التأثير الإسلامي على أوروبا خلال العصور الوسطى

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة




مسلم ومسيحي يلعبان الشطرنج في الأندلس، من كتاب الألعاب لألفونسو العاشر، نحو عام 1285. اخترع الشطرنج في الهند، وانتقل إلى أوروبا عن طريق العالم الإسلامي.[1]


كانت مساهمات المسلمين في أوروبا العصور الوسطى متعددة، وأثرت على مجالات مختلفة كالفن والعمارة والطب والصيدلة والزراعة والموسيقى واللغة والتكنولوجيا. من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر، نهلت أوروبا المعرفة من الحضارة الإسلامية، عن طريق نقل الكلاسيكيات وبالأخص أعمال الفيلسوف الأغريقي أرسطو، بعد ترجمتها من العربية.
محتويات



  • 1 الطرق التي انتقلت من خلالها المعرفة
  • 2 العلوم القديمة
  • 3 العلوم الإسلامية
    • 3.1 الكيمياء
    • 3.2 الفلك والرياضيات
    • 3.3 الطب
    • 3.4 الفيزياء
    • 3.5 أعمال أخرى

  • 4 التقنيات الإسلامية
    • 4.1 الفنون
    • 4.2 الكتابة: محاكاة الغرب للخطوط العربية
    • 4.3 السجاد الإسلامي
    • 4.4 الموسيقى
    • 4.5 التقنية

  • 5 سك العملة
  • 6 الأدب
  • 7 الفلسفة
  • 8 الكلمات
  • 9 المراجع
  • 10 المصادر


الطرق التي انتقلت من خلالها المعرفة



كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، الذي كتبه الإدريسي للملك روجر الثاني ملك صقلية عام 1154، والذي يعد أحد أقدم كتب الخرائط.


كانت نقاط التواصل بين أوروبا والأراضي الإسلامية متعددة، فقد انتقلت المعارف الإسلامية بكثافة إلى أوروبا عن طريق صقلية والأندلس، وبالأخص في طليطلة (على يد جيراردو الكريموني بعد أن استولى الإسبان المسيحيون على المدينة عام 1085). وفي صقلية، بعد ضم المسلمون الجزيرة عام 965، واستعادها النورمان مرة أخرى عام 1091، تولّدت ثقافة نورمانية عربية، التي رعاها حكام أمثال روجر الثاني ملك صقلية، الذي كان لديه جنود وشعراء وعلماء مسلمين في بلاطه. ويعد كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي كتبه العالم الجغرافي الإدريسي للملك روجر أحد أعظم المخطوطات الجغرافية في العصور الوسطى.[2]
كان للحملات الصليبية أيضًا دورها في تبادل المعرفة بين أوروبا وبلاد الشام، وبالأخص الجمهوريات البحرية التي لعبت دورها في هذا التبادل، حتى أن مدنًا كأنطاكية اختلطت فيها الثقافتين العربية واللاتينية بشدة.[3]
خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، رحل العديد من المسيحيين إلى الأراضي الإسلامية لطلب العلم، أمثال ليوناردو فيبوناتشي وأديلارد أوف باث وقسطنطين الإفريقي. أيضًا خلال القرون الحادي عشر إلى الرابع عشر، درسالعديد من الطلبة الأوروبيين في مراكز العلم الإسلامية لدراسة الطب والفلسفة والرياضيات والعلوم الأخرى.[4]
العلوم القديمة


  • مقالة مفصلة: انتقال الكلاسيكيات


بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وبداية العصور الوسطى، لم تكن العديد من النصوص القديمة متاحة للأوروبيين. كان الوضع على العكس تمامًا في الشرق، ترجمت العديد من النصوص الإغريقية (كأعمال أرسطو) من اليونانية إلى السريانية في القرنين السادس والسابع على أيدي الرهبان النسطوريين والملكانيين واليعاقبة الذين سكنوا فلسطين، أو المنفيين من أثينا أو الرها. العديد من تلك النصوص حفظت وترجمت وتطورت في العالم الإسلامي، وخاصة في مراكز العلم كبغداد التي كان بها “بيت الحكمة”، الذي ضم الآلاف من المخطوطات بحلول عام 832. تُرجمت تلك النصوص مرة أخرى إلى اللغات الأوروبية في العصور الوسطى.[1] كما لعب المسيحيون الشرقيون دورًا هامًا نقل تلك المعرفة اذ نشطوا في الترجمة من اليونانية إلى السريانية ومن ثم للعربية وخاصًة في عهد الدولة العباسية حيث كان معظم المترجمين في بيت الحكمة من اليعاقبة والنساطرة وعملوا بشكل خاص في حقول الطب والرياضيات والفيزياء والفلك فاعتمد عليهم الخلفاء.[5].
ثم ترجمت تلك النصوص ثانيةً إلى اللاتينية من خلال طرق مختلفة. كانت أهم مراكز نقل العلوم الإسلامية إلى أوروبا في صقلية وطليطلة. كما اكتشف بورغونديو البيزي في أنطاكيا نصوصًا مفقودة لأرسطو وترجمها للغة اللاتينية.
العلوم الإسلامية

