صفحة 1 من 3 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 12 من 26

الموضوع: المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان

  1. #1 المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    المولد النبوي في الإسلام ..... بين البدعة و الإيمان.... مع أدلة المعارضين والرد عليها

    ----------------------------------------------------------

    بسم الله الرحمن الرحيم
    المولد في الإسلام بين البدعة والإيمان


    الشيخ هشام قباني



    الغرض من هذا الكتاب


    الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على نبيه ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم. هناك عيدين في الإسلام: عيد الأضحى وعيد الفطر، أما الاحتفالات الأخرى كالاحتفال بذكرى مولد الرسول  فهي ليست إلزامية ولا ممنوعة. ومع ذلك وصلنا إلى وقت بتنا نسمع فيه الكثير من الانتقادات لهذا الاحتفال. ولم أشأ أن أتطرق إلى هذا الموضوع من قبل بسبب وجود قضايا أهم تشغل بال المسلمين في وقتنا الحاضر. فنحن نعيش في زمن يهدم فيه أعداء الإسلام أمة النبي من الداخل والخارج بلا رحمة، فيما يوجد القليل فقط من المؤمنين القادرين على مواجهتهم. وقد وصلنا إلى زمن جاهلية جديدة أضحت فيه الحقيقة سلعة، وبات الكذب هو الأصل.





    نعيش اليوم في عصر يذبح فيه المسلمون في كل مكان. وقلوب المؤمنين تناجي الله عز وجل طالبة العون ليرسل إليهم من هو مؤيد بنصره وملائكته ليخلصهم من هاوية الجهل والقهر التي وقعوا فيها. وحيثما نظرنا نرى المسلمين يعذبون، ويقتلون ويؤذون لا لشيء إلا لقولهم «ربنا الله». وما يحدث في البوسنة وأذربيجان وكشمير وتايلندا وطاجكستان والجزائر، كما في كثير من أنحاء المعمورة لشواهد مرعبة على الطرق التي يعامل بها الإسلام والمسلمون، وبين الآلاف المؤلفة من العلماء ليس هناك سوى قلة منهم على استعداد لأن تدب الصوت وتطالب بالتغيير والعودة للشريعة وسنة المصطفى .
    هذه هي حالنا، وفي هذا الوضع كنت متردداً لأن أبحث في أي موضوع قد يساء فهمه مما قد يثير فتنة بين المسلمين. فالله سبحانه وتعالى قد أمر في كتابه العزيز: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا (آل عمران: 103).


    ومع ذلك نرى، وأكثر من أي مرة سابقة، أن ما يؤلم المسلمين ليس جميعه من تدبير أعدائهم. فمن بين أظهرنا تهاجم الأمة وتصاب إصابات بالغة من أناس معروفين لا نحب أن نسميهم. هم لا يحبذون مقارعة أعداء الدين لكنهم يجدون ضرورة في محاربة المسلمين والجماعات المؤمنة في العالم الإسلامي. لذلك وجدت لزاماً علي أن أعد العدة لكي أرد عن المؤمنين كيد هؤلاء المسلمين الذين لا هم لهم سوى إيجاد العيوب في إيمان المسلمين الآخرين بينما أعداء الأمة يمزقونها شر ممزق. وهم يجهدون في إيجاد أي نقطة يعتبرها أئمتهم موضع شك كعذر للازدراء والحط من إيمان المسلمين فيكيلوا إليهم نعوتاً من أمثال: مشركين، كافرين، مبتدعين. ولا يجدون أسهل من أن يبدلوا ما اتفق عليه أئمة المسلمين على مدى أربعة عشر قرناً ويسمونه: بدعاً، شركاً أو كفراً.


    لذا، ومن أجل حماية المسلمين والمؤمنين من هكذا اتهامات خاطئة وغير مقبولة، خاصة في أميركا وكندا، حيث هناك ندرة في العلماء القادرين على الرد على هؤلاء الجهلة، وجدت لزاماً عليّ أن أعد هذا الرد. وإن شاء الله فإني سأسرد الحقائق والبراهين على جواز الاحتفال بالمولد النبوي من القرآن والسنة واجتهاد أئمة المسلمين بنية الرد على انتقاد وتشكيك بعض العلماء الجهلة الذين يدّعون الإلمام بكل أمور الدين وكذلك من أجل مشاركة الآخرين بالفهم الذي أنعم الله به على علماء الإسلام الحقيقيين. وقبل أن نخوض في الشرح أود أن أطرح ثلاثة أمور:


    1 – إن الاحتفال بذكرى مولد النبي جائز، وأن الاجتماع للاستماع إلى السيرة والمدائح النبوية جائز، وإطعام الطعام وإدخال البهجة إلى قلوب الأمة في تلك المناسبة جائز.
    2 - إن الاحتفال بالمولد النبوي يجب ألا يكون فقط يوم الثاني عشر من ربيع الأول بل يجب أن يقام في كل يوم من كل شهر وفي كل مسجد، لكي يشعر الناس بنور الإسلام ونور الشريعة تدخل في قلوبهم.


    3 – ونقول بأن هذه التجمعات في المولد مفيدة ومنشطة لجهة دعوة الناس للإسلام وتعليم الأطفال أمور الدين، كما أن فيها فرصة ذهبية لا تعوض لكل الأئمة والدعاة لكي يرشدوا ويذكَروا الآمة المحمدية بأخلاقه وطريقة عبادته ومعاملته للناس. وهذه إحدى السبل لجعل الأطفال يحبون النبي  ويذكرونه. عن طريق الحلوى والعصير والهدايا لإدخال البهجة إلى قلوبهم.

    معنى الاحتفال بالمولد

    إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو الاحتفال بالإسلام عينه، ذلك لأن النبي  هو رمز الإسلام.


    يقول الإمام متولي الشعراوي في كتابه "مائدة الفكر الإسلامي" ص 295، إذا كان بنو البشر فرحون بمجيئه لهذا العالم، وكذلك المخلوقات الجامدة فرحة لمولده وكل النباتات فرحة لمولده وكل الحيوانات فرحة لمولده وكل الجن فرحة لمولده، فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده.

    الأدلة على أن الاحتفال بالمولد النبوي جائز
    أثر الاحتفال بالمولد على الكفار


    إن الابتهاج والاحتفال بيوم مولد النبي  يعود بفائدة، بفضل الله ورحمته، حتى على الكافرين. وقد جاء في صحيح البخاري الذي ذكر في حديثه بأنه في كل يوم اثنين يطلق سراح أبي لهب من عذاب القبر لأنه أعتنق جاريته ثويبة عندما بشرته بخبر مولد النبي ه.
    قال ابن كثير وهو من أئمة السلف في كتاب "البداية والنهاية" إن أول من أرضعته  هي ثويبة مولاة أبي لهب وكان قد أعتقها حين بشرته بولادة النبي . ولهذا لما رآه أخوه العباس بعد موته في المنام بعدما رآه بشر خيبة، سأله: ما لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم خيراً غير أني سقيت في هذه بعتاقتي لثويبة (وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع). وأصل الحديث في الصحيحين. وقد ذكر السهيلي وغيره أنه قال لأخيه العباس في هذا المنام: وإنه ليخفف عني في كل يوم اثنين.

    وهذا الحديث مذكور في صحيح البخاري في «كتاب النكاح». وقد ذكره ابن كثير في كتبه «سيرة النبي» الجزء الأول ص 124، وفي كتاب «مولد النبي» ص 21، وفي كتاب «البداية والنهاية» ص 272 – 273
    كما أن الحافظ شمس الدين بن نصر الدين الدمشقي كتب الأبيات التالية في كتابه «مورد الصادي في مولد الهادي».

    إذا كان هذا كافراً جاء ذمه بتبّت يداه في الجحيم مخلّدا
    أتى أنه في يوم الاثنين دائماً يخفف عنه للسرور بأحمدا
    فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسروراً ومات موحّدا

    تبيان النبي على أن ولادته جاءت يوم الاثنين
    وقد روي في صحيح مسلم في «كتاب الصيام» عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: سئل رسول الله عن صوم يوم الاثنين، فقال: هذا يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه رواه مسلم.
    ونورد أيضاً من أقوال الشيخ متولي الشعراوي: إن أشياء عجيبة حدثت يوم مولده كما ورد في الحديث والتاريخ، ولم تكن ليلة مولده كأية ليلة من ولادات بني البشر. وقد وردت هذه الأحداث والأحاديث العائدة لها كاهتزاز عرش كسرى، وانطفاء النار بفارس بعد أن دامت ألف عام، وغيرها في كتاب ابن كثير «البداية والنهاية» الجزء الثاني ص 265-268.
    ونورد لكم من كتاب ابن الحاج «كتاب المدخل» الجزء الأول ص 261: «يجب علينا في كل يوم اثنين من ربيع الأول أن نكثر من العبادات لنحمد الله على ما أتانا من فضله بأن بعث فينا نبيه الحبيب  ليهدينا للإسلام والسلام… فالنبي  عندما سئل عن صوم يوم الاثنين أجاب: هذا يوم ولدت فيه. لذا، فهذا اليوم يشرف ذاك الشهر لأنه يوم النبي  ...

    وقد قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر.وقال: آدم ومن جاء بعده تحت لوائي يوم القيامة. رواها الشيخان بخاري ومسلم. وقد أورد في صحيحه أن النبي قال: ولدت يوم ذاك الاثنين وفي مثله نزل عليّ أول الوحي. وقد أعطى النبي  اهتماماً ليوم مولده وحمد الله على نعمة خلقه بأن صام في هذا اليوم كما هو وارد في حديث أبي قتادة. ونفيد من ذلك أن النبي  كان يعبر عن فرحه بهذا اليوم بالصوم، وهو نوع من العبادات. وبما أن النبي  أبدى اهتماماً بهذا اليوم بصومه عرفنا أن العبادة في مختلف أشكالها جائزة لبيان مكانة هذا اليوم. وحتى لو تغير الشكل فالمحتوى قائم لذا فالصوم أو إطعام المساكين، أو الاجتماع لمدح النبي  أو تبيان مناقبه وخلقه الحسن كلها طرق لتبيان أهمية ذاك اليوم.

    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    وقد جاء الأمر الإلهي بالابتهاج بمبعث النبي  بقوله تعالى في كتابه العزيز: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا (يونس: 58).
    وقد جاء هذا الأمر لأن الفرح يجعل القلب شاكراً لرحمة الله. وأية رحمة إلهية أعظم من النبي  إذ قال الله تعالى فيه: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (الأنبياء: 17).


    ولأن النبي  بعث رحمة للعالمين كان لزاماً ليس على المسلمين فقط، بل على كافة البشر أن يفرحوا به. ولكن مع الأسف نجد أن بعض المسلمين هم في طليعة العاصين لأمر الله بالابتهاج بنبيه.

    احتفال النبي  بالمناسبات التاريخية الكبرى
    كان النبي  دائم الربط بين المناسبات الدينية والأحداث التاريخية، وكلما مرت مناسبة هامة نبَه أصحابه للاحتفال بذلك اليوم والتأكيد على أهميته حتى لو كان الحدث قد تم في زمن سحيق. وهذا البدء يؤكده الحديث التالي من صحيح البخاري في كتاب الصوم باب 69 وكتاب الأنبياء باب 24 وابن ماجد ومالك في الموطأ والإمام أحمد: أن النبي  قدم إلى المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه قوم فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكراً لله تعالى فقال: نحن أولى بصوم موسى منكم.

    قال تعالى: صلوا على النبي 
    إن في إقامة ذكرى مولد النبي  ما يحث على الثناء والصلاة عليه وهو واجب أمرنا الله تعالى بالقيام به:
    إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (الأحزاب:56)
    فمجرد الاجتماع وذكر النبي  يجعلنا نثني ونصلي عليه، فمن له ان يمنع الالتزام بواجب أمرنا الله به في كتابه العزيز. ولعمري ففي إنفاذ أمر من أمور الله نكتسب نوراً يملأ قلوبنا بفيض لا حد له. والجدير بالذكر أن هذا الأمر أتى بالجمع: إن الله وملائكته يصلون على النبي، كأنهم في اجتماع منعقد، فمن الخطأ الجسيم والحال هذه أن يقال بأن الصلاة على النبي  يجب أن تكون على انفراد.

    التكليف بالازدياد في حب النبي  وتشريفه
    يطلب الله من النبي  بأن يذكّر أمته بأن على من يدعي حب الله عليه أن يحب نبيه أيضاً:
    قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله 0(آل عمران: 31).
    فالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يعد من الالتزام بالتكليف بحب النبي  وطاعته والإقتداء بسنته والفخر به لأن الله سبحانه وتعالى يفخر به في كتابه العزيز:
    وإنك لعلى خلق عظيم (القلم: 4).

