مات محمد الماغوط دون انتماء وحين أقول دون انتماء لا أحاول أن أغمز من قناته , وهو الوطني والإنساني , ولكن أردت أنه كان يرفض التأطير والدخول في دوائر الآخرين , كما كان خارجاً على الأجناسية في الأدب , وطبعاً هذا لايعني أنه كان ينتمي إلى تيار الكتابة الذي طرحه محمد بنيس وسواه , وحين عجز بعض المنظرين لقصيدة النثر أن يتقوّلوا عليه وهو حي , تراهم اليوم وقبل أن تبرد دماؤه يصرخون : خسرت قصيدة النثر أبرز أعلامها , ولا يمكنني بأية حال أن أدعي أيضاً أن ما كتبه الماغوط ليس شعراً , ولكي لا يضيع معي قارئ هذه السطور أحاول أن ألتقط الإجابة من الماغوط نفسه .
كان يرد حين يُسأل عن ريادته لقصيدة النثر في محاولة لتحميل التنظير الأعمى لها على إبداعه الحر: أنا أكتب نصوصاً , لأنه يدرك أن ما يكتبه يختلف عما ينظرون إليه , وقد أثبت اختلافه وتميزه بدليل أنه بنى لنفسه بيتاً في جهنم الشعر , وأنه هجر جنة مجلة شعر حين أرادت أن تمتطي إبداعه الحر اللامنتمي .
امرؤ القيس , المتنبي , نزار قباني , محمد الماغوط : لقد كرس الماغوط مقولة الخلود مرة أخرى , الخلود المرتبط بالتفرد والتميز في الأداء اللغوي , وفي اللغة الشعرية ؛ فليس كل كلام موزون مقفى بشعر , وليس كل قصيدة نثر بشعر , ولكن كل ما قاله الماغوط شعر , حتى مسرحياته ؛ إذ قال مرة : إن العصفور الأحدب قصيدة .
الماغوط : لم يخن وطنه , ولم يخن كلماته , ولم يعترف بدولة إسرائيل : إذا اعترف العالم كله بدولة إسرائيل , هناك رجل عجوز لا يعترف بها؛ إنه محمد الماغوط
لقد كتب الماغوط عنا جميعاً وكانت كتابته أكبر من قضية الشكل الفني , وتسريحات الشعر , والفذلكة , كتب بدماء قلبه حزننا وأوجاعنا , وبدموعه أفراحنا , فلم يكن الفرح مهنته , وهو الذي بكى حين ظن الآخرون أنهم منتصرون , وهو الذي كان يشعل الشموع أينما ذهب ولكنه كان دائماً يلعن الظلام .
صلاح إبراهيم الحسن – أبو كهف - الخميس، 06 نيسان2006 - 6:31:34 PM