يمين: النسخة الأصلية من كتاب الجبر للخوارزمي. يسار: صفحة من ترجمة الكتاب للإنجليزية لفريدريك روزن.




شرح عملية جراحية في مخطوطة تركية من القرن الخامس عشر.


ساهم العالم الإسلامي بمساهمات عظيمة الجبر والخيمياء والكيمياء والجيولوجيا حساب المثلثات الكروي، وغيرها، ومنه انتقلت إلى الغرب.[1][6] ترجم ستيفن البيزي عام 1127، كتيبًا عربيًا حول النظرية الطبية إلى اللاتينية. طوّر الخوارزمي (من اسمه اشتقت كلمة “خوارزمية”) طريقة لأداء العمليات الحسابية باستخدام الأرقام العربية في القرن التاسع، والتي نقلها ليوناردو فيبوناتشي إلى أوروبا.[7] كما ترجم روبرت من شيستر كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة للخوارزمي نحو عام 1145.
كانت لابن الهيثم مؤلفات في علم البصريات، اعتمد عليها إسحاق نيوتن ورينيه ديكارت كمصادر في أبحاثهم. وكانت أيضًا العلوم الطبية متطورة للغاية عند المسلمين، بشهادة المشاركون في الحملات الصليبية، الذين اعتمدوا على الأطباء العرب في أكثر من مناسبة، كما ذكر جان دي جوانفيل أنه تم إنقاذه على يد طبيب مسلم عام 1250.[8]
اهتم الأوروبيون بالفلسفة الإغريقية والنصوص العلمية (وبالأخص المجسطي) التي لم تكن متواجده باللاتينية في غرب أوروبا، ولكنها حفظت وترجمت إلى العربية في العالم الإسلامي. ويقال أن جيراردو الكريموني رحل إلى طليطلة وتعلم العربية "لحبه للمجسطي"، وهناك استغل "وفرة الكتب بالعربية في كل المواضيع".[9] كانت الأندلس وجنوب إيطاليا أكثر المناطق انتاجًا في نقل العلوم، نظرًا للتقارب بين العلماء متعددي اللغات. ترجم هؤلاء العلماء العديد من النصوص العلمية والفلسفية من العربية إلى اللاتينية.[10][11] ترجم جيراردو الكريموني وحده 87 كتابًا من العربية للاتينية، منها المجسطي، وكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة للخوارزمي، وكتاب الهيئة في إصلاح المجسطي لجابر بن أفلح[12] والبصريات للكندي وكتاب جوامع علم النجوم والحركات السماوية للفرغاني وتصنيف العلوم للفارابي[13] وأعمال الخيمياء والكيمياء والطب والصيدلة للرازي وأعمال ثابت بن قرة وحنين بن إسحاق،[14] والزرقالي وبني موسى وشجاع بن أسلم والزهراوي وابن الهيثم (بما فيها كتاب المناظر).
الكيمياء


  • انظر أيضًا: الخيمياء والكيمياء في العهد الإسلامي



اعتمد علم الكيمياء الغربي تمامًا على المصادر العربية.[15] فقد كانت الترجمات اللاتينية لأعمال جابر بن حيان في الخيمياء المرجع الأساسي لعلماء الكيمياء الأوروبيين. إلا أنه ما زال الإسناد الدقيق لهذه الأعمال إلى مؤلفيها مثار بعض الجدل، فبعضها دون شك ترجمات من العربية لأعمال لجابر بن حيان ومنها كتاب الكيمياء (الذي ترجم في أوروبا بعنوان كتاب تراكيب الكيمياء (بالإنجليزية: Book of the Composition of Alchemy))، الذي ترجمه روبرت من شيستر عام 1144[16]، وكتاب الرسائل السبعين الذي ترجمه جيراردو الكريموني (قبل عام 1187)[17]. وبغض النظر عن من كتب تلك الكتب، فأنها بلا شك كانت ذات تأثير عظيم على علم الكيمياء في أوروبا العصور الوسطى.[18] كما ترجمت الأعمال الكيميائية للرازي إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر تقريبًا.
وترجع أصول العديد من الكلمات التقنية الكيميائية إلى كلمات عربية مثل alkali (قلوي)،[19] والتي انتقلت إلى العديد من اللغات الأوروبية وأصبحت جزءً من المصطلحات العلمية.
الفلك والرياضيات



صفحة من مخطوطة ألمانية تعلّم كيفية استخدام الأرقام العربية، ترجع لعام 1459.