    فحب النبي  هو ما يميز المؤمنين في كمال إيمانهم. ففي حديث صحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله  قال:
    لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين رواه البخاري ومسلم فكمال الإيمان يعتمد على حب النبي  لأن الله تعالى وملائكته دائمون في تشريفه كما جاء في الآية السابقة: إن الله وملائكته يصلون على النبي. فالأمر الإلهي الذي جاء بعد هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه صحيح وواضح بأن صفة الإيمان تعتمد وتتجلى بالصلاة على النبي. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    ضرورة معرفة السيرة النبوية والإقتداء بها
    ومن البديهي أن تكون لنا دراية عن نبينا  عن حياته، معجزاته، مولده، أخلاقه، إيمانه، آياته، خلواته وعبادته، وبعد أوليست هذه المعرفة واجبة على كل مسلم؟ فما الذي هو أفضل من الاحتفال وتذكر مولده الذي يمثل أساس حياته كمقدمة لنكتسب المعرفة عن حياته؟ فبتذكرنا لمولده نبدأ بتذكر كل شيء عنه، وبذلك يرضى الله عنا لأننا حينئذ نصبح قادرين على أن نعرف سيرة النبي  على وجه أفضل، ونصبح أكثر استعداداً لكي نجعله مثالاً لنا نصلح به عثراتنا ونقتدي به. ولهذا كان الاحتفال بالمولد فضلاً عظيماً أرسل ألينا.

    قبول النبي  للقصائد المنظومة في مدحه
    في زمن النبي  كان من المعروف أن الشعراء يأتون بقصائد كثيرة يمدحونه فيها ويذكرون فيها غزواته ومعاركه وصحابته. والبرهان على ذلك واضح من الأشعار الكثيرة الواردة في سيرة ابن هشام، وأعمال الواقدي وغيرهما، وقد كان النبي  راضياً عن الشعر الحسن وجاء في «الأدب المفرد» للبخاري قوله: «في الشعر حكمة». كما أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهو عم النبي  قد نظم شعراً مدح فيه مولد النبي  ومن هذه الأبيات المذكورة في «حسن المقصد» للسيوطي (صفحة 5) وكتاب المولد لابن كثير (صفحة 30):

    وأنت لما ولدت أشرقت ال
    فنحن في ذلك الضياء وفي أرض وضاءت بنورك الأفق
    النور وسبل الرشاد نخترق

    قال ابن كثير في كتاب المولد: قال أصحاب رسول الله  كنا إذا اشتدت الحرب اتقينا برسول الله  ، وقد كان يوم حنين حين انهزم أصحابه عنه وولوا مدبرين. ولم يبق إلا في نحو من مئة من أصحابه، وحده في مواجهة عدة من الألوف، في العدة الباهرة من الرماح والسيوف، وهو مع ذلك على بغلته يهمزها إلى وجوه أعدائه وينوه باسمه ويقول:

    أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
    وقد رضي النبي  عن الذين مدحوه لأن في ذلك امتثالاً لأمر الله وقد أعطاهم مما أعطاه الله. فلو عملنا شيئاً للتقرب من النبي فإنما نكون نعمل للتقرب من الله عز وجل كما أن التقرب من النبي  يعود علينا بمرضاة الله تعالى.

    غناء وإنشاد الشعر
    وقال ابن القيم في كتاب مدارج السالكين أن النبي  أقر عائشة على غناء القينين يوم العيد. وقال لأبي بكر "دعهما. فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا أهل الإسلام". وبأنه  أذن بالغناء في العرس وسماه لهواً. وقد سمع رسول الله  الحداء (أي الشعر). وأذن فيه. وكان يسمع أنساً والصحابة، وهم يرتجزون بين يديه في حفر الخندق:

    نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا

    ودعا لحسان أن يؤيده الله بروح القدس ما دام ينافح عنه وكان يعجبه شعره وقال له اهجهم وروح القدس معك. وأنشدته عائشة قول أبي بكر الهذلي:
    ومبرئ من كل غبّر حيضة
    وإذا نظرت إلى أسرة وجهه وفساد مرضعة وداء مغيل
    برقت كبرق العارض المتهلل
    وقال عائشة «أنت أحق بهذا البيت يا رسول الله» فسر بقولها.

    وقد ذكر ابن القيم أيضاً قصيدة عبد الله بن رواحة المطولة في مدح النبي  عندما دخل مكة، وبأنه دعا له. كما أنه  خلع بردته على كعب بن زهير بعد أن ألقى قصيدته الشهيرة في مدح النبي وطلب النبي  من أسود بن سارح بأن يصنع قصائد يثني فيها على الله عز وجل، كما أنه  طلب من أحدهم أن ينشد معلقة «أمية بن أبي السلط».

    ترتيل وتلاوة القرآن
    يقول ابن القيم في كتابه (ص. 488): أذن الله لنبيه  بأن يرتل القرآن. وفي ذات يوم كان أبو موسى الأشعري يرتل القرآن على مسمع من النبي  ، فلما فرغ أثنى عليه لترتيله وقال له: إنك لذو صوت حسن، والله لقد أعطيت مزماراً من مزامير داوود. فقال أبو موسى: يا رسول الله لو كنت أعلم بأنك تسمعني لرتلت بصوت لم تسمع مثله قط. وتابع ابن القيم يقول بأن النبي  قال: «زينوا القرآن بأصواتكم» و«من لم يرتل القرآن فليس منا».

    ويعلق ابن القيم في الصفحة 490 قائلاً: «الطرب جائز طالما أنه موافق للشرع» وهو كالاستمتاع بمنظر جميل للجبال أو الطبيعة، أو برائحة زكية، أو مأكل طيب، ولو كان الاستماع للصوت الحسن حراماً لكان الاستمتاع بكل هذه الأشياء حراماً أيضاً.
    ويختتم ابن القيم بقوله (صفحة 498): والاستماع إلى صوت حسن في احتفالات المولد النبوي أو أية مناسبة دينية أخرى في تاريخنا لهو مما يدخل الطمأنينة إلى القلوب ويعطي السامع نوراً من النبي  إلى قلبه ويسقيه مزيداً من العين المحمدية.


    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    تحديد النبي  لأيام وأماكن ولادة الأنبياء
    لقد حدد النبي  في حديثه أيام وأماكن ولادة الأنبياء السابقين. فمن حديثه عن مكانة يوم الجمعة أنه قال: في هذا اليوم خلق الله آدم، وفيه أن أهمية يوم الجمعة تعود لكون آدم ولد فيه وهو نبي وأب لجميع الناس فكيف باليوم الذي خلق فيه أعظم الأنبياء وخير البشر. عن العرباض بن ساريه السلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله : إني عند الله لخاتم النبيين وآدم مجندل في طينته رواه ابن كثير في كتاب مولد رسول الله  ورواه أحمد في مسنده والبيهقي في دلائل النبوة.
    عن شداد بن عويس أمر جبريل عليه السلام النبي  بصلاة ركعتين ببيت لحم ثم قال له: أتدري أين صليت؟ قال: لا، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى رواه البزار وأبو يعلي والطبراني. وكذلك الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، ورجاله رجال الصحيح ج1 ص47 وقد نقل هذه الرواية الحافظ بن حجر في الفتح ج7 ص199.

    إجماع العلماء على جواز المولد
    إن إقامة ذكرى المولد النبوي لعمل تقبّله علماء المسلمين في جميع أنحاء العالم. وهذا يعني أن الله عز وجل يقبله بحسب ما جاء في الحديث عن ابن مسعود بأن ما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح، أخرجه أحمد في المسند.

    تاريخ الاحتفال بالمولد
    المولد في مكة بحسب المؤرخين المسلمين وتكريم موضع ولادة النبي 
    مكة، أم القرى، زادها الله رفعة وشرفاً، هي رائدة المدن الإسلامية في الاحتفال بالمولد وغيره. وقد ذكر الأزرقي وهو من مؤرخي القرن الثالث الهجري في كتابه أخبار مكة (ص. 160 الجزء الثاني) أنه من بين الأماكن التي تستحب الصلاة فيها المنزل الذي ولد فيه النبي . وقال أيضاً بأن المنزل قد تم تحويله سابقاً إلى مسجد على يد أم الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد.

    كما ذكر النقاش وهو من علماء القرآن (ص. 266 – 351) بأن موضع ولادة النبي  هو مكان يستجاب فيه الدعاء عند الظهر من كل يوم اثنين. ذكره الفاسي في كتاب شفاء الغرام (ص. 199 الجزء الأول)، وغيره‎.

    أول ذكر لاحتفال عام بالمولد
    إن أقدم المصادر التي ذكر فيها إقامة احتفال عام لذكرى المولد هي كتاب رحال (ص. 114 115) لابن جبير (ولد عام 540 وتوفي عام 614 هجرية):
    يفتح هذا المكان المبارك أي منزل النبي  ويدخله جميع الرجال للتبرّك به في كل يوم اثنين من شهر ربيع الأول ففي هذا اليوم وذاك الشهر ولد النبي .
    وذكر أبو العباس العظافي وابنه أبو القاسم العظافي وهما من مؤرخي القرن السابع عشر في كتاب الدر المنظم والذي لم ير سبيله إلى النشر:
    كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف. وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار.

    ويروي ابن بطوطة المؤرخ الشهير من القرن الهجري الثامن في رحلته (الجزء الأول ص. 309 – 347) : أنه بعد كل صلاة جمعة وفي يوم مولد النبي  يفتح باب الكعبة بواسطة كبير بني شيبة، وهم حجّاب الكعبة، وأنه في يوم المولد يوزع القاضي الشافعي وهو قاضي مكة الأكبر نجم الدين محمد ابن الإمام محيي الدين الطبري الطعام على الأشراف وسائر الناس في مكة.

    ثلاث روايات للاحتفال بالمولد من القرن العاشر
    الوصف التالي يطابق رواية ثلاث شهود أعيان لمرجعيات من القرن العاشر الهجري: وهم المؤرخ ابن زهيرة في كتابه الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها (ص. 326)، الحافظ ابن حجر الهيثمي من كتاب لم ينشر له بعنوان كتاب المولد الشريف المعظم، والمؤرخ النهروالي من كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ص. 205:

    في اليوم الثاني عشر لربيع الأول من كل عام وبعد صلاة المغرب يخرج قضاة المذاهب الأربعة في مكة مع أعداد غفيرة من الناس بما فيهم الفقهاء والفضلاء والشيوخ ومدرسي الزوايا وتلاميذهم وكذلك الرؤساء والمتعممين من المسجد ويقومون جميعاً بزيارة لموضع ولادة النبي  وهم يذكرون ويهللون. أما البيوت التي تقع في طريقهم فتضاء جميعها بالمشاعل والشموع الكبيرة وتتواجد خارجها وحولها جموح غفيرة من الناس حيث يلبس الجميع ثياباً خاصة ويأخذون أولادهم معهم. وعندما يصلون إلى موضع الولادة تلقى خطبة خاصة لذكرى مولد النبي  ثم يتم الدعاء للسلطان ولأمير مكة وللقاضي الشافعي ثم يصلي الجميع بخشوع. ثم قبيل صلاة العشاء يعود الجميع إلى المسجد الكبير وهو يعج بالناس فيجلسون في صفوف متراصة عند أعتاب مقام إبراهيم. وفي المسجد يبدأ الخطيب بالحمد والتهليل ثم الدعاء مرة أخرى للسلطان وللأمير وللقاضي الشافعي. بعد ذلك يؤذن لصلاة العشاء ويتفرق الجمع بعد الصلاة. وجاء وصف مطابق لهذا في كتاب تاريخ الخميس للديار بكري المتوفى عام 960 للهجرة.

    الاحتفال بالمولد في البلاد الإسلامية المعاصرة
    في كل دولة إسلامية معاصرة تجد الناس يحتفلون بذكرى المولد النبوي الشريف. وهذا ينطبق على مصر، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق، الكويت، الإمارات، السعودية، (في أكثر البيوت وليس على الصعيد الرسمي)، السودان، اليمن، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا، جيبوتي، الصومال، تركيا، باكستان، الهند، سريلانكا، إيران، أفغانستان، أذربيجان، أوزباكستان، التركستان، البوسنة (يوغوسلافيا سابقاً)، إندونيسيا، ماليزيا، بروناي، سنغافورة، ومعظم الدول الإسلامية الأخرى. وفي أكثر الدول العربية يعتبر عطلة رسمية. فكل هذه الدول تحتفل بهذه المناسبة. فكيف يا أمة الإسلام تقوم فئة قليلة وتقول بأنه حرام مع أننا أوردنا رأي ابن القيم وسنقوم الآن بعرض رأي ابن تيمية وغيره.

