مما جاء في تفسير كلمة (طه)
(الجزء الأول)
1
تفسير ابن كثير

رَوَى إِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة فِي كِتَاب التَّوْحِيد عَنْ زِيَاد بْن أَيُّوب عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِر الْحِزَامِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر بْن مِسْمَار عَنْ عُمَر بْن حَفْص بْن ذَكْوَان عَنْ مَوْلَى الْحُرَقَة - يَعْنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن يَعْقُوب - عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ اللَّه قَرَأَ طه وَيس قَبْل أَنْ يَخْلُق آدَم بِأَلْفِ عَام فَلَمَّا سَمِعَتْ الْمَلَائِكَة قَالُوا طُوبَى لِأُمَّةٍ يَنْزِل عَلَيْهِمْ هَذَا، وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ تَحْمِل هَذَا وَطُوبِي لِأَلْسُنٍ تَتَكَلَّم بِهَذَا" هَذَا حَدِيث غَرِيب وَفِيهِ نَكَارَة وَإِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر وَشَيْخه تُكُلِّمَ فِيهِمَا.

قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي أَوَّل سُورَة الْبَقَرَة بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن شَيْبَة الْوَاسِطِيّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد - يَعْنِي الزُّبَيْرِيّ - أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيل عَنْ سَالِم الْأَفْطَس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: طه يَا رَجُل وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء مُحَمَّد بْن كَعْب وَأَبِي مَالِك وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ وَابْن أَبْزَى أَنَّهُمْ قَالُوا: طه بِمَعْنَى يَا رَجُل، وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالثَّوْرِيّ أَنَّهَا كَلِمَة بِالنَّبَطِيَّةِ مَعْنَاهَا يَا رَجُل.
وَقَالَ أَبُو صَالِح: هِيَ مُعَرَّبَة، وَأَسْنَدَ الْقَاضِي عِيَاض فِي كِتَابه الشِّفَاء مِنْ طَرِيق عَبْد بْن حُمَيْد فِي تَفْسِيره حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم عَنْ اِبْن جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ: كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى رِجْل وَرَفَعَ الْأُخْرَى، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى "طه" يَعْنِي طَأْ الْأَرْض يَا مُحَمَّد "مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لِتَشْقَى" ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ الْإِكْرَام وَحُسْن الْمُعَامَلَة.

***************

2
تفسير الطبري



الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : {طَه} . قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرير: اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله: {طَه} فَقَالَ بَعْضهمْ: مَعْنَاهُ يَا رَجُل.

ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ:

- حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَة، عَنْ الْحَسَن بْن وَاقد، عَنْ يَزيد النَّحْويّ، عَنْ عكْرمَة، عَنْ ابْن عَبَّاس: طَه: بالنَّبَطيَّة: يَا رَجُل.

- حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: ثني أَبي، قَالَ: ثني عَمّي، قَالَ: حدثني أَبي، عَنْ أَبيه، عَنْ ابْن عَبَّاس، قَوْله: {طَه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى} فَإنَّ قَوْمه قَالُوا: لَقَدْ شَقيَ هَذَا الرَّجُل برَبّه، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذكْره {طَه} يَعْني: يَا رَجُل {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى}.

- حَدَّثَنَا الْقَاسم، قَالَ: ثنا الْحُسَيْن، قَالَ: ثني حَجَّاج، عَنْ ابْن جُرَيْج، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْد اللَّه بْن مُسْلم، أَوْ يَعْلَى بْن مُسْلم، عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ: طَه: يَا رَجُل بالسُّرْيَانيَّة.

- قَالَ ابْن جُرَيْج: وَأَخْبَرَني زَمْعَة بْن صَالح، عَنْ سَلَمَة بْن وَهْرَام، عَنْ عكْرمَة، عَنْ ابْن عَبَّاس، بذَلكَ أَيْضًا. قَالَ ابْن جُرَيْج، وَقَالَ مُجَاهد، ذَلكَ أَيْضًا.

- حَدَّثَنَا عمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز، قَالَ: ثنا عَبْد الْوَارث بْن سَعيد، قَالَ: ثنا عُمَارَة عَنْ عكْرمَة، في قَوْله: {طَه} قَالَ: يَا رَجُل، كَلَّمَهُ بالنَّبَطيَّة.

- حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْن وَاضح، قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه، عَنْ عكْرمَة، في قَوْله {طَه} قَالَ: بالنَّبَطيَّة: يَا إنْسَان.

- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصم، عَنْ قُرَّة بْن خَالد، عَنْ الضَّحَّاك، في قَوْله {طَه} قَالَ: يَا رَجُل بالنَّبَطيَّة.

- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار، قَالَ: ثنا عَبْد الرَّحْمَن، قَالَ : ثنا سُفْيَان، عَنْ حُصَيْن، عَنْ عكْرمَة في قَوْله {طَه} قَالَ: يَا رَجُل.

- حَدَّثَنَا بشْر، قَالَ: ثنا يَزيد، قَالَ: ثنا سَعيد، عَنْ قَتَادَة، قَوْله {طَه} قَالَ: يَا رَجُل، وَهيَ بالسُّرْيَانيَّة.

- حَدَّثَنَا الْحَسَن، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن في قَوْله: {طَه} قَالَا: يَا رَجُل.

- حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن، قَالَ: سَمعْت أَبَا مُعَاذ، يَقُول: أَخْبَرَنَا عُبَيْد، يَعْني ابْن سُلَيْمَان، قَالَ: سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله {طَه} قَالَ: يَا رَجُل، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْم منْ أَسْمَاء اللَّه، وَقَسَم أَقْسَمَ اللَّه به.

ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ:

- حَدَّثَنَا عَليّ، قَالَ: ثنا عَبْد اللَّه، قَالَ: ثَنَى مُعَاويَة، عَنْ عَليّ، عَنْ ابْن عَبَّاس، في قَوْله: {طَه} قَالَ : فَإنَّهُ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه به، وَهُوَ اسْم منْ أَسْمَاء اللَّه، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ حُرُوف هجَاء، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة يَدُلّ كُلّ حَرْف منْهَا عَلَى مَعْنَى، وَاخْتَلَفُوا في ذَلكَ اخْتلَافهمْ في الم، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلكَ في مَوَاضعه، وَبَيَّنَّا ذَلكَ بشَوَاهده، وَاَلَّذي هُوَ أَوْلَى بالصَّوَاب عنْدي منْ الْأَقْوَال فيه : قَوْل مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: يَا رَجُل، لأَنَّهَا كَلمَة مَعْرُوفَة في عَكّ فيمَا بَلَغَني، وَأَنَّ مَعْنَاهَا فيهمْ: يَا رَجُل، أَنْشَدْت لمُتَمّم بْن نُوَيْرَة:

هَتَفْت بطَهَ في الْقتَال فَلَمْ يُجبْ // فَخفْت عَلَيْه أَنْ يَكُون مُوَائلَا


وَقَالَ آخَر:

إنَّ السَّفَاهَة طَه منْ خَلَائقكُمْ // لَا بَارَكَ اللَّه في الْقَوْم الْمَلَاعين


فَإذَا كَانَ ذَلكَ مَعْرُوفًا فيهمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَالْوَاجب أَنْ يُوَجَّه تَأْويله إلَى الْمَعْرُوف فيهمْ منْ مَعْنَاهُ، وَلَا سيَّمَا إذَا وَافَقَ ذَلكَ تَأْويل أَهْل الْعلْم منْ الصَّحَابَة وَالتَّابعينَ، فَتَأْويل الْكَلَام إذَنْ: يَا رَجُل مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى، مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْك فَنُكَلّفك مَا لَا طَاقَة لَك به منْ الْعَمَل، وَذُكرَ أَنَّهُ قيلَ لَهُ ذَلكَ بسَبَب مَا كَانَ يَلْقَى منْ النَّصَب وَالْعَنَاء وَالسَّهَر في قيَام اللَّيْل.

ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ:

- حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصم، قَالَ: ثنا عيسَى، وَحَدَّثَني الْحَارث، قَالَ: ثنا الْحَسَن، قَالَ: ثنا وَرْقَاء، جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح، عَنْ مُجَاهد {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى} قَالَ: هيَ مثْل قَوْله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منْهُ} فَكَانُوا يُعَلّقُونَ الْحبَال في صُدُورهمْ في الصَّلَاة.

- حَدَّثَنَا الْقَاسم، قَالَ: ثنا الْحُسَيْن، قَالَ : ثني حَجَّاج، عَنْ ابْن جُرَيْج، عَنْ مُجَاهد {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى} قَالَ: في الصَّلَاة كَقَوْله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منْهُ}، فَكَانُوا يُعَلّقُونَ الْحبَال بصُدُورهمْ في الصَّلَاة .

- حَدَّثَنَا بشْر، قَالَ: ثنا يَزيد، قَالَ: ثنا سَعيد، عَنْ قَتَادَة {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى} لَا وَاَللَّه مَا جَعَلَهُ اللَّه شَقيًّا، وَلَكنْ جَعَلَهُ رَحْمَة وَنُورًا، وَدَليلًا إلَى الْجَنَّة.






د. أبو شامة المغربي