  • انظر أيضًا: علم الفلك في العهد الإسلامي


كان لترجمة أعمال الخوارزمي أكبر الأثر على علم الرياضيات في أوروبا. كتب الأستاذ الجامعي فيكتور كاتز قائلاً: "معظم الأعمال الأولى في الجبر في أوروبا، اعتمدت في الأساس على الترجمات لأعمال الخوارزمي والعلماء المسلمين الآخرين. كما أنه كان هناك إقرار بأن معظم علمي حساب المثلثات المستوي والكروي ينسبان إلى العلماء المسلمين".[20] كما أن كلمة "algorithm" (خوارزمية)، مشتقة من الترجمة اللاتينية لاسم الخوارزمي "Algorismi"، وأيضًا كلمة "algebra" (جبر) مشتقة من عنوان كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة، لذا فهما يصنفان ككلمات إنجليزية من أصل عربي. كما ترجمت الأعمال الفلكية والرياضياتية العربية للبتاني[12] والفزاري إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر.[21]


مخطوطة من القرن الخامس عشر، ترسم عربي وغربي يتدارسان الهندسة سويًا.


ترجم أيضًا كتاب الزيج السانجاري للخازني إلى اليونانية على يد غريغوري شونيادس في القرن الثالث عشر، وكان يدرّس في الإمبراطورية البيزنطية.[22] قادت التعديلات الفلكية التي أدخلها البتاني وابن رشد على نموذج مركز الأرض إلى النماذج غير البطلمية التي صنعها مؤيد الدين أوردي ونصير الدين الطوسي وابن الشاطر، والتي طوّرت بعد ذلك إلى نموذج كوبرنيكوس (en). كما ترجمت كتب تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة والقانون المسعودي للبيروني إلى اللاتينية تحت اسم Indica وCanon Mas’udicus على الترتيب. وفي عام 1202، نقل ليوناردو فيبوناتشي نظام العد الهندي العربي بالأرقام العربية إلى أوروبا في كتابه Liber Abaci.
كان لكتاب "القسي المجهولة في الكرة" لابن معاذ الجياني (وهو مخطوط في علم حساب المثاثات الكروي) أثره البالغ على علم الرياضيات في أوروبا،[23] وقد ذكر جيرولامو كاردانو في القرن السادس عشر، أن ريجيمونتانوس اعتمد في كتابه On Triangles على المراجع العربية، وبالأخص أعمال جابر بن أفلح.[20] كما كانت أعمال فولبرت من شارتر، أقدم الدلائل على استخدام كلمات عربية مستعارة في النصوص اللاتينية[24][25]
الطب


  • انظر أيضًا: الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية




تصور أوروبي للطبيب أبو بكر الرازي، في أحد ترجمات جيراردو الكريموني، الذي ترجم العديد من أعمال العلماء المسلمين كالرازي وابن سينا.[26]


كانت ترجمة كتاب القانون في الطب لابن سينا أحد أعظم أعمال الترجمة لكتب طبية، والذي ترجم إلى اللاتينية، ثم طبع وانتشر في أوروبا. ظل هذا الكتاب المرجع الأساسي في الطب في أوروبا، حتى بداية العصر الحديث، وخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر وحدهما، طبع الكتاب أكثر من 35 مرة.[27] لاحظ ابن سينا ظاهرة نقل العدوى لبعض الأمراض المعدية التي تنتقل عبر الهواء من قبل شخص مريض، وشرح كيفية اختبار بعض الأمراض الجديدة حينها.[28] وقد كتب ابن سينا أيضًا كتاب الشفاء، والذي كان بمثابة موسوعة عامة في العلوم والفلسفة، وقد حظي هذا الكتاب أيضًا بشعبية في أوروبا. كتب أبو بكر الرازي كتاب الحاوي في الطب، والذي وصف فيه بعناية بل وميّز بين مرضي الحصبة والجدري، وقد كان لهذا الكتاب أيضًا أثره في أوروبا. كما كتب الزهراوي كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وهو موسوعة طبية اشتهرت بسبب قسم الجراحة بها. تضمن هذا الكتاب وصف ورسوم لأكثر من مائتي جهاز جراحي، العديد منها من اختراع الزهراوي نفسه. وقد ترجم جيراردو الكريموني جزء الجراحة في الكتاب إلى اللاتينية، واستخدم من حينها في كليات الطب الأوروبية لقرون، وظلوا يصدرون منه الطبعات حتى نحو عام 1770.[29][30]
الفيزياء