    الاحتفال بالمولد في مفهوم العلماء السلفيين والمدارس الأخرى
    رأي ابن تيمية بالاحتفال بالمولد
    هذا هو رأي الإمام ابن تيمية في المولد من مجمع فتاوى ابن تيمية الجزء 23 ص. 1634:
    فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله 

    إجازة الإمام أحمد لتزيين المصحف
    ونذكر هنا حادثة وقعت للإمام أحمد ابن حنبل شيخ مذهب ابن تيمية. فقد أخبره بعض الناس أن أميراً أنفق ألف دينار على تزيين مصحف فقال لا بأس فهذا خير مكان ينفق فيه الذهب.

    ونسأل هل كان ابن تيمية يروّج بدعة عندما أذن بالاحتفال بالمولد؟
    فهو لم يكتف بإجازته بل ذكر أن للمحتفلين أجراً عظيماً. نسأل أيضاً هل كان الإمام أحمد يصطنع بدعة عندما أجاز بتزيين المصحف. الجواب على كلا السؤالين هو النفي المطلق.

    رأي ابن تيمية في مجالس الذكر
    وهذا هو رأي ابن تيمية في مجالس الذكر ويقع في الجزء 22 ص. 523، طبعة الملك خالد بن عبد العزيز لمجمع فتاوى ابن تيمية:
    وسئل رحمه الله عن الفقراء يجتمعون في مسجد يذكرون ويقرأون شيئاً من القرآن ثم يدعون ويكشفون رؤوسهم ويبكون ويتضرعون وليس قصدهم من ذلك رياء ولا سمعة، بل يفعلونه على وجه التقرب لله تعالى فهل يجوز ذلك أم لا؟
    فأجاب: الحمد لله، الاجتماع على القراءة والدعاء حسن مستحب.

    ثناء ابن كثير على ليلة المولد
    ويذكر الإمام ابن حجر العسقلاني وهو محدث من أتباع ابن تيمية في كتاب الدرر الكامنة في عين الماء الثامنة. عن ابن كثير يقول وفي آخر أيامه دوّن كتاباً عنوانه مولد رسول الله  بلغت شهرته الآفاق. هذا الكتاب يجيز ويحض على الاحتفال بالمولد، وفي ص. 19 يقول: إن ليلة مولد النبي  كانت ليلة شريفة عظيمة مباركة سعيدة على المؤمنين، طاهرة، ظاهرة الأنوار جليلة المقدار.

    آراء أخرى بالاحتفال بالمولد
    وبحسب مفتي مكة أحمد زين المعروف بدهلان في كتابه السيرة النبوية والآثار المحمدية ص. 51: إن الاحتفال بالمولد وتذكر النبي  مقبولان عند جميع علماء المسلمين وأكثر الاقتباسات التالية مأخوذة من هذا الكتاب.
    قال الإمام السبكي: عندما نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف يدخل الأنس قلوبنا ونشعر بشيء غير مألوف.
    وقال الإمام الشوكاني في كتابه «البدر الطالع»: «إن الاحتفال بالمولد النبوي جائز». ويذكر أن الملاّ علي القاري كان له الرأي نفسه في كتاب اسمه المورد الراوي في المولد النبوي، وقد وضعه خصيصاً ليؤيد الاحتفال بالمولد النبوي.
    وقال الإمام أبو شامة، شيخ الإمام النووي: أفضل ذكرى في أيامنا هي ذكرى المولد النبوي. ففي هذا اليوم يكثر الناس من الصدقات ويزيدون في العبادات ويبدون كثيراً من المحبة للنبي  ويحمدون الله تعالى كثيراً بأن أرسل إليهم رسوله ليحفظهم على سنة وشريعة الإسلام.
    وقال الإمام السخاوي: بدأ المولد بعد ثلاثة قرون من وفاة النبي  واحتفلت به جميع الأمم الإسلامية، كما تقبله جميع العلماء بعبادة الله وحده بالصدقات وتلاوة السيرة النبوية.
    وقال الحافظ ابن حجر الهيثمي: كما أن اليهود تحتفل بيوم عاشوراء بالصوم حمداً لله كذلك علينا الاحتفال بيوم المولد.
    وأورد الحديث المذكور آنفاً: عندما قدم النبي  إلى المدينة… فيستفاد منه (أي حديث صوم عاشوراء) فعل الشكر لله تعالى على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة. ويعاد هذا في نظير ذلك اليوم من كل سنة. والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من نعمة ظهور هذا النبي الذي هو نبي الرحمة في ذلك اليوم.


    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فضل الموت يوم الاثنين كما أورده البخاري
    قال الإمام القسطلاني: وقد خصّ البخاري في كتابه عن الجنائز باباً خاصاً عن فضل الموت يوم الاثنين وفيه:
    عن عائشة قالت دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي ، قالت في ثلاث أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي النبي ؟ قالت يوم الاثنين، قال فأي يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل رواه البخاري في باب الجنائز باب موت يوم الاثنين.
    ويتابع الإمام القسطلاني فيقول: فلماذا دعا أبو بكر لكي يكون موته يوم اثنين؟ أوليس لكونه يوم وفاة النبي  ولكي يجوز على بركة ذلك اليوم فهل اعترض أحد على رغبة أبي بكر؟ ولماذا نرى أناساً يعترضون على الاحتفال والاهتمام بيوم المولد بقصد التبرك.

    إجازة النبي  لضرب الدف عند حسن القصد
    قال الشيخ ابن عباد في رسائله إن للمولد النبوي مستنداً، يمكن أن يستروح منه وهو أن امرأة جاءت إلى النبي  عند قفوله من بعض غزواته، فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب على رأسك بالدف فقال لها  أوفي بنذرك. الحديث مشهور.

    رواه أبو داود كتاب الإيمان باب 22، والترمذي في المناقب باب 17، والإمام أحمد ج 5 ص. 353 – 356.
    وتابع ابن عباد يقول: وما لا شك فيه أن ضرب الدف نوع من اللهو، حتى ولو أن النبي  أمرها بإيفاء نذرها فقد فعله لحسن قصدها في تكريمه بعودته سالماً وليس بغرض معصية أو إضاعة الوقت. ويستتبع ذلك أنه لو احتفل أحدهم بالمولد النبوي بطريقة سليمة ونية حسنة بقراءة السيرة والثناء عليه لكان ذلك جائزاً.

    ليلة المولد أعظم من ليلة القدر
    قال ابن مرزوق: «قال الشيخ محيي الدين النووي الشافعي، بأن ليلة القدر هي أفضل من ليلة المولد وذلك إقرار من الشيخ بوجود ما يسمى بليلة المولد، لكن في رأيي حتى مع كون الشيخ محيي الدين عالماً ومحدثاً عظيماً فإن ليلة المولد هي أفضل من ليلة القدر ولو لم يكن محمداً لما كان هناك إسلام، والقرآن. ففي تلك الليلة أرسل الله رسوله الحبيب الذي جاء بالإسلام والقرآن ولما عرفنا الإسلام حتى وإن كان محمداً لا يزال في نطاق العبودية والله هو الخالق».

    ليلة الإسراء والمعراج أعظم من ليلة القدر
    وقد أورد ابن القيم في كتابه البدائع الجزء الثالث ص. 162 ما يلي:
    وسئل شيخ الإسلام عن ليلة القدر أيهما أفضل؟ فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي وليلة القدر أفضل إلى الأمة الخ…
    ونحن نتساءل: إذا كان ابن تيمية قد سلّم بأن ليلة الإسراء يمكن اعتبارها أفضل من ليلة القدر لماذا لا تقبلوا منا أن نعتبر ليلة المولد أفضل من ليلة الإسراء بما أن ليلة المولد هي التي ولد فيها من قام بالإسراء والمعراج؟ وهكذا نقول كما قال ابن مرزوق: «ليلة المولد هي أفضل من ليلة القدر».

    الاحتفال بالمولد أمر مندوب
    يقول الإمام السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد ص. 54 – 62:
    «أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربى… وكذلك نقول: أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوب وقربى… وهذا معنى نية المولد، فهي نية مستحسنة بلا شك، فتأمل.
    ويتابع الإمام السيوطي ص. 64 – 65:
    وظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي، عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي  عقّ عن نفسه بعد النبوة. مع أنه قد ورد أن عبد المطلب قد عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل على أن الذي فعله النبي  كان إظهاراً للشكر على إيجاد الله تعالى إياه، رحمة للعالمين، وتشريفاً لأمته، كما كان يصلي على نفسه، لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان، وإطعام الطعام، ونحو ذلك من وجود القربات، وإظهار المسرات.
    وهذا الحديث يؤكد الحديث السابق الذي يحدد فيه النبي  بأن يوم الاثنين هو يوم مولده ويوم نبوّته.

    شفاعة النبي في مفهوم العلماء السلفيين والمدارس الأخرى
    لقد أثنى الله سبحانه وتعالى على النبي  أمام المؤمنين إذ قال:
    لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة: 128).
    فالله تعالى أعطى النبي  الشفاعة لأنه أثنى عليه وباركه وصلى عليه وشرفه كثيراً ولولا ذلك لما أعطاه الشفاعة.
    والأحاديث التالية تبين أنه حتى آدم لم يعط الشفاعة وبأن يهود خيبر كانوا يستشفعون به في دعائهم. ونحن في ذلك نفعل ما أمرنا به: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وإن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.

    أحاديث شفاعة النبي 
    روى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي بسنده المذكور في مجموعة الفتاوى للعلامة ابن تيمية، ج2 ص.150، عن ميسة رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله متى كنت نبياً؟ قال لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، وخلق العرش، كتب على ساق العرش محمد رسول الله خاتم الأنبياء، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه الله تعالى، نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله أنه سيد ولدك فلما أغراهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه.

    رأي ابن القيم في شفاعة النبي 
    قال العلامة ابن القيم في الجامع الفريد ص 493:
    عن ابن عباس رضي الله عنهما كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود خيبر فعانت اليهود بهذا الدعاء فقالت: «اللهم نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم»، قال فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان. فلما بعث النبي  كفروا به. فأنزل الله عز وجل: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا يعني بك يا محمد.

    رأي ابن القيم في أن النبي  هو الوسيلة العظمى
    وقد صرح ابن القيم الجوزية في كتابه زاد المعاد بقوله:
    لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم.
    فعلم أن الوسيلة التي تحصل بها السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة هي ذوات الأنبياء والرسل، وأيضاً أن الوسيلة تحصل بها الحوائج، وحصول الحاجة نعمة من الله، الوسيلة تحصل بها النعمة، ومن حصلت به النعمة فهو أيضاً نعمة، لأنه سبب النعمة. فإذا ثبت أن الوسيلة نعمة وإحسان من الله، فمن يكون أكمل نعمة فهو أكمل وسيلة، ولا شك أن ذوات الأنبياء والرسل من أعظم نعمه تعالى فجازت أن تكون وسيلة.
    إذا تقرر هذا فاعلم أن النعمة الكبرى والإحسان الأكبر والمن الأعظم من الله عز وجل هو ذات محمد ، لأنه هو الرسول الأعظم ورحمة للعالمين وخاتم النبيين وشفيع المذنبين، إذ قال الله تعالى في إعلاء شأن محمد عليه أفضل السلام وأتم التسليم على العالمين: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فثبت أن النبي  هو الوسيلة العظمى وصاحب المرتبة العليا في الدنيا والآخرة، فلا يحصل الفلاح والسعادة لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا به وبواسطته.

    موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التوسل كما نشرتها جامعة محمد بن سعود الإسلامية في المملكة العربية السعودية في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب
    ينسب كثير من الناس اليوم إلى محمد بن عبد الوهاب أموراً تناقض ما درّس في زمانه من تعاليم. وقد حصل هذا أيضاً في أثناء حياته كما تبين الرسائل التي كتبها إلى قادة المسلمين وعلمائهم في العراق والقصيم والتي يبين فيها أنه لم يكن في يوم من الأيام ضد التوسل ولا ضد الثناء على النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ولا ضد دلائل الخيرات ولا ضد ابن عربي وابن الفارض ولا ضد زيارة قبر النبي  بل إنه يقبل بجميع هذه الأمور ولم يقل قط بأنها شرك أو ضلال.
    وقد وقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا الميدان موقفاً عظيماً، قد يستنكره كثير ممن يدعي أنه منسوب إليه ومحسوب عليه، ثم يكيل الحكم بالتكفير جزافاً لكل من خالف طريقته ونبذ فكرته، وها هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب ينكر كل ما ينسب إليه من هذه التفاهات والسفاهات والافتراءات فيقول ضمن عقيدته في رسالته الموجهة لأهل القصيم قال:
    ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي.
    فمنها: قوله: أني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وأني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء وأني أدعي الاجتهاد، وأني خارج من التقليد، وأني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق وأني أقول: لو أقدر على هدم قبة رسول الله  لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وأني أحرم زيارة قبر النبي  ، وأني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وأني أكفر من حلف بغير الله، وأني أكفر ابن الفارض وابن عربي، وأني أحرق دلائل الخيرات، وروض الرياحين، وأسميه روض الشياطين.
    جوابي عن هذه المسائل: أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت  أنه يسب عيسى ابن مريم، ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب، وقول الزور.

