حلة الصمت ...........محمد محضار

رحلة الصمت

--------------------------------------------------------------------------------

ينساب القطارعبر القضبان الحديديةكالثعبان...صفيره يتعالى كلما اقترب من إحدى المحطات..
كنت قد انزويت بإحدى المقصورات مستندا على متكأ المقعد الجلدي, وعيناي تتابعان عبر زجاج النافذة توالي المناظر الطبيعية وانسيابها..كان يجلس بجانبي كهل أصلع وبمواجهتي زوجان في مقتبل العمر, كان الكهل غارقا في صمته يتصفح مجلة قديمة, أما الزوجان فكانا يدردشان مع بعضهما ويتبادلان الضحكات.
كنت قد ركبت القطار قبل لحظة من محطة "الوزيس" بالدارالبيضاء..بعد زيارة وجيزة للأهل حصلت خلالها على شحنة عاطفية تساعدني على مقاومة الصمت وجفاف الأيام بالمنفى الجبلي الذي أعيش به..كان القطار يطوي المسافات ومعه تطوى كل اللحظات الجميلة التي صرفتها منشرحا بين الأهل والخلان..ومع توالي المحطات التي كان القطار يتركها خلفه(برشيد, سيدي العايدي, بوفروج , سطات....)كنت أحس بأنني أقترب من من بداية ايام صمت جديدة...
نزل الرجل الأصلع بمحطة بنجرير ثم أخدت مكانه إمرأة أمازيغية متوسطة العمر صعدت لتوها...الزوجان واصلا حديثهما وغزلهما غير آبهين باحد..اما أنا فواصلت رحلة تيهي الذهنية ..¨(انقضت الأن عشر سنوات على تعييني بمنطقة جبلية بنواحي مراكش ..مازلت أعزبا أعيش على أعتاب الحلم..لاشيء يسمح لي ببداية حياة عادية , كم أغبط هذين الزوجين على سعادتهما..)
يصل القطار الى محطة مراكش..يتسارع المسافرون نحو أبواب العربات مغادرين مقصوراتهم , كل له وضعه الخاص وله جنته او جحيمه, تأخرت في النزول لانني كنت أحس بفداحة ما ينتظرني بعد حين سأركب سيارة "التاكسي "نحو "الفيلاج "الذي يقع اسفل الجبل..ثم أقطع مسافة يعلم الله وحده كم هي عسيرةوصعبة على ظهر بغل , إختص في صعود المنعرجات الجبلية..سأصل إلى القسم وأعانق اليباب القاتل كالعادة , وتتكرر تلك الدورة الروتينية ..تلاميذ في منتهى البِؤس وأنا في منتهى الحرمان نمارس لعبة التعليم والتعلم في انتظار الذي سيأتي , او لا يأتي ..عدت الى خلدي وجدت مقصورات القطار قد أصبحت خالية ..هرولت نحو الباب أجر ورائي حقيبتي الصغيرة ,وأذيال خيبتي......
محمد محضار الدار البيضاءابريل 2009