كان كتاب المناظر لابن الهيثم من أهم الأعمال الفيزيائية التي ترجمت، لما كان لهذا الكتاب من أقدمية في إجراء التجارب المبنية على منهج علمي،[31] وفيه وضع نظرية في الرؤية والضوء فنّدت نظرية كلاوديوس بطليموس (تفترض نظرية بطليموس بأن الضوء ينبعث من العين، بينما أصر ابن الهيثم بأن أشعة الضوء هي التي تدخل العين)، والتي تعد أهم حدث علمي في هذا المجال حتى عصر يوهانس كيبلر.[32] لذا، فيعد كتاب المناظر نقطة انطلاق مهمة في تاريخ المنهج العلمي وتاريخ علم البصريات.[33] أثرت الترجمات اللاتينية لكتاب المناظر في الكثير من أعمال العلماء الأوروبيين اللاحقين، ومنهم روجر باكون ويوهانس كيبلر.[34][35] كما أثر الكتاب في جوانب أخرى في الثقافة الأوروبية. ففي الدين، على سبيل المثال، فقد أشار جون ويكليف الرائد في الفكر الإصلاحي البروتستانتي إلى ابن الهيثم في مناقشة السبع خطايا المميتة عندما شبهها بالتشوهات التي ترى في أنواع المرايا السبع في كتاب De aspectibus. وفي الأدب، أشاد جيوم دي لوريه بكتاب المناظر في روايته Roman de la Rose.[36] وفي الفن، وضع كتاب المناظر أسس تقنيات الرسم المنظوري، وربما أثر في استخدام العوامل المساعدة البصرية في فن عصر النهضة.[36] استخدمت نفس التقنيات في الخرائط الجغرافية التي رسمها رسامي الخرائط أمثال باولو توسكانيللي خلال عصر الاستكشاف.[35]
ربما أثرت نظرية الحركة التي طورها ابن سينا من الفيزياء الأرسطية نظرية قوة الدفع لجان بوريدان (التي سبقت مفاهيم العطالة وزخم الحركة).[37] أيضًا أعمال جاليليو جاليلي في الميكانيكا الكلاسيكية (والتي أبطلت الفيزياء الأرسطية) تأثرت بكتابات الفيزيائيين المسلمين كابن باجة.[38]
أعمال أخرى

ترجمت أعمال إسلامية أخرى إلى اللاتينية خلال العصور الوسطى ومنها أعمال أبو بكر الرازي وابن سينا (ومنها كتاب الشفاء والقانون في الطب[39] وأعمال ابن رشد[29] وكتاب حركة الكواكب للبطروجي[40] وموسوعة ابن المجوسي الطبية كامل الصناعة الطبية الضرورية وكتاب المدخل الكبير إلى علم أحكام النجوم لأبي معشر البلخي[41] وكتاب الوصايا بالجبر والمقابلة لأبي كامل شجاع بن أسلم[12] وكتاب خصائص العناصر (باللاتينية: De Proprietatibus Elementorum) وهو عمل جيولوجي عربي نسب عن طريق الخطأ إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو. ومع بداية القرن الثالث عشر، ترجم مارك الطليطلي القرآن والعديد من الأعمال الطبية.[42]
التقنيات الإسلامية



رسم من القرن التاسع عشر لقلعة زيسا في باليرمو، يظهر فيه التمازج بين الفن والعمارة النورمانية العربية والتي تزدان بالفن الإسلامي والخط العربي.[43]


عرفت أوروبا عددًا تقنيات الزراعية الجديدة لبعض الفواكه والخضروات في العصور الوسطى على أيدي المسلمين، بعضها منقول من الصين والهند، ومنها الخرشوف والسبانخ والباذنجان.[44]
كما نقل المسلمون تقنيات جديدة في الملابس والمواد كالنسيج الموصلي والتفتة والساتان.
الفنون