    (أنظر مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، القسم الخامس: الرسائل الشخصية، طبعة 1980، ص11 – 12، ص61، ص 64، وهو في الدرر السنية الجزء الأول، ص 28).

    الخاتمة:
    ليس المولد عيداً
    وسنفسر دقائق ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منشورات لاحقة. أما الآن فقد أوردنا والحمد لله أدلة كافية بما لا يدع مجالاً للشك بأن الاحتفال بالمولد وكل ما يعود بالثناء والاحترام على نبي الإسلام  كالصلوات وتلاوة السيرة والقصيدة والمدح، وأي صورة من الأذكار ليست فقط جائزة بحسب جميع المرجعيات الواردة، بل إنه وحسب جميع المصادر محمودة ومندوبة طالما لم نجعلها عيداً رسمياً لأنه وكما قلنا في البداية بأن هناك عيدان: عيد الأضحى، وعيد الفطر نقول بأن الاحتفال بمولد النبي  هو مناسبة تجلب الفرح والبركة وليست عيداً.

    ليس لأحد الاعتراض على المولد
    يا أهل الإسلام، يا أمة النبي ، احتفلوا بنبيكم بكل فخر وفرح ولا تتنازعوا في أمور تجلب الفتن والفوضى. لا تمنعوا أحداً من الاحتفال واتركوا الناس تفعل ما تمليه قلوبها ولنقف صفاً واحداً بالامتثال لأمر الله في كتابه العزيز (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ولنبتهل إلى الله تعالى طالبين العون على أعداء الإسلام، ذلك خير من الاختصام والمجادلة.



    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    نبدأ ... و على الله التكلان ..

    المولد النبوي الشريف
    نورد هنا حجج من أنكر مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ثم نورد حجج المجيزين
    والمبيحين لها وردهم على المنكرين بادئين برأي المنكرين وأهم حججهم:
    1. أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي  حين قال: ( وَإِيّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ، فَإِنّ كُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة ) فقوله (كل بدعة ضلالة ) عموم لا مخصص له يدخل فيه كل أمر مخترع محدث لا أصل له في دين الله والعلماء مجمعون على أنه أمر محدث فصار الأمر إلى أنه بدعة ضلالة تودي بصاحبها إلى النار.


    2. أن الممارس لهذا الأمر - أي بدعة المولد- كأنه يتهم الرسول  بالخيانة وعدم الأمانة -و العياذ بالله- لأنه كتم على الأمة ولم يدلها على هذه العبادة العظيمة التي تقربها إلى الله. قال الإمام مالك – رحمه الله -: ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا  خان الرسالة لأن الله يقول " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا ).


    3. البدعة في الاحتفال بالمولد النبوي جعل ذلك الاجتماع المخصوص بالهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص لأن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  قال: ( لاَ تَخْتَصّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِي وَلاَ تَخُصّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيّامِ إِلاّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُم ).


    4. أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال  ( مَنْ تَشَبّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم ).



    5. أن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي  منهم ، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام لأن فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم انهم لا يحبون النبي  وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدوه بأرواحهم وبآبائهم وأمهاتهم رضي الله عنهم وأرضاهم .


    6. لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله  وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص.


    7. أنه مجاوزة للحد المشروع في إقامة الأعياد فليس في شرعنا نحن المسلمين إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع .



    8. أن الفرح بهذا اليوم والنفقة فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه النبي  فكيف يفرح فيه.


    9. لا يجوز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بقوله تعالى " قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا
    يَجْمَعُون " لأنه قد فسر هذه الآية الكريمة كبار المفسرين، كابن جرير وابن كثير والبغوي و القرطبي وابن العربي وغيرهم، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله ولأن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي  وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة.


    10. لا يجوز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في الصحيح في كتاب الصيام ( عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ  سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاِثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيّ ) لأن الرسول  لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه يوم ولادته وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر.



    11. لا يجوز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد بما جاء في البخاري أنه يخفَف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما بشرته بولادة المصطفى  لأنه مرسل كما يتبين من سياقه عند البخاري أن ذلك الخبر لو كان موصولا لا حجة فيه لأنه رؤيا منام ورؤيا المنام لا يثبت بها حكم شرعي ولأن هذا الخبر مخالف لظاهر القرآن حيث في الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة؛ وهذا مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى"وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ".

    12. أن أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد - صاحب إربل الملك المظفر .


    13. اشتمال الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور التي لا تتفق مع مقاصد الشرع المطهر كالدروشة والرقص والطرب وهز الرؤوس كما أن فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي  أمته صراحة فقد قال  ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ) فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه وذكر أن هذا مما وقع فيه النصارى وكان سبب انحرافهم .وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء التي تنفق فيها الأموال الطائلة وتنشد فيها المدائح النبوية التي تشتمل على أعظم أنواع الغلو فيه  وهو غلو مذموم في شخص النبي  و من أعظم الذرائع المؤدية للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله عز وجل. وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك . وقد حذر النبي  أمته من ذلك فقال  إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ).


    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    _____________.. الألباني .. و ابن عثيمين .. و ابن باز ... قولهم ملخصاً في الأعلى __________


    الرد عليها ........ نبدأ .. الأولى ..

    1. في معرض ما ذكره المنكرون من أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وأن فيه اتهام للرسول  بالخيانة لأنه لم يدلنا على هذه العبادة العظيمة نورد ما يلي:
    أولاً: يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي الحسني: ( إن الاجتماع لأجل المولد النبوي الشريف ما هو إلا أمر عادي وليس من العبادة في شئ فهل يبقى بعد هذا إنكار لمنكر واعتراض لمعترض. ويقول أيضا: إن أقل الطلاب علماً يعلم الفرق بين العادة والعبادة وحقيقة هذه وتلك.. إلى أن يقول: والحاصل أن الاجتماع لأجل المولد النبوي أمر عادي ولكنه من العادات الخيرة الصالحة التي تشتمل على منافع كثيرة وفوائد تعود على الناس بفضل وفير.. ويقول كذلك: وإن هذه الاجتماعات هي وسيلة كبرى للدعوة إلى الله وهي فرصة ذهبية ينبغي ألا تفوت بل يجب على الدعاة والعلماء أن يذكروا الأمة بالنبي  بأخلاقه وآدابه وأحواله وسيرته ومعاملته وعباداته وأن ينصحوهم ويرشدوهم إلى الخير والفلاح ويحذروهم من البلاء والبدع والشر والفتن فهي وسيلة شريفة إلى غاية شريفة ومن لم يستفد شيئاً لدينه فهو محروم من خيرات المولد الشريف ) انتهى بتصرف.

    وتفصيل ذلك أن أحكام التشريع الإسلامي مقسمة إلى قسمين قسم متعلق بالعبادات وقسم متعلق بالمعاملات
    فأما الأول فيشمل الصلاة وتندرج تحتها صلاة الفريضة وصلاة التطوع والصيام ويندرج تحته صيام الفريضة وصيام التطوع والزكاة وتندرج تحتها زكاة الفريضة بأنواعها وصدقة التطوع والحج ويندرج تحتها حج الفريضة وعمرة التطوع
    ويشمل كذلك العبادات المرتبطة بهذه العبادات كالوضوء وأذكار الأذان والإقامة وكالاعتكاف وأحكام المساجد والنذور وغيرها
    وهذه العبادات الأصل فيها التوقيف أي الأصل فيها ورود نص قرآني أو نبوي يبين لنا مناسكها وكيفيتها لقول الحبيب المصطفى  (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم )،

    وأما القسم الثاني وهو قسم المعاملات فهو كل ما هو ليس من جنس العبادات المفصلة في القسم الأول وهذه الأصل فيها الإباحة ما لم يرد نص قرآني أو نبوي فيها بنهي أو تحريم.
    وهذه القاعدة الفقهية يلخصها لنا الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: ( والأصل في هذا، أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها، إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله، إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه، إذ الدين ما شرعه الله، والحرام ما حرمه الله، بخلاف الذين ذمهم الله، حيث حرموا من دون الله ما لم يحرمه الله، وأشركوا بما ما لم ينزل به سلطانا، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته، والحرام ما حرمته، والدين ما شرعته ) انتهى.

    وفي ذلك أيضاً يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: ( ومما يدل على هذا الأصل المذكور ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نعزل، والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن). فدل على أن ما سكت عنه الوحي غير محظور ولا منهي عنه، وأنهم في حل من فعله حتى يرد نص بالنهي والمنع.

    وهذا من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم. وبهذا تقررت هذه القاعدة الجليلة: ألا تشرع عبادة إلا بشرع الله، ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله ) انتهى.

    ويقول أيضاً في موضع آخر: ( بناء على هذا قرروا أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، حتى لا يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله، أما في العادات والمعاملات فالأصل فيها الإباحة. وهناك فائدة أخرى لهذا التقسيم، نبه عليها الإمام الشاطبي وغيره، وهي: أن الأصل في جانب العبادات هو التعبد، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد، أما العادات أو المعاملات فالأصل فيها الالتفات إلى ما وراءها من المعاني والحكم والمقاصد.

    فإذا أمر الشارع مثلا بذبح الهدي في الحج، فهذا أمر تعبدي لا يجوز تركه، والتصدق بثمن الهدي، لما في ذلك من تعطيل هذه العبادة الشعائرية. ولكن إذا حث الشارع على ربط الخيل واقتنائها والاهتمام بها لقتال الأعداء، ثم تغير الزمن وأصبح الناس يركبون للحرب الدبابات والمدرعات بدل الخيل، أصبح الاهتمام بهذه الأسلحة الجديدة هو التنفيذ العملي لما جاء من حث على رباط الخيل، بناء على رعاية المعاني والمقاصد التي تفهم من وراء ما جاءت به نصوص الشرع هنا.

    فهذا هو سر تقسيم الفقهاء أحكام الفقه إلى عبادات ومعاملات، وهذا هو أثره، وإن كان التزام أحكام الشرع في كل المجالات هو عبادة بالمعنى الشامل الذي بيناه من قبل.) انتهى.

    وعلى هذا يكون ما درج عليه المسلمون من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مندرج تحت قسم العادات والمعاملات فالأصل فيه الإباحة ما لم ترتكب مخالفات شرعية ورد النهي عنها كاختلاط أو شرب مسكر أو إسراف وتبذير منكر أو ما شابه فيكون المنع والتحريم قاصراً على هذه الممارسات الوارد فيها النهي أو التحريم لا على أصل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أما ما يذهب إليه القائلون بعدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بناءً على قاعدة كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فقد تبين أن هذا الأصل خاص بقسم العبادات إذ الأصل فيها التوقيف ولا يجوز فيها إحداث عبادة مبتدعة على نحو لم يرد عن رسول الله  أو صحابته الغر الميامين بأي وجه كان


    نرجو القراءة ... بتمعن .. وعقلانية .. و النظر إلى المصادر .. وشكراً

    و أرجو من أهل السفاهة المجادلة بعلم .. أو الرحيل بحلم
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الرد الثاني ..

    ثانياً: في نشرة صادرة عن دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدبي إدارة الإفتاء والبحوث ورد فيها ما يلي: (قال المعارض إن لفظة كل الواردة في الحديث كل بدعة ضلالة من ألفاظ العموم تشمل جميع أنواع البدع بدون استثناء فهي ضلالة.

