...أيــــــــام وأوراق ...
جاءته فكرة تهرول مسرعة .. طرقت باب ذهنه، وكلها إلحاح عل أن تدخل إلى بهو اعتاد أن يستقبل أمثالها على الفور .. أخذت مكانها .. كان قد أعد كدأبه وعادته ذلك البهو لعرض ما يرد عليه من لوحات فكرية تضطرب في عمق ذاته .. كانت اللوحة الفكرية الواردة عليه حديثا تحكي سعادة وشقاء الأيام في الحياة .. سأل نفسه قائلا: أمن الممكن أن تسعد من بين الأيام أيام، وتشقى من بين الأيام أيام ..؟ ثم إن صح هذا الشقاء، وصحت تلك السعادة، هل للأيام من الخياربينهما شيء ..؟
على اللوحة الفكرية الواردة ثنائيات عديدة .. بياض وسواد .. ألوان حزينة وأخرى تتراقص فرحة .. حركة وسكون .. يسترسل اللون الفكري من خلال كل هذا التزاوج حاكيا، ومن سماء اللوحة الفكرية تتقاطر أوراق كثيرة، في حين تنبعث خيوط شعاعية من أرضها لتمسك بكل ورقة في طريقها إلى السقوط .. بين نجاج وفشل .. أوراق يتم مسكها، وأخرى تهوي في انكسار شديد يبعث في النفس الأسى والحسرة ...
حدث نفسه قائلا: لقد ألف الناس أن يقضوا أوقاتهم بين انشغال وآخر .. الأيام تمضي ورقة ورقة .. تمضي في ترتيب ونظام رائع .. لا يسبق بعضها بعضا، ولا يحجب الكثير منها القليل، ثم استدرك والعبارات تباري شريط تفكيره .. يكاد اللسان يعجز حيال هذا المشهد عن البيان، وكأنه سر غامض، أو لغز عتيق يأبى الحل، ويجد راحته في العقدة المحكمة البناء ...
أعمار تلحق بأعمار، ومن تسأله عن الأيام، يجبك بالمطلع التالي: عمري ... كل ينسب الأيام التي خلفها وراءه إليه، وهو يعلم أنه ليس الوحيد الذي قضاها .. الكثيرون عاشوها.. كيف يعقل أن أنسب أياما .. عمرا ليس لي وحدي دون بني آدم ..؟ أهي الأنانية الطاغية ..؟ أم هو حب الظهور وعشق الإدعاء ..؟
بالأمس فقط تساءل عما إذا كان ثمة رسام يستطيع أن يرسم لوحة معبرة ليوم واحد فقط .. إنه لا يخفي شوقه لرؤية ومعاينة هذه اللوحة إن وجدت بالفعل .. يخشى إن لجأ إلى توظيف مخيلته في تصورها أن يفشل حتى من الإقتراب من معالمها .. بالأمس فقط تساءل، والشوق يسبقه، عما إذا تمكنت جميع الرسومات واللوحات في العالم من الإحاطة عبر ما أثبت عليها من ألوان وأشكال بعمر يوم واحد، ثم أضاف قائلا: إن كانت الإحاطة بعمر يوم واحد غير ممكنة، فكيف الإحاطة بعمر الإنسان ..؟
د. أبو شامة المغربي
