حادثة شق صدر رسول الله عليه الصلاة والسلام
(الجزء الأول)
قالت/أي حليمة السعدية/: فرجعنا به فوالله إنه بعد مقدمنا بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه قالت فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجهه .
قالت فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا له ما لك يا بني قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني، فالتمسا شيئا لا أدري ما هو. قالت فرجعنا إلى خبائنا.
قالت وقال لي أبوه يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به قالت فاحتملناه فقدمنا به على أمه فقالت ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟ قالت فقلت: قد بلغ الله يا بني وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه فأديته إليك كما تحبين.
قالت ما هذا شأنك ، فأصدقيني خبرك. قالت فلم تدعني حتى أخبرتها. قالت أفتخوفت عليه الشيطان؟ قالت قلت: نعم قالت كلا. والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا ، أفلا أخبرك خبره. قالت بلى. قالت رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام.
ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه ووقع حين ولدته، وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء. دعيه عنك، وانطلقي راشدة.
قال ابن إسحاق: وحدثني ثور بن يزيد، عن بعض أهل العلم ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي أن نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا له يا رسول الله.
أخبرنا عن نفسك؟ قال نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا.
ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي، فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني به فوزنتهم ثم قال زنه بمئة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم، فقال دعه عنك ، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها
شق الصدر
وذكر قول أخيه من الرضاعة نزل عليه رجلان أبيضان فشقا عن بطنه وهما يسوطانه يقال سطت اللبن أو الدم أو غيرهما، أسوطه إذا ضربت بعضه ببعض، والمسوط عود يضرب به.
وفي رواية أخرى عن ابن إسحاق أنه نزل عليه كركيان فشق أحدهما بمنقاره جوفه ومج الآخر بمنقاره فيه ثلجا، أو بردا، أو نحو هذا، وهي رواية غريبة ذكرها يونس عنه واختصر ابن إسحاق حديث نزول الملكين عليه وهو أطول من هذا.
وروى ابن أبي الدنيا وغيره بإسناد يرفعه إلى أبي ذر - رضي الله عنه - قال قلت: يا رسول الله كيف علمت أنك نبي، وبم علمت حتى استيقنت؟ قال يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببطحاء مكة، فوقع أحدهما بالأرض وكان الآخر بين السماء والأرض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟ قال هو هو قال فزنه برجل، فوزنني برجل فرجحته، ثم قال زنه بعشرة فوزنني فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزنني، فرجحتهم ثم قال زنه بألف فوزنني فرجحتهم حتى جعلوا يتثاقلون علي من كفة الميزان، فقال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطني، فأخرج قلبي، فأخرج معه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحهما، فقال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاء ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطني، وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ووليا عني، فكأني أعاين الأمر معاينة
ففي هذا الحديث بيان لما أبهم في الأول لأنه قال فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فبين أن الذي التمس فيه هو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى ابن مريم وأمه - عليهما السلام - لقول أمها حنة وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [ آل عمران: 36 ].
فلم يصل إليه لذلك ولأنه لم يخلق من مني الرجال فأعيذه من مغمز وإنما خلق من نفخة روح القدس، ولا يدل هذا على فضل عيسى عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد نزع منه ذلك المغمز وملئ قلبه حكمة وإيمانا، بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد وإنما كان ذلك المغمز فيه لموضع الشهوة المحركة للمني والشهوات يحضرها الشياطين لا سيما شهوة من ليس بمؤمن فكان ذلك المغمز راجعا إلى الأب لا إلى الابن المطهر - صلى الله عليه وسلم -
وفي الحديث فائدة أخرى، وهي من نفيس العلم وذلك أن خاتم النبوة لم يدر هل خلق به أم وضع فيه بعدما ولد أو حين نبئ فبين في هذا الحديث متى وضع وكيف وضع ومن وضعه زادنا الله علما، وأوزعنا شكر ما علم وفيه البيان لما سأل عنه أبو ذر - رضي الله عنه - حين قال كيف علمت أنك نبي، فأعلمه بكيفية ذلك غير أن في هذا الحديث وهما من بعض النقلة وهو قوله بينما أنا ببطحاء مكة، وهذه القصة لم تعرض له إلا وهو في بني سعد مع حليمة، كما ذكر ابن إسحاق وغيره وقد رواه البزار من طريق عروة عن أبي ذر - رضي الله عنه - فلم يذكر فيه بطحاء مكة.
حديث السكينة
وذكر فيه أنه قال: وأوتيت بالسكينة كأنها رهرهة فوضعت في صدري. قال ولا أعلم لعروة سماعا من أبي ذر.
وذكر من طريق آخر عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا أبا ذر وزنت بأربعين أنت فيهم فرجحتهم والرهرهة بصيص البشرة فهذا بيان وضع الخاتم متى وضع.