    وبقولهم وتجرئهم هذا هم يرمون علماء الأمة بالابتداع وعلى رأسهم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه فإن قلتم إن النبي  أقره على ذلك نقول لكم سوف نأتيكم بأفعال أخرى فعلها الصحابة و التابعون بعد وفاته , فهل تتهمونهم بالبدعة و الضلال أم ماذا؟؟!
    فإليكم أفعالهم رضي الله عنهم:
    جمع القرآن: حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (( قبض النبي  ولم يكن القرآن جمع في شئ)).
    وعمر هو الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن في مصحف حيث كثر القتل بين الصحابة في واقعة اليمامة، فتوقف أبو بكر وقال: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ قال عمر: هو والله خير (أنظر إلى قوله: هو والله خير)، فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره له، وبعث إلى زيد بن ثابت فكلفه بتتبع القرآن وجمعه، قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما كلفني به من جمع القرآن ثم قال: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله ؟ قال: هو خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري. والقصة مبسوطة في صحيح البخاري.
    مقام إبراهيم عن البيت: أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة قالت: إن المقام كان في زمن النبي  وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر.
    قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ولم تنكر الصحابة فعل عمر، ولا من جاء بعدهم فصار إجماعا، وكذلك هو أول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن.
    زيادة الأذان الأول يوم الجمعة: ففي صحيح البخاري عن السائب بن زيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي  وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم . فلما كان عثمان.. زاد الأذان الثالث. باعتبار إضافته إلى الأذان الأول و الإقامة، ويقال له أول باعتبار سبقه في الزمان على أذان الجمعة، ويقال له ثاني بإسقاط اعتبار الإقامة.
    الصلاة على النبي: صلى الله عليه وآله وسلم التي أنشأها سيدنا علي رضي الله عنه وكان يعلمها للناس. ذكرها سعيد بن منصور وابن جرير في تهذيب الآثار وابن أبي عاصم ويعقوب بي شيبة في أخبار علي، والطبراني و غيرهم.
    ما زاده ابن مسعود في التشهد: بعد (ورحمة الله وبركاته) كان يقول: السلام علينا من ربنا. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد.
    زيادة عبد الله بن عمر البسملة في أول التشهد: وكذلك ما زاده في التلبية بقوله: (( لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل..)) وهو مبسوط في صحيح البخاري، ومسلم، الخ من زيادة الصحابة وعلماء وفضلاء الأمة.
    فكل هؤلاء ابتدعوا أشياء رأوها حسنة لم تكن في عهد المصطفى  وهي في العبادات، فما قولكم فيهم؟ وهل هم من أهل الضلال والبدع المنكرة أم ماذا؟ (( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين)) وفي نفس النشرة في موضع آخر تم فيها الرد على المعارضين لكل ما لم يفعله الرسول  بما يلي: (فقد أحدثتم في أصل العبادات مسائل كثيرة لم يفعلها  ولا الصحابة ولا التابعون ولا حتى تابعي التابعين فعلى سبيل المثال لا الحصر:
    جمع الناس على إمام واحد لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وغيرهما من المساجد.
    قراءة دعاء ختم القران في صلاة التراويح وكذلك في صلاة التهجد.
    تخصيص ليلة (27) لختم القرآن في الحرمين.
    قول المنادي بعد صلاة التراويح: (صلاة القيام أثابكم الله).
    قول: إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد ألوهية، وتوحيد ربوبية، وتوحيد أسماء وصفات. فهل هذا حديث شريف، أو قول أحد من الصحابة أو الأئمة الأربعة؟!!


    إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره من تخصيص هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجامعات إسلامية، وجمعيات لتحفيظ القرآن، ومكاتب دعوة وإرشاد، وأسابيع احتفال المشايخ، ومع ذلك فنحن لا ننكر هذه الأشياء إلا أنها من البدع الحسنة التي ينكر هؤلاء القوم على من يفعل أمثالها ثم يفعلونها.
    ففعلكم لهذه المبتدعات التشريعية التي لم يفعلها الرسول  فيه تعارض واضح مع قاعدتكم التي تقول: أن العبادات توقيفية وإن كل ما لم يفعله الرسول  وأصحابه فهو بدعة (سيئة) ) انتهى بتصرف.

    ولا عبرة بقول المعترض إن ما ذكر من أمور أحدثها الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين بعد النبي  ليس بحجة لأن فعل الصحابي في حد ذاته حجة لقول النبي  عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فهذا حجة على القائل لا حجة له من وجهين :-

    الأول أن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين والذين أمرنا بالاقتداء بهم لا يمكن أن يخالفوا أمراً صريحاً للنبي  دل هذا على أنهم فهموا من قوله  كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة أنه كل محدثة مخالفة للكتاب والسنة أما ما عدا ذلك فلا حرج ولو لم يكن كذلك لما أحدثوا بعده  فعلاً مطلقاً وبعض ما أحدثوه كان في أمور تعبدية كالأذان الذي استحدثه سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه وكالزيادات التي زادها كل من عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين في التشهد والمذكورة أعلاه.

    والوجه الثاني - في كون ذلك حجة على القائل - أنه بذلك يقر ضمناً بما أحدثه الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعد النبي  وهذا إقرار ضمني بجواز إحداث ما لم يفعله المصطفى  مما ليس مخالفاً للكتاب والسنة لأن ذلك من سنة الصحابة كما بينته النشرة السابقة بالأمثلة والنبي  - كما احتج المعترض – يقول: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) والحديث قال عنه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين للإمام الغزالي: ( رواه أبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية ) انتهى.
    ولقول النبي  كما في كشف الخفاء للإمام العجلوني: (أصحابي كالنجوم، فبأيهم اقتديتم اهتديتم. رواه البيهقي، و أسنده الديلمي عن ابن عباس بلفظ أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم ) انتهى.

    فإذا أجزنا عملاً لم يفعله المصطفى  ولكنه ليس مخالفاً للكتاب والسنة فقد اقتدينا في ذلك بفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

    ويقول الشيخ البروفيسور محمد علوي المالكي: ( ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة منكرة سيئة يحرم فعلها ويجب الإنكار عليها بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجب، أو على محرّم فهو محرّم، أو على مكروه فهو مكروه، أو على مباح فهو مباح، أو على مندوب فهو مندوب، وللوسائل حكم المقاصد، ثم قسّم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام:
    واجبة: كالرد على أهل الزيغ وتعلّم النحو.
    ومندوبة: كإحداث الربط والمدارس، والأذان على المنائر، وصنع إحسان لم يعهد في الصدر الأول
    . ومكروه: كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف.
    ومباحة: كاستعمال المنخل، والتوسع في المأكل والمشرب.
    ومحرمة: وهي ما أحدث لمخالفة السنة ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتو على مصلحة شرعية.
    قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود). وجرى الإمام العز بن عبد السلام والنووي كذلك وابن الأثير على تقسيم البدعة إلى ما أشرنا إليه سابقاً.
    فكل خير تشمله الأدلة الشرعية ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين.

    وقول المتعصب إن هذا لم يفعله السلف ليس هو دليلاً له بل هو عدم دليل كما لا يخفى على مَن مارس علم الأصول، فقد سمى الشارع بدعة الهدى سنة ووعد فاعلها أجراً فقال  : (مَنْ سَنّ فِي الإسْلاَمِ سُنّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمَلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجُورِهِمْ شَيْئا وَمَنْ سَنّ فِي الإسْلاَمِ سُنّةً سَيّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئا) ) انتهى بتصرف.
    ويقول الشيخ الحبيب علي الجفري: ( لم يكن الصحابة عندهم حفل تخرج لحفظة القرآن ولم يكن عند الصحابة جامعات إسلامية ) انتهى فكما أن المحتجين على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يقولون لنا أنه لم يرد عن النبي  ولا عن صحابته ولا عن السلف الصالح من القرون الخيرية الأولى أنهم احتفلوا بمولده فكذلك يحتج عليهم الشيخ الحبيب علي الجفري بأنه لم يرد عن النبي  أنه احتفل بحفظ أحد من صحابته للقرآن الكريم ولا فعل ذلك صحابته ولا ورد فعله عن السلف الصالح من القرون الخيرية الأولى وكلا الأمرين احتفال وكلا الاحتفالين تحفيز على عمل الخير بنية مرضاة الله تعالى وشكره.

    وهذه اللفتة من الشيخ الحبيب علي الجفري كما هو بين لا يقصد منها حقيقة الإنكار على حفلات تخريج حفظة القرآن الكريم بل التنبيه على الشبه بين الأمرين في مشروعية الاحتفال بتخريج حفظة كتاب الله تعالى والاحتفال بيوم مولد المصطفى  بكثرة الذكر والصلاة عليه والصيام والصدقة وغيرها. ومن العجيب رد أحدهم على قول الحبيب الجفري السابق بقوله: (فإقامة حفل لحفظة القرآن الكريم إنما هو من أجل تشجيع الحفظة على حفظ كتاب الله تعالى
    . وأي غضاضة في ذلك فهو لم يقرن بمحرم ولا بدعة زمانية ولا بدعة مكانية فهو من جنس المباحات التي أباحها الله ثم ما يحصل في حفل لحفظ كتاب الله مخالف تماما لما يحصل في المولد من البدع والمحدثات ) انتهى.

    فقوله (فهو لم يقرن بمحرم ولا بدعة زمانية ولا بدعة مكانية فهو من جنس المباحات التي أباحها الله) مع أن النبي  لم يفعله مع صحابته ولا فعله صحابته من بعده هو ما نقوله أيضا في حق المولد النبوي الشريف وما يتم فيه من ذكر وتسبيح وصلاة على النبي  واستذكار لسيرته وإكثار من التصدق في هذا اليوم والصيام وغيره من الأعمال الصالحات التي جاءت الآثار الصحيحة بالحث عليها.
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الرد الثالث :-

    ثالثاً: إن الحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضا وحديث ( كل محدثة بدعة ) يفسره حديث ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )

    وهذا يعني أن الأمر المحدث المعتبر بدعته وضلالته في الحديث الأول هو فقط الأمر الذي تنطبق عليه صفة ( ما ليس منه ) كما وضح في الحديث الثاني وليس هو على إطلاقه كما استشكل على المنكرين ،
    ويفصل لنا معنى (ما ليس منه) ما ورد في فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام المناوي: ( ( ما ليس منه) أي رأياً ليس له في الكتاب أو السنة عاضد ظاهر أو خفي ملفوظ أو مستنبط (فهو ردّ) أي مردود على فاعله لبطلانه من إطلاق المصدر على اسم المفعول، وفيه تلويح بأن ديننا قد كمل وظهر كضوء الشمس بشهادة " اليوم أكملت لكم دينكم " فمن رام زيادة حاول ما ليس بمرضي لأنه من قصور فهمه أما ما عضده عاضد منه بأن شهد له من أدلة الشرع أو قواعده فليس بردّ بل مقبول كبناء نحو ربط ومدارس وتصنيف علم وغيرها ) انتهى.


    وكذلك ما ورد في عون المعبود شرح سنن ابي داود (عن القاسم بن محمد): أي ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (من أحدث): أي أتى بأمر جديد (في أمرنا هذا): أي في دين الإسلام (ما ليس فيه): أي شيئاً لم يكن له سند ظاهر أو خفي من الكتاب والسنة (فهو): أي الذي أحدثه (رد): أي مردود وباطل ) انتهى. ولذلك ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ما أوردناه آنفاً أنهم أحدثوا أموراً لم يفعلها النبي  ولم ينكر بعضهم على بعض.

    فالحاصل أنه ليس كل ما أحدث فهو باطل هكذا على الإطلاق وإنما الأمر محصور فقط فيما أحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة.

    فكما أنه لا يجوز الاكتفاء بحديث ( كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ ) في تحريم دم المسلم مطلقاً لورود حديث آخر يفسره ويبينه ويفصله وهو حديث (لا يَحِلّ دَمُ امرئ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلا الله وأَنّي رَسُولُ الله إلاّ بإحْدَى ثَلاَثٍ: الثّيّبُ الزّانِي والنّفْسُ بِالنّفْسِ والتّارِكُ لِدِيِنِه المُفَارِقُ للْجَمَاعَة ) فكذلك لا يجوز الاكتفاء بحديث ( كل محدثة بدعة ) في تحريم كل أمر محدث مطلقاً وإغفال حديث ( ما ليس منه ) والله تعالى يقول: " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض " ولذلك قسم العلماء البدعة كما ذكرنا سابقاً ومن ذلك ما ذكره الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم بقولهقوله  (وكل بدعة ضلالة) هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع.

    قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة…الخ) ومن أنكر عليهم ذلك فقد وقع في قوله تعالى "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض" فتأمل.

    .................. أرجو القراءة بعقلانية ... وتمعن .
    رد مع اقتباس  
     

  9. #9 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الرد الرابع :-

    رابعاً: إن قول القائل أن المقصود من قول النبي  (مَنْ سَنّ فِي الإسْلاَمِ سُنّةً حَسَنَةً ) معناه من أحيا سنة من سنن النبي  وليس معناه من استحدث عملاً لم يعمله النبي  مستدلاً بقول النبي  (من أحيا سنة من سنتي فعمل بِهَا النَّاس، كَانَ لَهُ مثل أجر من عمل بِهَا لاَ ينقص من أجورهم شيئاً. ومن ابتدع بدعة فعمل بِهَا، كَانَ عَلَيْهِ أوزار من عمل بِهَا لاَ ينقص من أوزار من عمل بِهَا شيئاً) هو قول مردود من عدة أوجه:

    1) أن الحديث القائل " من أحيا سنة من سنتي " دليل على أن الحديث الثاني " من سن في الإسلام سنة حسنة " بمعنى من استحدث وليس بمعنى من أحيا لأنهما حديثان منفصلان فالأول يتحدث عن فضل من أحيا سنة من سنن المصطفى  قد أميتت كما في رواية الترمذي وابن ماجة أما الثاني ففي حق من استحدث أمراً حسناً لم يعمله المصطفى  ولو كان الحديث الأول تفسيراً للثاني لاكتفى برواية من أحيا ومن ابتدع إذ الفرق واضح في اللغة بين أحيا وبين سن.
    2) ليس في شروح العلماء المحدثين لهذا الحديث القول بالإحياء بل قالوا إنه بمعنى من أتى بطريقة أو من دعا إلى أمر وهذا يشمل الأمر المحدث والأمر غير المحدث.
    3) ليس الإحياء في اللغة من معاني السن.




