظِّلالْ

مِثْلَ الحَفِيفِ الْحُلْوِ، مِثْلَ الصِّبَا

مِثْلَ الرُّبَـى، مِثْلَ سُمُوقِ الجِبَالْ

مِثْلَ ابْتِسَامِ الوَرْدِ، مِثْلَ الرُّؤَى

مِثْلَ الْمُنَـى، مِثْلَ غُرُورِ الدَّلالْ

لا زِلْتَ يَا مَوْلايَ لِيْ ذَاكِـرَاً

رَغْمَ النَّـوَى، رَغْمَ اللَّيَالِي الطِّوَالْ

وَلَمْ أَزَلْ مَـوْلايَ تِلْـكَ الَّتِي

عَرِفْتَ، لَـنْ أَنْسَى عَلَى أَيِّ حَالْ

لَوْ مُثِّلَ الحُسْـنُ عَلَى صُـورَةٍ
لَكُنْتَهَـا، يَا عِـزَّهُ مِنْ مِثَـالْ


أَنْـتَ عَلَى قُدْرَتِـهِ آيَـةٌ

بُورِكْتَ بَارِي الخَلْـقِ يَا ذَا الجَلالْ

بِاسْمِكَ كَمْ سَبَّحْتُ يَا خَالِقِي

مَا خَفَـقَ القَلْـبُ لِهَذَا الجَمَالْ






د. أبو شامة المغربي