عائدة الأسحار

الليل البهيم يجثم كالحزن المسجى في لجج أنفس سقيمة، مكلومة أعيتها مناغاة الأمل المترهل، الخرق، كذاك كان يرقب بلاعين، ويتوجس بلا حواس الجو الكئيب، الرابض باكفهرار الغيب وثلبه، ولما تعذرت الأسباب، وتبددت الأوصال رأى فيما يرى النائم الصاحي قدا مائسا، ورمشا ناعسا، شفاف ملبسها إذ ثوبت نصيفا حريريا حسر عن جيبها، وذراعيها وساقيها، ناعم ملمسها إذ شنف طرفه الغضيص إلى بضاضة جسمها الفتان، فشد اللسان من المعقل، وتجمرت الأذنان..وصعدت الدماء المستعرة إلى ناصيته، فرحل الزمان البئيس بأناسه الأفاقين، ولم يبق إلا وهجا من تياك العينين المسبلتين عن تيه العشق في زمن أفوله،تنير حلكة اليهم، وتطرد حرقة الوهم.
- أواقع أنت أم خيال ؟ قال متلعثما
- اسأل مهجتك تخبرك باني الواقع- كان صوتها ملائكيا رفيعا.. عذب النغمات أو هكذا عده فعاد لسؤالها بتجسر.
- ولكن الذي يحدث اقرب للخيال منه للواقع، من أنت ؟ وماتريدين؟ وكيف وصلت إلى معارج أحلام يقظتي؟
وصمت مطبق من ابنة السرى قد من رمس ردي..فأعاد سؤلها..وعاوده..ثم كرره... وانثال من غوره صوت المنهزم:
" لماذا يهدج الصبح جبنا ورعونة في ليالي ضعفنا أمام قوة الدمس فلا يزور إلا متأخرا عند الحاجة، وما باله يخف إلينا مسرعا متى تلمسنا ابطاءه؟ "
ولما أضناه الإعراض..احاق به الشك ورين به.. فنزع إلى تقصي الأمور..وشغل عن وجهها الفردوسي فتدرك حتى مبلغ الرجل منها فإذا هي رافن ، صافن.
ولايدري لم عادته كلمات جدته عن وهم الحقيقة، وحقيقة الوهم...وأساطير الصبا المحفورة في ذاكرة طفل بكر...واستشعر قشعريرة هزته، وسرت فيه من أخمص قدميه إلى شمطات رأسه وخفق قلبه بشدة وعنف.
- أمن الجنة أنت...أم من الناس ؟
حينذاك تلاشت بقايا ضحكة هازئة..مع طيف الغبش يزحف تنبولا، وصوت الجدة الرصين:
-الصلاة خير من النوم


عبدالسلام المودني