    4) يدلل على أن معنى سن في الحديث أي استحدث ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح المبسوط قوله: ( والحاصل أنه يبدأ بما أدرك مع الإمام لقوله : (إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا). وكان الحكم في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته حتى أن "معاذاً" رضي الله عنه جاء يوماً وقد سبقه النبي  ببعض الصلاة فتابعه فيما بقي ثم قضى ما فاته فقال : ما حملك على ما صنعت يا معاذ؟ فقال: وجدتك على حالٍ فكرهت أن أخالفك عليه فقال : سن لكم معاذ سنة حسنة فاستنوا بها ) انتهى. وفعل معاذ رضي الله تعالى عنه على ما هو بين استحداث لفعل لم يأمر به النبي  وليس إحياء لسنة من سننه.
    5) يستلزم من تأويل قوله  " من سن في الإسلام سنة حسنة " بمعنى من أحيا سنة حسنة أن نقول بذلك في باقي الحديث " ومن سن في الإسلام سنة سيئة " أي من أحيا سنة سيئة وهذا باطل لأنه ليس في سنن النبي  سنة سيئة.

    ________________

    الرد الخامس :-

    . في معرض ما ذكره المنكرون من أن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة نورد ما يلي:
    إن القول بأن تخصيص ليلة المولد النبوي الشريف ويومه بالاحتفال بالذكر وإلقاء الخطب والمواعظ أو بالصيام والتصدق وما إلى ذلك مما يندرج تحت بند العبادات غير جائز لأن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة هو قول مغلوط لأنه لا ينطبق على مسألتنا لأن ذلك مقصور على عبادات الفرائض فهذه تخصيصها بوقت معين هو أمر توقيفي كوقت صلاة الفريضة ووقت الصيام المفروض ووقت وجوب زكاة الفريضة ووقت الحج أما ما يخص العبادات التطوعية فهي مشروعة في كل وقت وحين باستثناء الأوقات الوارد فيها النهي عن عبادة بعينها كالصلاة في أوقات الكراهة وكصيام أيام العيدين والأيام المنهي عن الصيام فيها وما إلى ذلك مما ورد فيه نص أما سائر الأوقات مما لم يرد فيها نص مخصوص فإنه يباح فيها كل تطوع قولي أو فعلي من ذكر أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تطوع بصلاة أو صيام أو صدقة أو عمرة سواء خصص لهذه العبادات التطوعية وقت مخصوص أم لم يخصص ما لم يكن هذا الوقت المخصوص ورد النهي فيه عن تطوع بعينه على النحو الذي مثلناه.
    ومع أن هذا الأمر بين وليس بحاجة لإثبات إلا أننا مع ذلك نسوق الدليل عليه وهو الحديث الوارد في فتح الباري بشرح صحيح البخاري أنه كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس (وانظر هنا لتخصيصه رضي الله تعالى عنه يوم الخميس بإلقاء المواعظ ) فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم (وانظر هنا إلى عدم اعتراض القائل على تخصيص يوم الخميس بعينه دون سائر الأيام لإلقاء المواعظ كما يعترض المنكرون على تخصيص ليلة المولد النبوي الشريف بالذكر وإلقاء المواعظ ) قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي  يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. وفي هذا الرد البليغ على المنكرين بتخصيص يوم مولده  بالذكر والموعظة وسائر القربات وكذلك رد على استنكارهم عدم دوام إلقاء الخطب والمواعظ وحلقات الذكر في سائر أيام السنة كما يحدث في هذا اليوم وفي سائر أيام المناسبات الإسلامية الأخرى كيوم الإسراء والمعراج ويوم بداية السنة الهجرية وغيرها فنجيبهم أن تخصيص هذه المناسبات بالمواعظ والدروس هو امتثال لقوله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) (ابراهيم:5) ولا يخفى ما في استهداف هذه الأيام والمناسبات بتذكير الناس ووعظهم من اقتداء بأمر الله تعالى لنبيه موسى عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة وأزكى وأتم التسليم في قوله تعالى( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ) وما في ذلك من اتباع لسنة المصطفى  وسنة صحابته الكرام من بعده رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم في تخير المناسبات والأوقات وما يناسبها من مواعظ لما في ذلك من حكمة بينها لنا الحبيب المصطفى  التي لا يكون معها مخافة السآمة كما في الحديث السابق. وفي هذا المعنى يقول الشيخ الدكتور محمد بن علوي المالكي: (إن في شهر ولادته يكون الداعي أقوى لإقبال الناس واجتماعهم وشعورهم الفياض بارتباط الزمان بعضه ببعض، فيتذكرون بالحاضر الماضي وينتقلون من الشاهد إلى الغائب ) انتهى.
    أما الدليل الذي ساقه المنكرون على أن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة وهو الحديث الذي رواه مسلم وفيه لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي فهو دليل عليهم ويوضح ذلك قول الإمام الخطيب الشربيني في كتاب مغني المحتاج تعليقاً على هذا الحديث: (وظاهر تخصيصه ليلة الجمعة أنه لا يكره تخصيص غيرها وهو كذلك) انتهى.
    وإتماماً للفائدة بخصوص هذا الحديث نورد ما قاله الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث إذ يقول: (قال العلماء: والحكمة في النهي عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقول الله تعالى: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً " وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة، فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى. فالجواب أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة، وقيل سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت، وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه، وقيل سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد وبيوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك فالصواب ما قدمنا والله أعلم) انتهى.
    رد مع اقتباس  
     

  10. #10 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الرد السادس :-

    . وفي معرض الرد على شبهة التشبه بالنصارى في احتفالهم بعيد ميلاد المسيح عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم نورد ما يلي:
    أولاً: ورد في الموسوعة الفقهية لمجموعة من العلماء تصدرها وزارة الأوقاف الكويتية شرحاً لحديث من تشبه بقوم فهو منهم ما نصه: ( هَذَا , وَالتَّشَبُّهُ فِي غَيْرِ الْمَذْمُومِ وَفِيمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّشَبُّهُ لَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ : إنَّ التَّشَبُّهَ ( بِأَهْلِ الْكِتَابِ ) لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ , بَلْ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشَبُّهُ . قَالَ هِشَامٌ : رَأَيْت أَبَا يُوسُفَ لَابِسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَيْنِ بِمَسَامِيرَ فَقُلْت أَتَرَى بِهَذَا الْحَدِيدِ بَأْسًا ؟ قَالَ : لَا , قُلْت : سُفْيَانُ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ كَرِهَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرُّهْبَانِ , فَقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَهَا شَعْرٌ وَإِنَّهَا مِنْ لِبَاسِ الرُّهْبَانِ " ) انتهى.


    ثانياً: يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي تعليقاً على هذا الحديث: (والمراد: التشبه بهم فيما هو من سماتهم الدينية خاصة ) انتهى.

    ومعلوم أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس من سمات النصارى ولا أي طائفة أخرى إذ لا يعترف بنبوته  أصلاً أحد من غير المسلمين فضلاً عن أن يحتفلوا بهذه المناسبة فليس في الاحتفال بمولده  تشبه بأحد بل هو خاص بهذه الأمة.

    ثالثاً: وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والبيهقي عن ابن عباس قال: "قدم النبي  المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى، وأغرق فيه آل فرعون، فصامه موسى شكرا لله. فقال رسول الله : فنحن أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله  وأمر بصيامه" وقد أورد الإمام النووي في شرح مسلم حديث قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح: (أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله  بصيامه حتى فرض رمضان) وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والبيهقي عن ابن عباس قال: "حين صام رسول الله  يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه تعظمه اليهود، فقال رسول الله : إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا يوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله ".

    وقد علق الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي على ذلك بقوله: (على أن موافقة النبي لليهود في أصل الصيام كانت في أوائل العهد المدني إذ كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه استمالة لهم، وتألفا لقلوبهم، فلما استقرت الجماعة الإسلامية، وتبينت عداوة أهل الكتاب للإسلام ونبيه وأهله أمر بمخالفتهم في تفاصيل الصوم مع الإبقاء على أصله احتفالا بالمعنى العظيم الذي ذكرناه، فقال  "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما وبعده يوما" رواه أحمد. وقد دخل الصحابة أنفسهم -في أواخر العهد المدني- ما داخل السائل من موافقة أهل الكتاب مع حرصه  على تميز أمته عن مخالفيهم في العقيدة ويتجلى هذا فيما رواه مسلم عن ابن عباس قال: لما صام رسول الله  يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله . والراجح، الذي يفهم من هذا الجواب ومن الآثار الأخرى أنه  لن يقتصر على اليوم العاشر بل يضيف إليه التاسع مخالفة لليهود والنصارى) انتهى.

    فتأمل قوله (أمر بمخالفتهم في تفاصيل الصوم مع الإبقاء على أصله احتفالا بالمعنى العظيم) فليست المخالفة وعدم التشبه في ترك الاحتفاء بالذكرى وإلا لكان الرسول  قد دعانا لذلك وفي ذلك رد على من قال بالتشبه بالنصارى وغيرهم لأن فعل الرسول  في هذه الحادثة دليل على بقاء مشروعية الاحتفال بذكرى نصر الله تعالى لنبيه موسى عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم وإن كان اليهود يعظمون ذلك اليوم لأن المناسبة لا تخص اليهود وحدهم.

    فكيف بذكرى المولد النبوي الشريف والتي تخصنا وحدنا نحن المسلمين ولا يشاركنا فيها أحد من أهل الملل الأخرى ولذلك استنبط الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) من هذا الحديث جواز عمل المولد____________


    الرد السابع :-

    . وفي معرض الرد على قول المنكرين أن في الاحتفال بالمولد النبوي قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي  منهم نورد ما يلي:

    أولاً: يقول الإمام أبي العزائم: ( إن إحياء ليالي المولد الشريف وإن لم يظهر في عهد السلف فإن أنفسهم كلها كانت ذكرى له  وبه تحف وكانت قلوبهم تتمثله في كل همة وحركة وتستحضره  في كل لمسة وسكنة وقد شغلت الدنيا وحظوظها القلوب فاحتاجت إلى اليقظة لذكر شمائل الحبيب المحبوب لتحيا في رياض الشهود ) انتهى. وفي هذا رد أيضاً على من قال بأنه لو كان هذا الاحتفال خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا إذ شتان بين عهد الصحابة والسلف رضوان الله تعالى عنهم وانشغالهم في كل أحوالهم وأوقاتهم بحب المصطفى  واتباع سنته وبين عهودنا التي شغلت الدنيا فيها أكثر أهلها. ولكي يتضح الفرق نورد ما ذكر في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير قوله تعالى " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا ": (روى ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول اللّه  وهو محزون، فقال له النبي : "يا فلان مالي أراك محزوناً"؟ فقال: يا نبي اللّه شيء فكرت فيه، فقال ما هو؟ قال: نحن نغدوا ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً ترفع مع النبيين، فلا نصل إليك، فلم يرد عليه النبي  شيئاً، فأتاه جبريل بهذه الآية: " ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين " الآية، فبعث النبي  فبشره. وعن عائشة، قالت: جاء رجل إلى النبي ، فقال: يا رسول اللّه! إنك لأحب إليَّ من نفسي، واحب إليَّ من أهلي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلتّ الجنة رفعتَ مع النبييّن، وإن دخلتُ الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي  حتى نزلت عليه " ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ".

    وثبت في صحيح مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي  فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل فقلت: يا رسول اللّه أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: "أو غير ذلك؟" قلت: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"

    وقال الإمام أحمد عن عمروا بن مرة الجهني، قال: جاء رجل إلى النبي  فقال: يا رسول اللّه شهدت أن لا إله إلا اللّه، وأنك رسول اللّه؛ وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان، فقال رسول اللّه  : "من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين.

    وقد ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متوترة عن جماعة من الصحابة أن رسول اللّه  سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال: "المرء مع من أحب". قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث، وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحب رسول اللّه  وأحب أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما، وأرجوا أن اللّه يبعثني معهم، وإن لم أعمل كعملهم.

    قال الإمام مالك بن أنس عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول اللّه  : "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول اللّه تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين" (أخرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم) قال تعالى: " ذلك الفضل من اللّه " أي من عند اللّه برحمته، وهو الذي أهّلهم لذلك لا بأعمالهم، " وكفى باللّه عليماً " أي هو عليم بمن يستحق الهداية) انتهى.

    وكذلك يقول الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في إحدى محاضراته الصوتية المسجلة: (لما جيء بزيد بن الدثنة رضي الله عنه ليقتل هو الآخر قال له أبو سفيان وكان مشركاً رحمه الله تعالى كان آنذاك مشركا قال أنشدك الله يا زيد - أي أسألك بالله لا تكذبني لا تكذبني في الجواب - أتحب أنك في أهلك آمنا مطمئناً وأن محمداً في مكانك هنا فقال والله لا أحب أن أكون في بيتي آمناً مطمئناً وإن محمداً ليشاك بشوكة - أي أوثر أن ألقى مصيري هذا في سبيل ألا يشاك رسول الله شوكة واحدة - نظر أبو سفيان متعجبا وقال والله ما رأيت قوماً أشد حبا لشخص من حب أصحاب محمد لمحمد …
    ولذلك فالله عز وجل أودع في كيانك عوامل حب المصطفى لما أودع في شخص المصطفى أسباب هذا الحب "وإنك لعلى خلق عظيم" ، " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" انظر كيف صاغ رب العالمين رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام حتى يسهل حب الناس له ولذلك كان الرجل ينظر إلى رسول الله  من خلال منظار عدائه له فلا يرى من خلال هذا المنظار إلا صفة العداء والبغضاء في كيانه يكون هذا محجوباً عن رسول الله  لكن إذا أشاح عن وجهه هذا الحجاب ونظر إلى رسول الله من خلال طبيعته البشرية في اللحظة ذاتها يتحول من عدو لدود إلى عاشق محب وهذا ما وقع عندما جاء ذلك الأعرابي فاخترط سيف رسول الله  ليقتله وهو نائم والقصة تعرفونها سقط السيف من يده وعفا عنه رسول الله  وأشهد على هذه الحادثة بعضاً من أصحابه تحول الرجل في تلك اللحظة من العداوة والبغضاء إلى الحب الشديد والعجيب جداً له وأسرع عائداً إلى قومه يقول لهم جئتكم من عند خير الناس.. رجل اسمه فضالة كان يوم الفتح يتربص برسول الله ليقتله - مشرك ما أسلم - رأى رسول الله  آتياً من بعد يريد أن يطوف بالكعبة فاختبأ وراء ركن من أركان الكعبة ينتظر أن يأتي الرسول إليه ليفاجئه فيقتله، الرسول نبي والله يقول " والله يعصمك من الناس" ألهم الله رسوله أن هذا يريد قتله ترك رسول الله طوافه وغير مساره واتجه من طرف آخر إلى فضالة يعني فضالة كان ينتظر أن يأتيه رسول الله هكذا سار رسول الله معاكساً وفاجأه من الطرف الآخر لما فوجئ به فضالة قال له رسول الله متبسماً أفضالة؟

    قال نعم قال ماذا تصنع؟ قال لا شيء أسبح الله فضحك المصطفى عليه الصلاة والسلام ودنا منه ووضع يده الشريفة على صدره يقول فضالة فوالله لم يكن في الدنيا رجل أبغض إلي من رسول الله ما رفع يده عن قلبي حتى لم يكن رجل في الدنيا أحب إلي من رسول الله  وعاد إلى داره ورأسه يفيض نشوة بهذا الحب كان في طريقه إلى الدار امرأة بينها وبينه خلة في الجاهلية لما رأته آتياً من بعيد ظنت أنه جاء ليزورها كالعادة فدعته إلى مجلسها ولكنه رفض ونشوة هذا الحب تطوف في رأسه قال قالت هلم إلى الحديث فقلت:لا.
    يأبى علي الله والإسلام ** لوما رأيت محمدا وصحابه
    في الفتح يوم تكسر الأصنام ** لرأيت دين الله أضحى واضحاً
    والكفر مرغ وجهه الإظلام.

    هذا الحب هو الذي يقود الإنسان إلى السلوك وإذا خلا إيمان المرء من هذا الحب كان هذا الإيمان أشبه بسيارة فارغة من الوقود مهما كانت في هيكلها رائعة ومهما كانت حديثة الصنع فإنها لا تفعل شيئاً وقود الإيمان هو الحب حب الله عز وجل وحب رسوله 

    وبهذا الحب قال زيد بن الدثنة هذا الكلام أين نحن أيها الإخوة من هذا الحب؟ نحن في أحسن أحوالنا وظروفنا مؤمنون إيماناً عقلانياً يعني موقنون أما هذا الولع لرسول الله - فرعاً عن الولع بالله فرعاً عن محبة الله لأن حب رسول الله غصن مقدس من جذع محبة الله عز وجل -

    هذا الشيء مفقود وعندما يوجد لا يوجد منه إلا شيء بسيط لا يحرك ساكناً ولا يقوم اعوجاجاً ولذلك تجد أن المعاصي كثيرة وأن الانزلاق إلى الدنيا هو شغلنا الشاغل لأن القلب إذا فرغ من حب الله وحب رسوله لابد أن يمتلئ بحب الدنيا مستحيل إما هذا وإما ذاك فالآن نحن نعافس الدنيا فاضت أفئدتنا حباً للدنيا وحباً لشهواتها وأهوائها .. أصحاب رسول الله  كانوا يتحركون ويضحون ويفعلون ما يفعلون بسائق واحد هو هذا الحب ) انتهى بتصرف.


    كما ينقل لنا الإمام عز الدين أبو العزائم صور من تعلق قلب السلف الصالح بالنبي  في كل حين فأورد لنا ما يلي: (وفي الشفاء للقاضي عياض أن مصعب بن عبد الله قال كان مالك إذا ذكر النبي  يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه فقيل له يوماً في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت ما أنكرتم علي ما ترون. وكذلك قوله لقد كنت أرى محمد بن المنكدرة وكان سيد القراء لا تكاد تسأله عن حديث أبداً إلا ويبكي حتى ترحمه.

    ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذكر عنده النبي  اصفر وما رأيته يحدث عن رسول الله إلا على طهارة ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي  فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة منه لرسول الله  ولقد كنت أرى عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي  بكى ولا يزال يبكي حتى يقوم الناس ويتركوه. إلى أن يقول ومن تعظيم مالك لرسول الله  كراهته أن يقال زرنا قبر النبي  - وكره تسوية النبي  مع الناس بهذا اللفظ - وأحب أن يخص بأنه يقال سلمنا على النبي .

    وقال أيضا (أي القاضي عياض في الشفاء) كان أصحاب النبي  بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وكذلك كثير من التابعين منهم من يفعل ذلك محبة له وشوقاً إليه ومنهم من يفعله تهيباً وتوقيراً ) انتهى بتصرف.


    ثانياً: يقول الشيخ البروفيسور محمد علوي المالكي: (إن الله تعالى قال: " وكلاًّ نقصُّ عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك " فهذا يظهر منه أن الحكمة في قصّ أنباء الرسل عليهم السلام تثبيت فؤاده الشريف بذلك ولا شك أننا اليوم نحتاج إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره أشد من احتياجه هو  ) انتهى.


    ثالثاً: يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: ( هناك لون من الاحتفال يمكن أن نقره ونعتبره نافعا ًللمسلمين،ونحن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول  ولا بالهجرة النبوية ولا بغزوة بدر، لماذا؟ لأن هذه الأشياء عاشوها بالفعل، وكانوا يحيون مع الرسول ، كان الرسول  حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله  كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي ، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه الأشياء. ثم جاء عصر نسي الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعاني التي ماتت والتذكير بهذه المآثر التي نُسيت، صحيح اتُخِذت بعض البدع في هذه الأشياء ولكنني أقول إننا نحتفل بأن نذكر الناس بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة المحمدية، فعندما أحتفل بمولد الرسول فأنا أحتفل بمولد الرسالة، فأنا أذكِّر الناس برسالة رسول الله وبسيرة رسول الله.

    وفي الهجرة أذكِّر الناس بهذا الحدث العظيم وبما يُستفاد به من دروس، لأربط الناس بسيرة النبي  (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) لنضحي كما ضحى الصحابة، كما ضحى علِيّ حينما وضع نفسه موضع النبي ، كما ضحت أسماء وهي تصعد إلى جبل ثور، هذا الجبل الشاق كل يوم، لنخطط كما خطط النبي للهجرة، لنتوكل على الله كما توكل على الله حينما قال له أبو بكر: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال: "يا أبا بكر ما ظنك في اثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".

    نحن في حاجة إلى هذه الدروس فهذا النوع من الاحتفال تذكير الناس بهذه المعاني، أعتقد أن وراءه ثمرة إيجابية هي ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بسيرة النبي  ليأخذوا منه الأسوة والقدوة، أما الأشياء التي تخرج عن هذا فليست من الاحتفال ؛ ولا نقر أحدًا عليها ) انتهى.
    رد مع اقتباس  
     

  11. #11 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10



    الرد الثامن :-

    . وفي معرض الرد على من يقول أنه ليس في شرعنا إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع نورد ما يلي:
    أخرج ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه، فقال عمر: وأي آية يا كعب؟ فقال " اليوم أكملت لكم دينكم " فقال عمر: لقد علمت اليوم الذي أنزلت، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت في يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد. فهل تجاوز سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه الحد المشروع باعتباره يوم الجمعة ويوم عرفة عيد؟!، وتأمل عدم استنكار عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه مبدأ اتخاذ اليوم الذي نزلت فيه الآية عيداً بل استفسر عن الآية ثم لما علمها فرح وحمد الله تعالى لأن اليوم الذي نزلت فيه هو فعلياً يوم عيد للمسلمين. وماذا يقول هذا القائل فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبى هريرة عن النبي  "يوم الجمعة يوم عيد. فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده" وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري ما نصه: (قال الحافظ: ذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه واختلف في سبب النهي عن إفراده على أقوال: أحدها: لكونه يوم عيد والعيد لا يصام. واستشكل ذلك مع الإذن بصيامه مع غيره، وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة ) انتهى.

    فلا يخفى ما في تسمية الجمعة ويوم عرفة وغيرها بالعيد من المجاز لكونها أيام اجتماع وفرح وسرور لا أنها أعياد على الحقيقة فليس في هذه الأيام صلاة عيد كعيد الفطر وعيد الأضحى بل هو المجاز وفي ذلك يقول القائل إن كل يوم لا نعصي الله فيه هو لنا عيد أي يوم فرح وسرور وكذلك الحال مع يوم المولد النبوي الشريف الذي هو كما يصفه الشيخ هشام قباني بقوله: (نقول بأن الاحتفال بمولد النبي  هو مناسبة تجلب الفرح والبركة وليست عيداً) انتهى. أي ليست عيداً بالمعنى الشعائري التعبدي لأن ذلك قاصر على عيدي الفطر والأضحى إذ لعيد الفطر وعيد الأضحى شعائرهما الخاصة وعلى رأسها صلاة العيد.



    ______________

    الرد التاسع :-

    . وفي معرض الرد على قول القائل أن الفرح بهذا اليوم والنفقة فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه نورد ما يلي:
    أولاً: الأصل في الاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف هو الفرح بيوم مولده لا بيوم وفاته والرسول  يقول " إنما الأعمال بالنيات "






    ثانياً: أورد السيوطي حديث " من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه في سنته " وقال أورده الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد وصححه السيوطي وقال حديث صحيح. وقد تعارف المسلمون منذ عهد النبي  إلى يومنا هذا على صيام هذا اليوم والاحتفال به لأنه يوم أعز الله فيه نبيه موسى عليه السلام كما سبق ذكره ولم يقل أحد بوجوب ترك تعظيم هذا اليوم وصيامه والتوسيع فيه على العيال لأنه ذات اليوم الذي قتل فيه سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه سبط النبي  ولا يعلم من الفرح والسرور بهذا اليوم الذي نصر الله تعالى فيه نبيه موسى عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم فرح بقتل الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه وكذلك الحال مع الفرح بيوم مولده  فلا يعلم منه فرح بوفاته .






    وقد ورد رداً على هذه الشبهة في نشرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدبي ما نصه: ( يقول المعارض: إن يوم ولادته  هو نفس يوم وفاته فالفرح فيه ليس بأولى من الحزن، ولو كان الدين بالرأي لكان اتخاذ هذا اليوم مأتما ويوم حزن. ونقول: ما شاء الله على هذه الفصاحة العرجاء والتي سيجيبكم عليها العلامة جلال الدين السيوطي كما في (الحاوي للفتاوى ص193، طبعة دار الكتب العلمية) حيث قال ما نصه: (( إن ولادته  أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح عقيقة ولا بغيره، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته  دون إظهار الحزن فيه بوفاته، وقد قال ابن رجب في كتابه (اللطائف) في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل مقتل الحسين رضي الله تعالى عنه: ولم يأمر الله ولا رسوله  باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم)) ) انتهى.

    ثالثاً: يقول الشيخ هشام قباني: ( قال الإمام القسطلاني: وقد خص البخاري في كتابه عن الجنائز بابا خاصا عن فضل الموت يوم الاثنين وفيه: عن عائشة قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي ؟ قالت: في ثلاثة أثواب سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة.

    وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله ؟ قالت: يوم الإثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين.
    قال: أرجو فيما بيني وبين الليل. رواه البخاري في باب الجنائز باب موت يوم الاثنين،

    ويتابع الإمام القسطلاني فيقول: فلماذا دعا أبو بكر لكي يكون موته يوم اثنين؟ أوليس لكونه يوم وفاة النبي  ولكي يحوز على بركة ذلك اليوم فهل اعترض أحد على رغبة أبي بكر؟ ولماذا نرى أناساً يعترضون على الاحتفال والاهتمام بيوم المولد بقصد التبرك ) انتهى.

    وكما أن رغبة الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه بأن يكون يوم وفاته هو ذات اليوم الذي توفي فيه الحبيب المصطفى  هو من قبيل التماس بركة هذا اليوم وليس من قبيل الفرح بيوم وفاته  فكذلك الاحتفال بيوم مولده هو التماس لبركات هذا اليوم وابتهاج باليوم الذي قال عنه العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأرضاه في معرض مدحه للنبي :
    وأنـت لمّا وُلدتَ أشرقت ال
    أر ضُ فـضاءت بنورِها الأفـقُ
    فـنحن في ذلك الضياء وفي
    النّورِ وسُـبْلِ الـرشادِ نَخْترِقُ
    وليس من قبيل الفرح بيوم وفاته .
    رد مع اقتباس  
     

  12. #12 رد : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الرد العاشر :-

    . وفي معرض الرد على القول بعدم جواز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بقوله تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " لأن كبار المفسرين لم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله ولأن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة نورد ما يلي:
    أولاً: في إحدى محاضراته ساق الأستاذ البشير المحمودى الخطيب والواعظ بمدينة مراكش مجموعة من الأدلة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ذكر منها : (ما استنبطه الألوسي من تفسير قول الله تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا" فالرسول  رحمة كما قال عز و جل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" و كما جاء في الحديث: "إنما أنا رحمة مهداة " فوجب من هنا الاحتفال و الفرح بهذه الرحمة ) انتهى.


    ثانياً: إن القول بأن كبار المفسرين لم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله  ليس صحيحاً ففي كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي ذكر عدة أقوال للصحابة والتابعين في تفسير فضل الله ورحمته وذكر منها ما يلي: (أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله " قل بفضل الله وبرحمته " قال: بكتاب الله وبالإسلام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله " قل بفضل الله وبرحمته " قال: فضله الإسلام ورحمته القرآن.

    وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما " قل بفضل الله " القرآن " وبرحمته " حين جعلهم من أهل القرآن وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلم، ورحمته محمد ، قال الله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء الآية 107) … ومنها أيضاً … وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما " قل بفضل الله " قال: النبي ، " وبرحمته " قال: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) انتهى بتصرف.

    وقد ذكرنا استشهاد العلامة الألوسي عند تفسيره لهذه الآية في تفسيره روح المعاني على أن الرسول  رحمة بقوله  (إنما أنا رحمة مهداة) والحديث صححه السيوطي في الجامع الصغير.

    فالقول بأنه ليس في تفسير أكابر المفسرين أن المقصود بالرحمة في الآية الرسول  قول عار عن الصحة. كما أن من استدل بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أخذ عموم ما في الآية من معنى ندب الفرح بكل ما هو من فضل الله ورحمته – مما هو خير من متاع الدنيا الزائل - وأي رحمة إلهية أعظم من النبي  كما يقول الشيخ هشام قباني كما أنه لا فرق بين ما ورد من أن المقصود من الفرح بالرحمة في الآية الفرح بالإسلام وبين ما ورد من أنها الفرح بالنبي  فالفرح بمولده  هو فرح بنعمة الإسلام وفرح بأن شرفنا الله تعالى فجعلنا من خير الأمم وجعلنا من أمة خير الأنام  فمولده  هو مولد لرسالة الإسلام ولذا قال العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأرضاه في معرض مدحه للنبي :
    وأنـت لمّا وُلدتَ أشرقت ال ****
    أر ضُ فـضاءت بنورِها الأفـقُ
    فـنحن في ذلك الضياء وفي ****
    النّورِ وسُـبْلِ الـرشادِ نَخْترِقُ
    ثالثاً: يعزز من جواز الاستدلال بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إظهاراً للسرور والفرح والابتهاج بمولده  وبكل ما هو مظهر من مظاهر فضل الله تعالى ورحمته الحديث المذكور في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: (حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ حَدّثنِي أَبي قال حدّثنِي عَبْدُ اللّهِ بن بُرَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: "خَرَجَ رسُولُ اللّهِ  في بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْتُ نَذْرتُ إِنْ رَدّكَ اللّهُ صَالِحاً أنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بالدّفّ وَأَتغَنّى. فَقَالَ لها: رَسُولُ اللّهِ  إنْ كُنْتِ نَذَرْت فَاضْرِبي وإلاّ فَلاَ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عَلِيّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُثْمانُ وَهِي تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدّفّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : إنّ الشّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ إِنّي كُنْتُ جَالِساً وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عَلِيّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ فَلَمّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ ألْقَتْ الدّفّ".

    قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. وفي البابِ عَن عُمَرَ وسعد بن أبي وقاص وَعَائِشَةَ ) انتهى. والحديث رواه أحمد وفي نصب الراية للزيلعي عقب على الحديث بقوله: (كما رواه ابن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقد به، وزاد: فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر، وهي تضرب، فألقت الدف، وجلست عليه، فقال عليه السلام: إني لأحسب الشيطان يفرق منك يا عمر، قال: وهذا حديث صحيح، انتهى كلامه) انتهى.


    فهذه الجارية قد فرحت بعودته  سالماً من إحدى غزواته وعبرت عن فرحها على الصورة الواردة في الحديث ولم ينكر عليها رسول الله  بل أجاز لها ذلك. فكيف يعاب وينكر علينا إظهار الفرح بمولده  في ذكرى مولده الشريف وإن كان ذلك بضرب الدفوف كما فعلت الجارية بين يديه .


    وفي البداية والنهاية للإمام ابن كثير: (وقال البيهقي أخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر سمعت أبا خليفة يقول سمعت ابن عائشة يقول لما قدم رسول الله  المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:
    طلع البدر علينا ***** من ثنيات الوداع
    وجب الشكر علينا **** ما دعا لله داع
    قال البيهقي وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك والله اعلم ) انتهى. فها هم الصحابة قد فرحوا بمقدمه  عليهم فاستقبلوه بالفرح والسرور والإنشاد ولم ينكر عليهم رسول الله  ذلك. فكيف يعاب وينكر علينا إظهار الفرح بمولده  في ذكرى اليوم الذي شهد مقدمه  إلى الوجود بإلقاء المدائح والأشعار كما فعل صحابته ذلك عند مقدمه المدينة .


    وفي البداية والنهاية أيضاً في ذكر توبة كعب بن مالك بعد تخلفه عن غزوة تبوك: (فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته يا كعب ابشر فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله للناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يباشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله  فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله  جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله  قال رسول الله  وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله  إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلسنا بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله  أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر وقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقا ما بقيت ) انتهى.


    فهذا الصحابي كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه قد فرح بتوبة الله تعالى عليه حتى كان من فرحه أن خلع ثوبه وكسا به من جاءه مبشراً وها هم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكذلك النبي  يصافحون كعباً ويهنئونه على توبة الله تعالى عليه. فكيف يعاب وينكر علينا إظهار الفرح بمولده  في ذكرى مولده الشريف سواء كان ذلك بالصدقة كما فعل كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه أو بتبادل التهاني في هذا اليوم كما فعل النبي  والصحابة ذلك مع كعب بن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين في يوم توبته.


    رابعاً: إن قول القائل الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي وإنما كانت ببعثته وإرساله إليهم تؤكد من مشروعية الاحتفال بمولده  لأن الاحتفال بيوم مولده أو بيوم بعثته هما وجهان لعملة واحدة وفي هذا المعنى يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: (أن تعظيمه  مشروع ، والفرح بيوم ميلاده الشريف بإظهار السرور وصنع الولائم والاجتماع للذكر وإكرام الفقراء من أظهر مظاهر التعظيم والابتهاج والفرح والشكر لله بما هدانا لدينه القويم وما منّ به علينا من بعثه عليه أفضل الصلاة والتسليم ) انتهى.


    ويتضح المعنى أكثر من كلام الأستاذ البشير المحمودي: (إن الاحتفال بذكرى مولد الرسول  ليس لذاته الجسمية وإنما هو لروحه الملكوتية العلوية فنحن لا نحب النبي  لذاته وإنما نحبه لربه. و قد بين  كيفية وأسباب حبنا لله وحبنا لرسوله  فعن ابن عباس قال: قال رسول الله : أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي. أخرجه الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب فنحن لا نحبه لأنه محمد بن عبد الله ولكننا نحبه لأنه رسول الله  ونحبه لأنه مبلغ عن الله تعالى، وأنه حبيب الله عز وجل، و نحبه لأن محبته طاعة لله سبحانه و تعالى.

    إن الاحتفال بمولد الرسول  هو احتفال و تذكر لنعم الله كما أمر الله أن نتذكرها و نشكرها. و لذا ينبغي أن يكون هذا الاحتفال مصحوبا بالدروس و العظات و المحاضرات و الندوات و العلم و الذكر و القرآن و البر و الإنفاق و الإحسان و التصافح و التسامح بين الإخوان ) انتهى.


    خامساً: يقول الشيخ الحبيب علي الجفري: ( إن قول سيدنا العباس رضي الله عنه:
    وأنت لمّا وُلدتَ أشرقت ا **** لأرضُ فضاءت بنورِها الأفقُ
    فنحن في ذلك الضياء وفي ***** النّورِ وسُبْلِ الرشادِ نَخْترِقُ
    يدل على أن اعتقاد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بأن أنوار الهداية والرشاد بدأت بولادة الحبيب.

    وسيدنا العباس رضي الله تعالى عنه في البيت الأخير ذكر بأنهم (أي الصحابة رضي الله عنهم) في ذلك الضياء وكانت هذه القصيدة بعد غزوة تبوك في أواخر حياة المصطفى  وهذا اعتقاد من عاصر النبي  وعاشره وشرب من كؤوس قربه وليس كما يدّعي البعض هداهم الله بأن ذلك كان بالبعثة وليس بالولادة. وذكر أيضاً بأن سيدنا العباس رضي الله عنه وأرضاه بعد قول النبي  له ((قل لا يفضض الله فاك )) ما سقطت له سِنّة حتى توفي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعمره اثنان وثمانون عاماً ) انتهى.

    سادساً: يقول الإمام عز الدين ماضي أبو العزائم: ( قال سبحانه " قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين " فالمسيح عليه السلام اتخذ نزول المائدة السماوية والبركة الإلهية عيداً لأنه سبحانه أكرمه وأكرم تلاميذه بهذه المائدة فإذا كانت المائدة السماوية سبباً لاتخاذ يوم نزولها عيداً فلماذا لا يجوز أن نتخذ يوم البعثة النبوية أو المولد النبوي الذي هو يوم البركة ويوم نزول المائدة المعنوية عيداً؟! هل يستطيع أن يدعي أحد أن وجود رسول الله  وما جاء به من شريعة عظيمة خالدة أقل بركة من المائدة المادية التي نزلت على المسيح عليه السلام وتلاميذه؟! ) انتهى.


    _____________________
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. بمناسبة المولد النبوي الشريف.
    بواسطة د.فادي محمد سعيد في المنتدى الشعر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 10/03/2010, 06:07 PM
  2. الإشارات الإلـــــهــيــة ( في عيد المولد النبوي الشريف)
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24/02/2010, 03:21 PM
  3. مسابقة عيد المولد النبوي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى الواحة
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 14/01/2010, 05:41 PM
  4. الاحتفال بعيد المولد النبوي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 30/04/2008, 01:23 PM
  5. بمناسبة المولد النبوي الشريف
    بواسطة ماجدة2 في المنتدى الواحة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 19/03/2008, 10:55 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •